“كهرباء الدولة”: أبشروا بـ 10 ساعات تغذية في العام 2026


2024-07-24    |   

“كهرباء الدولة”: أبشروا بـ 10 ساعات تغذية في العام 2026
بشامون ليلاً (تصوير علي نجدي)

“العتمة الشاملة” عنوان كان في بداية الأزمة المالية مرعباً، لكنه مع الوقت تحوّل إلى عنوان عابر يمكن أن يُقرأ في أي وسيلة إعلامية من دون أن يلقى اهتماماً يُذكر. منذ أربع سنوات والناس يعيشون في العتمة، وهنا لا فرق بين أن تكون شاملة وبين أن تطال 20 ساعة من أصل 24. إذ أنّ معدّل التغذية في التيّار اليوم لا يزيد عن 4 ساعات في أغلب المناطق ويصل في بعضها إلى 6 ساعات كحدّ أقصى. 

المشتركون تأقلموا مع الواقع، وتصرّفوا على اعتبار أنّ لا شيء اسمه “كهرباء الدولة”، وتصرّفوا على اعتبار أنّهم مسؤولون عن تأمين الكهرباء لبيوتهم أو منشآتهم. فمن يستطيع منهم لجأ إلى الطاقة الشمسية (تقدّر مؤسسة كهرباء لبنان إنتاجها ما بين 1000 و1200 ميغاواط يومياً) ومن لا يستطيع اكتفى بتوصيل بطارية لإنارة منزله، فيما بقيت مولّدات الأحياء المصدر الأول للطاقة. لكن بالرغم من هذا الواقع المرير، تجد في “كهرباء لبنان” من يُفاخر بأهمية الساعات الثلاث، لما لها من فائدة في “تشريج البطاريات”. 

خلاصة القول بالنسبة لمصدر في شركات التوزيع إن الانقطاع التام للكهرباء وإن سيؤثر على نسبة معقولة من المشتركين، إلا أنه لن يُشكّل تحوّلاً دراماتيكياً في الواقع الراهن. لذلك، فإن الصرخة الفعلية لم تأتِ من المواطنين، والمسارعة لتفادي العتمة الشاملة لم ينطلق من حرص الحكومة على تأمين الطاقة للناس. إذ يشير المصدر إلى أنه يتمّ التعامل مع كهرباء الدولة بوصفها مصدر الطاقة لخطوط الخدمات فقط. فهذه الخطوط تحصل على كهرباء 24 على 24 وانقطاع التيّار عنها يشكّل خطراً كبيراً لا يمكن لأيّ من المعنيين احتمال نتائجه، فهي تزوّد محطات المياه بالطاقة، كما تزود مطار بيروت والمرافئ والرئاسات الثلاث، ومؤسسات أمنية، والمستشفيات الحكومية وكازينو لبنان… وهذه الخطوط تستهلك عملياً ما يعادل نصف الطاقة المنتجة المُقدّرة بنحو 500 ميغاواط، فيما يُوزّع النصف الآخر على كل المشتركين في لبنان. 

حلّ “عاللبناني” مع العراق 

التحذير من العتمة نتج عن رفض العراق تحميل الفيول المخصّص للبنان، وبالتالي الخشية من توقّف خطّ الإمداد الوحيد للفيول الذي يستعمل لتشغيل معمليْ دير عمار والزهراني، منذ توقيع الاتفاق بين الحكومتين اللبنانية والعراقية في 23/7/2021، الذي نصّ على توريد العراق كمّية مليون طن متري من مادة زيت الوقود الثقيل تقسم بمعدل شُحنة واحدة شهرياً، يتمّ مبادلتها بمادتي الغاز والفيول أويل بنوعية A وB لصالح مؤسسة كهرباء لبنان. وقد جددت هذه الاتفاقية في 19/11/2022، ثم في 19/9/2023 مع زيادة الكمية الإجمالية إلى 1.5 مليون طن متري. 

ولما كانت الاتفاقية أشارت إلى أن ثمن الفيول يودع في حساب خاص بوزارة المالية العراقية يُفتح في مصرف لبنان، فقد تبيّن أن المصرف رفض مؤخراً تحويل ثمن شحنات الفيول إلى هذا الحساب، ما دفع شركة تسويق النفط العراقي “سومو” إلى وقف الشحنات المخصّصة للتبادل. 

هنا، بدأت الاتصالات على مستوى رئاسة الحكومة في البلديْن، ثم استكملت بزيارة خاطفة لوفد لبناني برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي إلى بغداد، حيث اتفق على تخطّي مسألة التمويل والسّماح بإبحار بواخر الفيول، إلى حين معالجة المشكلة بشكل جذري.

الخلاف يتعلق بإصرار المصرف المركزي على إصدار الاتفاقية الممدّدة بقانون، وهو ما لم يحصل حتى اليوم. علماً أنّ ثمة رأيا يعتبر أن لا حاجة إلى قانون جديد انطلاقاً من أن الاتفاقية الأساسية أقرت في العام 2021 من دون تحديد فترة زمنية لها. 

الحساب المصرفي العراقي لم يمسّ

النقاش بشأن الكهرباء انتقل إلى طاولة لجنة الأشغال العامة أول من أمس حيث تفرّع وتوسّع من دون أن يؤدي إلى نتيجة. على سبيل المثال، لم يعرف أحد لماذا حوّل مصرف لبنان 160 مليون دولار إلى حساب الدولة العراقية في الفترة التي يعتبر أن التحويل فيها غير ممكن من دون إصدار قانون في مجلس النواب. كما لم يعرف أحد أسباب عدم دفع المؤسسة لثمن الفيول من أموالها، بل اعتبر بعضهم أنّ تعديل التعرفة يفترض أن يقترن بتولّي مسؤوليّاتها في الدفع. وقد غاب عنهم أنّ قرار التعرفة الموافق عليه من مجلس الوزراء مُرتبط بتكفّل الدولة بدفع ثمن مليون طن من الفيول، لكي تتمكّن المؤسّسة من تسعير أول 100 كيلو واط من الاستهلاك على سعر 10 سنت للكيلوواط، على أن يرتفع السعر على باقي الاستهلاك إلى 27 سنتاً (أعيد تخفيضه إلى 24 سنتاً). وهنا تشير معطيات كهرباء لبنان إلى أن التغذية المنخفضة تجعل 80% من المشتركين لا يتخطّون ال100 كيلوواط شهرياً. رغم ذلك، أكّد المدير العام للمؤسسة كمال حايك أنّ المؤسسة ملتزمة بدفع كلفة ما يزيد عن المليون طن في حال التزام الإدارات الرسمية والمخيّمات بدفع فواتيرها، مذكّراً أن الفواتير المستحقة على المؤسسات والإدارات الرسمية تبلغ 107 مليون دولار. وقد أوضح حايك في اجتماع اللجنة أن حساب المؤسسة يحتوي حالياً على 76 مليون دولار فريش، إضافة إلى ما يعادل 5 ملايين دولار بالليرة اللبنانية، علماً أن الفوترة بالدولار بدأت منذ آذار الماضي فقط. 

تجدر الإشارة هنا إلى أن الحساب المصرفي الخاصّ بالدولة العراقية لم يمسّ بعد. إذ أن الاتفاقية تقضي باستعمال الأموال المودعة فيه لشراء خدمات وسلع في لبنان، ولما كانت ربطت هذه الآلية بإنشاء منصة في “إيدال” لتنظيم آلية الصرف من الحساب (شارك مدير عام إيدال في الوفد الذي زار العراق)، فإن عدم إنشاء المنصة حتى اليوم يعيق تحريك الحساب، الذي كانت قرارات مجلس الوزراء قد أشارت إلى تحويل الأموال إليه باللولار، أو بالليرة على سعر المنصة آنذاك. وهذا يقود إلى عدم معرفة القيمة الفعلية للحساب، علماً أن الكلفة التقديرية السنوية لشحنات الفيول تصل إلى 500 مليون دولار، لكنها في العام 2023 لم تزد عن 460 مليون دولار، دفع حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري 160 مليون دولار منها من حساب مكشوف بقيمة 14 مليار دولار (لم تعرف أي تفاصيل عن هذا الحساب) دون اعتراض قبل أن يعترض على دفع الفواتير المستحقة الأخرى. 

بالنتيجة، انتهت الجلسة كما بدأت. وهو ما بدا جلياً في كلمة رئيسها النائب سجيع عطية: “حاولنا مع وزير الطاقة ومع مؤسسة كهرباء لبنان ومع مصرف لبنان ووزارة المالية أن نجد حلاً لهذه المشكلة والمعضلة الأخيرة بشأن الفيول العراقي. وإذا لم تكن هناك مساعدة، على الدولة اللبنانية في مكان ما أن تتحمل المسؤولية وتغطي تكاليف التشغيل وتكاليف الصيانة والإدارة بشكل عام. أضاف: التوصية أن نعود ونناقش هذا العقد مع الدولة العراقية وإذا كان يمشي من دون قانون”.

“كهرباء لبنان” تموّل نفسها في العام 2028

كل ذلك لا يهم المشتركين الذين يتحمّلون كلفة مرتفعة للكهرباء، وإن تعتبرها المؤسسة محدودة وغير كافية لتأمين التوازن المالي لديها. ما يهم هو ساعات التغذية: هل سترتفع؟ تؤكد مصادر المؤسسة أن التغذيّة ستتحسن في بعض المناطق، ولاسيما تلك التي تمّ تنظيف مخارجها (أزيلتْ التعديات فيها) حيث يمكن أن ترتفع التغذية فيها إلى 8 ساعات. وعلى صعيد أشمل، وبناءً على طلب من البنك الدولي أجرت المؤسسة دراسة تتعلق بالـ Cost Recovery أي كيف يمكن لها أن تموّل بنفسها كل احتياجاتها مع العام 2028. وقد تبيّن من خلال الدراسة أنّ مسألة وصول التّغذية إلى 24/24 ليست من ضمن الأهداف المطروحة. إذ تضمّنت سيناريويْن لموضوع التغذية، الأول متحفّظ ويتوقع وصول التغذية إلى ما بين 7 و9 ساعات يومياً في العام 2026، والآخر متفائل يتوقع أن ترتفع إلى ما بين 10 و14 ساعة يوماً. وتعتمد هذه الزيادة على المزارع الشمسية التي يفترض أن يبدأ الاستثمار بها على إثر إنجاز قانون الطاقة المتجددة. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني