بعد عمليّة 7 تشرين وبدء الحرب على غزّة، طافت مواقع التواصل الاجتماعي بالأخبار والتعليقات المرتبطة بما يحصل، مؤدية دوراً أساسياً لنقل المعلومات وتفكيك السرديّات الرسميّة، على غرار الدور الذي لعبته في السنوات الأخيرة، لا سيما في المنطقة وفي ظلّ الأحداث المتتالية التي شهدتها. وهو دور بات محورياً في الأسبوعين الأخيرين، نظراً لمقاربة الموضوع من وسائل الإعلام التقليدية الكبرى في الشمال السياسي المنحازة تماماً للسرديّة الإسرائيلية، وهي مقاربة لم تتوانَ أحياناً عن نقل أخبار كاذبة وبروباغندا الفظاعة المتأتية من الكيان الصهيوني، من دون أي مسافة موضوعية أو نقدية. وقد تجاهلت هذه الوسائل بالمقابل ما يحصل في المقلب الآخر من حائط العار، مكررة تدوير الأفكار المسبقة الحاطة بالغزّاويين وبالفلسطينيين والهادفة إلى إنكار إنسانيتهم. وهو أمر ما لبث أن ساهم مُباشرة في تأجيج الكراهية إزاء قاطني القطاع وغضّ النظر عن المجازر التي تُرتكب بحقهم ومشروع الإبادة المحتّم الذي يزحف تجاههم. فما كان أمام الغزّاويين والناشطين المتعاطفين مع قضيّتهم والإعلام البديل سوى اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي لنقل واقع ما كان يحصل في غزّة ونقد وتفكيك السرديّات الرسمية.
لكن سرعان ما لاحظ بعض مستخدمي هذه المواقع أن نسبة الأشخاص الذين كانوا يشاهدون منشوراتهم أو يتفاعلون معها بدأت تنخفض بشكل مفاجئ وملحوظ. وهناك من ذهب حتى حدّ نشر لقطات مصوّرة من حسابه تُظهر كيف تدنّى عدد مشاهديه والمتفاعلين معه بالمئات بين منشور وآخر (أحياناً من 1000 مشاهد إلى مشاهد واحد، حتى بعد ساعات عدّة من النشر). فتيقّن إذ ذاك مستخدمو هذه المواقع أنّهم يخضعون لعمليّة “حجب مستتر” (أي Shadow Banning)، وهي آلية مستخدمة في وسائل التواصل الاجتماعي للحدّ من ظهور مستخدم ما في المساحة الافتراضية العامة وحجب وصول منشوراته إلى مستخدمين آخرين، عن غير عادة، كلّ ذلك دون إعلام المستخدم المعني بإخضاعه لعملية “الحجب المستتر” هذه، فيتنبه إليها أحيانا وحده. وكان من اللافت أن هذا النوع من الحجب طال بشكل حصري، في الأيّام الأخيرة، الحسابات النقدية لإسرائيل والكيان الصهيوني أو المنددة بفظاعة مشروع الإبادة قيد التنفيذ في غزّة. هذا الأمر دفع بعض المستخدمين إلى تحوير آليات النشر في مسعى للتفلّت من قبضة الخوارزمية (Algorithm) التي تصطاد المستخدمين “الإشكاليين” بشكل آلي بغية اخضاعهم لـ”حجب مستتر”. فهناك من عمد إلى وضع منشورات خاصة له (مثل صورة لقطّته أو لكلبه إلخ.) بين منشور “إشكالي” وآخر وهناك من عمد إلى اعتماد آلية كتابة بديلة للنشر، كوضع مسافة بين أحرف الكلمات مثل في: “ف ل س ط ي ن”، للإشارة إلى “فلسطين” أو تفادي استخدام النقاط والهمزات لدى الكتابة، كأن يكتب: “عره” أو “اسراىىل”، للإشارة الى “غزّة” و”إسرائيل”. لكن الأخطر هو أن هناك أيضاً من تفادى اذ ذاك التعاطي نهائياً بالموضوع تحسباً لحجبه وإقصائه عن المساحة الافتراضية، وتالياً حرمانه من كافة منافعها (أكانت اجتماعية أم مادية).
