تُخصّص المفكّرة – تونس في أعداد مجلّتها الفصليّة قسما لتقديم عدد من الكُتب المختارة، نراعي من خلالها تنوّع المواضيع ولغة الكتابة وجدّة الإصدار وراهنيّة الإشكاليات، وذلك بمساهمة من قرّاء وكتّاب متعاونين.
يتضمن الكتاب شهادة المعتقل السياسي الفلسطيني صالح حموري الذي أبعدته السلطات الإسرائيلية إلى فرنسا في 17 ديسمبر 2022 بعد أن قضى أكثر من 10 سنوات في السجون الاسرائيلية.
هذه الشهادة نقلتها أرمال لابوري سيفن وهي كاتبة ومترجمة فرنسية ألّفت مع إيال سيفان كتابا بعنوان “مقاطعة مشروعة” من أجل المقاطعة الثقافية والأكاديمية لدولة إسرائيل.
ولد صالح حموري سنة 1985 من أب فلسطيني وأمّ فرنسية، نشأ وكبر في “ضاحية البريد” في القدس الشرقية. وهو يعيش حاليا في فرنسا حيث يواصل تقديم شهاداته ويحكي قصة فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وفي صفحات الكتاب الـ 105، ركّز حموري في البداية على وصف مضايقات الشرطة والقضاء العسكري أثناء اعتقاله والتحقيق معه في مركز “المسكوبية” أول مرة سنة 2001 بسبب نشاطه في نقابة للتلاميذ، ثم تناول بالتفصيل السنوات العشر التي قضاها متنقلا بين عدة سجون (ها شمير، بير شيفا، عوفر، ماجدو، كاتزين بالنقب وغيرها)، في أغلب الوقت من دون محاكمة ولا أدلة تدينه ومن دون توجيه أية تهمة له وفي بعض المرات بموجب قرار المحاكم العسكرية بالسجن الإداري، وهو إرث بريطاني يتمثل في اعتقال الشخص لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد وبقرار من المحكمة من دون تمكين المسجون ومحاميه من الاطلاع على الملف ولا على التهمة الموجهة إليه…
تأتي رمزية قصة صالح حموري، ليس فقط لوصفها الاضطهاد والمضايقات السياسية التي يعاني منها الفلسطينيون ولكن أيضا لضعف وحتى “جبن وزارة الخارجية الفرنسية عندما يتعلق الأمر بالتدخل لدى السلطات الإسرائيلية فيما يخص حقوق المواطنين الفرنسيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية”.
وتكمن أهمية الشهادة في الوصف الدقيق لمنظومة “الاعتقال” الإسرائيلية التي عانى منها أكثر من مليون فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلتيْن منذ سنة 1967، في مراكز التحقيق التي يديرها جهاز “الشاباك” والسجون تحت إشراف “مصلحة السجون الإسرائيلية” التي تعمل باستمرار على صياغة نفسية المعتقل من جديد وتطويعه وفق إرادتها وإبعاده عن المقاومة في حال تحرره، كما طوّرت بين الحين والآخر من أساليب التعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين، إلا أن التعذيب النفسي يُعدّ من أكثر الوسائل التي تستخدمها.
وفي مقاومة هذه الألة القمعية، تطوّرت “الحركة الأسيرة الفلسطينية” عبر إحداث وإدارة تنظيم خاص بالأسرى يعنى بتنظيم أوضاعهم الداخلية وتمثيلهم أمام الإدارة. كما نجحت في تحويل الزنازين والعنابر إلى “أكاديميات” للتكوين السياسي والفكري.
ما تمتاز به شهادة صالح حموري هو ابتعاده عن تقديم نفسه ورفاقه في السجون كـ “مظلومين” أو “أبطال”، بل هم فلسطينيون تسلط عليهم “نظام احتلال قمعي”، يعيشون أوقاتا صعبة في أغلب الأحيان، وأخرى من الفرح أثناء زيارات العائلات وأوقاتا لمطالعة الكتب وأثناء حصص الدروس المخصصة لتعلم التاريخ والفلسفة والعلوم السياسية وغيرها من العلوم. “سجين القدس” هي شهادة على نجاح الفلسطينيين في أن تزيدهم محنة الاعتقال علما.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.