“كفالة الأطفال” ومصلحتُهم الفُضلى في العلاقات الدوليّة: قضية كفالة طفل بين المغرب وفرنسا


2024-08-09    |   

“كفالة الأطفال” ومصلحتُهم الفُضلى في العلاقات الدوليّة: قضية كفالة طفل بين المغرب وفرنسا

حسمت محكمة النقض بالمغرب مؤخّرا إشكالية التنازع حول الشروط المطلوبة قانونا لكفالة الأطفال المهملين بين قانون كفالة الأطفال المهملين واتفاقيّة لاهاي التي صادق عليها المغرب.  واعتبرت المحكمة في القرار الذي تنشره المفكرة القانونية أن اتفاقية لاهاي المتعلقة بالاختصاص، والقانون المطبق، والاعتراف، والتنفيذ، والتعاون في مجال المسؤولية الأبوية، وإجراءات حماية الأطفال تسمو على التشريع الوطني.

ملخص القضية

تتعلّق وقائع القضية بطلب تقدّمت به إمرأة مغربيّة مقيمة بالخارج إلى المحكمة الابتدائية بتارودانت (جنوب المغرب) تلتمس فيه إسناد كفالة طفل لها، للانتقال للعيش به خارج المغرب، نظرا لتوفرها على الشروط القانونية اللازمة، فاستجابت المحكمة لطلبها. إلا أنّ النيابة العامة استأنفت الحكم لكون قاضي شؤون القاصرين أصدر أمره بإسناد كفالة الطفل للمدّعية التي ترغب بالانتقال به إلى دولة أجنبية من دون سلوك مسطرة الاستشارة القبلية لدولة الاستقبال والتي تنص عليها اتفاقية لاهاي التي صادق عليها المغرب.

قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم الابتدائي وإرجاع الملف من جديد إلى قاضي شؤون القاصرين، فتقدمت المدعية بطعن بالنقض في القرار الاستئنافي لانعدام تعليله وعدم مراعاته للمصلحة الفضلى للطفل، ولمخالفته قانون كفالة الأطفال المهملين الذي أورد الشروط المتطلبة قانونا لكفالة الأطفال، وليس من بينها الحصول على الإذن في البلد المستقبل.

موقف محكمة النقض

قررت محكمة النقض تأييد القرار الاستئنافي معتمدة على العلل التالية:

-المادة 33 من اتفاقية لاهاي[1]، تلزم السطات المختصة في حالة اعتزامها وضع طفل في عائلة استقبال في دولة أخرى متعاقدة بمقتضى كفالة، بالتشاور المسبق مع السلطات المعنية داخل هذه الدولة، وتوجيه تقرير حول الطفل والأسباب التي دعت إلى اقتراح وضعه أو التكفل به، ولا يمكن اتخاذ قرار الكفالة إلا في حالة موافقة السلطة المختصّة بالدولة المطلوبة على وضع الطفل أو احتضانه، مع مراعاة مصلحته الفضلى.

-أحكام اتفاقية لاهاي باعتبارها اتفاقيّة دولية مصادق عليها ومنشورة بالجريدة الرسمية تسمو وفق نص الدستور على أحكام القانون الوطني بما في ذلك ظهير كفالة الأطفال المهملين.

-إنّ محكمة الموضوع حينما استندت على ما تنص عليه المادة 33 من اتفاقية لاهاي من وجوب اعتماد التشاور المسبق مع السلطة المركزية أو السلطة المختصة الأخرى بدولة فرنسا التي تقيم وتعمل المدعية فيها واعتبرت أن عدم تقيد الأمر الابتدائي بمقتضيات هذه المادة يجعله مخالفا للقانون وقضت بإلغائه، فإنها جعلت لما قضت به أساسا وعللت قرارها تعليلا سليما.

-وعليه، قضت محكمة النقض برفض الطلب وتحميل المدعية للصائر.

تعليق على قرار محكمة النقض

يعيد هذا الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية إلى الواجهة الإشكاليات المتعلقة بقانون كفالة الأطفال المهملين[2] وتطبيقاته في مجال القانون الدولي الخاص، فمن المعلوم أن القانون المغربي لا يعترف بإجراءات التبنّي وإنّما ينظّم إجراءات الكفالة، وبموجبها يمكن للزوجين أو للمرأة العازبة أن تتقدم إلى القضاء وتطلب التكفل بطفل مهمل[3] ، أي الالتزام برعايته وتربيته وحمايته والنفقة عليه، بعد استنفاذ الإجراءات القانونية أمام القضاء المختص.

ويطرح إشكال عملي في حالة الأسر الكافلة المقيمة بالخارج. ففي حالة حصولهم على حكم قضائي بالتكفل بطفل مقيم بالمغرب، ورغبتهم بالانتقال به للعيش معهم بالخارج، فإنهم يصادفون مشاكل في بلدان الإقامة، والتي لا تعترف بعضها بنظام الكفالة، حيث تمتنع بعض السفارات الأجنبية عن منح التأشيرات بالنسبة لهؤلاء الأطفال، وهو ما يؤدّي بالأسر الكافلة إلى التراجع عن طلبات إسناد الكفالة، وإرجاع الطفل من جديد إلى دار الأيتام أمام فشلهم في السفر به.

تكمن أهمية قرار محكمة النقض في كونه يجنّب الأطفال المكفولين خطر تعدّد إسناد الكفالات أو التراجع عنها وهو ما يسبب لهم أضرارا نفسية، بحيث فرضت المحكمة على طالبي الكفالة سلوك مسطرة الاستشارة القبليّة لدولة الاستقبال طبقا لاتفاقية لاهاي التي صادق عليها المغرب، وبموجبها يتم التأكد من موافقة دولة الاستقبال على الانتقال بالطفل المكفول إلى الخارج، قبل إصدار قرار الكفالة، رغم أن هذا الشرط غير وارد في القانون المغربي.[4]

يكرس قرار محكمة النقض اتجاها قضائيا متناميا بالمغرب لإعمال مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الداخلي في مجال ظلّ حتى وقت قريب مثارا للخصوصية مثل مجال قضايا الأحوال الشخصية.

وتجدر الإشارة الى أن منظمات حقوقية تطالب بمراجعة قانون كفالة الأطفال المهملين تزامنا مع فتح ورش تعديل مدونة الأسرة لملاءمته مع الدستور ومع التحولات التي عرفها المجتمع المغربي خاصة وأنه لا ينظم مسطرة إنهاء الكفالة.

يمكنكم هنا الاطلاع على نسخة من قرار محكمة النقض

مواضيع ذات صلة

هيئة تعديل مدونة الأسرة بالمغرب تسلّم تقريرها الختامي

هيئة تعديل مدونة الأسرة بالمغرب تعلن انتهاء جلسات الاستماع

انطلاق ورش تعديل مدونة الأسرة بالمغرب: تشكيل لجنة قانونية وتقليص سلطة “العلماء

المغرب يفتح ورش مراجعة مدونة الأسرة بعد 18 سنة من صدورها

ورشة لتعديل مدوّنة الأسرة في المغرب: أيّ توافق بين المرجعيّتين الحقوقية والدينية؟

أي دروس لتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة في المغرب؟ إصلاح نظام الميراث نموذجا

مكانة الشريعة الإسلامية في تشريعات المغرب في ظل الدستور الجديد: استيعاب التناقضات في إطار التوافق وتحكيم “أمير المؤمنين

تنسيقية المناصفة في المغرب تأخذ زمام المبادرة : مقترح قانون لإقرار المساواة في الإرث

هل يرفع المغرب الحظر القانوني على الزواج عند اختلاف الدين؟

المغرب يواجه تداعيات ما بعد الزلزال: تفعيل التضامن وسيناريوهات إعادة الاعمار

سابقة في اعمال آلية التظلم للأطفال بالمغرب: الجمعيات تطلب الانتصاف لطفلة ضد مقرر قضائي

التبني غير القانوني: الأم المتخلية تاجرة أم ضحية للإتجار بالبشر؟

حق الأم العزباء في التبني: حكم قضائي تونسي يكرس قيم الوظيفة القضائية

التبني كأحد مظاهر الإختفاء القسري

التبني.. في نظر ثلاثة متبنين من لبنان

التبني غير الشرعي….قصة قديمة مع لبنان

التبني في تونس من مفخرة تشريعية الى موضوع سؤال

أبعاد جديدة لحق الفرد بحماية حياته الخاصة في قرار لمجلس الشورى: سرية قيود الأحوال الشخصية في قضايا التبني وصولا الى أمرة النفس


[1] -تنص المادة 33 من اتفاقية لاهاي على ما يلي: “اذا كانت السلطة المختصة بناء على مقتضيات المواد من 5 الى 10 تعتزم وضع طفل في عائلة استقبال أو في مؤسسة أو التكفل به قانونا بمقتضى كفالة أو في أي مؤسسة قانونية مماثلة، وكان هذا الوضع أو التكفل دولة أخرى متعاقدة، فإنها تعمد الى التشاور مسبقا مع السلطة المركزية أو السلطة المختصة الأخرى بهذه الدولة، وتوجه اليها هذا الغرض تقريرا حول الطفل والأسباب التي دعت الى اقتراح وضعه أو التكفل به.

-لا يمكن اتخاذ قرار الوضع أو التكفل بالدولة الطالبة إلا اذا وافقت السلطة المركزية أو السلطة المختصة الأخرى بالدولة المطلوبة على وضع الطفل أو احتضانه، مع مراعاة مصلحته الفضلى”.

[2] يتعلق الأمر بالقانون رقم 01-15 حول كفالة الأطفال المهملين، الجريدة الرسمية عدد: 5031 بتاريخ: 19 أكتوبر 2002، ص 2362.

[3]-عرفت المادة  الأولى من قانون كفالة الأطفال المهملين الطفل المهمل بأنه:”…الطفل من كلا الجنسين الذي لم يبلغ سنه ثمان عشرة سنة شمسية كاملة إذا وجد في إحدى الحالات التالية:

-إذا ولد من أبوين مجهولين، أو ولد من أب مجهول وأم معلومة تخلت عنه بمحض إرادتها؛

-إذا كان يتيما أو عجز أبواه عن رعايته وليست له وسائل مشروعة للعيش؛

-إذا كان أبواه منحرفين ولا يقومان بواجبهما في رعايته وتوجيهـه من أجـل اكتساب سلوك حسن، كما في حالة سقوط الولاية الشرعية، أو كان أحد أبويه الذي يتولى رعايته بعد فقد الآخر أو عجزه على رعايته منحرفا ولا يقوم بواجبه المذكور إزاءه”.

كما عرفت المادة الثانية منه مفهوم كفالة طفل مهمل بأنها تعني “الالتزام برعاية طفل مهمل وتربيته وحمايته والنفقة عليه كما يفعل الأب مع ولده”، كما نصت على أنه “لا يترتب عن الكفالة حق في النسب ولا فـي الإرث”.

[4]– حددت المادة 9 من قانون كفالة الأطفال المهملين الأشخاص والهيئات التي يمكن أن تسند إليهم كفالة الأطفال الذين صدر حكم بإهمالهم فيما يلي:

أولا-الزوجـان المسلمان اللذان استوفيا الشروط التالية:

– أن يكونا بالغين لسن الرشد القانوني، وصالحين للكفالة أخلاقيا واجتماعيا ولهما وسائل مادية كافية لتوفير احتياجات الطفل؛

– ألا يكون قد سبق الحكم عليهما معا أو على أحدهما من أجل جريمة ماسة بالأخلاق أو جريمة مرتكبة ضد الأطفال؛

– أن يكونا سليمين من كل مرض معد أو مانع من تحمل مسؤوليتهما؛

– ألا يكون بينهما وبين الطفل الذي يرغبان في كفالته أو بينهما وبين والديه نزاع قضائي، أو خلاف عائلي يخشى منه على مصلحة المكفول.

ثانيا- المرأة المسلمة التي توفرت فيها الشروط الأربعة المشار إليها في البند الأول من هذه المادة.

ثالثا- المؤسسات العمومية المكلفة برعاية الأطفال، والهيئات والمنظمات والجمعيات ذات الطابع الاجتماعي المعترف لها بصفة المنفعة العامة المتوفرة على الوسائل المادية والموارد والقدرات البشرية المؤهلة لرعاية الأطفال وحسن تربيتهم وتنشئتهم تنشئة إسلامية.

انشر المقال



متوفر من خلال:

حقوق الطفل ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني