وجدت الدولة اللبنانية اللجوء السوري الى لبنان ذريعة لتبرير تقصيرها في كافة قطاعاتها. وفي مؤتمر تحت عنوان "أثر النزوح السوري على قطاع الكهرباء في لبنان والتوصيات الأولية"، نظمته وزارة الطاقة والمياه بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 20 شباط 2017، عاد الوزير سيزار ابي خليل، الى تحميل اللاجئين السوريين سبب خسارة اللبنانيين خمسة ساعات إضافية من التغذية الكهربائية وقد تكلم الوزير عن تداعيات اللجوء السوري الى لبنان، مشيراً الى انه "حتى العام 2016 كان معدل التغذية 16 ساعة، ولولا النزوح السوري لكانت الزيادة 5 ساعات أي ما يزيد عن 20 ساعة تغذية يومية".
وناشد ابي خليل المجتمع الدولي للتعاون "لتحمل العبء الذي يحمله لبنان عن كل العالم، في الوقت الذي برهن لبنان انه لا يزال لديه نسيج متين بتحمله عبء مليون ونصف نازح فاقت ميزانيته ال 14مليار دولار بينما المساعدات هي 4 مليارات دولار". واعتبر أنه لولا الازمة السورية لكنا سنصل الى "24 على 24 ساعة كهرباء"، خصوصاً أن "القطاع لم يستفد حتى اليوم من المساعدات اذ أن الممولين لا يعتبرونه أولوية، غير أنه القطاع الوحيد الذي لا غنى عنه في تشغيل قطاعات أخرى كالمياه والصحة والتعليم وغيرها من القطاعات الحيوية الهامة".
وبالفعل، يتبّن أن المساعدات التي وعدت أو وصلت الى وزارة الطاقة والمياه من قبل المجتمع الدولي قد خصصت بشكل عام لتأهيل البنية التحتية للمياه في لبنان، حيث بلغت قيمة هذه المساعدات 13.9 مليون دولار أميركي في العام 2016.[1]
وعلى الرغم من أن الخطة موضوع المؤتمر ترتبط بشكل مباشر بأزمة اللجوء السوري، يظهر ان الوزير يأبى على اللاجئين ان يستفيدوا من نتائجها فترة بقائهم في لبنان. هكذا يسجل أن "المستفيد الأول من المشروع هو اللبناني. والمقصود هنا اللبناني المقيم والمغترب على حد سواء، فالأخير سيزور بلده في مواسم الأعياد والصيف، ما يستدعي توفير الكهرباء قبل حلوله". لا سيما أن توقعات الوزير ترمي الى انتظار لبنان لـ "مليون ونصف مغترب زائر خلال الصيف". وللمفارقة، فان هذا الرقم يتطابق وعدد النازحين السوريين. ما يدفع للقول بأن استخدامه للرقم ليس الا رسالة رفض لتمتع اللاجئين السوريين بأدنى الخدمات، كالكهرباء مثلاً. هذا الفهم لا يأتي من عدم، فيؤكدها أبي خليل بالقول: "هؤلاء اللبنانيين لهم الحق في الاستفادة من خدمات بلدهم وبناه التحتية وهم أصحاب حقوق في هذا البلد".
إذن هذا ما قاله وزير الطاقة، وخطابه هذا ليس مستجداً. ولكن، حبذا لو كان الكلام عن أثر أزمة اللجوء في سياق يعترف بتقصير الحكومات المتتالية، ما أدى الى هذا السقوط السريع على صعيد الخدمات العامة. في الوقت الذي كان يمكن للأمر أن يقتصر على حصول بعض التراجعات المحدودة في ظل الأزمة نفسها لو كانت هذه القطاعات بحالة جيدة. فمنذ انتهاء الحرب اللبنانية، ووزراء الطاقة يستهلون توليهم للوزاررة بتقديم دراسات وتوصيات لتوفير الكهرباء 24/24 ساعة في اليوم. كلها وعود بقيت بلا تنفيذ، آخرها مثلاً أطلقها وزير الطاقة الأسبق جبران باسيل عام 2010 [2]، وقد كلفت الدولة مبالغ طائلة من دون أن تؤدي الى تحسين وضع الكهرباء بالمطلق. هذا وتعاني معامل شركة كهرباء لبنان منذ سنوات من الاهتراء، وضعف الصيانة. بالمقابل فان الطلب على الخدمة بازدياد مستمر[3]. أما أزمة اللجوء السوري، فجاءت لتفضح شدة تقصير الدولة في تحديث القطاع وتنميته، وتضعه أمام استحقاق ايجاد حلول فورية.
بالعودة الى مضمون الدراسة، موضوع المؤتمر، التي أجرتها وزارة الطاقة والمياه بتمويل من الحكومة الهولندية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي، يظهر أن "الإنتاجية الفعلية للكهرباء في لبنان لا تتعدى ال 443 ميغاوات منذ عام 2012. بالمقابل فان حاجة النازحين تلامس ال 480 ميغاوات. أما معدل الاتصال غير القانوني بالكهرباء فهو 45 بالمئة، ما يسبب عبء اقتصادي يتخطى ال 330 مليون دولار بالسنة". وتهدف هذه الدراسة الى وضع خطة لتحسين قطاع الكهرباء في لبنان بحلول عام 2020، انطلاقاً من حجم الحاجة في ظل تواجد اللاجئين السوريين.
في السياق نفسه، لفت مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لوكا رنده أن "اللاجئين السوريين يقومون بتوصيل الكابلات إلى أقرب مصدر للطاقة، وبالتالي هم يستخدمون الكهرباء لتسخين المياه وكذلك لتشغيل المزيد من الأجهزة المنزلية على الطاقة الكهربائية. مما قد يؤدي إلى إلحاق الأضرار بشبكة التوزيع". وأشار رندا الى أنه "في المناطق القريبة من النقاط التي توفر الطاقة للمستشفيات، تشكل هذه الكابلات الكهربائية الموصولة مشكلة كبرى بحيث تؤدي إلى تحميل شبكة التوزيع أكثر من طاقتها، مما يضطر المستشفيات إلى الاعتماد على مولداتها الخاصة. كما تضطر المدارس أيضا للجوء إلى المولدات اثر زيادة أربع ساعات عمل يومياً لدى بعض المدارس لاستيعاب الطلاب السوريين". وذكر أن "هذا الطلب المتزايد على الطاقة يتسبب بحرق محولات التوزيع، كما يؤدي إلى انخفاض في نوعية الطاقة ونقص في جهد التيار الكهربائي".
على أرض الواقع، لا يمكن انكار التأثير المباشر للأزمة السورية على لبنان، لا سيما لناحية إرتفاع عدد السكان على الأراضي اللبنانية. الا أن الاستمرار في الحديث عن أعداد اللاجئين، لا سيما على صعيد الخطاب الرسمي، في ظل اغفال العوامل الأخرى المساهمة في هذا التدهور، أهمها عدم قيام الدولة بدورها الانمائي، يشكل تشويهاً للحقيقة. هذا التشويه ينحدر أحياناً الى مستوى الخطاب العنصري والتحريضي. وعليه، لا بد أن يسأل الوزير عن أسباب هشاشة قطاع الكهرباء الى هذا الحد طيلة العقود الماضية رغم المشاريع والدراسات وصرف الاموال؟ وبشكل متصل سؤاله عن مصير الأموال التي ستصرف خلال السنوات القادمة لتحسين القطاع بالتعاون مع الـ UNDP؟
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.