لبنان دفع ثمن هيمنة القيادات السياسية على الرياضة، وعلى القضاء؟


2013-09-06    |   

لبنان دفع ثمن هيمنة القيادات السياسية على الرياضة، وعلى القضاء؟

في 11 تموز 2013، أصدر الاتحاد الدولي للفيبا قرارابتعليق عضوية الاتحاد اللبناني لكرة السلة، مما يعني عمليا منع لبنان من المشاركة في المباريات الدولية، وذلك على خلفية النزاعات السياسية والقضائية التي شابت دوري كرة السلة في لبنان، والتي كادت تأخذ طابعا أمنيا.
وكان نادي عمشيت قد تقدم بدعوى بوجه الاتحاد اللبناني لكرة السلة، وذلك على خلفية قرار هذا الأخير بتأجيل مباراة التأهل للنصف النهائي لدورة كرة السلة في لبنان "لأسباب أمنية" من دون ابلاغ النادي المدعي الموعد الجديد للمباراة وفق الأصول مما أدى وفق هذا الأخير الى حرمانه من خوضها والى تنظيم محضر score sheetمن قبل مراقب المباراة بفوز فريق الشانفيلبالمباراة.
وبمجرد التدقيق في وقائع الملف وهوية الأشخاص المعنيين فيه، يتبين لنا مدى تدخل السياسيين فيها: تسييس ادارات النوادي (تولي شربل سليمان نجل رئيس الجمهورية إدارة شؤون نادي عمشيت)، عقد اجتماعات في منزل وزير الداخلية بمبادرة منه لإيجاد حل وسطي بين نادي عمشيت والاتحاد، محاصرة الإعلاميين واللاعبين في عمشيت احتجاجا على إعلان فوز نادي الشانفيل، توكيل المحامي والنائب من التيار الوطني الحر إبراهيم كنعان للدفاع عن الاتحاد والمحامي ناجي البستاني (المقرب من رئيس الجمهورية والوزير السابق) للدفاععن نادي عمشيت. وإذ نتبين بوضوح هيمنة السياسيين على الرياضة، فان الأمر اكتسب أبعادا اضافية مع نقل النزاع الى القضاءالذي ظهر، من خلال تعارض مواقفه وتغيرها من درجة الى أخرى، وكأنه يتأثر بالمواقف والظروف السياسية المحيطة به أكثر مما يؤثر فيها. وفيما بدا ذلك في القرار الاستئنافي بشكل خاص من خلال توقيته وسرعة إنجازه تحت وطأة قرار الفيبا، فقد تحولت المحاكمة الابتدائية الى مناسبة يغلب فيها القضاء فريقا على آخر على أساس شعارات غير مسندة الى أي مرجع وغير قادرة تاليا على توثيق قناعة معينة مهما كانت. واللافت أن المحكمتين قد وصلتا الى نتائجهما من خلال تمجيد الرياضة ولو بجوانب مختلفة منها.
وهذا ما ألمح اليه بيان الفيبا الذي أورد التدخلات السياسية في القضاء ضمن أسباب تعليق عضوية الاتحاد اللبناني فيه.
 
المحكمة الابتدائية: تمجيد الرياضة لفرض رقابة واسعة على قرارات الاتحاد
الحكم الأول في هذه الدعوى صدر عن الغرفة الابتدائية السابعة في جبل لبنان-جديدة المتن في5 حزيران 2013، وقد قضى "بإبطال قرار الاتحاد اللبناني الذي أعلن خسارة نادي عمشيت وتأهل نادي الشانفيل وإبطال كل اتصل به من إجراءات وإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل المباراة محل النزاع، ومتابعة البطولة الوطنية لكرة السلة عبر إشراك المدعي في مباراة تجمعه والشانفيل كما لو أن إعلان فوز نادي الشانفيل لم يحصل أصلا." ولإعلان اختصاصها، لجأت المحكمة الى تعليل مواقفها على مرحلتين: فأولا، رفعت الأنشطة الرياضية الى مصاف الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور في سياق حمايته للحقوق الأساسية والحريات العامة من خلال اتصالها بكيان الإنسان الجسدي والفكري، فاذا تم لها ذلك، وأعلنت أن هذا الحق أسوة بجميع الحقوق الأساسية "موضع حماية من قبل القضاء العدلي الذي يعتبر الحارس الأمين والضامن المكين بجميع الحقوق الأساسية والحريات العامة"، اندفعت في مرحلة ثانية الى المزج بين حق ممارسة الأنشطة الرياضية و"حق الأندية الرياضية في المشاركة في البطولة الوطنية"، مما يجعلها مختصة  للنظر في قرارات اتحاد كرة السلة ل"ارتباطها بهذا الحق الأساسي" ولابطاله على أساس أنه ينتهك  حق المدعي الأساسي بالمشاركة بالبطولة الوطنية. وعليه، بدت المحكمة الابتدائية وكأنها فرضت من خلال تعظيم حق الرياضة، رقابة شبه شاملة على قرارات الاتحاد سامحة بذلك بالتأثير على مجرى المسار الرياضي من خلال ادخال القضاء كحكم إضافي، له كلمته في نتائج المباريات. ورغم جدة موقف المحكمة في اعلان هذا الحق، الا أنها لم تستشعر أي حاجة في دعمه بأي نص قانوني أو مرجع فقهي أو اجتهادي سواء كان هذا المرجع دوليا أو وطنيا. وهي بذلك لم تكن فقط غير مقنعة، انما بدت وكأنها تستسهل اعلان حقوق أساسية من دون بذل أي جهد لإقناع الآخرين أو السلطات بوجودها. وبالطبع، من شأن هذه المبالغة في اعلان الحقوق الأساسية أن تؤثر بشكل كبير على مفهوم الحق الأساسي والذي يفترض أن يشمل الحقوق الأكثر تلازما للإنسان وكرامته ومفاعيلها. ويشار إلى أننا لم نرصد أي اتفاقية دولية أو قانون يكرس الرياضة كحق أساسي ما عدا بعض اللجان الدولية التي سعت إلى تكريس الحق بالرياضة من زاوية منع جميع أشكال التمييز ضد المرأة والمقعدين.
 
صرخة الفيبا: للهيمنة السياسية على الرياضة ثمن
تبعا للحكم، وإذ اعتقد اللبنانيون أن بإمكانهم الاستمرار في تغليب السياسة على كل من أنشطتهم الحياتية، جاءت ردة الفعل من جهة غير منتظرة أبدا لتذكرهم أن هذا الخلط الذي اعتادوا عليه في ألاعيبهم السياسية يخالف عددا من المعايير الدولية التي باتت راسخة في مجال الرياضة وأن لهذه المخالفة ثمن باهظ على صعيد المصلحة الوطنية. فقد أرسلت الفيبا (الاتحاد الدولي لكرة السلة) الى الاتحاد اللبناني كتابا بتعليق عضوية الاتحاد كما سبق بيانه. وقد أسندت الفيبا قرارها على "تمكن أحد النوادي، بدعم سياسي خارجي، من تعطيل حسن سير البطولة الوطنية اللبنانية. كما تمكن النادي من الحصول على قرار من المحكمة المدنية يلغي القرارات التقنية والرياضية التي اتخذها الاتحاد"، وذلك خلافا للفقرة 7 من المادة التاسعة (من النظام الداخلي للفيبا) التي تؤكد على استقلالية الاتحادات الوطنية وعلى ألا تخضع لتأثير مباشر من طرف ثالث" وهي تنص على ضرورة إنشاء هيئة تحكيم مستقلة لفض النزاعات من قبل الاتحادات المحلية باستثناء العودة ضمن حدود القانون إلى القضاء المحلي". ومن خلال الكتاب المذكور، بدت الفيبا وكأنها تتهم الدولة اللبنانية بالتقاعس عن وضع الآليات الضرورية لضمان حسن سير تنظيم هذا المجال الرياضي، كما تتهم سياسيين باستخدام نفوذهم في ميداني الرياضة والقضاء بهدف تحقيق مصالحهم ودعم ناد بوجه آخر، الأمر الذي يتعارض مع وجوب ضمان استقلالية الاتحادات الوطنية.
وهي بذلكوضعت اللبنانيين جميعا أمام مراياهم محملة إياهم مسؤولية مشتركة عما حصل.
وإذ أوجد هذا القرار احباطا لدى اللاعبين ومحبي اللعبة، انحصرت ردود الفعل الرسمية على مواقف لوزارة الشباب والرياضة، واللجنة البرلمانية للشباب والرياضة. ورغم قناعة الجميع بأن ثمة تقصيرا في أداء كل منهم وأن ثمة حاجة للتعاون لسد هذه الثغرات تمهيدا لتقديم ملف كامل للاتحاد الدولي يسمح للبنان بالعودة الى خارطة اللعبة الدولية، فان اللعبة اللبنانية استمرت هنا أيضا من خلال الاستمرار في تراشق الاتهامات بشأن ما وصلت اليه الأمور. وهكذا، وفيما حددالنائب سيمون أبي رميا، خلال جلسة للجنة الشباب والرياضة عقدت في المجلس النيابي بتاريخ 23 تموز 2013, بصفته رئيسا للجنة البرلمانية الشباب والرياضة الثغرات المؤسساتية (وهي تحديث النظام الداخلي للاتحاد وعدم إنشاء هيئة مستقلة لبت الطعون والخلافات ذات الطابع الفني والرياضي) معلنا ان المجلس النيابي سيقوم قريبا جدا بمناقشة مشروع القانون المقدم من وزارة الشباب والرياضة حول إنشاء هيئة التحكيم الرياضي، فانه خصص رغم ذلك جزءا هاما من خطابه لرشق الاتهامات السياسية ضد نادي عمشيت من دون تسميته على خلفية أنه "قدم دعوى أمام القضاء اللبناني خلافا لأبسط القوانين الرياضية الواضحة لجهة منع النوادي من التوجه الى القضاء المحلي لبت الإشكالات الفنية والتقنية والرياضية". في المقابل، اتهم نادي عمشيت في بيان صادر عنه الاتحاد الوطني بالتسبب فيما آلت إليه مبررا الذهاب إلى المحكمة بغياب أي آلية أخرى طالما "أن الاتحاد اللبناني خالف أبسط قوانين الاتحاد الدولي بعدم تشكيل لجنة مستقلة ومحايدة لفض النزاعات كما يفرض عليه نظام الفيبا". فكأنما الاعتراف بالخطأ من كل من الفرقاء لا يحول دون استمرار رشق الاتهامات ضد الفرقاء الآخرين: ففي موازاة اللعبة الرياضية المعلقة ووراءها وحولها، هيمنة للعبة السياسية التي ليس لها أي ضابط أو وقت.
 
الاستئناف توقف المحاكمة: استبدال تمجيد الحق بالرياضة بتمجيد تنظيم المرفق العام الرياضي
الجواب الأبرز أتى بعد أيام، في 13 تموز 2013، من الغرفة الثالثة عشرة لمحكمة استئناف جبل لبنان والتي قضت بفسخ الحكم المستأنف لعدم الاختصاص. وبخلاف الحكم الابتدائي الذي أبرز أهمية الحق بالرياضة لتوسيع هامش رقابة القضاء العدلي على الاتحاد عملا بنظرية التعدي على الحقوق الأساسية، أبرز الحكم الاستئنافي أهمية المرفق الرياضي الذي يديره الاتحاد وصولا الى اعلان عدم اختصاصه في موازاة التأكيد على الامتيازات الممنوحة للاتحاد. ف"النشاط الرياضي يساهم في الوحدة الوطنية وله تأثير على الصحة العامة وتنشئة الشباب. والانتصارات تنعكس إيجابا على سمعة الدولة ومكانتها وتساهم في الانصهار الوطني لذا فهو يعتبر مرفقا عاما إذ يشارك الاتحاد اللبناني لكرة السلة في إدارة مرفق عام، يتمتع "بامتيازات السلطة العامة في إدارته الحصرية لهذه الرياضة". ونسجل هنا كيف تحول القضاء من تعظيم الحق بممارسة نشاط رياضي على نحو يبرز حجم الضرر الذي أسند اليه نادي عمشيت دعواه الى تعظيم المرفق الرياضي وتأثيراته الهامة على المجتمع والوحدة الوطنية على نحو يبرز أهمية الدور المناط بالاتحاد[1].
وفيما لا يؤدي هذا القرار بحد ذاتهالى انهاء المعركة القضائية اذ يمكن نقل النزاع الى القضاء الإداري، فان الفرقاء تعاملوا معه على أنه تدبير تسووييهدف بالدرجة الأولى الى استرضاء الفيبا وحثها على الرجوع عن قرارها قبل انتهاء المهلة المحددة منها لسحب الدعاوى المقدمة منه وابعاد السياسة عن اللعبة. فقد رضح نادي عمشيتللقرار معرضا عن ممارسة حقه بالطعن فيه عن طريق التمييز.
وقد تعزز هذا الاعتقاد من خلال البيانات التي أكدت على أن صدور حكم الاستئناف يعني إمكان مشاركة منتخب لبنان في بطولة آسيا.
الخيبة لم يطل انتظارها: فالفيبا بقيت على قرارها بتعليق عضوية الاتحاد. فالمسألة لا تحل بفسخ الحكم أو في المجاملة، انما هي تقتضي اتخاذ خطوات إصلاحية من شأنها ضمان اللعبة إزاء أي تدخل مستقبلي مشابه، وهي خطوات يقتضي اتخاذها تحت الضغط. فالمطلوب ليس فقط الامتناع عن صرف النفوذ حاليا انما وضع تشريعات للحؤول دون تكراره مستقبلا. ليت الكارت الأحمر الذي رفعته الفيبا في وجه السياسيين حماية للرياضة، يسحب في وجههم لرفع براثنهم عن القضاء. ولكن تلك مسألة أخرى.
 
الفيبا يجمّد لبنان والساعات المقبلة حاسمة
القصةالكاملة لأزمة كرة السلة … وهي ضحية الجنرالين
 اتحاد السلة : ابلاغ المعنيين بمضمون الحكم القضائي
 كرة السلّة في المجلس النيابي وعودة مؤتمرات أبو عــبد الله
الإتحاد الدولي يُنذر السلّة اللبنانية
بيان مشترك صادر عن ناديي عمشيت والمتحد
الترجمة الحرفية لرسالة الفيبا للاتحاد اللبناني لكرة السلة
القضاء يرد دعوى عمشيت… لبنان لن يغيب عن بطولة آسيا للسلة

الصورة منقولة عن موقع bikaffe.wordpress.com


[1]فالمادة 3 من النظام الداخلي للاتحاد نصت على أن الاتحاد هو السلطة الوحيدة المخولة إدارة وتنظيم اللعبة وعلى قانونية وسرية قراراته وعلى أنه السلطة الأهلية الوحيدة لإدارة لعبة كرة السلة وضبط قواعدها واتخاذ التدابير والعقوبات اللازمة عند الاقتضاء. ونصت المادة 199 من النظام عينه أن "سلطة الاتحاد تشمل كل شخص منضم إليه ومسجل في سجلاته وفي سجلات الجمعيات". وكذلك نصت المادة 201 من النظام على "ان الاتحاد هو السلطة الوحيدة والمرجع الصالح دون سواه لبت الخلافات والنزاعات الناشئة بين جمعياته كافة وبين الاتحاد وعلى أنه يتمتع بسلطة تقديرية في تقرير جميع العقوبات والغرامات غير المذكورة."
انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني