مؤتمر الكاثوليكي للإعلام: على الفرق الأجنبية التعهد بعدم التعرض لقيم وأخلاق المجتمع اللبناني


2016-08-05    |   

مؤتمر الكاثوليكي للإعلام: على الفرق الأجنبية التعهد بعدم التعرض لقيم وأخلاق المجتمع اللبناني

لم يتوّقع أحد أن يتحوّل حفل "غريس جونز" ضمن مهرجانات بيبلوس (شمال لبنان) الى "قضية وطنية" في لبنان. فقد استدعى الاستعراض الذي قدمته الفنانة الجامايكية الدعوة الى عقد لقاء مسيحي -اسلامي. لقاء توّحدت فيه المخاوف والأهداف والمطالب.
"انها قضية وطنية تخص الاسلام والمسحيين"، هكذا استهلّ رئيس "المركز الكاثوليكي للإعلام" الأب عبدو أبو كسم المؤتمر الاعلامي الذي دُعي اليه على عجل بعدما أثارته المذيعة في اذاعة "لبنان الحر" ايلديكو ايليا حول حفل جونز، في "ستايتس" لها على صفحتها على موقع "فايسبوك". فاجتمع في المركز الكاثوليكي للاعلام، تحت عنوان ""وضع ضوابط واجراء رقابة على الفرق الفنية"، الى جانب رئيس المجلس، إمام جامع سدّ البوشرة الشيخ محمد العاملي، بالاضافة الى رئيس نقابة المحررين الياس عون ونائب رئيس "المجلس اللبناني للاعلام المرئي والمسموع" ابراهيم عوض. وركز المجتمعون على المطالبة بإنشاء لجنة للرقابة على الحفلات الفنية والبرامج التلفزيونية والأعمال المسرحية منعاً لـ "المس بالرموز الدينية والآداب والأخلاق العامة".

المطلوب وفقاً لأبو كسم هو "إلزام كل شخص يُدخل الى لبنان أي منتج أو فريق استعراضي أو أي فريق أن يتعهد بالحفاظ على القيم والاخلاق وثقافة هذا البلد وحضارته". وبالتالي، دعا أبو كسم الى "تشكيل لجنة رقابة تتحمّل المسؤولية في هذا المجال، تماماً كما في الرقابة على الافلام". الأخذ بهذا النموذج يعني "أن يكون لنا (الجهات الدينية) اطلاع على أي شيء يدخل الى لبنان قد يمسّ بكرامتنا او كرامة رموزنا الدينية". من جهته، تناول العاملي "الرقابة على أي شخص يسيء للرموز الدينية أو غير الدينية" على أنه "أمر واجب للحدّ من الفتن في مجتمعاتنا". اذاً ينتقل العاملي بمستوى أهمية اللجنة من مجرد حماية الرموز الدينية الى حدّ "السلام والاستقرار الداخلي". فبالنسبة له، الشخص الذي "يمس بالرموز الدينية يسيء الى مجموعة". وهو بالتالي "يستحق العقاب كما يعاقب الأفراد عندما يسيئون الى بعضهم البعض". ولكن هل تناول الرموز الدينية بما لا يتلاءم ووجهة نظر رجال الدين والمؤمنين هو إساءة فعلاً؟ وهل اسقاط العلاقات الفردية على تلك القائمة بين الفرد والمجموعة يقع في مكانه الصحيح؟

