مآلات النزاع الانتخابي: هيئة الانتخابات تتجاوَز المحكمة الإدارية


2024-09-03    |   

مآلات النزاع الانتخابي: هيئة الانتخابات تتجاوَز المحكمة الإدارية
رسم عثمان سلمي

أعلنَت هيئة الانتخابات في ندوة صحفية يوم الاثنين 02 سبتمبر 2024 عن القائمة النهائية للمترشّحين الّذين قُبلت ملفّاتهم لخوض الانتخابات الرئاسية، وهم كل من قيس سعيد وزهير المغزاوي والعياشي زمّال، الّذي تمّ إيقافه قبل سَاعات من انعقاد ندوة هيئة الانتخابات لشُبْهة تتعلّق بتزوير التزكيات الشعبية. تَغافلت الهيئة عن القرارات الصادرة عن المحكمة الإدارية يومَي 29 و30 أوت الماضي والقاضية بقبول الطّعون التي تقدّم بها عدد من المترشحين الّذين رفضتهم الهيئة أوليًّا، والّذين التجأوا إلى القضاء الإداري ليمنحهم فرصة ثانية، وهم  منذر الزنايدي وعبد اللطيف المكّي وعماد الدايمي. 

أصدرت المحكمة الإدارية، يوم 30 أوت الماضي، بلاغًا أعلنت فيه عن مآلات الأحكام المتعلقة بالنزاعات الانتخابية المتعلقة بالمترشحين الّذين رفضت هيئة الانتخابات ملفّاتهم ابتدائيًّا والدوائر الاستئنافية في مرحلة ثانية، لتحكُم الجلسة العامّة للمحكمة الإدارية لفائدتهم، حيث قبِلت ثلاثة طعون شكلًا وأصلًا، تتعلّق بكلّ من منذر الزنايدي وعبد اللطيف المكّي وعماد الدائمي. وقد حدّد القانون الانتخابي أجل 48 ساعة لإعلام المحكمة الابتدائية أطرافَ النزاع بالقرارات الصادرة عنها، فيما حدّدت هيئة الانتخابات تاريخ 03 سبتمبر حدًّا أقصى للإعلان عن قائمة المقبولين لخوض الانتخابات. ولكنّها، في خطوة استباقية، أعلنت عن المترشّحين المقبولين نهائيًّا يوم 02 سبتمبر. وذكرت هيئة الانتخابات في بلاغ على صفحتها نُشر يوم 02 سبتمبر مساءً، أنّها “توصّلت بالأحكام الصادرة عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية بالنقض في مادة الترشحات بالبريد الالكتروني هذا المساء في حدود الساعة التاسعة ليلا، بعد انعقاد مجلس الهيئة ومصادقته على القائمة النهائية للمترشحين المقبولين نهائيا للانتخابات الرئاسية صباح اليوم الاثنين 2 سبتمبر 2024، أي بعد مرور 6 أيام من صدور الحكم الأول بتاريخ 27 أوت و4 أيام من صدور الحكم الثاني بتاريخ 29 أوت و3 أيام من صدور الحكم الثالث والأخير بتاريخ 30 أوت”. 

في حين تقول المحكمة الإدارية في بلاغ على صفحتها إنّها تولّت تِباعًا وبمجرّد التّصريح بالأحكام تبليغ شهادة في منطوقها حينًا إلى طرفي النّزاع تطبيقا لأحكام الفصل 24 من قرار الهيئة عدد 18 لسنة 2014 المؤرّخ في 4 أوت 2014 المتعلّق بقواعد وإجراءات الترشّح للانتخابات الرئاسيّة التي تقتضي أن “تتولّى الهيئة تنفيذ القرارات الصّادرة عن الجلسة العامّة القضائيّة للمحكمة الإداريّة شرط توصّلها بالقرار أو بشهادة في منطوقه”.

سَيطرة التفاصيل الإجرائية على القرارات الإلزامية

 قال فاروق بوعسكر رئيس هيئة الانتخابات خلال الندوة الصحفية إنّ الهيئة تَعذّرَ عليها الاطّلاع على الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية لعدم إعلام الهيئة بها في أجل 48 ساعة من تاريخ التصريح بها، وفق الفقرة الأخيرة من الفصل 47 من القانون الانتخابي، رغم أنّ قرارها الترتيبي عدد 543 المتعلّق بروزنامة الانتخابات الرئاسية حدّد في فصله العاشر تاريخ 03 سبتمبر كحدّ أقصى للإعلان عن نتائج المترشحين المقبولين نهائيًّا، ما يعني أنّ الآجال القانونية لم تنقضِ بعدُ. 

“كانت المحكمة ستمدّ الهيئة بنسخ من القرارات مساء اليوم (الاثنين 02 سبتمبر)، قبل انعقاد الندوة. ولكن بالنسبة إلينا، فإنّ الفصلَين 24 و25 من قرار هيئة الانتخابات عدد 18 لسنة 2014 المتعلق بقواعد وإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية يُلزمان الهيئة بتنفيذ قرارات المحكمة الإدارية حتى لو بشهادات منطوقة”، يقول فيصل بوقرّة الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية في تصريح للمفكرة القانونية. وهو ما نشرتَه المحكمة الإدارية لاحقا على صفحتها الرسمية، إذ ذكَرت أنّها “تولّت تِباعًا وبمجرّد التّصريح بالأحكام تبليغ شهادة في منطوقها حينًا إلى طرفي النّزاع”، أي الهيئة والمترشحين. فمجرّد التصريح بالأحكام يكفي لتنفيذها، إلاّ أنّ رئيس هيئة الانتخابات قال خلال النقطة الإعلامية إنّ الهيئة قد عاينَت “استحالة تنفيذ قرارات المحكمة”، معتبرًا أنّ القائمة التي تمّ الإعلان عنها يوم 10 أوت الماضي والمتعلّقة بالمقبولين أوليًّا هي “قائمة نهائية وغير قابلة للطعن”، باعتبار أنّ الهيئة هي “الجهة الوحيدة التي ائتمنَهَا الدستور على الشأن الانتخابي” ولكونها تتمتّع بالولاية المطلقة عليه. كما استندَ مجلس الهيئة وفق ما ذكره رئيسها على الأحكام الجزائية المتعلّقة ببعض المترشحين الذين رُفضت ترشّحاتهم من أجل شبهات تدليس التزكيات الشعبية أو توزيع الأموال للحصول عليها أو التحيل على المُزكّين. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه القضايا مازالت جارية وليست أحكامًا باتّة، وهكذا لا تُعدّ شرطًا إقصائيًّا في ظلّ عدم صدور أحكام نهائية تُدينهم على هذه الأفعال، حسب آراء قانونية سبقَ وأن نشرتها المفكرة القانونية.  

من جهته يقول المحامي عياشي الهمامي للمفكرة إنّ الهيئة ارتكبت “مخالفة” لعدم تنفيذها قرارات المحكمة الإدارية، استنادًا إلى الفصل 315 من المجلّة الجزائية الّذي يعاقب بالسجن لمدّة 15 يومًا وبخطية مالية قدرها 4800 ملّيمًا (المجلّة تمّ سنُّها في 1913، ما قد يُفسِّر تدنّي قيمة العقوبة الماليّة)، الأشخاص الذين لا يمتثلون لما أمرت به القوانين والقرارات الصادرة ممن له النظر. ويُضيف: “القانون المتعلق بحماية المبلّغين عن الفساد يعتبر في فصله الثاني تعطيل القرارات الصادرة عن السلطة القضائية شكلًا من أشكال الفساد، وما فعلته الهيئة يمكن اعتباره تدليسًا معنويًّا لقرار المحكمة الإدارية”.

