تطورات جديدة تشهدها قضية زيادة الأقساط في مدارس الليسيه التابعة للبعثة العلمانية الفرنسية في لبنان. ففيما سجل حراك الأهالي، ضمن لجان الأهل أو خارجها إنتصارات أعيد من خلالها إبراز النصوص القانونية النائمة، تميزت البعثة بسعيها الدائم للتنصل من مسؤولياتها القانونية في اتجاه فرض قرارها بما لها من قوة. وقد بلغ هذا الأمر أوجه مع تلقي الأهالي في كل من الليسيه حبوش والليسيه فردان إنذارات تتعلق بعدم تسجيل أبنائهم خلال العام الدراسي القادم.
هذه التطورات على إختلافها، تبرز في سياق تبدل ملحوظ لأداء لجان الأهل لدورها، من الغياب المطلق إلى الحراك والإعتراض أو الوساطة والتسوية، تبعا لصدور القانون المعروف بـ “سلسلة الرتب والرواتب”. أول المبادرين للتحرك آنذاك كان “إتحاد لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية“. بعده كرت سبحة الرفض من قبل لجان الأهل في مختلف المدارس الخاصة. وبرز مع بداية العام الدراسي 2017-2018 توجه واسع لدى لجان الأهل لتفعيل دورها المكرس بقانون تنظيم الموازنات في المدارس الخاصة رقم 515، من خلال الإمتناع عن التوقيع على الموازنات التي تتضمن زيادات على الأقساط. أيضاً. إتجهت اللجان إلى التقدم بشكاوى أمام مجالس التحكيم التربوية. وبما أن هذه المجالس غير مشكلة، وبالتالي غير قادرة على البت بالنزاع المعروض أمامها، لجأت لجان الأهل إلى قضاة الأمور المستعجلة لحفظ حقوقها إلى حين تشكيل اللجان ومباشرتها البت بالنزاعات. هذا الأمر أنتج عددا من القرارات القضائية لمصلحة الأهل وقضت بتجميد الزيادات.
هذه القرارات أنتجت مفاعيلها على صعيد وضع حد للنزاع بالنسبة لمعظم الحالات. اللافت أن مدارس الليسيه التابعة للبعثة العلمانية الفرنسية في لبنان رفضت الخضوع لقرار قاضي الأمور المستعجلة، وربطت دفع الزيادات المقرّة للأساتذة قانوناً برضوخ الأهل لقيمة الزيادة التي حددتها. ودخلت هذه المدارس من هذا المنطلق بمفاوضات مع الأهالي للتنازل عن قرارات قضاة الأمور المستعجلة بتجميد الزيادات على الأقساط. أنتج هذا التوجه تطورات على صعيد حراك لجان الأهل الرافض للزيادات. فبينما إنخرطت الأخيرة بالمفاوضات، بهدف الوصول إلى تسوية، فإنها لم تتمكن في كل الحالات من تمثيل رغبات جميع أولياء الأمور، لا سيما لناحية تمسك بعضهم بالقرارات القضائية التي أتت في مصلحتهم. من هنا، بدأت تظهر ضمن حراك رفض الأقساط تشعبات جديدة، تمثلت بشكل أساسي بتنظيم عرائض من قبل بعض أولياء الأمور مضادة لقرارات لجنة الأهل، والتعبير العلني عن عدم تمثيل اللجان للأهالي. الحالتان الأساسيتان على هذا الصعيد هما الليسيه- فردان والليسيه- حبوش.
وزارة التربية: لجنة لا تمثل الأهل
“تفيد مصلحة التعليم الخاص أنه بعد أن استقال ستة من أعضاء لجنة الأهل المنتخبة في ليسيه فردان في بيروت بتاريخ 25/11/2015 وسقوط عضوية ثلاثة من أعضائها بسبب ترك أولادهم المدرسة، أصبح مجموع الأعضاء الساقطة عضويتهم تسعة من أصل سبعة عشر عضواً، أي النصف زائد واحد. وعليه تعتبر اللجنة غير قانونية ولم تعد تمثل الأهالي، وعليه يجب إجراء إنتخابات جديدة للأهل مطلع العام الدراسي الجديد(…).”
ما تقدم هو مضمون جواب صادر عن رئيس مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم العالي، إلى مجلس التحكيم التربوي في بيروت. توضح وكيلة أعضاء لجنة الأهل المستقيلين في الليسيه فردان المحامية ملاك حمية لـ “المفكرة” أنهم تقدموا بطلب إدخال وزارة التربية في الدعوى أمام المجلس التربوي، وقد إستجيب طلبهم. عليه “تم إبلاغ وزارة التربية التي بادرت إلى إرسال الكتاب سابق الذكر إلى المجلس”.
هذا التقدم المحرز على صعيد الدعوى المرفوعة أمام المجلس التحكيمي التربوي، لم ينعكس بعد على مسار القضية لدى قاضي الأمور المستعجلة، والرامية إلى تصديق إتفاقية مصالحة بين الأعضاء المتبقين في لجنة الأهل والمدرسة. على الرغم من ذلك، إن لهذا الكتاب أهمية بالغة في ظل تدخل أولياء الأمور، والأعضاء المستقيلين أمام قضاء العجلة، بهدف منع إتمام الإتفاقية. من هنا، سارع أولياء الأمور والأعضاء المستقيلين إلى إبراز نسخة عن كتاب وزارة التربية إلى ملف دعوى الأمور المستعجلة.
غير أن الدعوى أمام المرجعية الاخيرة راوحت مكانها، بعدما بادرت المدرسة نفسها إلى طلب نقل الملف من القاضية ماري كرسيتن عيد بحجة الإرتياب المشروع بعد إمتناعها عن تصديق الإتفاقية في جلسة 12 حزيران 2012. الطلب بحد ذاته يندرج ضمن الطلبات القانونية التي يحق لأطراف النزاع طرحها، لكن ما تبعه من تصرفات قامت بها إدارة المدرسة، يوحي باتجاه الإدارة إلى عدم الخضوع للقوانين وتخطيها.
بتاريخ 19 حزيران، وقبل صدور قرار محكمة التمييز الناظرة في طلب نقل القاضية، نشرت المدرسة على موقعها ما مفاده أن المرحلة القضائية انتهت وتم توقيع الإتفاقية، بالتالي سريان مضمونها على الأهل. الأمر الذي ينطوي على معلومات تضليلية في ظل إستمرار النزاع في الواقع. بعدها بأيام، تحديداً في 28 حزيران صدر قرار التمييز برد طلب المدرسة وإبقاء الملف أمام القاضية عيد. عندها، ذهبت المدرسة إلى إستراتيجية جديدة، حيث أرسلت إلى الأهالي رسائل إلكترونية تنذرهم فيها أنه “لن يقبل أي طالب من قبل العائلات التي لم تسدد مجمل الرسوم المطلوبة عن السنة 2017-2018”. بعدها أبلغت المدرسة الأهل بقيمة الأقساط متضمنة الزيادات، ومستندة إلى الإتفاقية التي قررت المدرسة أنها مصادقة بغض النظر عن أي قرار قضائي.
فعلى صعيد القضاء، عادت القاضية عيد وتنحت من تلقاء نفسها ليتم نقل الملف إلى القاضية كارلا شواح. أمام الأخيرة، أبرز الأهل والأعضاء المستقيلون كتاب وزارة التربية. كما حددت الجلسة القادمة في 1 آب لجواب المدرسة على اللائحة المقدمة من قبل الأعضاء المستقيلين. والحال أن الليسيه فردان باتت تمثل أمام القضاء من جهة وتسعى للحلول محله في نفس الوقت من جهة ثانية، في سياق يعبر عن تخط مستمر للقوانين.
في الليسيه حبوش انتصرت الإدارة على التلاميذ
في الليسيه حبوش، الوضع يبدو مختلفاً، لا سيما أن لجنة الأهل أكثر توحداً وتوافقاً. فقد وقعت مؤخراً إتفاق صلحة مع الإدارة من جهة، ومن جهة ثانية تلقى بعض أولياء الأمور المشاركين في الحراك المعارض لزيادة الأقساط كتباً تفيد بقرار المدرسة الإمتناع عن إستقبال أولادهم خلال العام الدراسي المقبل.
إذن، بتاريخ 5 تموز 2018، أرسلت إدارة المدرسة كتاباً إلى أحد أولياء الأمور، تعلمه فيه أن “إعادة تسجيل أبنائه للعام الدراسي 2018 -2019 قد رفض”. لا تبين الإدارة في كتابها سبب رفضها بإعادة 3 طلاب قدامى لديها، إنما تكتفي بالطلب من ولي أمر الطلاب بالتوجه إلى المدرسة لـ “الحصول على إفادات وإستعادة الأقساط المدفوعة” عن العام الدراسي المذكور.
يربط والد الطلاب، في حديث مع المفكرة، القرار بنشاط زوجته بالحراك الرافض لرفع الأقساط. يضيف أنه ذهب إلى المدرسة للقاء المدير وسؤاله عن الأسباب، “لكنه لم يقبل أن يستقبلني”. بعدها “توجهت إلى السفارة الفرنسية، فأبنائي يحملون الجنسية الفرنسية وهم يجب أن يتمتعوا بأولوية الإنتساب إلى مدارس البعثة، لكن أعلمتني مسؤولة المدارس في السفارة أن المدرسة لن تستقبل أبنائي بعد الآن بسبب موقفي الرافض لزيادة الأقساط”. إلى ذلك، يعتبر الوالد أن فصل أبنائه هو “رسالة من الإدارة إلى باقي الأهالي لأخذ العبرة وعدم الإعتراض بعد الآن”.
يكتسب تحليل الوالد منطقيته من عنصرين: أن قرار المدرسة غير المعلل لم يسبقه أي إنذارات سلوكية لأولاده هذا من جهة. ومن جهة ثانية جاء بعد المصادقة على الإتفاقية مع لجنة الأهل، والتي تتضمن بنداً فاضحاً لناحية عدم إعتراف المدرسة الفرنسية بالقوانين اللبنانية وعدم إحترامها.
فبعد أن عبّرت البعثة في كتاب سابق، وجهته إلى لجنة الأهل في “غراند ليسيه”، عن عدم إعترافها بإختصاص قاضي الأمور المستعجلة للبت في النزاع القائم، وضعت ضمن الإتفاقية مع الليسيه حبوش بنداً يتضمن الآتي: “(…) المدرسة ومع تأكيدهاعلى أحقية بنود الموازنة وقانونيتها وصحة المحاسبة وعلى الحق الحصري للمدرسة في تقرير وتحديد بنود موازنتها بمعزل عن موافقة لجنة الأهل (…). والمدرسة بهذا المعنى، تتنكر لما ينص عليه القانون رقم 515، لتقول أنها تكرّمت على الأهالي بتفهم أوضاعهم المادية. وهنا يبرز المكسب المادي الوحيد للأهل، وهو تخفيض بند التحسينات من الموازنة. وهو يعني أن المدرسة لن تكون مسؤولة عن إجراء اي تحسينات خلال العام القادم، الأمر الذي ينعكس سلباً على مصالح الطلاب العلمية واللوجستية ضمن المدرسة.
إذن، صادقت محكمة الاستئناف في النبطية على هذه الاتفاقية، بتاريخ 16 حزيران 2018، في ظل معارضة من قبل بعض أولياء الامور تم التعبير عنها من خلال عريضة كانت موقعة لحظة التصديق من قبل 35 ولي أمر، وفقاً لوالدة أحد التلامذة التي نظمتها. وقد وصفت العريضة الاتفاقية على أنها “مذلّة وخالية من أي ضمانات أو تنازلات من قبل الادارة”. كما أعلن الأهالي المعارضون رفضهم “الالتزام بها بأي شكل من الأشكال”، متمسكين بحقهم”المكتسب والمقرر قضائياً بتجميد الزيادة إلى حين البت بالدعوى المقدمة أمام المجلس التحكيمي التربوي بقرار مبرم”.
وتضمنت الإتفاقية تنازلاً من قبل المدرسة عن دعوى الإستئناف، قابله تنازل من قبل لجنة الأهل عن قرارين: قرار تجميد الزيادة الصادر عن قاضي الأمور المستعجلة، وقرار رد الإعتراض المقدم ضده من قبل المدرسة. ومن البين أن هذا التنازل قد حصل تجحت وطأة التهديد بمنع الطلاب من الاستمرار في تعليمهم في المدرسة، أي بحكم قانون القوة.