“لم أكن في وسط المدينة عندمَا بدَأت أحداث العنف والسّلب. كُنت في منطقة العوابد (تبعُد كيلومترات عن وسط مدينة صفاقس). في البداية كانت الأوضاع عادية، وحدَث التغيير فجأة عندما خرَجَ بعض الشبّان لسرقة الهواتف وطَرد المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء من منازلهم. تعرّضت للعنف وقامُوا بافتكاك هاتفي وأموَالي وكل أمتعتي، وتمّ إجبارنا على مغادرة المنطقة في اتجاه وسط مدينة صفاقس، تحت صفارات سيارات الشرطة. الأشخاص الذين قاموا بطردي هم من أبناء الحي، كُنت طيلة الفترة السابقة أجلس بجانبهم في المقهى وكانوا يعرفون مكان إقامتي”.
هذه شهادة أدلى بها للمفكّرة القانونية سليمان[1] الذي لم يتجاوز عمره ـ17 سنة، قدمَ من العاصمة الغينية كوناكري عبر الحدود الجزائرية. دَخلَ سليمان الأراضي التونسية -عبر مدينة القصرين- في الليلة التي أذاع فيها رئيس الجمهورية بلاغ 21 فيفري 2023 حول ظاهرة الهجرة غير النظامية من إفريقيا جنوب الصحراء. في الوقت الذي كان فيه رئيس السلطة التونسية ينتقي معجمه العنصري بعناية فائقة، ليتّهم المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء بالإجرام ومخالفة قوانين البلاد والضلوع في مخطّط إجرامي لـ “تغيير التركيبة الديموغرافية للبلاد” وطمس هويتها العربية والإسلامية. كان سليمان يتّجه نحو مدينة صفاقس بحثا عن مكان آمن يأويه، ويُقوّي الأمل في الحصول على عمل يجني منه أموالا يدفعها للمهرّبين من أجل عبور الحدود البحرية التونسية نحو السواحل الإيطالية.
وصَلَ سليمان إلى صفاقس في الوقت الذي بدأت فيه المدينة تستعدّ لسيناريو الحصار والاقتلاع، وتُطوّر علاقة عدائيّة عنيفة ضدّ المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، الذين تحوّلوا بسرعة من مهاجرين غير نظاميين يَجري استغلالهم في حضائر البناء والمزارع وتنظيف المنازل، إلى خطر يهدّد “الهوية التونسية” و”ناقلين للأمراض الخطيرة” و”مستوطنين” يريدون افتكاك المدينة من أهلها ومُزاحمة سكانها في المؤونة والشغل. كما جَرَى تحميلهم مسؤولية الوضع “الجمالي” في المدينة، التي تعيش صراعات ضدّ التلوّث وتراكم النفايات قبل سنوات من وصول المهاجرين إليها.
شهادة سليمان المُلاحق تحت الهتافات المنادية بـ”الرّحيل” وصفّارات سيارات الشرطة والقذف بالقوارير وإشهار الهراوات والأسلحة البيضاء، تُشبه الكثير من الحكايات الأخرى التي وثّقها المعتدون أنفسهم على مواقع الفايسبوك والإنستغرام والتيك توك. شَكّل أوّل جويلية 2023 بداية المحنة الفعليّة للمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تحوّلت الخطابات العنصرية الافتراضية التي تُروّج في المجموعات والصفحات الفايسبوكية وفي الجلسات الضيقة إلى حركة في الميدان. وقد تميّزت هذه الحركة بالقدرة على تحديد أماكن تواجد المهاجرين بدقّة وتوثيق الاعتداءات من أجل توسيع دائرة انتشارها في كل الأحياء، ثم السطو على الممتلكات والأمتعة والأموال التي تركَها المطاردون قسرًا من مأواهم في اتجاه الصحراء الليبية والحدود الجزائرية. ومن نجا من حملة ترحيل هؤلاء -وهو ترحيل أشرفت عليه السلطات التونسية-، تلقّفته حدائق وسط المدينة، ليجد نفسه عرضةً لفصول جديدة من المحنة: بلا مأوى ومن دون أموال وتحت رقابة أمنيّة مشدّدة. وقد لخّصَ سليمان الذي نجا من “حافلات الترحيل” هذا الوضع الجديد قائلا: “دون أموال الجيب القليلة، كانت الحياة قاسية جدّا علينا في العراء. لم تترك لنا الأحداث الثقيلة سوى التفكير في عبور البحر مهما كان الثّمن. ولكنني رغم ذلك، أعتقد أنني كنت محظوظا لأنني وجدت أشخاصًا طيّبين من تونس ساعدوني كثيرا”.
أواخر شهر جويلية 2023 -أي مع بداية خفوت حملة العنف- بَدَت المدينة وكأنّها تجرّ وراءها غبار معركة طويلة لم تُحسَم نتائجها بعد. وقد جاءتْ المعطيات والشهادات التي قُمنا بتوثيقها في الفترة التي تلت الأحداث (أواخر شهر أوت وبداية شهر سبتمبر 2023) لتُشير إلى أن الحملة العنصرية لم تكن فقظ مجرّد هيَجان هوياتي عابر وإنما اشتغلتْ كبِنية، وتَكوَّنَ خطابها العدائي من داخل نسيج العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية داخل المدينة. وقد أعطتها الخطابات اليمينية المتطرفة (الرئيس قيس سعيد والحزب الدستوري الحر والحزب القومي التونسي) والمجموعات والصفحات الفايسبوكية (حملة سيّب الترتوار، صفحة sfax centre ville ) والإعلام المحلي (إذاعة صفاقس الجهوية العمومية) والمنظمات المهنية (الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة) دفعًا هائلا وزوّدتها بالغطاء الإيديولوجي وكل أنواع الحجج والشائعات المؤسِّسَة لعداء المهاجرين ونبذهم. وعليه، أسهم هذا الخطاب في خلق “شعور عام” مُضَلَّل ومُوَجَّه، نجح في تضييق جهود التضامن والمساعدات الإنسانية التي قام بها ناشطات ونشطاء حقوق الإنسان وعدد لا بأس به من سكان المدينة، الذين اضطرّوا في معظم الأحيان إلى التخفي وتأمين المساعدات تحت التهديد بالعنف والتشهير.
رحلة المُطَارَدين من “غيتوهات” في الأحياء الشعبيّة إلى حدائق وسط المدينة
صبيحة الثلاثاء 04 جويلية 2023، تنَاقَلتْ العديد من وسائل الإعلام التونسية خبر مقتل شاب تونسي ليلة الاثنين 03 جويلية 2023 على يد مهاجرين غير نظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء في منطقة ساقية الداير بمدينة صفاقس، وهي منطقة معروفة بتواجد مكثف للمهاجرين. واعتُبِرَت هذه الحادثة المأساوية قادحًا لاتّساع موجة العنف والعداء ضد المهاجرين، رغم أن أحداث الاعتداء على المهاجرين والتحريض ضدّهم سبقت حادثة القتل، إذ شهدت مدينة الربض وسط صفاقس هجوما على منزل للمهاجرين يوم الأحد 02 جويلية 2023، وإضرام النار في واجهته الأمامية.
قال ياسين غرسلاوي، قاطن بمدينة صفاقس وناشط سياسي، للمفكرة القانونية: “طيلة الأشهر الفارطة كانت هناك حوادث عنف صغيرة سابقة. سوّاق التاكسي أعلنوا حملة من أجل عدم نقل المهاجرين، وقبلها صراعات في بعض الأحياء الشعبية في طريق منزل شاكر وحي الأنس تدخّل فيها الجيش بين مجموعات المهاجرين و”أولاد الحْوِم”.[2] وأيضا صراعات داخل المهاجرين أنفسهم”. وبخصوص اتّساع رقعة العنف ضد المهاجرين أضاف الغرسلاّوي: “المدينة أصبحت مسرحًا للإشاعات التي تُشير إلى عنف من طرف المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، وشيئا فشيئا أصبحت هناك مبادرات ذاتية لطرد المهاجرين من مساكنهم والقيام بتوثيقها وبثها مباشرة على منصّات التواصل الاجتماعي. وفي الأثناء لم تتدخل قوات الأمن. كبُرت كرة الثلج في ظلّ عدم ردع الدّولة”.
حظيَت حادثة مقتل الشاب التونسي البالغ من العمر 41 سنة بتعتيم إعلامي، واكتفَى الناطق باسم محكمة صفاقس الأولى فوزي المصمودي بالإشارة إلى إيقاف ثلاثة مشتبه بهم من المهاجرين في ارتكاب الجريمة[3]، من دون توضيح أسبابها وملابساتها. وهذا التعتيم اعتبره جلّ الناشطات والنشطاء الذين تحدثنا إليهم أنه كان “مقصودا” للتغطية على ارتباط الجريمة بشبكات “الحرقة”[4]، والدور الذي لعبه إخفاء الحقيقة عن أهالي الضحية والرأي العام المحلي في توسيع دائرة العنف والكراهية.
في الوقت الذي بدأت فيه مقاطع الفيديو المُبتهجة بطرد مهاجرين من منازلهم والسّطو على ممتلكاتهم تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، كان رئيس الجمهورية يَعقد اجتماعا أمنيّا مع وزير داخليّته وعدد من القيادات الأمنية يوم 04 جويلية 2023، نشَرت إثره الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية بلاغا ورد فيه “تَنَاولَ اللقاء خاصة الوضع بمدينة صفاقس إثر العملية الإجرامية التي جدّت مساء يوم أمس حيث أكّد رئيس الجمهورية أن تونس دولة لا تقبل بأن يقيم على أرضها إلا وفق قوانينها كما لا تقبل بأن تكون منطقة عبور أو أرضا لتوطين الوافدين عليها من عدد من الدول الإفريقية، ولا تقبل، أيضا، أن تكون حارسةً إلا لحدودها”.
في هذا السياق، قالت بسمة أم الزين، مسؤولة بالفرع الجهوي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بصفاقس للمفكرة القانونية: “تمَّ إخراج المئات من المهاجرين من منازلهم. تلقّينا العديد من الإشعارات بوجود حالات عنف مُورِست ضدهم. تراكَم الغليان في الأحياء الشعبية في ظل غياب الدولة، وانطلقَ التجييش مع ارتفاع أعداد المهاجرين. والخطاب السّياسي أعطى الضوء الأخضر لكل أشكال العنصرية والعنف”.
وأضافت أم الزين: “هناك تحريض عفويّ يقتات من سرديّة تقول أنّ المهاجرين قاموا بالاستحواذ على مواطن شغل السكان المحليين، وأنّهم ساهموا في غلاء المعيشة. وهناك تحريض مُنظّم مارسته شبكات “الباندية”[5] والجريمة من أجل السطو على أموال المهاجرين غير النظاميين التي ادّخروها من أجل العبور إلى السواحل الإيطالية”.
قبل بداية أحداث الطرد الجماعي من الأحياء الواقعة على تخوم المدينة، شكّلت هذه المناطق الحاضنة لكلّ أشكال الهشاشة الاجتماعية ملاذا للمهاجرين غير النظاميّين. وتميّزت هذه الأحياء بضعف الارتباط بالخدمات العمومية (الصحة، النقل، التعليم، التهيئة العمرانية، شبكات التطهير، إلخ) وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والجريمة والهجرة غير النظامية نحو أوروبا. وفي دراسة سوسيولوجية لأحد الأحياء الشعبية في مدينة صفاقس، أشار فؤاد الغربالي إلى ظاهرة المعاناة الاجتماعية في المعيش اليومي لشباب تلك الأحياء، التي وصفها قائلا: “تتضح تجربة “المعاناة الاجتماعية” من خلال الشعور الدائم بالضيق لدى مستجوبين عدة، إذ كثيرا ما يتحدّثون عن وضعيتهم بإحساس يشوبه الألم، فيرى جلهم أنهم “منسيون” من جانب الدولة ومن جانب السياسيين الذين لا يذكرونهم إلا في أثناء الانتخابات، بل إنّ وضعهم يُساهم في وصمهم واستبعادهم يوميّا من أماكن الترفيه، ويجعلهم موضوع شكّ دائم عند السلطة الأمنية”. [6]
في هذه الأحياء استقرّ أغلب المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء. وكانوا يَسكُنون في منازل جماعية ويزاولون مهنا هامشية. في هذا السياق، لاحظ الناشط ياسين غرسلاّوي: “تعرّضَ المهاجرون للكثير من الاستغلال والابتزاز والعمل بأسعار رخيصة، لذلك اضطرّوا إلى البحث عن التضامن بينهم، وأصبحوا يعيشون في شكل مجموعات، وهو ما جعلهم مرئيين كمجموعة”.
انتشرتْ داخل أحياء المدينة سردية تقول بأن المهاجرين من إفريقيا جنوب الصّحراء أصبحوا ينافسون اليد العاملة المحلية ويشكلّون تهديدًا بارتفاع نسب البطالة. قالت مريم بريبري، قاطنة بمدينة صفاقس وناشطة حقوقية، للمفكرة القانونية: “تمّ تصوير المهاجرين في بعض الأحياء أنهم منافسون لليد العاملة المحلية. جرى استغلال وضعيتهم الهشة من أجل إعطائهم أجورًا زهيدة، وعَمدَ بعض أصحاب المصانع في الحيّ الذي أقطن فيه إلى طرد عاملات محليّات واستبدالهم بعمال مهاجرين من أجل جني المزيد من الأرباح. وهذا السلوك الانتهازي خلقَ تناقضا بين العمال المحليين والعمال المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء”.
وفي السياق نفسه، أفاد عيادي العمري، قاطن في مدينة صفاقس وناشط سياسي، للمفكرة القانونية: “شبكة الاستغلال الاقتصادي التي تتركّب من أصحاب أعمال وملاك عقاريين وباندية ووسطاء ومهرّبين، والتي تترابط في شكل علاقات معقدة، كانت متواطئة في التحريض على العنف والكراهية بعد أن عَمدَت إلى كل أشكال الاستغلال اللاإنساني للمهاجرين التي وصلت إلى حدود القَنَانة عبر التشغيل القسري للمهاجرين دون أجور مقابل توفير السكن فقط، لأن هذه الشبكة استشعرت في المدّة الأخيرة تهديدا من طرف الدولة أو الأهالي. والعنف مارسته فئة قليلة لا تتجاوز ـ5 بالمائة في الأحياء الشعبية، وهي مرتبطة بشبكة الاستغلال التي حدّثتك عنها”. وأضاف العمري قائلا: “تمّ التضحية بالحلقة الأضعف في الصراع الاجتماعي، التي يُمثلها المهاجرون، ودفعهم نحو ظروف أكثر قسوة في العراء دون مأوى. فأصبحوا غير قادرين على العمل لأنه لم يعدْ هناك من يقبل بتشغيلهم. تم إخراجهم ببساطة من الدورة الاقتصادية في المدينة”.
وبخصوص سردية منافسة المهاجرين لليد العاملة المحلية، أشار الناشط ياسين غرسلاّوي إلى أن “المهن التي اشتغل فيها المهاجرون هي بالأساس حضائر البناء والفلاحة وقلّة قليلة منهم تشتغل في المقاهي والمطاعم، وهي مهن عادة ما يَعزف عنها شباب المدينة حتى قبل مجيء المهاجرين إليها، نظرا لظروف الاستغلال التي تُحيط بهذه المهن. ولكن الناس عموما عند وقت الأزمات مُحتاجة لعدوّ تحمّله مسؤولية الأزمة التي تعيشها”.
مع بداية حملة العنف والطرد الجماعي، بدَا أن سرديّة العداء والكراهية انتصَرَت على كل محاولات التعاون الإنساني وعقلنة ظاهرة الهجرة وفهم أسبابها، وجرى التعامل في الكثير من الأحيان مع المهاجرين بوصفهم “غرباء غير مرغوب فيهم”، رغم أن الكثير منهم حاولوا الاندماج في المجتمع وبناء علاقات جديدة، وارتياد أماكن ذات قداسة اجتماعية على غرار المساجد. ولكن خلال تلك الأحداث، أكّد الكثير من النشطاء الذين تحدثنا إليهم أنه تم الاعتداء على المهاجرين أمام المساجد، وأصبحوا موضع تندّر في مواقع التواصل الاجتماعي. وعلاوة على عامل اللغة والثقافة وعدم رغبة فئة لا بأس بها من المهاجرين في الاستقرار بالمدينة -وهي عناصر ساهمت في هشاشة الاندماج في المجتمع المحلي- فإن الدولة بترسانتها التشريعية وأجهزتها الأمنية والإدارية وخطابها السياسي العنصري، برَزت خلال الأحداث كفاعل كبير ومحدّد في بث العنصرية وإعادة إنتاجها داخل المجتمع وقنواته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
هكذا نفّذَت الدولة استراتيجيات الحصار والإهمال والانتهاكات الإنسانية
طُردَ المهاجرون من مساكنهم تحت مراقبة سيارات الشرطة، وهو ما غَذّى سهولة الاعتداء عليهم والسّطو على ممتلكاتهم طيلة أحداث جويلية وما تلاَهَا. وفي الأثناء، نفّذَت السلطة التونسية عمليّة ترحيلا قسريّا للمئات من المهاجرين نحو الحدود الجزائرية والليبية في ظروف لا تحترم كرامتهم وحقوقهم البشرية.[7] كما ساهم الخطاب الرسمي الذي كرّر فكرة أنهم مهاجرون “غير قانونيين” ولا يحقّ لهم التواجد في البلاد في إشاعة صورة تُفيد بأنهم أشخاص لا يملكون حقوقا، وهكذا يَسهل اضطهادهم دون عقاب أو مساءلة قانونية.
قال أسامة السيالة، قاطن بمدينة صفاقس وناشط حقوقي، للمفكرة القانونية أنه تعرّضَ للاعتقال من قبل قوات الأمن عندما كان بصدد توزيع المساعدات على المهاجرين، وتمّ الاحتفاظ به لساعات قبل أن يتم إطلاق سراحه. وأضاف السيالة: “الخطاب الرئاسي أشاعَ حالة من الإفلات من العقاب، وأعوان الأمن عندما تَرد عليهم إشعارات عنف ضدّ المهاجرين يتعلّلون بأنه لم تصلهم شكايات في مراكز الأمن من المهاجرين أنفسهم. في حين أن المهاجرين غير النظاميين لا يقدّمون شكايات خوفَا من سجنهم بتهمة اجتياز الحدود خلسة، وهو المصير الذي لقيَه أثناء أحداث العنف أكثر من 300 مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء، فيهم 08 نساء”.
لم يتطوّر التشريع التونسي عموما بخصوص تنظيم الهجرة الوافدة[8]، وخاصة الهجرة غير النظامية من أفريقيا جنوب الصحراء، وأسّسَ لحالة من الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية التي جعَلت هذه الشرائح عرضة للاستغلال وجلّ أصناف الانتهاكات. وخلال أحداث العنف والكراهية التي شهدتها مدينة صفاقس، برَزت أشكال جديدة للاستغلال التي أفرزَتها وضعية الحقوق المسلوبة. قالت خلود مَقني، قاطنة بمدينة صفاقس وناشطة في الجمعية التّونسية للنساء الديمقراطيات، للمفكرة القانونية: “بعد إجبار المهاجرين على الاستقرار في حدائق وسط المدينة دون مأوى، أصبحوا عرضة للعنف والابتزاز. البعض أجّرَ لهم دورات المياه التابعة للبلدية بـ ـ4 دنانير للشخص الواحد. أصحاب المقاهي رَفَضُوا السماح لهم الدخول لدورات المياه مجانا وطلبُوا منهم أن يدفعوا أيضا. وأبشع صور الانتهاك في تقديري هي منعهم من الوقوف تحت ظلال الأشجار دون مقابل، والبعض من المهاجرين أجبِرُوا على دفع 5 دنانير مقابل الاحتماء بظلال الأشجار من الحرارة. وبعد حرمان الكثير منهم من منازلهم والسطو على أملاكهم، اضطرّ بعض المهاجرين إلى التسوّل، وهي ظاهرة لم تكن موجودة في صفوفهم”.
ساهَمت حالة الإهمال التي تُرَك عليها المهاجرون بعد أحداث العنف في تدهور الأوضاع الصحية للكثير منهم. وقد قالت بسمة أم الزين، ناشطة حقوقية، أنها رافقت الكثير من المهاجرين إلى المستشفى، بعضهم تعرّض لحروق بليغة بسبب محاولة عبور البحر في قوارب حديدية غير آمنة، وبعضهم الآخر يُعاني من أمراض جلدية وتعفّنات بسبب اعتداءات العنف أو العيش في الشارع بعد موجة الطرد من المنازل. وقد لاحظت بسمة أم الزين أن إدارة المستشفى تسمح للمهاجرين بالعلاج عندما يكونوا مصحوبين بنشطاء في المجتمع المدني، ولكن عندما يتوّجهون بمفردهم لا يتم استقبالهم. وفي السياق نفسه لاحظ أسامة السيالة، ناشط حقوقي، أن الإطار الطبي في المستشفيات العمومية ساعد في علاج المهاجرين، ولكن في بعض الأحيان كانت المعاملة قاسية أو رفضت الإدارة مداواة بعض المهاجرين متعللة بوضعيتهم “الغير شرعية”، وقد قال السيالة: “رافقت أحد المهاجرين إلى المستشفى، وكان يعاني من مرض الداء البطني (السيلياك) وكانت حالته تستوجب العناية الطبية، ولكن رئيس القسم بالمستشفى رفض إخضاعه للعلاج مُتعلّلاً بأنه لا يستطيع علاج شخص دون مأوى (sdf)”.
بخصوص الموقف الإداري الصحي، قال حاتم الشريف، المدير الجهوي للصحة بصفاقس، للمفكرة القانونية: “لا نَرفض استقبال أيّ مريض مهما كان جنسه أو لونه أو ديانته إما في المستشفيات أو مراكز الصحّة الأساسية، ولكن المشكلة تعلّقت أساسا بالتكفل بأعباء العلاج التي تُصرف من ميزانية الأدوية. المهاجرون الذين استقبلتهم المستشفيات، كانوا بالأساس في قسم الولادات وأمراض أخرى متعلقة بارتفاع درجات الحرارة والإسهال وأمراض جلدية، كما استقبلنا حالات لمهاجرين تعرضوا للعنف”.
وقد بثّت الدعاية العنصرية في مواقع التواصل الاجتماعي إشاعة تُشير إلى أن المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء ينقلون الأوبئة ومرض السلّ. وفي هذا السياق، أوضح المدير الجهوي للصحة “أجرِيَ فحص على 60 مهاجرا وتبيَّن أنهم في حالة سليمة. ودعاية نقل الأوبئة لا أساس لها من الصحة. ومرض السلّ أيضا لا علاقة له بقدوم المهاجرين، فهو مرض يتطوّر في العالم بنسبة 4 بالمائة سنويا حسب المنظمة العالمية للصحة، وهو مرتبط عموما بجودة الحياة. ونسبة مرض السّلّ عادية في كامل أنحاء المدينة (15 بالمائة و17 بالمائة في الـ100 ألف ساكن) ونحن في متابعة يومية لهذا المرض عن طريق مركز مقاومة السل بصفاقس”.
لم تتعَامل السلطات المركزية والجهوية بجدّية مع الانتهاكات التي تعرّض إليها المهاجرون، بل عملت إلى عزلهم عن أشكال التضامن الحقوقي والإنساني، وتعرّض الناشطات والنشطاء إلى التهديد والتحريض في مواقع التواصل الاجتماعي. قال الناشط ياسين الغرسلاّوي: “أعوان الأمن قاموا بافتكاك رخص سياقة بعض المواطنين الذي نقلوا مهاجرين في سياراتهم بعد أن رفض سوّاق التاكسي نقلهم. وكل من قام بمساعدتهم كان عرضة للمضايقات بشكل أو بآخر”. وفي السياق نفسه، قالت ميرا بن صالح، ناشطة في جمعية دمج، للمفكرة القانونية: “تعرّضنا لكل أصناف الشتائم عندما قُمنا بتوزيع بعض المساعدات الغذائية على المهاجرين المتواجدين في حديقة باب الجّبلي، وأصبَحنا عرضة للمراقبة الأمنية أكثر من ذي قبل”.
رفَضَت السلطات الجهوية الحضور في جلسة تباحث حول أزمة المهاجرين في المدينة دعت إليها منظمات المجتمع المدني، حسب ما أكدته لنا بسمة أم الزين، ممثلة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وتفاقمت المعاناة الإنسانية للمهاجرين في ظل انحسَار دور المجتمع المدني والسياسي، بسبب المضايقات الأمنية وحملات التحريض الإلكتروني والخوف من عقاب السلطة. إضافة إلى الفراغ الذي يشهده رأس الولاية بعد إعفاء الوالي منذ جانفي 2023، وحلّ المجالس البلدية مستهلّ شهر مارس من السنة الحالية.
محمّد وجدي العايدي، مُحامي ونائب رئيس البلدية السابق، كان مكلّفًا ببرنامج التعاون الدولي بخصوص مسألة الهجرة بين بلدية صفاقس وعديد من المنظمات المحلية والدولية، قال للمفكرة القانونية: “حَاوَلنا في الفترة السابقة أن نضطلع بدور الوساطة والمساعدة وكوّنّا مكتبا للتوجيه والإرشاد حول الهجرة، وخلال جائحة الكورونا أمّنّا المساعدات الصحية والمادية للكثير من المهاجرين غير النظاميين بالتعاون مع بقية الإدارات. ولكن هذا التدخل كان ظرفيا، لأن الحلول المحلية والحقوقية تظل منقوصة في ظل غياب الدولة ولا مبالاتها”. وأضاف العايدي: “ظاهرة الهجرة إنسانية وطبيعية لأسباب متعددة ولا يمكن إيقافها والتحكّم فيها من وجهة نظر أمنية وحدوديّة صِرفة. لا بدّ أن نفهمها ونكوّن رؤية وتصور واستراتيجيا رسمية بإشراف من الدولة. ولا بدّ من التعامل مع كل الفاعلين للبحث عن حلول وإجابات تأخذ بعين الاعتبار الاحترام الكلي لحقوق الإنسان وحقوق المهاجرين”.
العنصرية الاقتصادية: اتحاد الشغل واتحاد الأعراف لهُمَا نصيب في الحملة
طيلة السنوات الفارطة، شكّلَ المهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء الوافدون على مدينة صفاقس خزّانا جديدًا ليد عاملة تشتغل في قطاعات مختلفة مثل الزراعة والبناء والصناعات التحويلية وتنظيف المنازل وقطاع الخدمات. وكانت هذه المهن حاضنة لكل أشكال الهشاشة الاجتماعية والاستغلال الاقتصادي. وشكّلَت هذه الأوضاع الشّغلية الوَجه الآخر لصعوبة النفاذ للمسار الإداري الرّسمي البطيء والهش (بطاقات الإقامة) وعقود الشغل الهشة التي تَضع الكثير من العَراقيل أمام المهاجرين، خاصّة من إفريقيا جنوب الصحراء. وفي هذا السياق لاحظ تقرير حول المسح الوطني للهجرة أن الكثير من المستجوَبين من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء دُفِعوا إلى وضع “لانظامي” بسبب هشاشة المسار الإداري الذي لا يضمن لهم حقوقهم، ويسلّط عليهم سيف دفع غرامات مالية باهظة بسبب تجاوز المدة القانونية للإقامة[9]. وفي الصدد نفسه أشارت دراسة لجميعة تونس أرض اللجوء، أن عدد العاملين في القطاع النظامي (الرسمي) من دول إفريقيا جنوب الصحراء لم تتجاوز نسبتهم 04 بالمائة سنة 2018، من جملة الموظفين والعمال الأجانب المسموح لهم سنويا بالعمل في تونس.[10]
قالت روضة العبيدي، رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالأشخاص، للمفكرة القانونية: “حالات الإتجار بالأشخاص الأجانب، معظمها من الاستغلال الاقتصادي والتشغيل القسري. والهيئة تتلقَّى الإشعارات أسبوعيا بخصوص حالات إتجار جديدة، ونقوم بالتنسيق مع جميع المتدخلين سواء المجتمع المدني أو مؤسسات الدولة، التي نُحمّلها مسؤولياتها في نطاق مجالات تدخلها”.
ويُذكر أن الهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالأشخاص، لاحظَت في تقريرها السنوي لسنة 2019 أن “عدد ضحايا التشغيل القسري بلغ 361 ضحية خلال سنة 2019 أي بنسبة 46،6 بالمائة من المجموع العام للضحايا الذي بلغ 1313 ضحية. من بينهم 297 ضحية أجنبية (38 بالمائة من العدد الجملي للضحايا) ومن بينهم 289 حالة من الجنسية الإيفوارية (دولة ساحل العاج)”.[11]
هذه الظّروف الاقتصادية والاجتماعية اللاإنسانية كانت غائبة عن خطابات وتصريحات المنظمات المهنية خلال أحداث العنف التي تعرّضَ إليها المهاجرون، وفي مقدّمتها الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية. إذ اتّفقت المنظمتان على دعم النزعات العنصرية التي ترعرَعت في المدينة، والاختباء وراء سردية “الانتصار لأهالي صفاقس” على حساب الحقوق الإنسانية للمهاجرين. في عددها الصادر بتاريخ 06 جويلية 2023 (أي تزامنا مع أحداث العنف ضد المهاجرين) نشرت جريدة الشعب (الناطقة باسم اتحاد الشغل) حوارًا مع الكاتب العام الجهوي للشغل بصفاقس، يوسف العوادني، وصفته بـ”الحوار الحدث”. وقد استعرض المسؤول النقابي الأول بمدينة صفاقس في هذا الحوار موقف منظمة الشغالين من قضية المهاجرين في صفاقس، إذ تبنّى سردية “الاستيطان” و”الترحيل” التي روّجَتها الخطابات العنصرية المتطرّفة، قائلا: “كانت لهؤلاء الأفارقة تداعيات خطيرة على الوضع المجتمعي في ولاية صفاقس، إذ تعدّدت الجرائم وأصبح استديو الكراء المتوفر لشخصين يقطنه 20 إفريقيا، وصولا إلى الاستهلاك اليومي لمختلف المواد الأساسية المعيشية التي أصبحنا نفتقدها في صفاقس”. ويبدو أن المسؤول النقابيّ لا يملك فكرة عن المهن التي يزاولها المهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء في المدينة، إذ صرّح قائلا: “جزء منهم يعمل في بعض الاختصاصات المهنية، كما أنهم امتهنوا تجارة أخرى…طبعا تجارة كل ما هو ممنوع في تونس، مثل بيع المشروبات الكحولية”. وبخصوص هذه التصريحات، حاولت المفكرة القانونية الاتصال بالكاتب العام الجهوي للشغل بصفاقس يوسف العوادني، أكثر من مرة، ولكنه لم يستجِبْ لطلبنا.
قبل أقلّ من ثلاث سنوات من الآن، نشَرَت الصفحة الرسمية للاتحاد العام التونسي للشغل في 02 ديسمبر 2020، صورةً لأمينها العام نور الدين الطبوبي، وهو في صدد توزيع انخراطات نقابية على عمّال من إفريقيا جنوب الصحراء. وكانت الصورة مرفوقة ببيان عبّرَت فيه المنظّمة عن حرصها على “توفير إطار نقابي وقانوني يحمي العمال الأفارقة وغيرهم العاملين بتونس من الاستغلال والعنصرية وضرب حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية”. ولكن يبدو أن هذا الموقف اندَرجَ ضمن برنامج عمل مقترح من منظمة العمل الدولية، ولم يَعكس تحوّلا هيكليا داخل منظمة الشغالين بخصوص ملف المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، إذ جاءت أحداث صفاقس لتُثبت انخراط أحد أكبر الفروع الجهوية لاتحاد الشغل في الحملة العنصرية، رغم المساعدات المحتشمة التي حاول الاتحاد الجهوي الدفع بها بعد أن تنامت حملة العنف وأصبحَت تأخذ شكلا مأساويا.
لم يكن موقف الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية متباينًا عن موقف اتحاد الشغل. إذ سبق وأن أشار سليم المرّاكشي، الناطق الرسمي لاتحاد الأعراف في صفاقس، إلى أن وجود المهاجرين يُزعِج متساكني مدينة صفاقس، ونقص المواد الأساسية مرتبط بضغط المهاجرين.[12] وتزامنا مع بداية موجة الكراهية والعنف ضد المهاجرين، أصدر الاتحاد الجهوي بيانا في 04 جويلية 2023 حذّر فيه من “تدفق المهاجرين بطريقة غير قانونية على صفاقس ومن خطر ذلك على السلم الاجتماعي”.
وإثر الحملة التي شنتها السلطات الأمنية على الحدائق العامة في مدينة صفاقس منتصف سبتمبر 2023، وقامت بترحيلهم قسرا إلى المعتمديات المجاورة (أساسا معتمديتيْ جبنيانة والعامرة اللتين تبعدان 30 و35 كلم عن وسط المدينة) أصدر اتحاد الأعراف بيانا عبّرَ فيه عن “ارتياحه للحملة التي تم تنفيذها بمدينة صفاقس لتطبيق القانون فيما يتعلق بتدفق المهاجرين غير القانونيين، ويتمنى مواصلة الحرص على ذلك والمتابعة الدائمة لهذه الحالة”. وفي الوقت نفسه، أذاع الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بصفاقس على صفحته الرسمية بموقع فايسبوك بلاغا عبّرَ فيه عن ابتهاجه باستقبال الباخرة السياحية “سترسّو” القادمة إلى صفاقس، التي تقل على متنها 1200 سائح من جنسيات مختلفة، وفي البلاغ ذاته أشار اتحاد الأعراف إلى أنه “جَرَى التركيز على توفير الظروف لتكون صفاقس في حلّة جميلة تليق بتاريخها وحاضرها وحضارتها لاستقبال زوارها يوم 12 أكتوبر”.
وتزامنت هذه الاستعدادات لاستقبال الباخرة السياحية مع إجلاء مدينة صفاقس من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، وقد وُصفت هذه الحملة الأمنية العنصرية في بعض مواقع التواصل الاجتماعي وجزء من الإعلام المحلي بـ”حملة النظافة”.
نشر هذا المقال ضمن الملف الخاص في العدد 27 من مجلة المفكرة القانونية – تونس
للاطلاع على العدد كاملا، إضغطوا هنا
[1] سليمان هو اسم مستعار لشاب من دولة غينيا. قمنا بتغيير اسمه بطلب منه.
[2] أبناء الحوم هو مصطلح دارج في العامية التونسية للدليل على شباب الأحياء الشعبية.
[3] تصريح هاتفي للناطق باسم محكمة صفاقس الأولى فوزي المصمودي على إذاعة شمس افم، بتاريخ 04 جويلية 2023.
[4] الحرقة مصطلح مستخدم في العامية التونسية للدلالة على “الهجرة غير النظامية”.
[5] الباندية هو مصطلح مستخدم في العامية التونسية للإشارة في بعض الأحيان إلى “الفتوّات” في الأحياء الشعبية وفي بعض الأحيان للدلالة على “المنحرفين” المُهابين في أحيائهم.
[6] فؤاد غربالي. سوسيولوجيا المعاناة من خلال المعيش اليومي لشباب الأحياء الشعبية (شباب أحياء مدينة صفاقس مثالا)، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية والإنسانية، العدد 16، المجلد الرابع، 2016.
[7] للوقوف أكثر حول الترحيل القسري للمهاجرين، انظر-ي: مهدي العش: الإبعاد القسري للمهاجرين في الصحراء، جريمة ضد الإنسانية تجابه بالإنكار، موقع المفكرة القانونية 18 أوت 2023.
[8] للاطلاع بأكير تفاصيل حول هذه المسألة، انظر مقال مهدي العش في الملف نفسه.
[9] Enquête qualitative. Tunisia Hims. Rapport élaborée par Safa Bassalah .
[10] Terre d’asile Tunisie. L’accès au travail des migrants en Tunisie du cadre juridique à la pratique, Mai 2020.
[11] التقرير السنوي للهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، 2019.
[12] تصريح صحفي للناطق الرسمي باسم الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، سليم المراكش، إذاعة شمس افم 20 جوان 2023.