عبارات الطوفان. حرب الكلمات والسرديات – بسام بونني
منشورات نيرفانا، 2024
صدر الكتاب في أفريل 2024، وحرب الإبادة على غزّة لا تزال متواصلة. والحرب، كما يذكّر بذلك الكاتب منذ البداية، لا تُخاض فقط عسكريّا، وإنّما أيضا على المستوى الرمزي الذي لا يقلّ عنه أهمّية. هو كتاب عن “حرب الكلمات والسرديّات”، يُبرز جيّدا استراتيجيات الهيمنة الرمزيّة والتعتيم والتضليل والرهانات التي تتخفى وراء اختيار الكلمات، ولكنّه أيضا كتاب ضمن حرب السرديّات، مُشارك فيها. إذ أنّ بسام بونني لم يُخفِ انحيازه للحقّ الفلسطيني، ولم يدّعِ “حيادًا” زائفا.
استوعب الكاتب جيّدا أحد دروس إدوارد سعيد، حول ضرورة أن نأخذ على محمل الجدّ السرديّة الصهيونيّة، وأن نعطي الجهد اللازم لتفكيكها والاشتباك معها وفضح زيفها أمام العالم. ولئن كان الكتاب يتوجّه بداية إلى القارئ العربي، فإنّه تميّز أيضا بالحرص على اعتماد المراجع الإسرائيليّة والغربيّة، تفاديًا لأيّ تشكيك في مصداقيّة المضمون. فهو لا يعزل القارئ العربي عن النقاش العالمي، وسيكون بلا شكّ مفيدا أن يُترجَم الكتاب إلى لغات أجنبيّة.
اختار بونني ثلاثين كلمة/عبارة، تتراوح بين صرخات الضحايا التي خلّدت مأساة إنسانيّة قلّ نظيرها وصمودا يكاد يكون أسطوريّا (معلش، روح الروح، الولاد ماتوا بدون ما ياكلو…)، والدعاية الصهيونيّة والتحريض على الإبادة وتبريرها (حيوانات بشريّة، 40 رضيعا…)، وتواطؤ جلّ دول الشمال ومنظوماتها الإعلامية (Do you condemn Hamas، اللوبي الصهيوني…)، وتخاذل الحكومات العربيّة (لا سمح الله، الشعب يريد تجريم التطبيع) وانخراط حلفاء المقاومة (الجبهة الشمالية، باب المندب)، وأهمّية سلاح المقاطعة. كما خصّص حيّزا هامّا للصراع الدائر حول القانون الدولي وداخله، من أجل تقويض منطق الهيمنة وفضح الاستعمال الأداتي الغربي لمنظومة حقوق الإنسان وازدواجية المعايير التي يطبقها (الحقّ في الدفاع عن النفس، الفيتو، حقوق الإنسان، جريمة حرب…). نجح الكاتب هنا في إبراز المقاومة من داخل المنظومة الأممية نفسها، وفي تفادي منزلق التعامي عن الهيمنة من جهة، والتخلي عن مرجعيّة حقوق الإنسان من جهة أخرى، وأوضح كيف أنّ نفاق جلّ دول الشمال هي أكبر هديّة للأنظمة العربيّة الاستبداديّة لمواصلة قمع شعوبها.
وبما أنّ “الصراع” لم يبدأ في 7 أكتوبر، عاد بونني في أكثر من موضع إلى تاريخه وسياقه. وكما يظهر من عنوان الكتاب نفسه، لم يتحرّج الكاتب من المرجعيات الدينيّة الحاضرة في الصراع، ليس فقط لدى أبرز فصائل المقاومة، ولكن بالأخصّ، في الخطاب الإسرائيلي، وفي استهدافه الممنهج للتراث الثقافي والديني الفلسطيني.
كان بسام بونني قد استقال في 18 أكتوبر 2023 من وظيفته كمراسل لشبكة البي-بي-سي (BBC) احتجاجا على “انحياز تغطيتها لصالح إسرائيل”، كي “يفعل ما لم يكن قادرًا على قوله”. في “عبارات الطوفان”، لم يوثّق الصحفي فقط ما أراد قوله، بل أعطى نموذجا حيّا على أنّ الفعل والقول لا ينفصلان.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.