كلمة المفكرة القانونية في المؤتمر الصحافي: “الرملة البيضا لكل الناس بقرار قضائي”: دفاعاً عن الشرعية القضائية


2017-02-24    |   

كلمة المفكرة القانونية في المؤتمر الصحافي: “الرملة البيضا لكل الناس بقرار قضائي”: دفاعاً عن الشرعية القضائية

بتاريخ 24-2-2017، دعَتْ المفكرة مع الخطّ الأخضر والحملة الأهليّة لحماية دالية الروشة والحملة المدنية لحماية شاطئ الميناء إلى مؤتمر صحافي تحت عنوان: "الرملة البيضا لكل الناس بقرار قضائي" للحديث عن القرار القضائي بوقف العمل بورشة ايدن روك في منطقة الرملة البيضا. وقد تحدث في المؤتمر المدير التنفيذي للمفكرة القانونية عن إشكالات تنفيذ القرار القضائي، داعيا السلطات العامة والمواطنين إلى إرغام الشركة على الإلتزام بالقرار القضائي(المحرر).

بتاريخ 8-2-2017، وتبعا للمراجعة التي تقدمت بها جمعية "الخط الأخضر" بالتعاون مع "المفكرة القانونية" أمام مجلس شورى الدولة ضد رخصة البناء على العقار 3689/ المصيطبة (المشروع المعروف بمشروع الايدن روك)،  أصدر مجلس شورى الدولة (غرفة الرئيس نزار الأمين والمستشارين أمل الراسي ونديم غزال) قراراً يقضي بوقف تنفيذ الرخصة المذكورة وفقاً للمادة 77 من نظام مجلس شورى الدولة، بعدما تثبت من جدية الدعوى ومن الضرر الجسيم الذي قد يلحقه تنفيذ الرخصة بالعقار المحاذي للبحر. بعد 16 يوماً من صدور هذا القرار، ما تزال الأعمال مستمرة في موقع الرملة البيضا مع ما يتسبب به ذلك من ضرر فادح للبيئة والملك العام. بل ثمة حديث عن وضع خطة لتسريع الأعمال تحسباً لقرار أكثر شدة قد يصدر لاحقا. وهذا الأمر يستدعي ثلاث ملاحظات:

الأولى، اكتساب الصفة والشرعية القضائية

للقرار أهمية مزدوجة، ولا نبالغ إذا قلنا أنه يشكل مفصلا هاما في معركة حماية الشاطئ. فهو من جهة يقرّ ضمنا بصفة الخطّ الأخضر كجمعية بيئية بالمداعاة، مما يفتح مجالا واسعا أمام الجمعيات البيئية لتعزيز إمكانياتها وقدراتها للدفاع عن الشاطئ والملك العام، وذلك ضد أي تعسف. ومن شأن اكتساب هذه الصفة، أن يعزز حظوظنا بكسب دعاوى أخرى كدعوى المرسوم السري للمنطقة العاشرة أو أيضا دعوى "العقار الذي سقط سهوا" في منطقة الميناء- طرابلس. ولكن بالطبع لهذا القرار مفعول ثانٍ لا يقلّ أهمية وهو وقف أعمال هذه الورشة بما فيها من ضرر للشاطئ وللبيئة ومن مخالفات للقانون. ومن هذه الزاوية، بدا القضاء وكأنه يعبر عن جهوزية لقبول الدعاوى المحقة في مواجهة أصحاب النفوذ والقوة. وعليه، وباختصار كسبت حملات حماية الشاطئ بقرار واحد الصفة للتحرك والتدخل والتقاضي، ومعها قوة الشرعية القضائية. فما نطالب به لم يعد فقط ما نراه حقا بل ما ثبت قضائيا أنه كذلك.  

الملاحظة الثانية: الشرعية القضائية، ماذا تفرض عمليا؟

ولكن، ماذا تعني هذه الشرعية القضائية؟ هي تعني ببساطة أن بإمكان الإدارة المعنية بالحكم إذا لم تكن راضية عنه، أن تطعن به، أن تعترض عليه، أن تنتقده. ولكن ليس بوسعها مطلقاً عرقلة تنفيذه أو مخالفته. فذلك يشكل جرما جزائيا يعاقب عليه القانون وانتهاكا لمبدأي فصل السلطة واستقلال القضاء الدستوريين. فما معنى استقلال القضاء إذا كان بإمكان أي كان، أي إدارة، أي شركة خاصة مخالفته والتصرف كأنه غير موجود؟

لذلك، وفور صدور الحكم، وبالنظر إلى الإنفتاح السابق لمحافظ بيروت الأستاذ زياد شبيب، وتأييده لقضية المرسوم السري في المنطقة العاشرة (وهو موقف يسجل له)، توجهنا إليه طالبين منه اتخاذ الإجراءات التنفيذية من دون أي تأخير. لكن للأسف، جاءت ردة فعله مخيبة جدا، وكأنه آثر البقاء متفرجا على المخالفة الكبرى الحاصلة في هذا المكان. وتبريرا لعدم تنفيذ القرار، أدلى محافظ بيروت بحجة واحدة مفادها أن ثمة رخصة جديدة قام هو بإصدارها في 19-1-2017 (أي بعد تقديم مراجعتنا وقبل أيام من صدور القرار)، وهي رخصة غير معنية بالقرار المطلوب تنفيذه ولم يطعن بها أحد. وكما هي الحال بالنسبة للرخصة الأساسية التي لم نطلع بعد على مستنداتها رغم مطالبنا المتكررة، لم نطلع من مستندات الرخصة الصادرة في 19-1-2017 إلا على الصفحة الخارجية منها والتي تم تسريبها من دون الخرائط المرفقة بها إلى أحد المواقع الإلكترونية.

ومن النافل القول أن هذه الحجة مرفوضة ولا تستقيم بداهة: فلا شيء في قضيتنا إسمه رخصة جديدة ورخصة قديمة، بل نحن أمام رخصة ملحقة تعديلية ورخصة أساسية. علماً أن عبارتي "ملحقة" و"أساسية" هما العبارتان اللتين تستخدمهما المادة 5 من قانون البناء[1] حين صدور أي تعديل على الرخصة خلال فترة تنفيذ الرخصة الأساسية. وعليه، يقتضي حكما وبداهة أن يتوقف تنفيذ الرخصة الملحقة عند صدور قرار بوقف تنفيذ الرخصة الأساسية عملا بالمبدأ القانوني القائل بأن الفرع يسقط عند سقوط الأصل. وما يؤكد ذلك أيضا فأيضا، وعلى ضوء الصورة المسربة إلى المواقع الإلكترونية، هو الآتي:

  1. أن تاريخ بدء سريان مدة هذه الرخصة الظاهرة على الصورة هو نفسه تاريخ الرخصة الأساسية أي أيلول 2016، وذلك طبقا لما تقرضه المادة 5 من قانون البناء. ولو كانت الرخصة جديدة، لحملت طبعا تاريخا جديدا. فلا تعطى أي رخصة بناء بمفعول رجعي. والقول بخلاف ذلك هو عبثي محض.
  2.  أن الرسوم المسددة هي الرسوم عن الإنشاءات التي تمت إضافتها بموجب الخرائط التعديلية (وهي طبعا انشاءات مشوبة بالمخالفات نفسها للرخصة الأساسية). فيما أن الجزء الأكبر من الرسوم المسدد عن القسم الأكبر من الإنشاءات تم تسديده بموجب الرخصة الأساسية. وهذا ما يمكن تبينه بحساب بسيط للرسوم الظاهرة على الصورة المسربة، وبشكل أكيد في حال التزم محافظ بيروت بقانون الوصول إلى المعلومات الجديد وسلمنا نسخا عن الخرائط الرخصتين الأساسية والتعديلية.

وعليه، وسنداً للمادة 5 من قانون البناء رقم 646/2004 (ونوزعها على الصحافة حسما للجدل)، نكرر: لا وجود لرخصة جديدة ورخصة قديمة، بل فقط لرخصة أساسية ورخصة تعديلية ملحقة. وأن أي قول مخالف هو مجرد عبث بالقانون واستغباء للناس وتضليل له والأخطر طبعا، محاولة فاشلة وعبثية للتملص من القرار القضائي ومن الشرعية القضائية. وعلى أساس ذلك، أيّ استمرار للأعمال يشكل مخالفة جزائية واضحة لقانون البناء يتحمل مسؤوليتها أعضاء مجلسي إدارة الشركة صاحبة الترخيص والشركة منفذ الأعمال. وأي تغطية إدارية من أي موظف عمومي لهذه الأعمال يشكل أيضا وبوضوح كلي عرقلة لقرارات قضائية نافذة وجرما جزائيا سندا للمادة 372 من قانون العقوبات.

ولا بد في ختام هذه الملاحظة من الإعراب عن أسفنا الشديد لجهة أن ممثلي البلدية أصدروا الرخصة التعديلية قبل أسبوعين من صدور قرار وقف التنفيذ، من دون انتظار القرار القضائي. كما أنهم أبقوا هذه الرخصة سرية وخفية فلم يعلموا لا القضاء ولا الخط الأخضر بها. وهذا الأمر إنما يشكل مسا بمبدأي الشفافية والخصم الشريف الذي على الإدارات العامة التحلي بهما في أي دعوى أو خصومة.  

الملاحظة الثالثة: إحترام الشرعية القضائية كأساس لأي مشروع إصلاحي

أخيراً، نذكر أن تنفيذ القرارت القضائية يشكل واجبا دستوريا، طبقا لمبدأيْ فصل السلطات واستقلال القضاء. وأن أي خروج عنه من قبل أي من الإدارات العامة يعبر عن انحطاط هذه الإدارات والدولة بشكل عام. ولدينا في انزلاقات النموذج الأميركي ما ينيرنا في هذا المجال: فرئيس أقوى دولة رونالد ترامب وجد نفسه مضطرا على تنفيذ الأحكام رغم سخطه إزاءها. فهل يعقل أن تجيز شركة خاصّة لنفسها في لبنان مخالفة القرارات القضائية الصادرة بحقها فتستمر بأعمال البناء وكأن شيئا لم يحدث، فيما يجد رئيس أقوى دولة في العالم نفسه عاجزا عن ذلك؟

وانطلاقا من خطورة هذا الأمر، نتوجه من خلال هذا المؤتمر إلى ممثلي السلطات العامة كافة، وبخاصة رئيس الجمهورية الذي وعد مؤخرا بضمان استقلال القضاء، ممارسة صلاحياتهم كاملة لضمان تنفيذ هذا القرار القضائي، تحقيقا لوعود الإصلاح ومنعا لانحطاط الدولة. فلا استقلال للقضاء إذا وقفت الدولة مكتوفة أمام مخالفي أحكامه.

وأخيراً، وليس آخراً، نتوجه إلى جميع المواطنين، وبالأخص الناشطين الحقوقيين والبيئيين، البقاء في حال الإستنفار ما أمكن علنا نكسب، الآن وقد بتنا مسلحين بالشرعية القضائية، معركة الرملة البيضا لكل الناس.

 


[1]  المادة الخامسة: في تنفيذ الترخيصتقتصر الرخصة مبدئياً على الأمور الواردة فيها، وكل تعديل يراد إدخاله على البناء المرخص به وغير المنفذ، من شأنه أن يغير المسقط الخارجي للبناء أو تقطيعه الداخلي أو ارتفاعه بشكل يؤثر في مدى وقوع النظر أو في الغلافات أو يزيد في المساحات المرخص بها، يجب أن يُعلن عنه بتقديم خرائط تعديلية مسجلة في إحدى نقابتي المهندسين. وفي هذه الحالة يُفرض الرسم على ما يزيد عن المساحات الأساسية المرخص بها على أساس الرسم الإفرادي نتيجة التخمين وفقاً للسعر الرائج بتاريخ منح رخصة البناء الأساسية، وتُعطى رخصة تعديل ملحقة ينتهي مفعولها بإنتهاء مفعول الرخصة الأساسية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني