في أوائل 2020، أعادت الشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق تعيين رسوم المرور على طريق السويس، ما يعرف باسم “كارتة” طريق السويس. وأعلنت أنّ رسوم مرور المرّة الواحدة لسيارات الميكروباص والملاكي 10 جنيهات، و15 جنيهاً (للميني باص)، و25 جنيهاً للنقل في حال كانت فارغة، بينما يتفاوت تقدير الرسوم في حالة الشاحنات تبعاً لحمولتها. كما أعادت تغيير موقع بوابات طريق السويس لتستقرّ قبل عدد من المدن الجديدة الموجودة على امتداد الطريق، التابعة إدارياً لمحافظة القاهرة، وهي مدن: الشروق ومدينتي وبدر وهليوبوليس الجديدة، فأصبح عبور قاطنيها يستلزم دفع رسوم يومية ذهاباً وإياباً، لأنّه الطريق الوحيد المؤدي إليها.
التغيير في موقع بوّابات تحصيل الرسوم المرورية على طريق السويس لتشمل سكّان بعض مناطق القاهرة نفسها، وليس المسافرين من القاهرة إلى محافظة أخرى فقط، صاحبهُ بروز مشاكل. سنحاول في هذا التقرير فهم 3 مشاكل رئيسية منها، وهي: الإشكالية القانونية لفرض “الكارتة”، والضرر الاقتصادي والاجتماعي الواقع على قاطني المدن التي يمرّ فيها الطريق والتأثير المعيشي اليومي، وكيف يؤثر ذلك على نموّ هذه المدن، من حيث جاذبيّتها أو نزوح السكان بعد هذا القرار، وهو ما يؤثر بذلك على التمدّد العمراني فيها.
رسوم جديدة تسبقها قرارات وزارية وتعديل قانوني
يرتبط فرض رسوم المرور بإنشاء طرق جديدة مثل طريق شبرا – بنها الحر، أو تطوير القائم منها كما هو حال طريق السويس. في 2015، عملت الهيئة العامّة للطرق والكباري والنقل البرّي التابعة لوزارة النقل بالتعاون مع الشركة المُنفّذة على إنجاز مشروع التطوير. في 2016، أسندت رئاسة الوزراء مشروع التطوير مع إدارة وتشغيل محطّات تحصيل الرسوم إلى الشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق (التابعة للقوّات المسلحة). في العام التالي، أي في 2017، ومع إنجاز الطرق الثلاثة ومنها طريق شبرا – بنها، بدأ تحصيل الرسوم الجديدة.
في 2018، قرّرت رئاسة الوزراء منح التزام إدارة وتشغيل 10 محطات طرق إلى الشركة الوطنية لتحصيل رسوم الأوزان الزائدة على هذه الطرق، ومن بينها طريق السويس. شهد العام نفسه تعديلا بمواد: (4) و(9) و(10) لأحكام القانون رقم 84 لسنة 1968 بشأن الطرق العامة. نصت التعديلات على السماح بفرض رسوم نقدية، مقابل مرور السيارات على الطرق العامة، بمواصفات محددة، وحدد مواصفات الحركة على الطرق العامة والقواعد والشروط التي تكفل توفير الأمان عليها، وعدم تعطيل حركة المرور.
شكلَ تسلسل قرارات إسناد رئاسة الوزراء مسؤولية الطرق للشركة الوطنية، وكذلك التعديل القانوني غطاءً لفرض “كارتة” طريق السويس، لكن هذا الغطاء لا يمنح تحصيل رسوم الكارتة من سكان المدن الأربع شرعية قانونية، لأنّ التعديل الأخير في قانون الطرق العامّة لم يشمل المادة الثانية منه التي تنصّ على “منع سريان أحكام القانون على جميع أنواع الطرق الداخلة في حدود القاهرة الكبرى والإسكندرية”، بالإضافة إلى أنّ قرار منح الشركة الوطنية مسؤولية تحصيل الرسوم من المحطّات، حدّد الرسوم على الأوزان الزائدة في طرق الخدمة، بدون فرض رسوم على سيارات الملاكي في الطريق الحر.
لماذا تفتقد “الكارتة” إلى الشرعية القانونية؟
شكّلت كلّ هذه المعطيات السابقة الذكر أساساً للدعويين القضائيّتين اللتين رفعهما المحامي سامح نجم بتوكيل من مئات السكّان، لمقاضاة الشركة الوطنية ووزيري الدفاع والنقل، قبل ما يقارب السنة. وبحسب الدعويين، يمثّل تحصيل الرسوم من هؤلاء السكّان تعدياً من الشركة الوطنية على حدود التعاقد المبرم بينها وبين وزارة النقل، بالإضافة إلى خرق المادة (53) من الدستور التي تلزم الدولة بعدم التمييز بين المواطنين، بناءً على عوامل عدّة بما فيها الموقع الجغرافي. تضمن المادة الثانية من قانون الطرق العامّة، الالتزام بالنص الدستوري بعدم التمييز بين المواطنين المصريين، ما يجعل إجبار بعضهم على دفع رسوم نظير تحرّكه في نطاق المحافظة نفسها إخلالاً بهذا الالتزام.
يقول نجم لـ”المفكرة القانونية” إنّ “الدعويين عاجلتان ورفعتا أمام مجلس الدولة، الأولى أمام دائرة الحقوق والحريات، والثانية أمام دائرة الرسوم والمنازعات. الدعوى الأولى ما زالت في مرحلة كتابة تقرير هيئة المفوّضين الذي لم يصدر بعد. أما الثانية فصدر قرار بتأجيلها لجلسة تعقد في أغسطس المقبل، لإطلاع محامي الشركة الوطنية وممثلي الدولة اللذين تختصمهما الدعوى على المذكرة التي قدّمها الدفاع، وإمهالهم فرصة للرد والتعقيب”. في المقابل، لم تستجب المحكمة إلى طلب إيقاف تحصيل الرسوم لحين الفصل في الدعوى، وبالتالي، سيظلّ السكان يسدّدون الرسم المفروض حتى الفصل في الدعوى.
بالتزامن مع مسار التقاضي، تقدّم عضوان في البرلمان بطلبي إحاطة، اعتراضاً على “الكارتة” لعدم دستورية فرض رسوم على قاطني المدن المتضرّرة، بحسبهما. وطالب أحد النائبين بنقل بوّابات التحصيل إلى ما بعد المدن الأربعة. وعلّق المحامي سامح نجم على ذلك بأنّه “شو (show) إعلامي، وطلبات الإحاطة كانت تمثيلية، لأنّه لم يقف أيّ من النواب موقفاً جدياً لحلّ الموضوع، ولم يهتم أيّ منهم، خصوصاً نوّاب التجمّع الخامس المعنيون، حيث قوبلت محاولات سكّان التجمّع للتواصل مع النواب بالتجاهل التام”.
ونظراً لأنّ مسؤولية إدارة وتشغيل وتحصيل رسوم طريق السويس تعود الآن إلى الشركة الوطنية، وجدت وزارة النقل مسوّغاً لرفض التعليق على أزمة “كارتة” طريق السويس بالقول “الطريق ليس تحت ولاية الوزارة، لكن يتبع إدارياً الشركة الوطنية للطرق التابعة للقوّات المسلحة، ومن ثمّ هي الجهة المسؤولة عن إقامة بوّابات عبور وتحصيل رسوم من عدمه”. وبالتالي لم يعد للوزارة سلطة إدارية على الطريق، فبموجب الاتفاق المبرم، تنوب عنها الشركة الوطنية في إدارة هذا الطريق، مقابل حصولها على 40% من إيراداته، فيما تحصل الوزارة ممثلة في هيئة الطرق والكباري على 60%.
من ناحية أخرى، تسبّبت تبعية الطريق للشركة الوطنية في شعور عام لدى السكّان بخطر الحديث عن “أمر سيادي من جهة سيادية”، لأنّها تتبع الجيش. يذكر أنّه في الوقت الذي لم يكن تطوير الطريق ولا إدارته تابعة للشركة الوطنية، وإنّما لوزارة النقل، متمثلة في هيئة الطرق والكباري، أقال وزير النقل هاني ضاحي رئيس الهيئة سعد الجيوشى وعيّن اللواء عادل ترك بدلاً منه، ممّا يعني وجود نفوذ إداري من “المؤسّسة العسكرية” على رأس جهة حكومية مدنية هي هيئة الطرق والكباري.
الرسوم الجديدة تعني ارتفاعاً جديداً للأسعار
أمّا الأضرار الناتجة عن الكارتة، ولا سيّما الاقتصادية والاجتماعية، فهي عبء يتحمّله السكّان وحدهم، بعد فشل جهودهم حتى الآن في إيقاف تحصيل الرسوم وإيجاد حلّ لمعاناتهم. أخذت المحاولة أشكالاً عدّة. قدّم أكثر من 500 ساكن بلاغات للنائب العام في اليوم نفسه، بالإضافة إلى إرسال شكاوى إلكترونية عبر موقع النيابة العامّة وتدشين العديد من الصفحات ومجموعات للشكوى عبر الإنترنت، يقدّر عدد أعضائها بالآلاف (تواصل معنا حوالي 40 عضواً، للوقوف على صور وأشكال الضرر) لكن لم يلق أحد من السكّان استجابة، وفقاً لنجم.
أحد هؤلاء السكّان محمد عامر يعيش في مدينة الشروق، ويقول لـ”المفكرة” “كلّ حاجة عندنا بقيت غالية، لأنّ كلّ حاجة بتعدّي على الطريق فلوسها زادت، وبالتالي مصاريفنا زادت”. تنسحب الزيادة على باقي الخدمات، كالدروس الخصوصية مثلاً، حيث يزيد المعلم رسم “الكارتة” على مصاريف الدروس للتلاميذ، كما ترتفع أجرة “توصيل الطلبات للمنازل” وحتى أجور العمّال والفنيين الذين يتعاون معهم محمد باستمرار بحكم عمله كمهندس ديكور تزيد في نطاق المدن ذاتها التي تشكل مناطق وجود وانتشار عُملائه.
باتت جملة “حسابي كذا، غير الكارتة” سائدة ومعروفة لدى السكان. يستشهد محمد “لسّه إمبارح، كنت جايب درف دولاب، السوّاق قالي حسابي 400 جنيه غير الكارتة، زيّ ما موظف البوّابة يقدّرها بقى”.
اضطر مُحمد أن يدفع رسوم أعلى ممّا لو اقتصر العبور على الأفراد، لنقل أبواب الخزانة من مدينة بدر إلى مدينة نصر وكلتاهما تقعان داخل محافظة القاهرة. هذا ولم يكن نقل الأبواب سيكلّف المبلغ نفسه في حال استبدال منطقة بدر بأي منطقة أخرى ضمن نطاق العاصمة، وخارج حدود بوّابات “الكارتة”. مع كلّ حركة لسكّان المدن المتضرّرة أو لأغراضهم، تحضر المقارنة بينهم وبين غيرهم من سكّان أيّ منطقة أخرى لا يفرض عليهم دفع رسوم مقابل مرورهم، أو لا تصلهم أغراض للاستخدام الشخصي من دون فرصة الحصول على ربح مادي منها، تنظّمه قوانين الاستثمار.
يدفع السكان زيادة يومية يمكن حسابها مباشرة في كلفة المواصلات، أو بشكل غير مباشر في فارق السّلع والخدمات، قدّرها تامر الحفناوي (مدير موارد بشرية في شركة) المقيم في “مدينتي” بـ 60 جنيهاً على الأقلّ يومياً، من عمله وإليه، يتكبّدها هو وزوجته. كما يحسب الزيادة في تكلفة زيارة السوبرماركت الأسبوعية، بـ500 جنيه.
ورغم ذلك، يقول عدد من السكان، ومن بينهم تامر، إنّ جهات عملهم لم تعوّض عليهم ارتفاع مصاريفهم نتيجة “الكارتة” بأي زيادة في رواتبهم.
التكلفة الاقتصادية تنعكس في الحياة الاجتماعية
ألقت التكلفة المالية لفرض “الكارتة” بظلالها على الحياة الاجتماعية للسكان أيضاً. حيث برز العجز عن زيارة الأهل والأصحاب كالمعتاد، كأحد أشكال الضرر العائلي في حكاياتهم. من بين السكان الذين تحدثنا إليهم أسامة النادي الذي اضطرّ لتقليص زيارات أخواته الأسبوعية، “دلوقت، لو مرّة في الشهر يبقي كويّس”، وتقول مواطنة أخرى “في آباء وأمهات مش قادرين يزوروا أولادهم عشان الكارتة”. إلى جانب ذلك، تطرّق عدد منهم إلى التأثير النفسي للكارتة بالقول “هناك أثر نفسي سيئ نتيجة عدم المساواة، والإحساس بالظّلم نتيجة التمييز بينّا وبين غيرنا من مواطني المناطق والمحافظات الأخرى”.
ويضطرّ السكان المتضررون إلى اتّخاذ قرارات لا يحبّذونها، في محاولة للتأقلم، كأنْ يقلّصوا من عدد مرّات خروجهم إلّا للضرورة، أو تبديل وسائل مواصلاتهم المعتادة بأخرى أقلّ تكلفة مادية، وإن تضمنت مخاطرة بتكلفة من نوع آخر، مثل تامر “لغيت اشتراك الباص، والولد الكبير بقى يروح مواصلات، والصغير اشتركت له في ميكروباص أهالي”. ويفعل تامر ذلك رغم شعوره بالقلق حيال هذا التغيير، خصوصاً بعد حادث تصادم ميكروباص أهالي كالذي يستخدمه ابنه، وموت طفلين.
مدن “محاصرة” بالكارتة
كرّس عدم إعفاء سكّان مناطق امتداد القاهرة العمراني من تحصيل رسوم الكارتة مبدأ إعاقة حرّية الحركة، لذا أصبح دفع رسم المرور لإحدى المدن الأربعة، عبر بوّابة طريق السويس لا يعفيه من الدفع مرة ثانية وثالثة. ليس بإمكان الساكن التحرّك، من دون اضطراره لدفع “كارتة” أخرى في المدينة نفسها. على سبيل المثال، مدينة كالشروق مثلاً “مُحاصرة” بحسب تعبير الساكن خالد يوسف ونادية أحمد، بعدد من بوّابات رسوم متعدّدة. يشرح خالد “أكتر من 5 كارتات، واحدة بطريق السويس وواحدة أمام المركز الطبّي العالمي، وواحدة خلفه عند طريق ‘جنيفا’ المؤدّي إلى مدينة بدر والشروق، واتنين على الطريق الدائري الأوسطي”. تلتقط نادية طرف الحديث “دايرة محيطها أقل من كيلو فيها 5 كارتات، لو سجن مش هتبقى كده”.
يجعل هذا العدد بوّابات الرسوم المختلفة بمثابة حواجز تعيق تنقّلهم إلّا بعد الدفع، رغم أنّهم لم يخرجوا من محيط المدينة ذاتها. تشرح نادية “التقاطع اللي قبل الأوسطي هو امتداد للشروق أصلاً، لكن عشان أبقى في بيتي لازم أطلع الأوسطي وأنزله، يعني فعلياً مبستخدمش من الطريق أكثر من 300 متر بعد كارتة الأوسطي الّلي جوّا الشروق”. لكنها مُجبرة على دفع الرسوم لتعبر بوّابة كارتة الأوسطي الموجودة داخل مدينة الشروق. وبتعجّب تضيف: “وكده حتى لو أنا في الشروق، وحبيت أروح السوبرماركت الّلي في الشروق برضه أدفع كارتة تانية غير إنّ مفيش اتجاه للعودة (U turn). يعني لو غلطت ولّا نسيت حاجة في البيت وراجعة أجيبها، أدفع رايح جاي تاني”.
إنفاق مرتفع والضرر على الجميع
على الجانب الآخر، يحتاج السكان للخروج من مدنهم إلى المناطق الأكثر مركزية، بسبب نقص في الكفاءة وتوفّر بعض الخدمات والمرافق. يعود تاريخ إنشاء “مدينتِي” إلى 2006، أما مدن “بدر” و”الشروق” و”هليوبوليس الجديدة”، فترجع قرارات تأسيسها إلى العام 1982 الصادرة عن رئاسة الوزراء، وقرار رئاسة الجمهورية في 1995، كجزء من حركة التمدّد العمراني، لمواجهة التكدّس السكّاني بالمدن المصرية. وقد تأخّر الشروع في تنفيذ هذه القرارات لسنوات، ما أدّى إلى وجود نقص في الخدمات إلى الآن، لحداثة التعمير الفعلي.
تنوّه نشوى رأفت “يعني الموضوع أكبر من إنّي أروح الشغل وأرجع منه، إحنا بنروح لأطباء ومستشفيات في التجمّع أو مدينة نصر أو مصر الجديدة، وكذلك المدارس والدروس، وبنشتري كتير من احتياجاتنا منها”. نتيجة الحاجة المتكرّرة إلى التنقّل من وإلى هذه المُدن عرضت شركة الوطنية للطرق اشتراكات شهرية للكارتة مقابل 80 جنيهاً شهرياً. تقول الوطنية إنّ هذا الاشتراك يخفّض ثمن الرسوم اليومية لتصبح جنيهين ونصف يومياً.
لكن أحمد الهجين يعترض على ذلك قائلاً “طبعاً محدّش بيدفع كده، لو زوج وزوجة عندهم عربيتين هيعمل اشتراك 3 شهور عشان يريّح دماغه وهيدفع 500 جنيه كلّ 3 شهور، البوّابات دي معمولة خصيصاً لتحصيل الأموال دي منّنا، وهو أصلاً ليه أدفع 10 ولا 2 ونص عشان أتحرّك”.
التساؤل الذي يطرحه الهجين والاحتياج الخدمي الذي تعبّر عنه نشوى، لا يُمكن إغفاله في سياق تقييم مدى نجاح إنفاق الدولة على عملية “تطوير الطريق” في خدمة هذه المدن الجديدة، تحديداً مع استمرار تبنّي الدولة وتوسّعها في خطة التعمير على امتداد القاهرة الكبرى، واتجاهها لإنشاء عاصمة إدارية تنتقل إليها مركزية الخدمات والمصالح الحكومية والسفارات وشركات الاستثمار.
يفترض بالدولة تقديم تسهيلات وتوفير الاحتياجات اللازمة لتشجيع المواطنين على تعمير هذه المناطق الجديدة عموماً، وتيسير عملية الانتقال الخدمي. يأتي إنشاء الطرق في مقدّمة هذه الاحتياجات، بدون أن تحمّلهم مسؤولية تمويل التسهيلات والاحتياجات، وتطالبهم بعدم التذمّر من الدفع، كما صرح رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي “لما أحطّ بوّابات كارتة، محدّش يتضايق، أدفع بقى، مبقاش في حاجة ببلاش خلاص”.
في حالة المدن الأربع، تكبّد السكان تكلفة تطوير لم يستفيدوا من استمراره لخدمة مناطق ومدن أخرى، في مقدّمتها العاصمة الإدارية، لمّا كان طريق السويس قادراً على خدمتهم قبل عملية التطوير الأخيرة والتي صاحبها فرض “كارتة” عليهم، كما كبّد الدولة نفسها أموالاً مشكوك في جدوى إنفاقها.
فقد أُعلن في 2014، أنّ تكلفة تطوير طريق السويس تصل إلى 300 مليون جنيه، لتضمين حارة جديدة، ليصبح ثلاث حارات، مما يجعله قادراً على خدمة وتغطية الحركة المرورية على امتداد شرق القاهرة، ولا سيما مع إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة. في 2015، عملت الهيئة العامة للطرق والكباري والنقل البري التابعة لوزارة النقل بالتعاون مع الشركة المُنفّذة، على إنجاز مشروع التطوير. وقال أحد المهندسين العاملين في المشروع آنذاك إنّ “الطريق لا يحتاج لصيانة لمدة 5 سنوات وهي فترة عمره الافتراضي، وفى الوقت نفسه لن يحدث له هبوط أرضي بسبب الحمولات الثقيلة التي تمرّ عليه”.
الكارتة تؤثر على جاذبية المدن الجديدة
في مطلع 2020 أي تزامناً مع تغيير موقع ورسوم بوّابات كارتة الطريق، تقدّم عضو مجلس النواب محمد عبد الغني بطلب إحاطة لوزارة النقل على خلفية إعادة تطوير الطريق مرّة أخرى، بعد مرور ثلاث سنوات فقط ممّا يعدّ أحد صور إهدار المال العام. وصرح عبد الغني أنّه في انتظار للرد، إلى أن انتهت دورة انعقاد المجلس الثانية.
لكن وزير النقل كامل الوزير يعتبر هذا الإنفاق الحكومي والتكلفة المالية المُقرّرة على سكّان المدن المتضرّرة جزءاً من ضريبة تطوير الطرق والاستفادة منه بغضّ النظر عن موقع هؤلاء المستفيدين وقانونية الدفع وعدالته. على خلاف ذلك، يعتبر المتضرّرون، الكارتة “عقاباً لسكان المدن الجديدة” وهو ما يعبّر عنه أكرم خزام “لمّا سمعت كلام الدولة، وعمّرت الصحراء، أتحمّل غصب عنّي مصاريف شهرية أكتر لبعدي عن مكان عملي من بنزين وصيانة، بقرار لحظي من غير عدل، لأنه لا يطبّق على كلّ الشعب بل على 4 مدن. يعني اللي ساكن على النيل مبيدفعش قرش زيادة وأنا اللي سكنت بالصحراء أتكبد مصاريف زيادة، ليه بتعملوا في الشعب كده”.
يزداد عبء الدفع بالنسبة للفئات المتدنية الدخل التي تضمّ شريحة الشباب المتزوجين حديثاً، والمستأجرين حسب القانون الجديد، وأصحاب معاشات وموظفين في مستوى متوسط، وهي نسبة لا يمكن الاستهانة بحجمها القابل للنمو في ظلّ استمرار الدولة تشجيع المواطنين على تعمير المجتمعات الجديدة، وطرح مشاريع سكنية لمحدودي ومتوسطي الدخل بها، تحديداً في منطقتي بدر وحدائق العاصمة. فهؤلاء سوف يجدون صعوبة في سد نفقات الخدمات والسلع بأسعار مرتفعة لا تلائم مستواهم الاقتصادي؛ ما يجعل هذه المناطق أقلّ جاذبية بالنسبة لهم.
بالتالي زادت هذه التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والازدحام على بوّابات الكارتة من قابلية هذه المدن الجديدة على طرد السكّان ليس فقط على المدى البعيد، بل على المديين القريب والمتوسّط أيضاً. فيتطرّق بعض السكان الحاليين فيها إلى أنّهم يسعون إلى بيع منازلهم ولكنهم يواجهون صعوبة في ذلك نتيجة تراجع الطلب على السكن فيها وبالتالي انخفضت أسعار الوحدات السكنية بهذه المدن. إذاً فحتى بالنسبة لمن يسعون للخروج من هذه المدن، نتيجة كلّ ما سبق، تلاحقهم تأثيرات “الكارتة” حتى في الرحيل.