لبنان في الجولة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل (2): حديث عن التشريع في ظل انهيار اقتصادي ومالي شامل (الحقوق الإجتماعية والإقتصادية والثقافيّة)


2021-01-17    |   

لبنان في الجولة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل (2):  حديث عن التشريع في ظل انهيار اقتصادي ومالي شامل (الحقوق الإجتماعية والإقتصادية والثقافيّة)

سيكون وضع حقوق الإنسان في لبنان محلّ مناقشة في 18/1/2021، وذلك في سياق الدورة الثالثة ضمن الاستعراض الدوري الشامل (والأخيرة جرت عام 2015)، لسجل حقوق الإنسان والذي يشمل مجمل دول منظّمة الأمم المتّحدة. وكانت الجمعية العمومية للأمم المتّحدة قد أطلقت هذا الاستعراض تزامناً مع تأسيسها لمجلس حقوق الإنسان في عام 2006 (القرار 60/251). فقد أنيط بهذا المجلس “إجراء استعراض دوري شامل يستند إلى معلومات موضوعية وموثوق بها، لمدى وفاء كل دولة بالتزاماتها وتعهداتها في مجال حقوق الإنسان على نحو يكفل شمولية التطبيق والمساواة في المعاملة بين جميع الدول”. وتهدف هذه المراجعة إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان من خلال الإضاءة على الانتهاكات والحث على معالجتها، وتوفير مساعدة تقنية للدول من خلال تقاسم أفضل الممارسات في ميدان حقوق الإنسان بين الدول وأصحاب المصلحة الآخرين[1].

ويستند هذا التقييم الذي يجري أمام مجلس حقوق الإنسان إلى آلية تعاون بين الدول الأعضاء، بحيث يُعتبر تقييماً بين “نظراء” (الدول). وتستند المراجعة إلى ثلاثة أنواع من التقارير المقدّمة إلى مجلس حقوق الإنسان، وفق الجهة التي تصدرها: 1) تقرير وطني يتعين على كل دولة تقديمه حول مدى احترامها لحقوق الإنسان (وقد أودعت فعلا الدولة اللبنانية تقريرها لدى مجلس حقوق الإنسان بتاريخ 12 تشرين الثاني 2020)؛ 2) تقرير تعدّه المفوضية العليا لحقوق الإنسان بعد تنسيق المعلومات الصادرة عن وكالات الأمم المتّحدة المختلفة؛ 3) تقارير للمنظمات المدنية تقديمها، بشكل إفرادي وإما من خلال تحالف عدد منها. وتنتهي المراجعة بإقرار “تقرير النتائج” الذي تعدّه لجنة مؤلفة من 3 دول يتم اختيارها بالنسبة لكل دولة (تسمى الترويكا) تضمّنه موجزاً “عن المناقشات والأسئلة والتعليقات والتوصيات التي قدّمتها الدول إلى البلد قيد الاستعراض، علاوة على ردود الدولة المستعرضة”[2]. ويقتضي اعتماد “تقرير النتائج” هذا في الجلسة العامة التالية لمجلس حقوق الإنسان، حيث للدولة قيد الاستعراض أن ترد على الأسئلة وعلى التوصيات التي طرحتها الدول أثناء الاستعراض، كما للدول الأعضاء وللمنظمات غير الحكومية وأصحاب المصلحة الآخرين الإدلاء بتعليقاتهم. ويلحظ أن 223 توصية كانت وجّهت إلى لبنان في سياق الاستعراض الشامل السابق، وافق على 130 منها وأخذت علما بمجمل التوصيات الأخرى باستثناء توصيتين لصدورهما عن دولة إسرائيل.

وكما حصل في سنة 2015، شاركت “المفكّرة القانونية” بالدورة الثالثة للبنان القائمة حالياً، من ضمن التحالف الوطني لمنظمات المجتمع المدني الذي وضع تقريرا شاملا، كما شاركت فردياً من خلال تقرير خاص حول تعزيز استقلالية القضاء (مرفق ربطا).

هنا، سنتناول كيفية تعامل السلطات الرسمية مع التوصيات التي تلقتها من الدول الأخرى حسبما يتبدى من أدائها خلال الفترة المنصرمة وأيضا من تقريرها، بشـأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وكنا تناولنا من قبل الحقوق المدنية والسياسية ونتناول في القسم اللاحق أوضاع الأشخاص المهمشين.

ومن البين أن “التقرير الوطني” للدولة تناول هذه الحقوق بشكل تقني معددا القوانين التي صدرت في هذه الفترة من دون أن يوضح أي خطة للتعامل مع الانهيار الاقتصادي الحاصل والذي يترافق وسيترافق مع انهيارات بالجملة على الأصعدة المختلفة، سواء بما يتصل بحق العمل أو حق التعليم أو حق السكن أو الحق بالصحة أو حق العيش بكرامة .. إلخ (المحرر).

وجّهت 63 توصية إلى الدولة اللبنانية متعلّقة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وافقت الدولة على 51 منها واكتفت بأخذ العلم ب12 منها. وقد اقتصر عمل الدولة إلى حدّ كبير على استحداث سياسات ولجان تهدف إلى حل العديد من المشاكل دون أن يرصد لها مقدّرات مالية ودون رؤية واضحة للمجتمع الذي تسعى لبلوغه ما يبيّن غياب الجدية في التعاطي مع حقوق سكان لبنان الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.

تطرقت توصيتان إلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بشكل عام. أخذت الدولة العلم بالتوصية المتعلقة بتوقيع البروتوكول الاختياري المتعلق بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فيما قبلت بالتوصية المتعلقة بتحسين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

وينقسم العرض حول هذه الحقوق إلى أربع فئات هي العمل، الصحة، التعليم وأخيرا تأمين مستوى حياة لائق. وفيما لم ترِد أي توصية بحق الملكية الخاصة في 2015، فإن وضع اليد على الودائع المصرفية شكل انتهاكا فادحا في هذا الخصوص.

1- الحق بالعمل

تناولت 30 توصية حقوق العمال، بين توصيات عامة، ثمّ خاصة بعمالة الأطفال، وعمالة المهاجرين وعمالة ذوي الإعاقة تم قبول 20 منها واكتفت الدولة لأخذ العلم ب10 أخرى.

أ- حقوق العمل عموما

وجّهت 5 توصيات عامة إلى الدولة اللبنانية من أجل ضمان حقوق العمال عموما، قبلت 3 منها واكتفت بأخذ العلم ب2 منها.

تضع توصية واحدة فقط من التوصيات التي قبلت موجب نتيجة على الدولة بتحديد وحماية ودعم ضحايا الإتجار بالبشر أو العمل القسري، فيما تكتفي التوصيتان الأخريان المقبولتان بوضع موجب وسيلة على الدولة اللبنانية للسعي لاحترام معايير العمل الدولية عبر متابعة الجهود وتكثيفها دون أن تضع عليها موجب نتيجة. وتتعلّق التوصيتان بمتابعة الجهود لضمان تماشي علاقات العمل بين العمال وأرباب العمل مع معايير العمل الدولية وأخيرا تكثيف الجهود لتنظيم علاقات العمل في إطار يضمن الكرامة والحقوق ويتّسق مع المعايير الدولية، ولا سيما فيما يتعلق بالعمال المساعدين أو المنزليين.

وفي هذا الإطار، اعتبر “التقرير الوطني” أن الدولة قامت بجهود لمواءمة العلاقات بين العمّال وأرباب العمل ومعايير العمل الدوليّة، من خلال توقيع وزارة العمل والاتحاد العمالي العام وجمعية الصناعيين عام 2017 “البرنامج الوطني للعمل اللّائق في لبنان بين 2017 و2020. فسعى البرنامج إلى تعزيز العمل بين أطراف الإنتاج الثلاثة لتحليل قانون وتشريعات العمل وتحديد الثغرات والتحديات على ضوء احتياجات سوق العمل دون أن تتبيّن نتائج هذا البرنامج والذي لم يكن له عمليا أي أثر على هذه العلاقات. وتجاهل “التقرير الوطني” بالطبع ضعف تمثيل الاتحاد العمالي العام للعمال في لبنان ومصالحهم بسبب وضع النظام يده عليه من خلال قواعد التمثيل داخل الاتحاد التي لا تأخذ بعين الاعتبار عدد المنتسبين لكل نقابة، بل تساوي بينهم.

