أيها الأصدقاء،
شكرا لمجيئكم في هذا اليوم ، في الجمعة الحزينة لطوائفنا المسيحية الشرقية…
دعوني أتكلم بداية بإقتضاب عن أوضاعنا، عن قضية المفقودين والمخفيين قسراً: للمرة الأربعين نكرر أن نضالنا اليوم له وجهان للوصول إلى حل مؤسساتي وعلمي وعادل.
كل مرة أقول عادلاً وأنا أعرف أنه – بعد الفاتورة المجّانية والباهظة التي دفّعتنا إياها الحرب، مضافاً إليها تعاطي الدولة اللامسؤول وإنسحاب المجتمع – هو أقل من عادل ، بالكاد هو مقبول…
أ ) الوجه الأول تنفيذي، يبدأ بالإعتراف بالقضية وبالمفقودين من خلال الإعتراف بأهاليهم… مرّت السنوات وما زال رؤساء الحكومات والوزراء المتعاقبون يمرجحوننا… وأذكّر بأن الصليب الأحمر الدولي قد تقدّم مشكوراً منذ أكثر من سنتين بإتفاقية تعاون لجمع العيّنات اليولوجية من الأهالي وحفظها… وما زالت دولتنُا تماطل، تراوح، تكذب، ةتتلاعب….
ب) الوجه الثاني تشريعي، يضع الخطواتِ العملية والعلمية للبحث عن ذوينا من قبل الدولة وتحديد مصائرهم، وذلك من خلال مشروع قانون… أيضاً دعوني أردّد للمرة الأربعين أن هذاالمشروع لن يعاقب أحداً على ما إرتكبه في الماضي، فقط سيعاقب من لديه معلومات في الحاضر تفيد عن أماكن تواجد مفقودين أو رفات بشرية ويتكتّم عليها أمام القضاء، أو من يدلي بمعلومات خاطئة لتضليل التحقيق، أو من يعبث بأي مقبرة ذات صلة.
أيها الأصدقاء، أيتها الصديقات،
الأربعون هو نهاية تقبل التعازي، هو موعد عودة أهل الفقيد إلى الحياة الطبيعية…
الأربعون يعني أربعين يوماً… أما مسؤولو لبنان، فقد أخذوا منّا أربعين سنة…
وحتى اليوم لم يشاؤوا أن نفك الحداد… وللحقيقة لم يسمحوا لنا أن نبدأه…
الحقيقة الوحيدة التي منّوا علينا بها كانت أن نقبل بتوفية جماعية لأناس فُقدوا بالمفرّق في مراحل ومناطق مختلفة.
أن نقبلَ بتوفيةٍ وهميةٍ دون بحث أو دليل أو جثة…
لا يا سادة، ليس هكذا يُوفّى الأحباء، لا أحباؤنا ولا أحباؤكم،
هاتوا فحص الADN، هاتوا قانون الحد الأدنى المقبول،
وبعد ذلك لكل حادث حديث…
إن الفجوة التي فتحتها فاجعة الفقدان في كل منّا لم تُردم بعد …
أكتفي بهذا الحد…
2 أيضاً إسمحوا لي قبل أن أنتقل إلى موضوع مؤتمرنا الصحافي أن أتوقّف، من وجهة نظر لجنة الأهالي، على مأساة أخذتْ تنتشر كالسرطان في منطقتنا… لا يمرّ شهرٌ أيها الأصدقاء دون أن تتصل بنا سيداتٌ أو جمعيات من سورية الحبيبة أو من العراق الحبيب. ما عانينا منه وما زلنا منذ أربعين سنة يعني آلاف الحالات. ما يعاني منه أهالي المفقودين في كل من سورية والعراق يعني عشرات آلاف الحالات…. هل نتركُ الحبل على غاربه ونكتفي بعبارات الأسف والتحسّر؟ بالتأكيد لا، علينا أن نفكرَ كيف نواجهُ هذا التمادي، هذا الكابوس الذي يحلُّ عليكَ صباحاً ما أو مساء ما – أعرف عما أتكلم – ولم يعد يفارقُك.
أصدقائي، صديقاتي،
عندما أفكرُ بالقطوع الذي قطعناه، مجموعةٌ من النسوة ليس لديها أحد، لا أمامها ولا وراءها ولا إلى جانبها، أكاد أؤمن بالمعجزات.
وعندما مرّ قطار السلم ولم يتوقف ولم يلتفت إلينا، صرخنا يا وحدَنا، هذه ليست قضيتُنا لوحدِنا، هذه قضيتُك أيضاً يا مجتمع. فتجمّع مواطناتٌ ومواطنون، هيئات ووسائل إعلام مع لجنة الأهالي، وهكذا وُلدت “حقنا نعرف”. يومَها أحسّت لجنة أهالي المفقودين أنها أقوى. فعادت التحركاتُ الأسبوعية أمام مقر مجلس الوزراء الذي كان يومها في منطقة المتحف…
بعد أشهر قليلة، حلّ شهر نيسان، وكانت المناسبة تتطابق مع ربع قرن على بدء الحرب. يومها، قرّرنا أن نعمل من أجل إعلان 13 نيسان يوماً وطنياً للذاكرة، لا للمفقودين، بل للمجتمع، لا للماضي بل للذاكرة التي هي فعل حاضر… فأطلقنا حملة “تنذكر تَ ما تنعاد” التي طالبتْ بذلك، وأيضاً بإقامة نصب تذكاري لا للمفقودين بل لكل ضحايا الحرب…
واليوم، بمناسبة مرور أربعين سنة على بدء الحرب، دعوني أسأل بعد أن فرّخت حربُنا غابة من الحروب…. ماذا فعلتُم يا حكامَ لبنان غير خطفِ 40 سنة من حياة الأحياء؟ كيف تنامون وأخوة لنا من الجيش والدرك رهائن منذ أكثر من 9 أشهر؟
ونحن، مواطنو لبنان أيضاً ماذا فعلنا؟
دعوني أتوجه الآن إلى شابات وشباب لبنان،
إن لم تدرك (ي) الأربعين لم تكن قد ولدت في 13 نيسان
إن لم تكمل (ي) الستين، يعني كان عمرك أقل من 20 سنة في 13 نيسان…
بمناسبة 40 الحرب، لنفكّر بأبعد من الحرب، دعونا نتأملُ واقعَنا، بما يحيط بنا، بالحروب التي عُلّقت على تيار حربنا، وبحروبنا وخلافاتنا وخندقاتنا التي علقّناها على حروب الآخرين…
حملة “40 الحرب” ستدوم 40 يوماً…
ما هي حملة “40 الحرب”؟ هي 4 صور تنتشرُ في شوارعِ وطرقاتِ لبنان، تتربّع على صفحات وسائل الإعلام الورقية والإلكترونية، 4 صور تركض على شبكات التواصل،
4 صور تريد “حقنا نعرف” إيصالَها إلى كل أرجاء البلد… وكل صورة تطرح سؤالاً..
بالأحرى جدول أسئلة على وزن جدول أعمال تفتخرُ به “حقنا نعرف” بإعتباره منزهاً عن الإنقسامات والإصطفافات التي صارت تحجب – يا للأسف – الحد الأدنى من الرؤية المواطنية.
هذه الأسئلة تعني أهالي المفقودين بالدرجة الأولى ،إلا أنها تعني أيضاً كل المواطنين المدعوين للجواب على أداء سياسييهم ومستقبل أولادهم، وأيضاً على حالتنا كمواطنين لا كرعايا ولا كأزلام …
لمن يهمه الأمر ونحن يهمنا : تُموّل حملة “40 الحرب” من تبرعات مواطنات ومواطنين على ألا تتخطّى المساهمات قيمة ألفي دولار أميركي لا غير، وفي نهاية الحملة ستنشر بياناً مالياً مفصّلاً عن مواردِها ووجهة إستعمالها.
كلمة شكر إلى شركة بيكاسو، العمود الفقري البصري للحملة،
كلمة شكر لوسائل الإعلام التي فتحت صفحاتها ومواقعها،
كلمة شكر اللأصدقاء الذين ركضوا وما يزالون لتأمين حاجات الحملة المالية والفنية واللوجستية…
ختاماً، وعشية 13 نيسان 2015، أريدُ أن أكون مواطنة عاديةلا رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، لأننا من الحملة نريد أكثر…
نريدها ألا تقتصر على الأوتوسترادات الكبيرة،
نريدها أن تدخل الطرقات الفرعية والزواريب…
نريد أن تتبناها النوادي الثقافية والرياضية والجامعات والنقابات والبلديات…
نريدها أن ترتقي إلى مستوى المناسبة ولتكون مساحة مشتركة للنشاطات التي تتعلق بالذكرى، في المناطق اللبنانية كلها.
نريدها مناسبة لطرح كل الأسئلة، لا أسئلتنا لوحدنا…. فعلى سبيل المثال لا الحصر،
ماذا حل بالمساحاتِ العامة؟ ماذا حلّ بالإعلام؟ ماذا حلّ بالمعوقين؟ ماذا حلّ بالتعليم؟ الخ…
نحن لن نوفرَ جهداً خلال حملة ال40، هذه حملتُنا جميعاً…
أياً يكن تتمنى “لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان” و”حقنا نعرف”
40 سنة قادمة أفضل من الأربعين سنة التي سبقتها…
وشكراً لمجيئكم…
يمكنك تحميل النص على الرابط أدناه