يزخر تاريخ القضاء اللبناني بالأمثلة الكثيرة التي قارب فيها قضاة الإعلام كوسيلة ضرورية في معاركهم الإصلاحية. وقد حصل ذلك عموماً في سياق تحركات جماعية. وفيما آثرت الحلقة القضائية (1969- 1972) إنشاء وسيلة إعلامية متخصصة وعلمية خاصة بها خشية الإثارة الإعلامية، فإن اللجنة القضائية المؤقتة (1980 و1982) قد تعاملت مع الإعلام على أنه شريك أساسي في معركة استقلال القضاء. كما نشر عدد من القضاة في بداية التسعينيات كتب احتجاج أو استقالة، من باب الضغط على السلطات السياسية لضمان الاستقلال المالي للقضاة، بعد تدني أجورهم كثيراً. استذكاراً لهؤلاء، وأملاً بتعاون إيجابي بين الإعلام والقضاء، ننشر هنا مقاطع هامة مستقاة من مصادر عدة.
1- جمعية حلقة الدراسات القضائية: خرق الصمت من خلال تأسيس مجلة علمية:
يراجع: سامر غمرون ونزار صاغية، التحركات القضائية الجماعية في لبنان، في “حين تجمع القضاة”، المنشورات الحقوقية صادر، 2009، ص. 48:
حددت الجمعية (جمعية حلقة الدرسات القضائية) أهدافها بالقيام بأبحاث ودراسات وتنظيم مؤتمرات علمية تتعلق بالرسالة القضائية وتهدف عبر كل هذا، الى توفير المناخ الصالح لكي يضطلع القضاة برسالتهم النبيلة على الوجه الأكمل والأكثر استقلالاً. ومن البيّن على ضوء ذلك، أن الأبحاث العلمية للجمعية “ليست أكاديمية بحتة” بل هي أبحاث تهدف الى تحقيق “الهدف الأسمى” الذي هو قيام قضاء قادر ومستقل، مع السعي الدائم الى “إنمائه وتحديثه وأنسنته”… في عددها الأول من نشرتها الصادرة تحت تسمية “الحلقة”، .. أعلنت أنها تبدأ بإصدار نشرة داخلية غير دورية كمدماك أول في صرح النشرة العلمية الدورية التي طمحت أساساً في إصدارها على “غرار جمعيات القضاة في البلدان الأجنبية”.
2- اللجنة القضائية المؤقتة (1980 و1982): حين استخدم القضاة وسائل الإعلام للدفاع عن مصالحهم المهنية:
يراجع: الأنوار 27/1/1980: مقال تحت عنوان عريض: “لوقف هيمنة السياسة والسلطة التنفيذية: القضاء يبدأ ثورة بيضاء لتأكيد استقلال سلطته”:
القضية القضائية همّ جديد يضاف الى هموم السلطة اللبنانية الرازحة تحت حمل القضايا والأزمات… نجح حَمَلةُ لوائها في فرضها على الرأي العام وعلى المسؤولين كمشكلة ملحّة متوازية الأهمية مع القضايا اللبنانية الأخرى الناشئة عن الحرب، بعدما أضافوا الى معاناة الحرب تراكمات ما قبلها، ودفعوا بأوضاعهم المزمنة السوء، الى ساحة السلطة علها تعدل. والتعرض الى الهمّ الجديد، الى وقائع وخلفيات التململ القائم في أوساط القضاة، هو بالنسبة للصحافي مشكلة بحد ذاتها، مشكلة نفسية ومشكلة قانونية في آن، وبما أن التشبه بالنعامة في وجه الصياد ليس وارداً في قاموس المهنة، فقد كان لا مناص من التطرق الى موضوع الأزمة القضائية، ولو من باب الملامسة…. على أن هناك من أصر في مجلس القضاء الأعلى أو من خلال المجلس، على سلبيته في تحرك اللجنة القضائية، من زاوية كونه أسلوباً على القضاء جديداً.. وطُرحت أفكار تسوق الى درجة نقل القضية الى مجلس التأديب، جواباً على الاتصال المباشر بالرأي العام من قبل اللجنة عبر الصحف.
دب الصحافة في كرم القضاء
وكان جواب المتفهمين لأهداف اللجنة بأن اللجوء الى الصحف عكس اليأس من أسلوب المداولات داخل المكاتب. فالدراسة التي أعدها متخرّجو معهد القضاة رفعت الى المعنيين منذ شهرين، ومع ذلك لم يحوزوا جواباً، ما دفع باللجنة القضائية بعدما تناولت الكرة من يد القضاة الجدد الى أن تعتمد آخر الدواء، وهو الكي بحبر المطابع. فإهمال المطالب هو الذي أحضر دب الصحافة الى كرم القضاء.
يراجع: الأنوار، 19-2-1980: القاضي المعوشي يدعو وزير العدل الى مناظرة أمام لجنة الإدارة والعدل:
تناول (كبريال المعوشي) التعميم الذي أصدره مجلس القضاء الأعلى ونشرته الصحف، والذي يؤكد على القضاة الالتزام بالمناقبية القضائية والامتناع عن كل تصريح للصحف… ليس في قانون التنظيم القضائي أي نص يمنع القاضي من إبداء رأيه في المسائل التنظيمية التي من شأنها المساهمة في حسن سير العدالة ورفع مستوى القضاء، لأن تطبيق القانون واحترامه في المسائل الجوهرية، أهم من التوقف عند المسائل الشكلية كمنع القاضي من إبداء رأيه، حؤولاً دون إجحاف يلحق به وبالسلك الذي ينتمي اليه.
يراجع: الجمهورية، 6-5-1982: تفاصيل مثيرة حول إلغاء القاضي (منيف) حمدان مؤتمره الصحافي، وسامر غمرون ونزار صاغية، التحركات القضائية الجماعية… مرجع مذكور أعلاه، ص. 88:
“تماماً كما حصل عام 1980، طوّر أعضاء اللجنة القضائية علاقة مميزة مع الإعلام وخاصة المكتوب منه، فكانت تصدر بيانات شبه يومية باسم اللجنة أو أحد أعضائها، كما نلحظ متابعة دقيقة من الصحف لأعمالهم. وقد برز هذا الانفتاح الإعلامي منذ البدء حين دعا الأمين العام للجنة منيف حمدان في بيان صحافي له تاريخ 24 آذار 1982 أجهزة الإعلام المحلية والعربية والدولية الى حضور الجمعية العمومية الأولى للمساهمة في الدفاع عن استقلال السلطة القضائية وسيادة الدستور. وتالياً، تناول البيان الإعلام ليس فقط كوسيلة لإعلام الرأي العام بتحركات القضاة بل أيضاً كشريك في خوض المعركة.
كما بلغ التوجه الى الإعلام درجة أعلى حين لجأ حمدان في أكثر أوقات الأزمة حساسية الى الدعوة الى مؤتمر صحافي في قصر العدل معلناً استعداده للتكلم على “الطريق العام” في حال منعه…”.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.