معركة سياسيّة بأسلحة قانونية

تبدو المعركة في ظاهرها قانونية، ولكنّها في جوهرها سياسيّة، وذلك منذ انطلاق الفترة الانتخابية والشروع في ملاحقة الخصوم وإصدار أحكام قضائية تمنَعهم من الظهور في الإعلام أو إيداعهم السجن وحرمانهم من الحق في الترشّح مدى الحياة. بعد صدور القرارات عن الجلسة العامّة للمحكمة الإدارية المتعلّقة بالطعون في الأحكام الصادرة عن الدوائر الاستئنافية، قال رئيس الهيئة فاروق بوعَسكر في تصريح إعلامي أثار تحفّظات عدد من المهتمّين بالشأن الانتخابي إنّ الهيئة ستُعلِن عن قائمة المترشحين بعد الاطلاع على قرارات المحكمة الإدارية والأحكام الجزائية المتعلقة بهم. وقد صدر بيان آخر الأسبوع الفارط باقتراح من المفكرة القانونية وأمضته 27 جمعية وأكثر من 250 شخصية بين سياسيين وحقوقيين وصحافيين ومحامين، “دفاعًا عن الحق في  الديمقراطية ورفضًا لتدليس الانتخابات الرئاسية” دعَوْا من خلاله هيئة الانتخابات الى التزام القانون والابتعاد عن كل الممارسات التي من شأنها المسّ من شفافية العملية الانتخابية ونزاهتها، مؤكّدين أنّ “عدم تنفيذ قرارات الجلسة العامة للمحكمة الإدارية فيما تعلَّقَ بمن أمرت بإدراجهم في القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية لا سند قانوني له و يُعدّ لما فيه من تغيير للوقائع من خارج القانون و ما يؤدّي له من ضرَر من قبيل التدليس المؤاخذ عليه”.

وبعد إعلان هيئة الانتخابات عن القائمة النهائية للمترشحين دون الأخذ بعين الاعتبار قرارات المحكمة الإدارية، نشرَت الجمعية التونسية للقانون الدستوري بيانًا على صفحتها ذكّرت من خلاله بأنّ “الأحكام الصادرة باسم الشعب عن جلستها العامة غير قابلة لأي وجه من أوجه الطعن وواجبة التنفيذ ولا يجوز لأي جهة أخرى، مهما كانت، تقييمها أو التشكيك فيها أو الامتناع عن تطبيقها أو ترجيحها”، مُحذّرةً  من خطر ضرب مبادئ النظام الجمهوري والديمقراطية والتي تمثّل دولة القانون خير ضمان لها”. كما دعَت الجمعية في بيانها كلّ الأطراف إلى “الالتزام بمقتضيات دولة القانون وذلك بالامتثال للقواعد الدستورية والقانونية والتريّث والتحلّي بروح المسؤولية والحكمة ووضع المصلحة العليا للدولة فوق كل اعتبار”.

“ليس لدينا آليات تُلزم الهيئة بتنفيذ القرارات الصادرة عن المحكمة الإدارية، وأنا أرى أنّ الحلّ ليس قانونيًّا، وحتى في صورة طعن المترشّحين في قرار هيئة الانتخابات الّذي يعتبره عدد من المختصين في القانون قرارًا معدومًا، فإنّنا سنعود إلى نفس الحلَقة المُفرَغة لأنّ الهيئة قد لا تُطبّق الأحكام الإدارية مرّة أخرى. على الهيئة أن تُراجع موقفَها وأن تكفّ عن مغالطة الرّأي العامّ لأنّ النصوص القانونية واضحة والمحكمة الإدارية بلّغت الهيئة بمنطوق الأحكام، وهو أمر كافٍ لتطبيق القرارات”، تُصرّح رفقة المباركي رئيسة اتحاد القضاة الإداريين للمفكّرة القانونية، مضيفةً أنّ قرار إلغاء النتائج بيد المحكمة الإدارية ولكن يبقى الإشكال عالقًا بخصوص التزام الهيئة بتطبيق القرارات الصادرة عن المحكمة.

من جهته يقول المحامي عياشي الهمّامي إنّ بإمكان الجمعيات أو المترشحين أو أيّ طرف له الصفة والمصلحة تقديم شكاية لدى وكيل الجمهورية، وإنّه لا يمكن العودة مرّة أخرى للمحكمة الإدارية لأنّها أصدرت قراراتها غير القابلة للطّعن. “في وضعية الحال، تحوّلنا من نزاع إداري انتخابي إلى نزاع جزائي”، يُلخّص المحامي المسألة، موضّحًا أنّ المعركة سياسيّة بالأساس وأنّ الشكايات التي قد تُقدَّم تندرج في إطار تسجيل المواقف، حتّى وإن لم ينظر القضاء فيها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكم إدارية ، قرارات قضائية ، مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني