يندرج هذا الكتاب ضمن سلسلة الكتب التي صدرت منذ سنة 2011 والتي تناولت بالوصف والتحليل “الثورة التونسية”. في سنة 2016 نشر عالم الاجتماع جون مارك سلمون كتابا باللغة الفرنسية بعنوان
29 Histoire du soulèvement tunisien, 17 décembre 2010-14 janvier 2011, jours de révolution. Paris, Les petits matins
نجح الكاتب في تقديم دراسة عميقة للانتفاضة بالاعتماد على “الوصف الشامل والذي يمسح تقريبا جميع الأحداث ” مستندا إلى مقابلات مع أكثر من 90 من الفاعلين الثوريين ومقاطع الفيديو التي تمّ جمعها انطلاقا من مدوّنات الناشطين (خاصة سليم عمامو، أميرة اليحياوي عزيز عمامي ولينا بن مهني) مما مكّنه من إبراز فرادة هذه الانتفاضة ومن تحليل الطابع “العفوي” وغير المخطط للأحداث التي استمرت 29 يوما فقط وأدّت إلى سقوط نظام حكم استمرّ أكثر من 23 سنة .
وبالرغم من الترحيب الذي لقيَه الكتاب، فإن العديد من النقّاد لاحظوا نقصا واضحا في شهادات المسؤولين الحكوميين والحزبيين في سلطة ما قبل 2011. مما حدا بالكاتب لتطوير كتابه ونشره منقولا للعربية سنة 2023، عبر إجراء مقابلات إضافية والتوسع في المدة التي يغطيها التحليل، بحيث امتدّت إلى تاريخ تركيز الحكومة الانتقالية برئاسة الباجي قايد السبسي والتي أدارت البلاد حتى إجراء انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011.
في القسم الأول من الكتاب، ذكّر الكاتب بأبرز الأحداث (بما فيها الحوض المنجمي 2008) التي مهّدت “لانتفاضة 2011” بالرغم من الرقابة الشاملة للمجتمع التونسي. ثم تناول بالتحليل، على وجه الخصوص، أحد الجوانب المبتكرة لهذه الانتفاضة: تأثير وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. ثم ذكر بأهمية “الانشقاق السيبراني” القائم على المدونات، ثم أهمية فيسبوك منذ عام 2008، باعتباره أداة مهمًة لنقل المعلومات وانتقاد السلطة.
وفي السياق نفسه، ساهم الكشف عن الفضائح وفساد السلطة من قبل ” ويكيليكس” في “رفع الهالة” عنها، مما سمح بحدوث مواجهات في الشوارع بين المحتجّين ضد “عصابات السراق” وقوات الأمن.
وتضمن القسم الثاني تحليلا تفصيليا لاندلاع الانتفاضة في مدينة سيدي بوزيد مبينا السردية المؤسسة لها.
ومن دون الانزلاق في المنحى الدرامي، سلّط المؤلف الضوء على العاطفة التي أثارها الفعل الانتحاري “لمحمد البوعزيزي” والذي ولّد تجمعًا عفويًا أفرز فعلا منظما: إذ أنّ الحشد منح لنفسه القوة، فأصبح “البائع المتجول” شهيدًا لنظام فاسد همّش الفقراء ثم تكفلت قنوات المعلومات والتواصل مثل فيسبوك أو فرانس 24 أو الجزيرة بنشر الخبر.
في قسم ثالث، ركز الكتاب على ما اعتبره “اختبارا للإرادات” وذلك من خلال انتشار “شرارة الانتفاضة” في تالة والقصرين ثم صفاقس والعاصمة، حيث وجدت السلطة نفسها ضعيفة بعد فشل “التجمع الدستوريّ الديمقراطي”، حزب الرئيس في تعبئة “الشباب” وعجز ألة القمع من إيقاف المظاهرات والاحتجاجات وفقدانها السيطرة على الصورة التي كانت تروّجها القنوات الناطقة بالعربية العابرة للحدود الوطنية، وانتشار اللهجة الدارجة على شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي الخاتمة، قدّم المؤلف محاولة للتنظير واصفا ما حدث في تونس بأولى “انتفاضات القرن الواحد والعشرين” بخصائص جديدة والتي كان لشعاراتها “إرحل” و”الشعب يريد إسقاط النظام” صدى واسعا في شوارع صحار في عمان، والقاهرة وصنعاء والدار البيضاء والخرطوم.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.