لم يكن علي نجدي (19 عامًا) يعرف شكل المبنى القديم الذي استأجرت عائلته شقة فيه في الطابق الثالث في أحد مباني منطقة النويري بعد أن تهجّرت بسبب القصف الإسرائيلي على بلدتهم صريفا الجنوبية، وتحديدًا مع انفلات عقال العدوان في 23 أيلول الماضي وإنذار سكان القرى الحدودية بإخلائها. وحين بدأت فيديوهات لموقع الغارة على المنطقة مساء أمس تصله، لمح سيارة والده في أحدها فسارع إلى الاتصال به للاطمئنان عليه لكنه لم يردّ فبعث برسالة على واتساب لم تصله أيضًا. حينها بادر إلى الاتصال بشقيقيه التوأم من دون جدوى، “فظننت أنّ الغارات أثرت على شبكة الاتصالات، ولم أتوقع أنّ عائلتي استشهدت وخسرتها”، يقول لـ “المفكرة” عبر الهاتف.
ذهب أقارب علي إلى الموقع لمعاينته ومن هناك أبلغوه بارتقاء العائلة بأكملها: الأب حسين نجدي (51 عامًا) الأم لارا نجدي (40 عامًا وهي من مدينة صور) وأولادهما التوأم مهدي وبسام (15 عامًا)، وصغيرتهما فاطمة (4 سنوات).
“أهلي راحوا يا محمد… راحوا…”، هكذا عبّر علي المغترب في الكونغو والناجي الوحيد من عائلته، لابن عمّه وصديق عمره محمد نجدي عن فاجعته بارتقاء عائلته الصغرى بأكملها، إضافةً إلى جدّته من والدته إنعام سقلاوي وشقيقها (خال أمه) وزوجته.
وكان الشاب الجنوبي اضطرّ للانضمام إلى عدّاد المغتربين قبل شهرين، ودّع أهله من دون أن يعرف أنّه الوداع الأخير، وقصد الكونغو لتأمين مستقبله ولإعالة عائلته في هذه الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة في البلد، والتحق بوظيفة في شركة هناك. ولم يكن يخطر في باله أنّ وحشية غارات العدو ستلاحق عائلته إلى قلب العاصمة بيروت مساء الخميس 10 تشرين الأوّل الجاري، حيث كانت العائلة تنشد الأمان.
وقد سقطت عائلة نجدي في غارة إسرائيلية استهدفت مبنى سكنيًا في منطقة النويري بالتزامن مع غارة ثانية استهدفت حيًّا في منطقة برج أبي حيدر، والمنطقتان مكتظّتان بالسكان وبالنازحين. وبلغت حصيلة الغارتين بحسب وزارة الصحة ليل أمس 22 شهيدًا و117 جريحًا وكان لا يزال هناك 5 في عداد المفقودين.
وغارتا أمس هما الثالثة والرابعة على قلب العاصمة بيروت خارج الضاحية الجنوبية التي تشهد بدورها قصفًا عنيفًا بشكل يومي، فقد سبقتهما غارتان على منطقة الكولا في 30 أيلول الماضي، وغارة على منطقة الباشورة في 3 تشرين الأول استهدفت مركزًا للهيئة الصحية الإسلامية في إطار الاستهداف الإسرائيلي الممنهج على طواقم الإسعاف والإغاثة.
نازحون إلى أمان مهدّد
كان علي يتحدّث إلى عائلته يوميًا للاطمئنان، ويعرض عليهم الانتقال إلى مناطق أخرى، إلّا أنّ أهله كانوا يؤكّدون دومًا أنّ المنطقة التي قصدوها والمبنى آمنان، رافضين النزوح مرة أخرى إلى منطقة أخرى، آملين بالعودة إلى صريفا قريبًا.
وحال عائلة نجدي ومصيرها لم يختلف عن حال عائلات كثيرة على طول البلاد وعرضها ممّن نزحوا من بلداتهم إلى مناطق اعتبروها آمنة، فلحقتهم إليها الطائرات الإسرائيلية وقتلتهم في أمانهم.
ففي المبنى معهم ارتقى أقاربهم من آل سقلاوي وهم والدة لارا وخالها وزوجته الذين التحقوا ببيت نجدي قبل ثلاثة أيام بعد إصرار العائلة على استضافتهم لإبعادهم عن مرمى القصف، فنزحوا من دير قانون أيضًا سعيًا للنجاة من القصف الإسرائيلي العنيف الذي استهدف مناطقهم.
يقول محمد صديق علي وابن عمّه، إنّ العائلة مؤيّدة للمقاومة مثل غالبية أهالي الجنوب وأنّ “الشهيد حسين مدني ومؤيّد لمقاومة إسرائيل، والقدر شاء أن ينضمّ إلى قافلة الشهداء الذين ارتقوا في هذا العدوان الهمجي الذي يلاحق النازحين ويستهدف المدنيين في المناطق الآمنة التي لجأوا إليها”.
ويصف علي بدوره عائلته بأنّها “مترابطة جدًا، بسيطة، ليس لدينا أيّ عداوة مع أحد. والدي موظف بسيط، ووالدتي ربّة منزل، كنت سندهما وهما صديقاي. أما شقيقاي مهدي وبسام فهما حبايب قلبي وسندي. وفاطمة ملاك العائلة ودلوعتنا الصغيرة”. شقيقاه التوأم طالبان في صف “البريفيه”؛ بسام مجتهد في دراسته ومهدي يُعرف بطموحه الكبير وشغفه الشديد بالدراسة وتفوّقه العلمي.
ويؤكّد أنّ دماء أهله وأشقائه وأقاربه وكافة الشهداء لن تذهب هدرًا، وهي “فداء للمقاومة التي ستنتصر حتماً بتحرير فلسطين وجنوب لبنان”. هو الذي خسر عمّه بسام الذي استشهد في عدوان تموز 2006 في مواجهات مع العدو الصهيوني في بلدته صريفا.
ستوارى عائلة نجدي الثرى في مسقط رأسهم في صريفا، وأقاربهم في مدينتهم صور ظهر اليوم.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.