وأمام الأسئلة الكثيرة التي تحضر عند استخدام عبارات من نوع "المساس بالرموز"، طرحت "المفكرة القانونية" سؤالين على المطالبين بتشديد الرقابة "الأخلاقية والدينية": "ما هي طبيعة اللجنة التي تطالبون بها، دينية أم مدنية؟ وما معنى "المساس بالرموز الدينية"؟ وكيف تحددون هذا المفهوم؟"
"تصوّرنا ليس بعيداً عن تجربة الرقابة على الافلام والكتب المستوردة من الخارج التي تخضع للأمن العام اللبناني"، يقول أبو كسم. بالتالي يمكن أن نعتمد على الآلية المعمول بها في هذا المجال لناحية "استدعاء المرجعيات الدينية المعنية للأخذ برأيها بامكانية العرض من عدمه، بالنسبة للأمور التي تمسّ بأيّ شأن اسلامي او مسيحي". فبناءً على التجربة مع الأمن العام، والالتزام العالي من الجهة المدنية بقرارات الجهات الدينية على ما يبدو، يجد أبو كسم أنّ "لا ضرورة ليكون رجال الدين أعضاء في هذه اللجنة". يكفي أن تتحمّل هي مسؤولياتها وأن "تكون على معرفة لأيّ مذهب أو تيار أو فكر ينتمي الاشخاص الذين تتم دعوتهم الى لبنان". كل ذلك لا بدّ أن يكون في إطار "مسؤولية مشتركة بين المتعهد (المهرجانات والحفلات) من جهة وبين الدولة والمرجعيات الدينية من جهة ثانية". وفيما يستطيع الحاضرون تقديم تصوّر للجنة التي يطالبون بإنشائها بالاستناد الى تجربتهم مع الأمن العام، يستعصي عليهم تقديم تفسير يمكن الركون اليه بالنسبة لمفهوم "المساس بالرموز الدينية". فأبو كسم كما العاملي لم يقدما أيّ تفسير لهذا التعبير خارج إطار ما يجدونه من وجهة نظرهم مسلمات. يقول أبو كسم ان "الانتقاد بطريقة علمية مقبول بكل طيبة خاطر" وهذا يخرج عن المساس بالرموز الدينية وفقاً له. ولكن "الكلام عن الصليب او مريم العذراء او التحريف في التعاليم الدينية فهذا يمسّ برموزنا… فإذا وضع الصليب على حذاء اليس هذا انتهاك؟ هل تحتاج الى مترجم هذه المسألة (يقصد أن الانتهاك هنا واضح جداً) ، كذا بالنسبة لوضع صورة السيدة العذراء على ملابس داخلية، هل تحتاج الى مترجم؟ اذا شخص رسم صليب على مكان حساس بجسمه الا تشكل انتهاك؟". ببساطة الانتهاك واضح عندما "تقطع الأمور شريان الحياء".

هل فُسِر الماءُ هنا، بعد جهد، بالماء؟ أقله إن هذا التفسير يبقى أسير نظرة المتديّن للرمز الديني، وهي قد تختلف بين متديّن وآخر حتى. ولكن أن يطرح الشيخ العاملي مقاربة مفادها أنّ كل الرموز والمقدسات يجب ان تكون موضوع حماية، بما فيها مقدسات الملحدين، فهذا لا بدّ أن يعبّر عن احادية النظرة والخلفية التي ينطلق منها المتحدثون.

ربما كان النقيب عون الأبلغ في التعبير عن هذه النظرة عندما قال إن "الجميع هنا (في قاعة المؤتمر) ليسوا مختلفين وهم مؤمنين بالله ورسوله ونبيّه". أحادية يقابلها على مواقع التواصل الاجتماعي ردود مختلفة. فعلى الخبر الذي نشرته جريدة النهار عبر صفحتها على "فايسبوك"، تحت عنوان "هل رأيتم أين يضعون الصليب؟"، علّق البعض مستغربين ردّة الفعل على العرض الذي قدمته الفرقة الجمايكية في حفلة غريس جونز، لافتين الانتباه الى أن هذه الرسوم ليست دينية ولها دلالاتها في تراث بعض القبائل وثقافتها. وكتب أحدهم: "من يؤمن برسالة المسيح وليس بالمسيح نفسه أي بالسلام والعدل والرحمة لجميع البشر دون تمييز، يضع الصليب في قلبه وفي صدره دون أن يدري. ومن لا يؤمن بهذه المبادىء فهو حرّ أن يضعه أين يشاء، وهو بهذا إنما يدين نفسه بنفسه ولا يغيّر الحقيقة قيد أنملة ونحن لا نريد أن ننزل إلى الشارع (…) حتى نستنكر لأن المسيح نفسه يستطيع أن يدافع عن نفسه وهو ليس بحاجة إلينا نحن البشر للدفاع عنه. فهو القوي والذي بإمكانه أن يفعل أي شيء.أليست هذه هي ردة الفعل المنطقية والحضارية لمن برأسه ذرة من العقل والإيمان؟".

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني