قام رئيس الجمهورية بإصدار مجموعة كبيرة من القوانين التي أقرها مجلس النواب في شهر كانون الثاني. وقد منحت المادة 57 من الدستور رئيس الجمهورية صلاحية رد القانون ضمن مهلة الإصدار فنصت على التالي:"لرئيس الجمهورية، بعد اطلاع مجلس الوزراء، حق طلب إعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لإصداره ولا يجوز أن يرفض طلبه.·وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حلّ من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه، وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً"·
وبالفعل، مارس الرئيس تلك الصلاحية فرد ثلاثة قوانين كان أقرها مجلس النواب في جلسته التشريعية في 25 كانون الثاني طالبا إعادة النظر فيها. لكن الغريب ومن خلال مراجعتنا للعدد الأخير من الجريدة الرسمية (العدد 10 تاريخ 28/2/2017)، نلاحظ صدور أربعة قوانين دون توقيع رئيس الجمهورية وذلك لعدم قيام هذا الأخير بإصدارها أو ردها خلال مهلة الشهر الدستورية ما يجعل منها قوانين نافذة حكما وواجبة النشر عملا بأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 57 من الدستور التي تنص على التالي: "وفي حال انقضاء المهلة دون اصدار القانون أو إعادته يعتبر القانون نافذاً حكماً ووجب نشره" (وقد أحال رئيس مجلس النواب تلك القوانين في 26/1/2017 للنشر ما يوجب ردها أو اصدارها قبل تاريخ 27 شباط 2017)·من ضمن تلك القوانين قانون الايجارات الذي يثير بلبلة كبيرة بسبب تداعياته الإجتماعية وإنعكاسه على النسيج المدني.
السؤال البديهي الذي يطرح نفسه لماذا رفض رئيس الجمهورية إصدار القانون وتمنع في الآن نفسه عن رده إلى مجلس النواب؟ والغريب أن هذا الموقف سبق وأن اتخذه رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان عندما رفض أيضا اصدار القانون عينه لكنه كذلك لم يقم برده فانتظر انقضاء المهلة ما أدى إلى نشر القانون حكما في ملحق العدد 27 من الجريدة الرسمية بتاريخ 26 حزيران 2014. وقد فسر موقف الرئيس سليمان حينها بعدم رغبته في الدخول بمواجهة مع أصحاب الأملاك رغم شعوره بخطورة هذا القانون وتهديده لشريحة كبيرة من الطبقات الاجتماعية الفقيرة.
فما هو المبرر الذي يمنع رئيس الجمهورية من رد القانون في حال وجد فيه ما يخالف قناعاته؟ ولماذا لا يعمد عبر استخدامه لصلاحيته إلى إرغام مجلس النواب على النقاش مجددا بقانون يوجد انقسام عميق حوله في لبنان؟ ففي حال استثنينا فرضية تأخر المجلس النيابي بإحالة القانون إلى رئاسة الجمهورية، يبقى لدينا احتمال وحيد ألا وهو عدم اقتناع رئيس الجمهورية بعدالة هذا القانون وتلك الأخرى التي امتنع عن إصدارها وأيضا عدم رغبته بإغضاب أصحاب الأملاك.
والحقيقة أن صلاحية رئيس الجمهورية هي إما برد القانون أو اصداره،. أما انتظار انتهاء المهلة دون اتخاذ أي من الموقفين لا يمكن أن يعد صلاحية على الاطلاق بل هو يعني فقط أن الرئيس غير مقتنع بصوابية القانون لكنه رغم ذلك لا يريد ان يتخذ أي خطوة لاصلاح هذا الواقع، الأمر الذي يفقد المادة 57 من الدستور جدواها ويضعف من دور الرئيس كالجهة المعنية بالسهر على احترام الدستور وتطبيق أحكامه بعدالة.
يبقى خيار الطعن أمام المجلس الدستوري: فهل يقدم رئيس الجمهورية على تلك الخطوة أم سيكتفي بالحلّ الوسط الذي لجأ اليه أي عدم اصدار القانون وعدم رده إلى مجلس النواب؟
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.