أمّا التوصيتان الإثنتان اللتان ذهبتا في اتجاه ضمان حقوق متساوية لجميع العمّال في البلاد وفق المعايير الدولية، وإنشاء آلية رصد لمنع إساءة المعاملة وضمان ظروف عمل ودفع أجور لائقة، فقد اكتفت الدولة اللبنانية بأخذ العلم بهما دون الموافقة عليهما . ويعود ذلك لكون هذه التوصيات تخلق التزاما على الدولة في حال تمّ قبولها بإعادة النظر بنظام الكفالة، وتتطرّق بشكل غير مباشر إلى قضايا العمال المهاجرين ونظام الكفالة هذا.

وكانت “المفكرة القانونية” نشرت عددا خاصا حول الإتجار بالبشر بينت فيه بوضوح كلي أن القضايا التي وصلت إلى محاكم الجنايات تتصل بالدعارة والتسول، فيما تبقى حالات العمل القسري جد نادرة.

وفي هذا المجال، شهد لبنان تحدّيات جديدة سنتي 2019 و2020 شملت أكبر موجة صرف تعسفي وثقتها “المفكرة” في قطاعات المحال التجارية، والمصارف، وفي الجامعات وفي كافة القطاعات، ساهمت بها الأوضاع الإقتصادية وأزمة كورونا. وكانت “المفكّرة” قد خصّصت عددا كاملا عن حقوق العمال في لبنان والعديد من المقالات لاحقا عن حقوقهم، وأسباب اعتبار تخفيض المعاشات باطلاً. كما أعلنت في مؤتمر مشترك مع المرصد الوطني لحقوق العمال والمستخدمين حالة طوارئ لحق العمل في لبنان، حيث ذكّرت بحقوق العمال وكيفية وجوب تعاملهم مع الصرف لضمان حقوقهم عبر فيديوهات ورسوم بيانية. وأظهرت ضعف الحماية النقابيّة، وضعف حماية وزارة العمل واعتكافها عن لعب الأدوار المناطة بها في قانون العمل تحديداً في ظل الصرف لأسباب اقتصادية، وضعف الحماية القضائية للعمال. كما طالبت بإقرار مجلس النواب لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 بشأن الحرية النقابية وحق التجمّع وإنشاء النقابات دون أي تحفظ كما تعديل المادة 50 من قانون العمل بما يحفظ حقوق العمال ودعت لتأسيس النقابات لاستعادة الإتحاد العمالي العامّ.

ب- عمالة الأطفال

من ناحية أخرى تطرّقت 6 توصيات بشكل خاصّ إلى مكافحة عمالة الأطفال عبر اتخاذ تدابير ووضع استراتيجية لمكافحتها خاصة عبر وضع نظام تعليمي لاستيعاب هؤلاء الأطفال خاصة أولاد الشوارع وقد قبلت جميعها.

وكان “التقرير الوطني” قد ذكّر بوضع “خطة العمل الوطنية للقضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال في لبنان بحلول العام 2016” واستراتيجية التوعية الوطنيّة وهو ما اعتبرته الدولة إنجازا وخطوة أساسية نحو القضاء على عمالة الأطفال. إلّا أن عدم التزام لبنان بتأمين الموارد أدى إلى إقفال العديد من مراكز حماية وتعليم الأطفال، بالإضافة إلى ازدياد صعوبة ظروف اللاجئين السوريين، عمّقت من المشكلة مع ازدياد عدد الأطفال اللبنانيين والسوريين العاملين في القطاع الزراعي وهو ما بينّا خطورته. وقد أدت الأزمة الإقتصادية التي أطلت برأسها عام 2019 إلى زيادة عمالة الأطفال سواء من اللاجئين أو اللبنانيين دون أي معالجة جديّة.

2. العمال المهاجرين واللاجئين الفلسطينيين

تطرّقت 17 توصية إلى حقوق العمال المهاجرين، 5 منها بشكل عامّ، في حين ركّزت 10 منها على حقوق العمال المنزليين ونظام الكفالة و2 على حقوق العمال الفلسطينيين في لبنان.

في ما خص التوصيات العامة فقد قبلت 4 توصيات متعلّقة بتحسين الوضع القانوني للعمال المهاجرين، وتعزيز وحماية حقوق العمال الأجانب، وتعزيز الجهود الرامية إلى تحسين رفاه وحقوق العاملات المهاجرات في لبنان، وأخيرا تحديد وحماية ودعم ضحايا الإتجار والعمل القسري. وقد أخذت الدولة علماً بالتوصية التي تدعو إلى توقيع لبنان على اتفاقية حماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم.

أما بالنسبة للتوصيات المتعلّقة بنظام الكفالة المتعلّق بالعمال المنزليين فقد قبلت الدولة ب5 توصيات 4 منها تسعى لتكثيف الجهود لمحاربة الإتجار بالبشر وتأمين الحماية كما زيادة الوعي فيتغ هذا المجال. أما الخامسة فتضع موجب وسيلة على الدولة بتكثيف الجهود لتحسين وضع العمال الأجانب خاصة المساعدات المنزليات، فيما اكتفى بأخذ العلم ب5 توصيات أخرى تأتي في السياق نفسه المتّجه نحو تعديل قانون العمل ونظام الكفالة لتأمين الحماية اللازمة للعمّال المنزليين بالتساوي مع باقي العمال؛ تعديل قانون العمل لتوسيع الحماية القانونية للعمال المنزليين بشكل يتساوون فيه مع العمال الآخرين وإصلاح نظام تأشيرات الكفالة بما يتيح للعمال إنهاء عملهم دون موافقة الكفيل؛ إلغاء نظام الكفالة فيما يتعلق بالعمال المنزليين المهاجرين؛ اتخاذ التدابير اللازمة لضمان توفير الحماية الفعالة ضد التمييز في جميع جوانب عمل جميع العمال المنزليين المهاجرين.

نذكّر أن لبنان قد شهد أزمة كبيرة سنة 2020 بيّنت خطورة نظام الكفالة تمثّلت بتخلي الكفلاء عن المئات من العمال الأجانب المنزليين في معظم الأحيان دون دفع مستحقاتهم بسبب انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار وعدم قدرتهم على تسديد هذه المستحقات. وقد بيّنت “المفكّرة” خطورة ذلك خاصة في ظل تشرد العمال في الطرقات أثناء انتشار جائحة كورونا مما يهدّد صحّتهم ويعرّضهم لمزيد من الاستغلال.

أما أبرز تطور في هذا المجال فهو إصدار وزيرة العمل في حكومة تصريف الأعمال لميا يمين في 8 أيلول 2020 “عقد العمل الموحّد” وكانت “المفكّرة” قد بيّنت سلبياته وإيجابياته. فإن كان يخفّف من نظام الكفالة، بحيث يكرّس استفادة العاملة المنزلية من الحد الأدنى للأجور، وحقها بفسخ العقد، ويضمن الحق في غرفة خاصّة لها، ويحدّد ساعات العمل بثماني ساعات، ويحمّل صاحب العمل مسؤولية تجديد الإقامة، إلا أن هذا العقد لا يزال قاصرا عن إلغاء نظام الكفالة وذلك بسبب منع العاملة من خيار المبيت لدى صاحب العمل أو في مكان آخر. كما لا يتضمّن أي حماية في كل ما يتعلّق بالعطل، وفي حين يعطيها حق فسخ العقد وهو ما يشكل خطوة إيجابية فهو يساوي بين حقها في فسخ العقد وحق صاحب العمل في الفسخ على عكس ما يؤسس له قانون العمل الذي يؤمن حماية أكبر للعامل ويربط إنهاء العقد بخطأ الأجير وبضوابط عدة تحدّ من إمكانية التعسّف.

إلا أن مجلس شورى الدولة عاد وأصدر قرارا في 14/10/2020، على إثر دعوى قدمتها نقابة أصحاب مكاتب عاملات المنازل، يلغي قرار الوزيرة يمين وهو ما بيننا خطورته إذ شكّل تراجعا في الدفاع عن مصالح الدولة والتزاماتها الدولية خاصة في ما يتعلّق بمكافحة الإتجار بالبشر.

واللافت أن “التقرير الوطني” ذكر وضع عقد العمل الموحد من دون الإشارة إلى أنه تمّ وقف تنفيذه لاحقا. كما اللافت أن “التقرير الوطني” تحدث عن مسودة مشروع قانون حول العمالة المنزلية أرسلتها وزارة العمل إلى مجلس الوزراء في 2014 من دون إعطاء أي معلومات بشأن مآلها.

أخيرا وجّهت إلى الدولة اللبنانية توصيتان تهدفان إلى مساواة الفلسطينيين باللبنانيين في حقوق العمل اكتفت الدولة بأخذ العلم بهما.

الأولى تقدّمت بها دولة فلسطين وتهدف إلى تسريع إصدار المراسيم المتعلّقة بقانون العمل لتسهيل توظيف الفلسطينيين وفتح مجالات العمل في كلّ المجالات. أمّا الثانية فتقدّمت بها دولة أيسلندا لنزع القيود التمييزيّة في ما يتعلّق بدخول نطاق العمل للاجئين الفلسطينيّين. نذكر أن الفلسطينيين يواجهون صعوبات أكثر من غيرهم من اللاجئين أو المهاجرين من جنسيات أخرى بسبب ارتباط قضيتهم بمسألة التوطين، واعتبارات التوازن الديمغرافي الطائفي ما أدى إلى حرمانهم من العمل في العديد من القطاعات. كما نذكر أنه في تموز 2019 أصدر وزير العمل السابق كميل أبو سليمان (القوات اللبنانية) “خطة مكافحة عمل الأجانب غير الشرعيين في لبنان” التي أدّت إلى خسارة العديد من العمال وأصحاب العمل الفلسطينيين لوظائفهم.

وكانت “المفكّرة” قد أعدّت دراسة عن الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها لتحصيل حقوقهم عبر القضاء.

3. حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة بالعمل

تطرّقت توصيتان إلى حق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة في العمل قبلت الدولة بها.تتعلّق بتوقيع إتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة كما ضمان التنفيذ الفعال للخطة الوطنية لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا سيما في ما يتعلق بالوصول إلى التعليم والعمل.

في هذا المجال، لا يزال القانون 220/2000 غير مفعّل حيث أن الشركات التي يتخطّى عدد موظفيها عددا معيّنا، والملزمة بحسب القانون بتعيين نسبة معيّنة من ذوي الإحتياجات الخاصة، لا تزال تمتنع عن ذلك رغم التحفيزات الضريبيّة لها وضمان البطالة وإمكانية فرض غرامات عليها. واللافت في هذا المجال إصدار الغرفة الأولى في مجلس شورى الدولة بتاريخ 13/2/ 2017 قراراً نهائياً بما يتصل بضمان حق العمل للمعوقين في القطاع الخاص تبعا لدعويين تقدّم بهما اتحاد المعوقين. فأوجب القرار على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التأكد من مدى التزام أصحاب العمل في المؤسسات المتوسطة والكبيرة بموجب توظيف ذوي الإعاقة وعدم إصدار براءات ذمة في حال المخالفة. كما أوجب على وزارة العمل جباية غرامات من المؤسسات الكبرى المخالفة. كما صدر قرار ثالث عن مجلس شورى الدولة بإقرار تعويض بطالة لشخص معوق. إلا أن الحكومة لم تنفذ حتى اللحظة أيا من هذه القرارات.

وقد بينت “المفكرة” كيفية خروج الدولة عن مبدأ الخصم الشريف حيث سعت لتبرير عدم التزامها بالمادة 74 من القانون 220/2000 التي تمنع الضمان الإجتماعي من إصدار براءة ذمّة للشركات الكبيرة التي تمتنع عن توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال تذرّعها بعدم قدرتها على تطبيق القانون لعدم إصدار موازنة يدرج بها بندي تحصيل الغرامات وتعويض البطالة، وأخيرا تذرّعت بالحاجة إلى وضع مراسيم تطبيقية للقانون 220/2000.

يذكر أن “التقرير الوطني” أشار هنا إلى صدور مرسوم تنفيذي بشأن تطبيق كوتا 3% في القطاع العام بتاريخ 27/6/2019.  إلا أنه الصحيح أن هذا المرسوم بقي مسودة حيث لم يصدر رسميا فضلا عن أنه أعدّ في موازاة صدور قوانين عدة بمنع التوظيف في القطاع العام.

    2- الحق في الصحة

وجّهت 5 توصيات متعلّقة بالحق في الصحّة إلى الدولة اللبنانية قبلت 4 منها فيما أخذت علما بتوصية وحيدة متعلّقة بتعزيز الجهود الرامية إلى ضمان حماية وكرامة اللاجئين السوريين، ولا سيما فيما يتعلق بالرعاية الصحية والوصول إلى التعليم وحماية الأطفال والنساء والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة في حالة الخطر.أما التوصيات ال3 المقبولة فتنصبّ جميعها في إطار تحسين الرعاية الصحيّة مثل بذل جهود إضافية لتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ولا سيما تعزيز الحق في الصحة (والإسكان)، ومواصلة البحث عن تدابير لمعالجة ارتفاع تكلفة الخدمات الصحية والتفاوت النوعي القائم في السوق في هذه الخدمات، القيام بخطوات لتقوية وحماية حقوق النساء خاصة في مجال الصحة وأخيرا تحسين الوصول إلى الخدمات الصحية والاجتماعية (والتعليمية) ذات الجودة، لا سيما بالنسبة للأطفال والنساء.

بحسب تقرير الدولة اللبنانية أطلقت وزارة الصحـة العامـة عام 2017 استراتيجية الصحة العامة عام 2025 التي تعطي الأولوية للتغطيـة الصحيـة الشـاملة. وقد حاولت الدولة اللبنانية بحسب تقريرها توسيع إطار خدماتها لتشمل المراكز الصحيّة التابعة لهيئات المجتمع المدني. كما اتخذت وزارة الصحّة استراتيجيات ذات عناوين ثلاثة هي ترشيد تعاقد القطاع العام للرعاية الإستشفائية، وتحسين نوعية الرعاية الخارجية وتكافؤ الفرص في الوصول إليها، وخفض المدفوعات المباشرة المقرّرة للأسر. وحاولت زيادة عدد الأسر لمكافحة كورونا. إلا أن هذه الخطوات لم تحقّق الهدف المنشود منها. فلا يزال هنـاك فجوة كبيرة في هذه التغطيـة، خاصة في ما يتعلّق بالفئات الأكثر هشاشة من كبــار الســن والأشــخاص ذوي الإعاقــة والعاطليــن عن العمل والمهاجرين واللاجئين والمزارعين وعمال القطاع غير الرسمي. فلا يحظى أكثر من نصف اللبنانيين (53%) بأي شكل من أشكال التغطية الصحية النظامية، وبالتالي يُحرمون من الوصول إلى الخدمات الصحية اللازمة. كما تشير أرقام منظّمة الصحّة العالميّة أن 8% فقط من السكان يستفيدون من الرعاية الأولية للحكومة اللبنانية ويهيمن القطاع الخاص على تقديم الخدمات الصحية مع أكثر من 90% من مجمل الخدمات رغم فواتيره المضخّمة. وقد كشفت إحصائية عام 2016 أن عدد المستشفيات العامة ضئيل بالنسبة للمستشفيات الخاصة.

وقد اختبرت جائحة كورونا نظام التغطية الصحية في لبنان كما قدرات القطاع الصحي حيث تبيّن عدم جهوزية المستشفيات وشح الأدوية وسط الأزمة المالية والاقتصادية الحادة، وعدم وجود سلطة رقابية على المستشفيات الخاصة التي تمنعت عن تلبية طلبات وزارة الصحة بزيادة عدد أسرة لمكافحة كورونا. كذلك فقد أثّر انفجار المرفأ على جهوزية القطاع حيث أدّى إلى أضرار فادحة في العديد من المستشفيات.

أخيرا في ما يتعلّق بتكلفة الرعاية الصحية نلحظ الدور المهمّ الذي يجب أن يلعبه قانون المنافسة في تخفيض الكلفة في ظل سيطرة كارتيلات الأدوية على القطاع وهو ما سبق وبيّنته “المفكرة”.

    3- الحق في التعليم

صدرت 4 توصيات رئيسية في هذا المجال من قبل 22 دولة قُبلت جميعها. الأولى متعلّقة بتوفير تعليم ذات جودة وبصورة مجانية لجميع المقيمين في الدولة اللبنانية حتى عمر 15 سنة وجعله إلزاميّا. أما الثانية فتتعلّق بتأمين موارد مستدامة لقطاع التعليم. أما الثالثة فتتعلّق بتأمين التعليم والدمج للأطفال ذوي الإحتياجات الخاصّة عبر تأمين الموارد البشرية والماديّة والحماية اللازمة لهم. أما الأخيرة فتتعلق بنشر ثقافة حقوق الإنسان في المناهج التعليمية وعبر حملات توعية عامة.

وبحسب “التقرير الوطني”، فقد طوّرت العديد من السياسات مثل “سياسة حماية التلميذ في البيئة المدرسية” لتدريب المدرسين على رصد حالات التلاميذ المعرّضين للخطر كما وضعت برنامج التعلم المعجل غير النظامي الذي يؤهل التلاميذ غير اللبنانيين للتسجل في المدارس الرسمية وتوفير العلم لمن هم بين 7 و17 عاما والذين مضى على خروجهم أكثر من عامين. كما أمّنت التعليم المجاني في المدارس والمهنيات الرسميّة وتغطية رسوم التسجيل وثمن الكتب فبلغ عدد المستفيدين 160000 فرداً حتى العام 2019.

واللافت أن “التقرير الوطني” عاد ليذكر بصدور قانونين بتكريس التعليم المجاني والإلزامي وهما القانونين 686/1998 لإلزامية ومجانية التعليم الابتدائي و105/2011 لإلزامية ومجانية التعليم الأساسي في المدارس الرسمية. إلا أن ما لم يقله “التقرير الرسمي” هو أن هذين القانونين ما يزالان غير نافذين بفعل تقاعس الحكومات المتعاقبة عن إصدار المراسيم التنفيذية لتطبيقهما.

وحتى اليوم، لم تقم السلطات العامة بالخطوات اللازمة والكافية في ظل جائحة كورونا لتؤمّن بفعالية التعلّم عن بعد لجميع الطلاب حيث اكتفت ببعض الدورات التدريبية للمدرسين بحسب تقرير الدولة. كذلك في ظل الأزمة الإقتصادية، شهد لبنان نزوحا للطلاب من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسميّة دون أن يترافق ذلك مع زيادة جديّة في الموارد المخصّصة للمدارس الرسميّة بحسب الحاجات المستجدّة. ويأتي ذلك كلّه في سياق مسار انطلق ما بعد حرب 1975-1990 اندثر معه كلّياً الخطاب حول تعزيز التعليم في المدرسة الرسمية (وحدها القادرة على تأسيس أجيال من المواطنين المتساوين) وحلّ خطاب مكانه أوحد قوامه تمكين أوسع شريحة من المواطنين من ولوج المدرسة الخاصة (وهي مدرسة مرتبطة في أغلب الأحيان بالطوائف). على صعيد آخر لم يحصل أي تطوّر في ما يتعلّق بتأمين الموارد لتعليم الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصّة بل زادت جائحة كورونا من عزلتهم[3].

    4- الحق في مستوى معيشي لائق

أخيرا صدرت توصيتان في هذا الخصوص من قبل 4 دول، قبلت بها الدولة اللبنانية. تتعلّق الأولى بمواصلة تعزيز السياسات الوطنية لمكافحة الفقر والاستبعاد الاجتماعي لصالح القطاعات الأشد هشاشة، أما الثانية فتعنى بمواصلة تنفيذ برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً كوسيلة لمكافحة الفقر.

في هذا الخصوص، مع حلول الأزمة الاقتصادية على لبنان وجائحة كورونا شهد لبنان تضعضعا في بنيته الإجتماعية حيث أخذت الطبقة الوسطى تنحسر مع انهيار العملة الوطنية وتعسف المصارف في حجز أموال المودعين. وفيما شرعت الدولة والمصرف المركزي بدعم أسعار بعض السلع تبين استغلال التجار لهذا الوضع لتحقيق أرباح، وعودة هذا “الدعم” بالإفادة تحديداً عليهم، بعيداً عن الشرائح الإجتماعية الأكثر هشاشة. كذلك بين البنك الدولي في دراسة له في كانون الأول 2020 ارتفاع نسبة الفقر إلى 55% من الشعب اللبناني مع احتمال ازدياد هذه النسبة خلال سنة 2021.

وكانت “المفكّرة” قد فكّكت مقاربة الدولة للفقر مع ازدياد نسبته، مقاربة يمكن اختصارها بثلاثة محاور: الأوّل، إضعاف دور الدولة في الحدّ من الفقر وتفويض صلاحياتها للأحزاب والطوائف؛ الثاني، التعاطي مع الفقر كـمسألة “قضاء وقدر” أو على الأكثر كفجوة يقتضي سدّها بالمساعدات، وفصلها عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي لتوزيع الثروات؛ وأخيراً، تعزيز منطق التبرعات والمساعدات كمنّة لشراء الذمم عوضاً عن ثقافة الحقوق. كما بينت “المفكّرة” كيف أن “برنامج دعم العائلات الأكثر فقرا” الذي يشكل خط الدفاع الأول للدولة بوجه الفقر بحسب تقريرها، يعتمد معايير قديمة لتعريف الفقر ويكتفي بسد جوع الفقير دون التركيز على الانتقال به إلى حالة الاستدامة في تأمين الدخل له، يمكّنه من الإستمرار بالعيش بكرامة. باختصار، لم يتمتع لبنان يوما بآلية واضحة لمواجهة الفقر وقد انكشف ضعف مقاربة الدولة اللبنانية في مواجهته مع اشتداد الأزمة الإقتصاديّة وأزمة كورونا. كما يقتضي التذكير بالتشرد الذي أصاب آلاف العائلات بسبب خسارة العديد من اللبنانيين لمنازلهم بسبب تفجير مرفأ بيروت كما تأثير ارتفاع معدّل البطالة على مستوى الحياة اللائق.

ولعل أكبر حالات انتهاك الملكية حصل في 2019-2020 تبعا لكيفية إدارة الودائع في المصارف وفق ما بيناه في عدد خاص.

***

لبنان أمام الجولة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل (1): استقلال القضاء متروك للمبادرة النيابية من دون أي التزام (عن الحقوق المدنية والسياسية) 

لبنان في الجولة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل (2): حديث عن التشريع في ظل انهيار اقتصادي ومالي شامل (الحقوق الإجتماعية والإقتصادية والثقافيّة)

لبنان في الجولة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل (3): تجريم المثليين مسألة متروكة للقضاء وتوريث الفلسطينيين مسألة متروكة للإدارة

  1. الأمم المتحدة-مجلس حقوق الإنسان، “حقائق أساسية عن الاستعراض الدوري الشامل“، الموقع الرسمي للمجلس، 2020.
  2. المرجع نفسه.
  3. تجدر الإشارة إلى أن الدولة قد أخذت العلم بتوصية وحيدة تتعلّق بحق التعليم والرعاية الصحية لللاجئين السوريين، وهي التوصية التي نتطرّق إليها في القسم المرتبط بالحق بالصحة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، عمل ونقابات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المرصد القضائي ، حقوق العمال والنقابات ، محاكم مدنية ، اقتصاد وصناعة وزراعة ، نقابات ، قطاع خاص ، الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، الحق في السكن ، الحق في التعليم ، حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني