بعد مظاهرات الجمعة 20-9، أحكمت السلطات المصرية سيطرتها على الميادين المختلفة، خاصة ميدان التحرير، وقامت بحملة اعتقالات وتفتيش واسعة لتمنع أي مظاهرات يوم الجمعة 27-9. وقامت الدولة بتسهيل خروج تظاهرات مؤيدة للرئيس عبد الفتاح السيسي والجيش ضد من وصفهم المؤيدون والأدوات الإعلامية للنظام بالإرهابيين.
القمع للمعارضين والحماية للمؤيدين
على نفس طريقة نظام مبارك، احتشدت مجموعات قدرها موقع البي بي سي ما بين عدة الآلاف وعشرات، تبعًا للمكان الموجودة فيه، لتأييد الرئيس والجيش كما جاءت دعوة عدد من الفنانين والرياضيين لإعلان دعمهم للسيسي، ضد ما أسموه بـ “خراب مصر”، في إشارة إلى التظاهرات المطالبة بإسقاط حكم السيسي.
يطرح مشهد المظاهرات المؤيدة سؤالا هو كيف تمكن هؤلاء المؤيدون من التجمع دون اتباع الإجراءات المنصوص عليها في قانون التظاهر، بينما تفرض قوات الأمن سيطرتها على البلاد. تُغلق الشوارع، ومحطات مترو وسط البلد، المكان المعروف بمقر الاحتجاجات في الغالب وسط حملات اعتقال واسعة طالت العديد من المصريين، سواء المنتمين لأحزاب سياسية، أو شخصيات مستقلة، مشهور بنشاطاتها في المجال العام، وحتى مواطنين لم يسبق لهم المشاركة في أي عمل سياسي.
خطابات السيسي السابقة، إذا ما أتَي على ذكر تظاهرات يناير، تكشف عن موقف واضح، يمكن تلخيصه فيما يحرص على تكراره في أكثر من لقاء “الكلام اللي اتعمل من 7، 8 سنين، مش هيتكرر تاني في مصر”. كذلك رأيه في الاحتجاجات الميدانية كسبب لما عصف بمصر من أزمات منها سد النهضة. إلا أن موقفه من التظاهرات المؤيدة مختلف. يقابلها بابتسامة وابتهاج، لا تعكسه أي من ملامحه في الخطابات السالف ذكرها. يعكس رد فعله ترحابًا باستقبال المؤيدين له اليوم بمحيط المطار، فيما هو عائد من أمريكا. بشكل عام لا يمنع رفض السيسي للتظاهرات استعداده لاستخدامها في تفويض جديد، إذا ما استدعت الحاجة ذلك، حسبما أشار يوم الجمعة 27-9.
من يقف خلف تظاهرات التأييد؟
وفقًا لما نقله موقع مدى مصر عن مصادر في حزب مستقبل وطن المؤيد للنظام “أصدر جهاز الأمن الوطني أوامر لقيادات في أحزاب موالية للدولة ولقادة شركات حكومية، بالحشد لتحركات شعبية مؤيدة للرئيس عبد الفتاح السيسي، مطالبًا نواب اﻷغلبية بدعم هذا الحراك”، يرجع ذلك لرغبتها بتكوين هذه التظاهرات على نحو أكبر من مثيلتها المعارضة. أضافت المصادر تأكيد الأمن أنهم مستمرون في حملة اعتقال المزيد. يُقدرالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عددهم وفقًا لأخر تحديث له بأكثر من ألفي شخص.
“إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي” هي إحدى التهم المنسوبة إلى المقبوض عليهم على ذمة القضية رقم 1338 (حصر أمن دولة). لكن هذه التهم مطاطة بما يكفي، بحيث لا تشمل استخدام السوشيال ميديا لحشد وتأييد الرئيس. بعض الصفحات حديثة النشأة، لا يتجاوز عمرها سوى أسبوع، دُشنت تحديدًا بالتزامن مع تظاهرات 20 سبتمبر. مجموعات مخصصة لتبادل أخبار بين قاطني الحي السكني، بعيدًا عن الأحاديث السياسية، شارك أعضاؤه بمنشورات تغطي تظاهرات الدعم، مشيرة إلى توفير جهازي حي الرحاب ومدينتي، المملوكين لرجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، أتوبيسات لنقل السكان إلى مقر المظاهرة المؤيدة في مدينة نصر. إلا أن بعض شهود العيان أكدوا أن الأتوبيسات لم يكن بها سوى العاملين بالجهاز والسائقين فقط.
في سياق مُتصل، وثقت عدد من المصادر، بعضها صحافية، والأخرى لمستخدمي الفيسبوك نقل أعداد من المؤيدين بحافلات وميكروباصات مُرقمة، على أنغام مطربين مؤيدين أيضًا. هؤلاء المطربين أحيوا تظاهرات المنصة تحت شعار “تحيا مصر”، وهو الشعار الذي يستخدمه السيسي منذ ترشحه في حملاته ومشاريعه بعد توليه الحكم. أما عن طبيعية المتظاهرين المؤيدين نفسهم، فبحسب أغلبية الشهادات، ينتمي غالبية هؤلاء المؤيدين إلى فئة الموظفين الحكوميين، بخلاف مجموعة أقل، يميل المصور الصحافي محمد الراعي، إلى كونهم عساكر أو طلاب الكليات الحربية. بالتحقق منه، عن مصدر المعلومات، أكد أنها من واقع تغطيته الميدانية للحدث. كما وفر للحاضرين الأكل والشراب بسخاء، وفقًا للرواية نفسها، في الوقت الذي تُشير المحامية هالة دوما إلى أنه من بين العديد من الانتهاكات، يبقى المعتقلون، على خلفية تظاهرات الجمعة، بدون طعام لأربعة أو خمسة أيام، داخل معسكرات الأمن.
الفجوة في تعامل الدولة مع المظاهرات وفقًا لدوافعها السياسية وماهية الداعين إليها والفاعلين بها، تمتد لتشمل الحماية كعنصر أساسي لتأمين المؤيدين، بحيث لا تقتصر على توفير الغطاء السياسي فقط. مقابل دعوات للإبلاغ عمّن أسمتهم بُمثيري الشغب، خصصت لتلقيها خطوطًا هاتفية. هكذا تواصل الفجوة الاتساع في خبر نشره موقع الأخبار صباح اليوم، عن وضع “الجمهور” بوابات إلكترونية لتأمين الجمهور المحتشد أمام المنصة. لقى الخبر سخرية لدى عدد من النشطاء. بالعودة للخبر بعد ساعات من نشره، نجده اُستبدل بآخر عن قافلة طبية.
إعلام المؤيدين
التناول الإعلامي الذي تجاهل في البداية نشر أي معلومات عن تظاهرات المعارضين، أو تداول أخبار الاعتقالات، استرسل لاحقًا في نفي ما اعتبره شائعات يروج لها تنظيم الإخوان “الإرهابي”، مُستخدمين مقطع فيديو من برنامج باسم يوسف المُوقوف من قبل إدارة سي بي سي، المملوكة لشركة إعلام المصريين. بالبَحث اللاحق لم يُعثر على هذا الجزء، بعدما تعرضت القناة لانتقادات لاستخدامها مقطع من برنامج سبق وأن منعته. فيما كثفت عدد من المحطات الخاصة والحكومية متابعتها لتظاهرَات المؤيدين.
سعت المنابر الإعلامية لمواكبة ما تقره الدولة عليها بمقتضى نظام الملكية من ناحية، أو بإصدار أوامر مباشرة لمديريها من ناحية أخرى، حسبما أوضحت لنا مصادر صحافية بصحِيفتي الشروق والتحرير، وإن كان يعضد سيطرة الدولة، إلا أنه يساهم في مزيد من ضعف هذه المنابر، الأمر الذي تفقد معها أي قدر من الثقة أو الثقل لدى جمهورها، من هنا تُفرغ هذه السيطرة من مضمونها، ويزيد اعتماد الناس على منصات التواصل الاجتماعي. كونها الحيز الحالي لصناعة الأخبار بأنفسهم، يأتي هذا مصحوبًا أحيانًا بمغالطات في نقل الأخبار بحكم افتقار الجمهور لقواعد التحري والضبط المهني للمعلومَات الشحيحة أصلًا في بيئة تزيد الأزمات من خصوبتها لاحتواء الشائعات.
خاتمة: حينما تكون المظاهرات أداة لدعم الأنظمة
الجدير بالذكر أن استخدام الأنظمة المصرية للتظاهرات المؤيدة في مقابل التظاهرات المعارضة هو أمر يرجع إلى عصر عبد الناصر حيث تم تنظيم مظاهرات تأييد جمال عبد الناصر عقب إعلانه التنحي، بعد هزيمة 1967. بالعام 2011 تجمع مؤيدو الرئيس السابق محمد حسني مبارك، بميدان مصطفى محمود، لدعم بقائه في خِضم تظاهرات ثورة الخامس والعشرين من يناير، استُخدم خلالها مجموعة من مشاهير الفن والرياضة. امتدت لاحقا لمناطق أخرى بخلاف ميدان مصطفى محمود، لتصل لبعض المناطق بالمحافظات والمناطق الشعبية بالعاصمة.
عرف حكم المجلس العسكري، الذي تلَا مُبارك، خروج المظاهرات المؤيدة له. غالبا ما كانت العباسية مساحة التعبير عنها، بحكم وجود وزارة الدفاع بها. بقدوم نظام الإخوان المسلمين شهدت البلاد العديد من المظاهرات المؤيدة لهم، في مواجهة تيارات أخرى انتفضت ضد حكم الجماعة في النصف الأخير من العام الذي تقلد فيه الإخوان حكم مصر. وأشهر هذه الاحتجاجات كان اعتصام رابعة العدوية في أغسطس 2014.
على مدار فترات زمنية متعاقبة وجه كل نظام طاقته وطاقة مواطنيه باستخدام كافة الأدوات ومنها المظاهرات، لتعطيه قبلة حياة، تُطيل عمره. بعد تصاعد موجة النزول إلى الشارع، كورقة ضغط في حد ذاتها، زاد الانتباه إلى إمكانية استخدام هذه الورقة في مواجهة جماهير من المعارضين، يُمكن للتفاوت في مراكز القوى والصلاحيات الواسعة بينه وبينهم، ترجيح كفة هذا النظام أو ذاك لفترة من الزمن.