شكّل قانون الانتخاب الأردني الحالي رقم 4 لسنة 2022 نقلة إيجابية مقارنة بقوانين الانتخابات السابقة التي اعتمدت على أنظمة انتخابية مختلفة تعتمد بشكل أساسي على الهويات الفرعية، تم تبينها اعتمادا على المعطيات والظروف السياسية التي رافقت نشأة المملكة، على حساب الهوية الوطنية الجامعة. هذه الأنظمة أدّت إلى تشكيل مجالس نواب محايدة في أغلب الأحيان بحيث يكون تشكيل الحكومة عملا منفردًا لرئيس الحكومة، مع ضمان الحصول على ثقة برلمانية لتأخذ الحكومة الشرعية الدستورية حتى تستطيع ممارسة عملها.
القانون الحالي حاول تعزيز الهوية الوطنية الجامعة بالتزامن مع جهود حكومية لتعزيز الأحزاب، خاصة الجديدة منها التي تحاول جاهدة إثبات وجودها على الساحة الانتخابية مع الحفاظ على نظام الهويات الفرعية، الأمر الذي شكل تطوّرا إيجابيا محدودا. بمعنى أنه ترك المجال للتعبير عن الهوية السياسية للناخب في حدود معينة من دون أن تطغى هذه الهوية على التركيبة التقليدية للبرلمان من خلال الحفاظ على آلية الانتخاب القائمة على أساس الجغرافيا، العشيرة، العرق والدين التي لها أغلبية المقاعد البرلمانية.
ولغايات فهم دور قوانين الانتخاب في تشكيل الحياة السياسية الأردنية وكيف تم تصميمها لضمان عدم وصول أغلبية حزبية، لا بدّ من إلقاء النظر على قوانين الانتخابات السابقة والأسلوب المتّبع في تشكيل هويّة المرشّح والناخب على مدار العقود الماضية في ظل التطورات السياسية والديمغرافية.
إمارة شرق الأردن
بدأت الحياة البرلمانية مع انتخابات المجلس التّشريعي الأول لإمارة شرق الأردن في العام 1929 أثناء خضوعها للانتداب البريطاني. قانون الانتخاب الذي صدر في العام 1928 اعتمد على نظام الانتخاب غير المباشر، أي ضمن جولتين؛ الأولى يتم فيها انتخاب الناخبين أو ما يعرف باسم المنتخبين الثانويين، وفي الجولة الثانية تقوم هذه الفئة المنتخبة بانتخاب أعضاء المجلس التشريعي. وقد ضمن القانون تمثيل الأقليّات العرقية والدينية المتمثّلة بالشركس والمسيحيين، إلا أن الأسلوب المتّبع هو تحديد عدد الأعضاء مع بيان الديانة أو القومية. فمثلا جاء في القانون تنتخب مقاطعة البلقاء خمسة أعضاء مسلمين، على أن يكون اثنان منهم شركسيين ، وعضوا سادسا مسيحيا، أي جعل كافة مقاعد المجلس التشريعي محددة على شكل حصص و ليس ضمان تمثيل الأقليات في حال عدم تمكنهم من الوصول إلى المجلس بالتنافس الاعتيادي، وهو النظام الذي ما زال متبعا حتى الآن.
أما البدو فقد تعامل القانون معهم بطريقة مختلفة؛ إذ تمّ تقسيمهم إلى قسميْن: بدو الشمال وبدو الجنوب من خلال حصرهم في عشائر معينة[1]، التي تم تعديلها لاحقا من خلال الإضافة أو الحذف، وتم استثنائهم من الدوائر الانتخابية، بحيث يعين أمير إمارة شرق الأردن لجنتين مؤلفة كل واحدة منها من عشرة مشايخ، لتختار كل لجنة ممثلا عنها في المجالس التشريعية،[2] وكان تبرير ذلك أن البدو يتنقلون من مكان لآخر بحثا عن المرعى ولا توجد لديهم مكان إقامة دائم. وبالتالي ظهرت فكرة التمثيل على أساس رابطة الدم بالنسبة للبدو و ليس الموقع الجغرافي للناخب. وهذا لا يعني أن رابطة الدم لم تكن عنصرا أساسيا في تحديد المقاعد الأخرى، إلا انها كانت أقل وضوحا. وما يعزّز ذلك قيام الناخب بتغيير دائرته الانتخابية اعتمادا على أصوله حتى لو دعته الظروف الإقامة في مكان مختلف.
وبالنتيجة كان عدد الأعضاء المنتخبين 16؛ 3 منهم مسيحيين أي ما نسبته 18.75%، 2 شركس 12.5% و2 بدو 12.5% موزعين على 4 دوائر انتخابية وهي البلقاء التي ضمت العاصمة، عجلون، الكرك وإربد. وبالتأكيد لم تعتمد نسب التمثيل على المساواة العددية للسكان، بل على مجموعة من الاعتبارات السياسية والجغرافية لم تكن معلنة إضافة إلى الثقل العشائري. وهنا تجدر الإشارة إلى ان الترشح والانتخاب كان حكرا على الرجال.
الأسس التي جاء بها قانون 1928 ما زالت قائمة حتى الآن وأصبحت من المرتكزات التي يقوم عليها أي قانون انتخاب يتم تبنيه، بحيث يتم تحديد عدد المقاعد في المجالس التشريعية المنتخبة للمسلم والمسيحي والشركسي والبدوي، مع عدم وضوح في معيار تحديد عدد النواب لكل دائرة انتخابية، وبالتالي أصبحت هوية الناخب ترتبط بالموقع الجغرافي أو العرق أو الدين حتى يستطيع أن تكون له مشاركة سياسية.
انتخابات ما بعد استقلال الأردن (1947-1967)
بعد استقلال الأردن وتبني دستور جديد في العام 1947، صدر قانون الانتخاب رقم 9 لسنة 1947 الذي طبّق نظاما هجينا بين نظام الانتخاب المباشر وغير المباشر؛ إذ تبنى نظام الانتخاب غير المباشر للدوائر الخاصة بالبدو ونظام الانتخاب المباشر لبقية دوائر الانتخابية. وبعد نكبة 1948 وقرار تقسيم فلسطين في العام 1948، تم إجراء انتخابات شملت الأردن (الضفة الشرقية) وفلسطين (الضفة الشرقية) في نيسان 1950، وقام المجلس التشريعي بالمصادقة على وحدة الضفتين. وقد حدد القانون 6 دوائر انتخابية للمدن الفلسطينية من أصل 18 دائرة، وهي القدس وأريحا، بيت لحم، الخليل، نابلس، جنين، طولكرم، رام الله، خصّص لهم 50% من المقاعد البالغ عددها 40. وفي العام 1951، تمّ تعديل قانون الانتخاب بموجب القانون رقم 79 لسنة 1951 وجعل كل الدوائر تتبع نظام الانتخاب المباشر. مع الحفاظ على تمثيل الأقليات العرقية والدينية في الدوائر التي يتواجدون فيها وعزز الرابطة العشائرية للبدو بحيث يسمح لهم الترشح والانتخاب في الدوائر الخاصة بهم فقط، أي الانتماء العشائري. وبحسب القانون بلغ تمثيل المسيحيين 17.5% أي 7 مقاعد، وكانت نسبة تمثيل لكلّ من الشركس من البدو 5%، حيث تم تخصيص مقعدين للشركس دائرة عمان، ومقعد واحد لكل من بدو الشمال وبدو الجنوب. المناصفة في عدد المقاعد بين الضفتين كان سياسيا بامتياز: فمن ناحية القانون، يؤسّس للمساواة بين الضفتين، ومن ناحية أخرى يصعب على أيّ فريق الحصول على أغلبية اعتمادًا على معيار التوزيع الجغرافيّ منفردًا. كما تبنى دستور 1947 نظام المجلسين: مجلس النواب المنتخب من قبل الشعب ومجلس الأعيان يختارهم الملك على أن لا يتجاوز عددهم نصف أعضاء مجلس النواب.
وفي عام 1952، تم تبني دستور جديد وهو الدستور الذي ما زال ساريا حتى الآن وحافظ على نظام المجلسين. ولكن، ولعدّة أسباب منها هيمنة القوى القومية واليسارية[3] على المجلس المنتخب في العام 1956 والتمرد العسكري في محافظة الزرقاء عام 1957، تمّ إعلان الأحكام العرفيّة وحظر نشاط الأحزاب السياسية باستثناء جماعة الأخوان المسلمين الذي كانوا مسجّلين على أنهم جمعية وليس حزبا سياسيا، علما أنهم استطاعوا حصد 4 مقاعد في المجلس[4]. ويبدو أن الدولة وجدت في جماعة الأخوان سلاحا لوقف المدّ الشيوعي بين الشباب. والملاحظ أن القوى اليسارية والقومية تجاوزت حدود الجغرافيا وقامت بتوحيد الغرب والشرق أردنيين تحت راية الحزب: من الأمثلة على ذلك نجاح مسيحي من محافظة الكرك جنوب الأردن عن مدينة القدس. وفي العام 1957، تمّت إقالة أول حكومة حزبية في الأردن برئاسة سليمان النابلسي التي ضمّت الحزب الوطني الاشتراكي وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي (الجبهة الوطنية).
في العام 1960، صدر قانون الانتخاب رقم 24، الذي رفع عدد النواب إلى 60، كان منهم 10 نواب مسيحيين (16.6%)، 2 من الشركس والشيشان (3.3%)، 3 نواب عن البدو (5%)؛ حيث تمّ إضافة فئة أخرى من البدو وهم بدو الوسط[5] الذي كانوا سابقا جزءا من بدو الشمال. وبالتالي أصبح لدينا 3 دوائر مغلقة للبدو، وبقي توزيع عدد النواب بين الضفّتين الشرقية والغربية مناصفة. زيادة عدد أعضاء البرلمان كانت محاولة لرفع نسبة عدد النواب الذين من الممكن أن يحصدوا المقاعد على أساس الهويات الفرعية وتقليل فرصة الأغلبية الحزبية.
حرب 1967 وتعطيل الحياة البرلمانية
وبعد عام 1967، توقف البرلمان عن العمل بسب الحرب التي نتج عنها وقوع المدن الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي، وفي محاولة لإعادة المجلس الأخير للحياة مؤقتا، تمت انتخابات تكميلية في العام 1984 لتعبئة المقاعد الشاغرة في المجلس المنتخب عام 1966 بسبب الوفاة.
عودة الانتخابات البرلمانية: نظام الاختيار الحر ضمن الدائرة الانتخابية
في العام 1986، صدر قانون الانتخاب رقم 22، الذي تمّ تعديله أكثر من مرة، خاصة بعد قرار فكّ الارتباط القانوني والإداري بين الأردن والضفة الغربية في العام 1989، الأمر الذي استدعى تعديل الدوائر الانتخابية وحصرها في الأردن دون الضفة الغربية. وبحسب هذا القانون، يحقّ للناخب اختيار عدد من المرشّحين يساوي عدد المقاعد النيابيّة المخصّصة لدائرته الانتخابية، وتمت الانتخابات في نفس العامّ الذي تمّ فيه فكّ الارتباط بعد مظاهرات مطالبة بالديمقراطية والحريات خاصة في محافظات الجنوب. بلغ عدد المقاعد الكلي 80، منهم 8 مسيحيين (10%)، 3 من الشركس والشيشان (3.75%) و6 من البدو (7.5%). وعليه، نلحظ انخفاضا في نسبة تمثيل المسيحيين وارتفاعا ملحوظا في نسبة تمثيل البدو.