هذه هي خطورة ظاهرة “الحجب المستتر” في عالم أوهام المساحات الافتراضية “شبه العامة”. وهي “شبه عامة” لأن هذه المساحات تبقى في نهاية المطاف مملوكة من شركات خاصة تتبّع قواعد وآليات عمل خاصة، لا تأتلف بالضرورة مع المبادئ الدمقراطية والحقوقية. وهو واقع تتبلور مشاكله بشكل خاص في إطار الصراعات الاجتماعية والمطلبية والعنصرية المعارضة للنظام القائم.
في تعريف “الحجب المستتر” وآلية تطبيقه
الحجب المستتر هو ظاهرة حديثة العهد في العالم الافتراضي، هدفه شبه المُعلن هو فرض الاعتدال على محتوى منصّات التواصل الاجتماعي الافتراضية وتجنّب وصول منشورات “إشكالية” لسائر مستخدميها، نظراً لحجم المعلومات المتداولة على هذه المواقع وسهولة الوصول إليها من أي مكان في العالم ومن أيّ كان. وفي حين ثمة حسابات يتمّ حذفها بالكامل وحظر مستخدميها نهائياً من إمكانية النشر، في حال كانت المنشورات المعنية تخالف القوانين المرعية الإجراء (مثل المنشورات الإباحية المتعلقة بالقاصرين إلخ.)، تجلّت أيضاً ظاهرة “الحجب المستتر” كتدبير أقل صرامة إزاء منشورات “إشكالية” ولكن ليست بالضرورة مخالفة للقوانين المرعية الإجراء. ومن البيّن أن تعريف هذه الظاهرة ليس واضحاً أو دقيقاً، وهذا هو لبّ المشكلة. إذ أن المنصّات المعنية تقاعست بداية عن الاعتراف بوجود الظاهرة بشكل واضح وعلني، وهي أساساً لا تعرّف بوضوح مفهوم “المنشور الإشكالي” وحتى لا تُعلم المستخدم بإخضاعه لهذا النوع من الحجب، الذي يُكتشف صدفة. وقد تبيّن بداية أنه وفي حين طالت هذه الظاهرة مختلف أنواع مستخدمي المنصات (مهما كانت آراؤهم السياسية أو انتماءاتهم الاجتماعية إلخ.)، فإنها طالت بشكل خاص – أو أقلّه لمست تداعياتها– فئات اجتماعية مهمّشة وناشطين ومعارضين للأنظمة (وهو ما أثاره ناشطون في حراك Black Lives Matter في الولايات المتحدة الأميركية بعد مقتل جورج فلويد). فتبيّن إذ ذاك، إمكانية استخدام هذه الظاهرة كأداة قمع أيضاً ضدّ فئات اجتماعية مهمّشة أو تحرّكات مطلبية أو معارضين للنظام السياسي، وهو تماماً ما نشهده اليوم عقب الحرب على غزّة.
في مأسسة “الحجب المستتر” من خلال قوننة العالم الافتراضي
وتبعاً لتفاقم دور منصّات التواصل الاجتماعي الإخباري حول العالم مع ما تبعها من عدم قدرة على السيطرة على المعلومات المنشورة عليها وظواهر الحجب المستتر الاعتباطي، دون مراعاة أسس الشفافية أو إجراءات المحاكمة العادلة، حاولت بعض الدول إيجاد حلول لقوننة ما يتمّ نشره في العالم الافتراضي وكيفية ضبطه. وأوّل النصوص القانونية الذي تطرّق للأمر بوضوح هو قانون الخدمات الرقمية (Digital Services Act) الصادر من قبل البرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا منذ سنة تقريباً في تشرين الأوّل/أكتوبر 2022 تحت الرقم 2065/2022 برعاية رئيسة المفوضية الأوروبية الحالية أورسولا فون دير لاين (Ursula von der Leyen). وكانت فون دير لاين نفسها قد بنتْ ترشّحها لرئاسة المفوضيّة الأوروبية سنة 2019 على أساس طرحها لهذا القانون فضلا عن أنها هي نفسها ملأت الشاشات مؤخراً تظهيرا لدعمها غير المشروط لإسرائيل وحربها المدمّرة على غزّة. أما الدوافع الآنية التي حثّت أوروبا على إقرار هذا القانون سنة 2022 فتمثّلت بـ”ضرورة درء تفشّي الأخبار المضلّلة والكاذبة المتأتية من اجتياح روسيا لأكرانيا” في العام نفسه.
