تُخصّص المفكّرة – تونس في أعداد مجلّتها الفصليّة قسما لتقديم عدد من الكُتب المختارة، نراعي من خلالها تنوّع المواضيع ولغة الكتابة وجدّة الإصدار وراهنيّة الإشكاليات، وذلك بمساهمة من قرّاء وكتّاب متعاونين.
قتل رحيم لأنه دقيق وخفيف على المدنيين، مقارنات بقصف دريسدن وهيروشيما، دروع بشرية، وتعالٍ أخلاقيّ يفاوت في القيمة الإنسانية للمتحاربين. كاد كتاب “نظرية الطائرة بلا طيار” للباحث الفرنسي في الفلسفة غريغوار شامايو أن يكون معاصرا فوريا، لولا أنّه نشر في 2013 وحرب إدارة أوباما بالطائرات المسيرة (في باكستان وأفغانستان واليمن ومناطق أخرى) لم تنته بعد.
يبدأ شامايو في مساءلته لما تعنيه الطائرة بلا طيار بالتقنيات والوسائل، موضحا المبادئ والمسلمات النظرية لـ “صيد الإنسان” وما تعنيه الحياة وأشكالها للمحلل العسكري، والآثار النفسية للقتل عن بعد. شيئا فشيئا، تتضح صورة قاتمة راهنة مخيفة، حيث عوضت مكافحة التمرد المؤطرة قانونيا بمكافحة الإرهاب المخالفة غالبا للقانون الدولي، على مدة ثلاثين سنة تقريبا (عند نشر الكتاب)، وتطورت إيتيقا موت جدّ حديثة تفسر كيف “نقتل جيدا”، وأصبح فيها مقاتل المعكسر المهيمن (المقاتل الإمبريالي) محصنا ضدّ الموت والخطر بصفة عامة. تلك الحصانة كمفهوم تغزو الحقل السياسي والقانوني والتصورات المجتمعية لما تعنيه الحرب، لتبرّر قواعد مخالفة للقانون الدولي، ولتخلق عتبات اعتباطية (مثل عتبة عدد الخسائر الجانبية المدنية المسموح بها في ضربة طائرة مسيرة – أقل من ثلاثين مدني، أو عتبة شبهة الإرهاب حسب محدثات الهواتف) تطبع قتل المدنيين في إطار شبهات أو لتواجدهم في مكان هدف الطائرة. هذه الحصانة تبقى ضعيفة معياريا وقانونيا، ولكنها تحصن في حدّ ذاتها بإنتاج رضا ممول بسخاء في الجامعات والإعلام (وعند مراجعة الإنتاج الممول، تتضح ضحالته)، وبعدم وجود سلطة مضادة ذات وزن أو فاعلية. عند تحرك مجموعات ضدّ لا قانونية استعمال الطائرات بلا طيار، تغرق النقاشات (أو المحاكمات) في التفاصيل والإجراءات المعتمدة وآراء الخبراء في ظلّ غموض قانوني شامل، مما يعقّدُ تكوّنَ معلنٍ واضح يوحّد المجهودات المضادة نحو تيار أو سلطة مضادة للطائرات بلا طيار وإيتيقا الموت. وهكذا، يرخص للدولة المستعملة للطائرة بلا طيار في أن تحارب “دفاعا عن النفس”، مع رخصة للقتل، تستخدم أينما تريد (المجال كله ساحة معركة)، مع انتظار ضمني بالتهنئة على حفظ حياة المدنيين.
كلما تعمق شامايو في تساؤلاته الإيتيقية والقانونية والسياسية، تضاءلت الطائرة بلا طيار أمام سؤال حارق: أي قانون دولي أمام معسكر مهيمن في نفس الوقت على التقنية (وخاصة على تقنيات عسكرية مجردة من الإنسانية كالطائرات بلا طيار) وعلى إنتاج وتسويق المعايير؟
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.