استطاعت جماعة الأخوان أن تحصل على 22 مقعدا، بالإضافة إلى 11 مقعدا للإسلاميين المستقلّين. وحصدت الأحزاب القوميّة واليسارية 12 مقعدا، ليصبح مجموع المقاعد الحزبية 45 من أصل 80.[6] ومثلت مشاركة الأخوان تحوّلا في عمل الحركة الإسلاميّة بعدما كان ينظر إليها كشريك للحدّ من المدّ اليساريّ. وقد فرضت تشكيلة المجلس بصماتها الواضحة على تشكيلة الحكومة، وشاركت جماعة الأخوان بخمس حقائب وزارية. أهم ما ميًز هذا القانون أنه ترك مساحة للناخب أن يوفق بين هويته الفرعية ومن يراه مناسبا لتمثيل دائرته الانتخابية وبالتالي ينتخب قريبه أو ابن عشيرته أو جماعته وكذلك من يتوافق معه سياسيا، إلا أن هذا الخيار لم يكن متاحا للبدو؛ إذ تم ابقاؤهم في دوائرهم المغلقة.
تشكيلة المجلس أعادت إلى الأذهان برلمان 1956، وتمكن المعارضة من الحصول على أغلبية برلمانية. وبالتالي بدأ التفكير بطريقة للحد من التمثيل الحزبي، وخاصة جماعة الأخوان الذين فاجؤوا الجميع بنفوذهم من خلال العمل بصمت أثناء فترة حظر العمل السياسي. وبحسب بعض المطّلعين، بدأ التفكير بهذا الموضوع في اليوم التالي لإعلان نتائج انتخابات 1989.
نظام الصوت الواحد
في العام 1993، تم تعديل قانون الانتخاب لاتّباع نظام الصوت الواحد أي إعطاء كلّ ناخب صوتا لمرشح واحد فقط من ضمن المرشّحين في دائرته الانتخابية، وبالتالي الخيارات التي كانت متاحة أمام الناخب في العام 1989 أصبحت معدومة. وقد تم وصف هذا القانون بأنه ليس له مثيل في قوانين الانتخابات المعاصرة يجافي مبادئ الديمقراطية والمساواة[7]. طبعا الهدف من هذا النظام تقليص حجم المعارضة السياسية المتمثلة في القوى الإسلامية والقومية واليسارية. ويمكن القول أن الحكومة نجحت بذلك بالفعل. ومن الطبيعي أن ينعكس القانون على المرشّحين الذي أصبح كل واحد فيهم يسعى لحصد أكبر عدد من الأصوات بشكل منفرد ويعزز الهوية الفرعية دون ترك مجال للتشارك أو التحالف. القانون اعتبر نكسة في الحياة الديمقراطية وأدى إلى هيمنة القوى المحافظة على المجلس. ويسجل للمجلس الذي انتخب وفق نظام الصّوت الواحد المصادقة على معاهدة السلام مع إسرائيل.
واستمرّ هذا النظام ليشمل المجلس المنتخبة في الأعوام 1997، و2003، و2007، حتى جاء قانون الانتخاب رقم 9 لسنة 2010 الذي عُرف باسم قانون الدوائر الوهمية. أي بدلاً من تقسيم الدوائر الانتخابية الكبيرة إلى دوائر فرعيّة جغرافيّة، يتمّ تقسيمها إلى دوائر “افتراضية” لا ترتبط بمكان سكن الناخبين. في هذه الطريقة، يختار كل مرشّح رقم الدائرة التي يرغب في الترشّح لها، ويختار الناخبون بدورهم رقم الدائرة التي يرغبون في التصويت فيها. ومن خلال تطبيق القانون، اتّفق المرشّحون الأقوياء على تقسيم هذه الدوائر الافتراضية فيما بينهم لتجنّب التنافس المباشر. ونتيجة لذلك، قام كلّ مرشح بحثّ ناخبيه على التصويت له في الدائرة التي اختارها. بمعنى آخر، تحوّلت هذه الدوائر الافتراضية إلى “علامات تجارية” للمرشحين، بدلاً من كونها كيانات جغرافية.
وبطبيعة الحال تقلّص تمثيل الأحزاب على مدار السنوات التي طبق فيها هذا النظام، كما هو مبين في الجدول التالي[8]:
مقاعد الأحزاب في مجالس النواب 1993 – 2010
السنة
عدد المقاعد
1993
30
1997
7
2003
19
2007
7
2010
12
النظام المختلط
صدر قانون الانتخاب رقم 25 لسنة 2012 الذي شكّل نقلة في عملية الانتخاب، حيث قسّمت الأردن إلى 45 دائرة انتخابية محلية ودائرة واحدة على مستوى الوطن، وتمّ إعطاء الناخب صوتين؛ الأول لدائرته الانتخابية المسجل فيها والثاني للقائمة الوطنية. وخصص للدوائر المحلية 108 مقعدا، و15 مقعدا للمرأة وخصص 27 مقعدا للقوائم الوطنية ليصبح المجموع 150 نائبا. ومن خلال المقاعد المخصصة للدوائر المحلية، تمّ تخصيص 9 مقاعد للبدو (8.3%)، و9 مقاعد للمسيحيين (8.3%) و3 مقاعد للشركس والشيشان (2.7%)، وبالتالي يمكن ملاحظة ارتفاع ملحوظ لنسبة تمثيل البدو لتصبح مماثلة لنسبة تمثيل المسيحيّين، في حين تبقى نسبة تمثيل الشركس والشيشان نوعا ما مستقرّة.
تمكّنت الأحزاب من حصد 33 مقعدًا من المجموع الكلّي للمقاعد سواء من خلال المقاعد الوطنية أو الدوائر المحلية، أي ما نسبته 22%،[9] وهي نسبة بطبيعة الحال غير مقلقة، تظهر وجود تمثيل ضعيف للمعارضة غير مؤثر على عمل الحكومة.
مرحلة القائمة النسبية المفتوحة
صدو قانون الانتخاب رقم 6 لسنة 2016 الذي تم بموجبه انتخابات عام 2016 و2020 الذي اتبع نظام القوائم النسبية المفتوحة الذي قسم الأردن إلى دوائر انتخابية يخصص لها مائة وخمسة عشر مقعداً، و15 مقعدا للمرأة. بقي تمثيل الشركس والبدو والمسيحيين كما هو من ناحية العدد، إلا أن النسبة انخفضت بسبب زيادة عدد المقاعد إلى 115 لتصبح نسبة التمثيل 7.7% لكل من البدو والمسيحيين و2.6% للشركس والشيشان. وبحسب تفسير الديوان الخاص بتفسير القوانين لقانون 2016، يسمح للمرأة المسيحيّة أو الشركسيّة أو الشيشانيّة أن تنافس على المقعد الإضافي المخصص للمرأة في الدوائر الانتخابية التي لا يوجد فيها مقاعد مخصّصة لهذه الفئات. وعليه، يمكن أن يزيد عدد هذه الفئات من خلال الكوتا النسائية. لكن إذا ترشحت المرأة المسيحية أو الشركسية في دائرة يوجد فيها مقعد مخصص لهذه الفئات، عليها أن تختار ما بين الترشّح ضمن مقاعد فئتها الدينية أو العرقية أو الترشّح ضمن مقاعد المرأة.
وفيما يتعلق بالأحزاب، فقد شارك 38 حزبا واستطاعت 7 أحزاب الحصول على 24 مقعدا، وهو عدد متواضع لا يمثل سوى 18.4% من المجموع الكلي للمقاعد،[10] أي غير قادرة على تكوين أغلبية مؤثرة لتشكيل حكومة خاصة مع اختلاف توجهات هذه الأحزاب ما بين قومية ويسارية وإسلامية.
وقد حاولت جماعة الأخوان زيادة مقاعدها في البرلمان من خلال المقاعد المخصّصة للشركس والمسيحيين، وهو أمر يسهل على الجماعة تنفيذه كونها قادرة على زيادة عدد أصوتهم من خلال القائمة التي يتشاركون فيها. وفي هذا الخصوص، انسحب المرشّحان المسيحي والشركسي من قائمة الأخوان قبل موعد الانتخابات في إحدى دوائر العاصمة عمان. وبعد انتهاء الانتخابات، تم تعيينهما في مجلس الأعيان. والحقيقة أن هذا التكتيك فاجأ الجميع، فهو أسلوب تكتيكي لزيادة عدد مقاعد المعارضة من خلال الاستحواذ على مقاعد كانت تعتبر محايدة أو موالية للحكومة في أغلب الأحيان.
أما في انتخابات 2020، التي تميزت بضعف المشاركة بسبب جائحة كورونا، تمكنت الأحزاب من حصد 12 مقعدا فقط في تراجع ملحوظ بالرغم من خوض 41 حزبا لهذه الانتخابات[11]. وقد يكون سبب ارتفاع عدد الأحزاب المشاركة هو ربط الدعم الماليّ للأحزاب بالمشاركة في الانتخابات، حتى لو لم تكن لها فرص حقيقية بالفوز.
القانون الحالي: القائمة العامة والقوائم المحلية
كأحد مخرجات اللجنة الملكية للإصلاح السياسي، صدر قانون الانتخاب رقم 4 لسنة 2022 الذي حصر عمليّة الانتخاب على أساس القوائم النسبيّة المفتوحة بالنسبة للدوائر المحلية والقوائم النسبية المغلقة بالنسبة للدائرة العامة التي يفترض أن يتنافس عليها الأحزاب. وبحسب هذا القانون، تمّ تقسيم الأردن إلى 18 دائرة انتخابية محليّة ودائرة انتخابيّة خُصّص لها 97 مقعدا ودائرة عامة واحدة على مستوى الأردن خصّص لها 41 مقعدا، ليصبح المجموع الكليّ (138) مقعدًا.
فيما يتعلق بالدوائر المحلية، فقط ابتعد هذا القانون عن تقسيم المحافظات إلى دوائر فرعية باستثناء العاصمة عمان التي قسمت إلى 3 دوائر محلية وإربد التي قسمت إلى دائرتين. والنتيجة المترتبة على ذلك أنّ على المرشحين مخاطبة أبناء المحافظة بالكامل بخلاف ما كان يتمّ وفق قوانين الانتخابات السابقة التي جعلت التنافس في دوائر ضيّقة داخل المحافظات. والأهم أن هذا القانون منع عمليّة نقل الأصوات من دائرة انتخابية إلى أخرى كما كان يحصل سابقا، والاعتماد فقط على مكان الإقامة، لكن تمّ استثناء الشركس والمسيحيين حيث يسمح لهم بالانتقال إلى دائرة انتخابية خصّص لها مقعد مسيحي أو شركسي.
وفيما يتعلق بتوزيع المقاعد على القوائم المحلية، فقد بقي تمثيل البدو بـ 9 مقاعد في حين انخفض عدد المسيحيين إلى 7 و عدد الشركس إلى 2، وارتفعت حصة المرأة إلى 18 مقعد. أما فيما يتعلق بالدائرة العامة، فهناك مقعدان للمسيحيين ومقعد للشركس والشيشان كحد أدنى. أي ان القائمة الوطنية لم تحدّد العدد على أساس الدين او العرق، لكن ضمنت تمثيل حدّ أدنى لهم، وهذه أول مرّة تبتعد قوانين الانتخاب الأردنية عن التخصيص، وتضع ضمانة لتمثيل أدنى للشركس والمسيحيين مع ترك المجال مفتوحا لارتفاع العدد بحسب التنافس التقليدي.
وضع القانون مجموعة من القيود على القائمة العامة، وهي:
وجود امرأة واحدة على الأقلّ ضمن المترشحين الثلاثة الأوائل وكذلك ضمن المترشحين الثلاثة التالين.
وجود شاب أو شابة يقل عمره عن (35) سنة ضمن أول خمسة مترشحين.
أن تشتمل القائمة على عدد من المترشحين موزَّعين على ما لا يقلّ عن نصف الدوائر الانتخابية المحلية كحدّ أدنى.
أن تتضمن عددًا من طالبي الترشح لا يزيد على عدد المقاعد المخصَّص لها على مستوى الدائرة الانتخابية العامة.
ويوضح البعض أنه تم التعامل مع البدو بطريقة مختلفة. فرغم إغلاق جداول ناخبي دوائر أبناء البادية عليهم، إلا أنّ القانون تعامل بمنهجية منفتحة مع حقهم بالترشح، إذ منح القانون أبناء دوائر البادية حق الترشح في أي دائرة انتخابية محلية، وفقا للمعيار العام الذي يجيز لأي ناخب مسجل اسمه في جداول الناخبين النهائية، الترشح في أي دائرة محلية. وبالمقابل أيضا، لم يحصر القانون حقّ الترشح في دوائر البادية بأبنائها فقط، بمعنى أنه لم يمنع ترشّح أيّ شخص من غير أبناء البادية فيها.
وتخصيص 41 مقعد لدائرة عامة يفسر سبب نشاط الأحزاب، وظهور مجموعة جديدة من الأحزاب يصعب تحديد توجهاتها السياسية، ويؤكد الشارع الأردني أن هناك أحزابا مدعومة من الحكومة تأسّست لتخوض غمار الانتخابات وحصد ما يمكن حصده من مقاعد هذه الدائرة. وبالتالي في ظل وجود 97 مقعدا للدوائر المحلية التي تعتمد على الثقل العشائري والمحاصصة العرقية والدينية، و41 مقعدا للدائرة العامة، لن تتمكن المعارضة من حصد أكثر من 50% من الأصوات على أفضل التقدير، بمعنى أنه يصعب صعبا جدا أن يكون هناك أغلبية برلمانية مؤثرة قادرة على اختيار رئيس الحكومة الجديدة.
[1] المادة 2 من قانون الانتخاب لسنة 1028، بدو الشمال هم بنو صخر والسرحان وبنو خالد والعيسى والسليط وتوابعهم وبدو الجنوب هم الحويطات والمناعون والحجايا وتوابعهم
[5] وهم عشائر بني صخر وهي 1. الغبين، 2. الزبن، 3. الكعابنة، 4. سليط، 5. الهقيش، 6. الخرشان، 7. الجبور، و 8. الشرعة.
[6] بشار الطراونة، قوانيين الانتخابات البرلمانية الأردنية واثرها في مستوى المشاركة السياسية، دراسة في النظم الانتخابية، مجلة دراسات – العلوم الإنسانية، المجلد 46، العدد 2، ملحق 1، 2019، ص 365
[7] أديب هلسا، أسس التشريع والنظام القضائي في المملكة الأردنية الهاشمية، 1997، ص 28.
[8] يوسف المسيعدين، الاثار السياسية للنظام الانتخابي الأردني، مجلة المستقبل، العدد 433، 2015، ص 89.
[10] بشار الطراونة، قوانيين الانتخابات البرلمانية الأردنية واثرها في مستوى المشاركة السياسية، دراسة في النظم الانتخابية، مجلة دراسات – العلوم الإنسانية، المجلد 46، العدد 2، ملحق 1، 2019، ص 366.
[11] مركز الحياة – راصد، أوراق سياسية حول مخرجات الانتخابات البرلمانية 2020، عمان، ص 56.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.