في المضمون – أو ما يهمنا هنا من مضمون النص القانوني الطويل والمعقّد –، وعلى عكس قوانين مماثلة أخرى (مثل الفقرة 230 من قانون آداب الاتصالات – Communication Decency Act – في الولايات المتحدة) التي تعفي المنصّات الإلكترونية من أي مسؤولية إزاء ما يتم نشره عليها من قبل أطراف ثالثين (المستخدمين)، ينفرد تنظيم الخدمات الرقمية (أو DSA للاختصار) بأنه يحمّل المنصّات الإلكترونية، ولو جزئياً، بعض المسؤولية تجاه مستخدميها وتالياً ما تصلهم من منشورات (لا سيما تلك المخالفة للقوانين المرعية الإجراء) مع إلزامها بتبنّي سياسات أكثر شفافية إزاء تنظيم المحتوى واعتداله. فمن ناحية أولى، يتطرق الـDSA (في أسبابه الموجبة) إلى مسألة “الحجب المستتر” ذاكراً إياه بوضوح وملزماً المنصّات الإلكترونية بنشر آليات تطبيقه في فقرة “الأحكام والشروط” التابعة لها، على أن يكون تطبيق الآلية موضوعيا ومتناسبا مع المحتوى وأن يراعي الحقوق الأساسية وأن يتمّ إعلام المستخدم بالأمر مع إتاحة المجال له بأن يطعن بالقرار أمام المنصّة نفسها أو خارجها (بمعنى آخر مراعاة إجراءات المحاكمة العادلة)[1]. أمّا من ناحية أخرى – وهذا الأهم –، يحمّل DSA المنصّات مسؤولية جزئية إزاء المحتوى المخالف للقانون عليها، لا سيما من خلال إلزامها باتخاذ بعض الإجراءات بشأن المحتوى المعني فور معرفتها أو إعلامها بالموضوع (مثل إزالة المحتوى أو حجبه أو توفير بعض المعلومات للسلطات المعنية إلخ.). وفي حين عرّف الـDSA “المحتوى غير القانوني” على أنه أيّ محتوى لا يأتلف وقوانين الاتحاد أو قوانين إحدى الدول الأعضاء، فهو أشار في أسبابه الموجبة إلى عدد من المحتويات التي تُعتبر غير قانونية ومنها: المحتوى الإباحي المتعلق بالقاصرين أو ذلك الذي يتعرّض لحيوات الأشخاص الخاصة أو المحتوى المتعلّق بخطاب الكراهية والتمييز والإرهاب إلخ.
قد تبدو أهداف القانون متّزنة للحرص على سلامة المساحة العامة الافتراضية، غير أننا نشهد اليوم عملياً أول تطبيقات أحكام الـDSA عقب حرب إسرائيل على غزّة. فعلى هذا الأساس تحديداً أرسلت المفوضيّة الأوروبية في 12 تشرين الأول 2023 (5 أيّام فقط بعد بدء الحرب) طلباً رسمياً إلزامياً إلى منصّة X (المعروفة سابقاً بـTwitter) للحصول على معلومات حول كيفية معالجة المنصة لخطاب الكراهية والمعلومات المضللة والمحتوى المتعلق بالإرهاب إزاء حرب إسرائيل على غزّة (“حماس” وفق الطلب) في إطار تحقيق المفوضية بهذا الشأن، مع إمكانية اتّخاذ إجراءات عقابية بحقّ المنصّة في حال لم تستجِب للطلب. وهذا الإجراء، لا يمكن قراءته وقراءة تداعيات تطبيق الـDSA من دون أن نأخذ بعين الاعتبار الإطار السياسي والاجتماعي الذي يُطبق فيه للمرّة الأولى منذ صدوره أي بمناسبة حرب إسرائيل على غزّة. فهناك مخاوف جديّة من تحوير التنظيم الحديث وروحه عن الأهداف التي وُضع من أجلها. تالياً، بدل أن يكون أداة لحماية سلامة المساحة العامة الافتراضية (أهدافه المُعلنة)، يتحوّل الى أداة بيد السلطة للسيطرة على السرديات وفرض تلك التي تناسبها مقابل قمع المعارضين لها تحت ذرائع مُختلفة ومفاهيم مطاطة تحوّل من خلالها، في الحالة الراهنة، أي متضامن مع الغزّاويين إلى مدافع عن الإرهاب وأي ناقد للجرائم المرتكبة من قبل إسرائيل إلى مناهض للسامية. فهل يسقط الـDSA في تجربته الأولى، علماً أن ايلون ماسك (مالك منصّة X) هدّد عقب ذلك بإزالة منصّة X من أوروبا وتالياً حظر المستخدمين في أوروبا من الوصول إليها؟ وهل يتحوّل الـDSA من أداة لضبط “الحجب المستتر” إلى أداة لمأسسته، بحيث نصبح أمام إشكاليّة ذات وجهين: الأوّل هو تحكّم المنصّات الخاصّة بالمضمون وفرضها لحجب مستتر متى شاءت من دون مراعاة إجراءات المحاكمة العادلة، والثاني هو مأسسة للحجب المستتر من قبل الأنظمة السياسية وفرضه على المنصات الخاصة متى ناسبها الأمر، لا سيما لقمع المعارضين لها؟
“حرية التعبير” أمام اختبار “الحجب المستتر”
أمام هذا الواقع يقتضي الاستنجاد بالحقوق والمبادئ التي لا تزال تتمتّع هي الأخرى بقيمة كونية في عالمنا المتغاير هذا، بهدف ضبط الانحرافات عنها النابعة من كل من الأنظمة السياسية (مثل أوروبا واحتمال تحوير الـDSA عن روحه) والمنصّات الخاصة نفسها. هنا، من المفيد التذكير بأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لا سيما أحكام المادة 19 منه. فأحكام هذا العهد هي أحكام إلزامية لكلّ من الدول الأطراف وأنظمتها السياسية (ضمنها دول أوروبا والولايات المتحدة) كما وإزاء مؤسسات القطاع الخاص (المنصّات الخاصة) مُباشرة، بفعل المفعول الأفقي المُباشر لهذه الأحكام لحماية الحقوق والحريات الأساسية تجاه الغير (أو ما هو معروف بنظرية الـDrittwirkung). فالفقرة الثانية من المادة 19 المذكورة تنص أن “لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها”. فحرية التعبير تشكل شرطا ضروريا لإرساء مبادئ الشفافية والمساءلة التي تمثل بدورها عاملاً أساسياً لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، وهو أمر يفرض على الدولة أيضاً أن تضمن حماية الأشخاص من أية أعمال يقوم بها أفراد بصفتهم الشخصية أو أيّ كيانات خاصة وتؤدّي إلى إعاقة التمتع بهذه الحرية[2]. بالمقابل، تنصّ الفقرة 3 من المادة نفسها على أن ممارسة الحق في حرية التعبير تستتبع واجبات ومسؤوليات خاصّة. ولهذا السبب، تسمح الفقرة بمجالين حصريين من القيود المفروضة على الحقّ يتعلقان: إما باحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، أو حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. بيد أنه، وفق لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، عندما تفرض دولة طرف قيوداً على ممارسة حرية التعبير، لا يجوز أن تعرّض هذه القيود جوهر الحق نفسه للخطر. وتشير اللجنة إلى أنه يجب ألا تنقلب العلاقة بين الحق والقيد وبين القاعدة والاستثناء[3]. فالفقرة 3 تنصّ على شروط محدّدة، ولا تجيز فرض قيود إلا إذا كانت تخضع لهذه الشروط: بحيث يجب أن تكون القيود “محددة بنص القانون” وأن تصاغ القاعدة القانونية تلك بدقة كافية لكي يتسنى للفرد ضبط سلوكه وفقاً لها وألا تُفرض إلّا لأحد الأسباب الواردة في أحكام الفقرة 3 المذكورة؛ وأن تكون متلائمة مع اختبارات صارمة تتعلق بالضرورة والتناسب. ووفق اللجنة الأمميّة، “لا يجوز أبداً الاستشهاد بالفقرة 3 لتبرير كبح أية دعوة إلى إقامة نظام ديمقراطي متعدّد الأحزاب وتحقيق مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان”[4]. ويجـب ألّا تكون القيود المفروضة مفرطة. وقد لاحظت اللجنة في التعليق العام رقم 27 أن “التدابير المقيدة يجب أن تتماشى مع مبدأ التناسب، ويجب أن تكون مناسبة لتحقيق وظيفتها الحمائية، ويجب أن تكون أقلّ الوسائل تدخلاً مقارنة بغيرها من الوسائل التي يمكن أن تحقق النتيجة المنشودة، ويجب أن تكون متناسبة مع المصلحـة الـتي ستحميها […]. ولا بد من احترام مبدأ التناسب، ليس فقط في القانون الذي يحدد إطار القيود، بل أيضاً في تطبيقه من جانب السلطات الإدارية والقضائية”[5].
أما في حالتنا الراهنة، وفي ظلّ حرب إسرائيل على غزّة، فما يتمّ التحجج به من قبل المنصّات الخاصة أو الأنظمة السياسية (أوروبا) لتبرير إخضاع بعض المستخدمين للحجب المستتر هو وجوب مكافحة الإرهاب، مع ما تبعه من خلط متعمّد بين منظمّة حماس وأي داعم للقضية الفلسطينية أو متعاطف مع الغزّاويين أو ناقد لإسرائيل، وكأنما الأمر أصبح من البديهيات. هنا من المهم التذكير أنه وتعليقاً على المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تذكّر لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان أنه “ينبغي وضع تعاريف واضحة لجرائم مثل ’التشجيع على الإرهاب‘ و’النشاط المتطرف‘ فضلاً عن جرائم ’الإشادة بالإرهاب‘ أو ’تمجيده‘ أو ’تبريره‘ لضمان ألا تؤدي إلى تدخّل غير ضروري أو غير متناسب في حرية التعبير. ويجب أيضاً تفادي فرض قيود مفرطة على سبل الحصول على المعلومات”[6]. تالياً يقتضي التفكير بالمسألة من منظار كيف يتم استخدام هذه التعابير اليوم في الإطار السياسي والاجتماعي المرتبط بحرب إسرائيل على غزّة وسبل مقاومتها المتعددة. هذه المسألة تشكل إشكالية أساسية يقتضي معالجتها لئلّا تتحوّل كلمة “إرهاب” وتوابعها إلى مفهوم مطاط يستخدم لقمع أي رأي معارض لإسرائيل أو لسياسات الأنظمة السياسية بهذا الشأن، على غرار ما شهدناه من سوابق تاريخية (من استخدام كلمة “إرهاب” نفسها لقمع نيلسن منديلا ومناصريه أيام الفصل العنصري في أفريقيا الجنوبية أو استخدام فزاعة “الشيوعية” لقمع الحركات المطلبية في الولايات المتحدة أيّام المكارثّية).
فضلاً عما تقدّم من المهمّ التذكير أيضاً أن ما يقتضي وضع ضوابط له – وهو أمر مغيّب تماماً اليوم – هي بروباغندا الحرب ودعاوة الكراهية تجاه فئة اجتماعية معيّنة (الغزّاويين). فالمادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تلزم الدول الأطراف بحظر أية دعاية للحرب وأية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف. غير أن ما نشهده اليوم يشكل في عدد من جوانبه مخالفة مستمرّة وفادحة لهذه الأحكام، لا سيما على صعيد كيان إسرائيل أو حتى وسط الضفة المقابلة على المقلب الآخر من البحر الأبيض المتوسط.
يمكنكم هنا الاطلاع على المقال باللغة الانكليزية
[1] Leerssen, Paddy, “An end to shadow banning? Transparency rights in the Digital Services Act between content moderation and curation”, Computer Law & Security Review, Volume 48, April 2023
[2] لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 34، جنيف، 11-29 تموز/يوليه 2011.
[3] المرجع نفسه.
[4] المرجع نفسه.
[5] لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 27.
[6] لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 34، جنيف، 11-29 تموز/يوليه 2011.