انتهت أمس الثلاثاء (16/8/2016) مهلة النيابة العامة الاستئنافية لتمييز الحكم الصادر بحققاتل منال العاصي زوجها محمد النحيلي. الا ان المدعي العام الاستئنافي القاضي زياد ابو حيدر لم يميّز الحكم كما كان الجميع يتأمّل. وبات الأمل الوحيد معلقاً لدى المدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود لتمييز هذا الحكم في مهلة أقصاها شهر من التاريخ عينه.
وكان قد صدر الحكم من قبل محكمة الجنايات في بيروت برئاسة القاضية هيلانة اسكندر في 14/7/2016 بعقوبة السجن لمدة خمس سنوات بحق النحيلي اي نحو ثلاث سنوات وتسعة أشهر سجن فعلية. وبقي من هذه المدة 18 شهراُ وحسب يخرج من بعدها قاتل منال الى الحرية.
النحيلي كان قد برر فعلته بـ "فورة غضب" اعترته لدى معرفته بخيانة زوجته له، الأمر الذي دفعه الى قتلها. وقد قبلت المحكمة حجة الغضب وبنت على اساسه حكمها المخفف. وبالتالي، سمح هذا الحكم بوضع حياة المئات من النساء المعنفات في خطر وعرضة للموت بحجة "غضب الزوج". ولعلّ ابرز دليل هو قيام زوج ميمونة أبو العائلة بقتلها بقالب "النرجيلة" بعد أيام من صدور الحكم بحق زوج منال، وتركها تنزف حتى الموت ثم فراره قبل أن يتمّ توقيفه لاحقاً.
احكام ذكورية
"يا قاضي قول الحق منال انظلمت ولا لأ.. يا قاضي سماع سماع دم منال ما بينباع". كلمات رددتها مجموعة من النساء امام قصر العدل في بيروت امس، خلال الاعتصام الذي دعت إليه جمعية "كفى عنف واستغلال" وغيرها من المنظمات النسائية. أراد المشاركون والمشاركات حثّ النيابة العامة الاستئنافية على تمييز الحكم المجحف الذي أعاد الى الواجهة "جريمة الشرف" بعد ان سعى المشرع اللبناني الى الغاءها عندما ألغى المادة 562. لكن الحكم قد أعاد إحيائها من خلال المادة 252 من قانون العقوبات والتي تنص على انه "يستفيد من العذر المخفّف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضب شديد ناتج من عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه". وقد سبق للمفكرة القانونية ان علقت على الحكم من خلال قراءة نقدية له.
وفي هذا السياق، اعتبرت المنسقة الاعلامية في جمعية "كفى" مايا عمار أن هذا الاعتصامهو للتأكيد على "رفض الحكم بحق زوج منال العاصي ومطالبة النيابة العامة الاستئنافية بتمييزه". ولفتت الى انه "في حال لم يتمّ تمييز الحكم اليوم (الثلاثاء)، يبقى هناك امل ضئيل بأن يقوم مدعي عام التمييز سمير حمود بتمييز الحكم خلال مهلة شهر". عمار التي لم تبدو متفائلة أكدت انه "اذا لم يتم تمييز هذا الحكم معنى ذلك اننا لا زلنا في عقلية تتفهم الجرائم الذكورية تحت حجة ما يسمّى "جرائم الشرف" التي على ما يبدو ما زالت موجودة".
بدورها سألت رئيسة "التجمع النسائي اللبناني الجديد" المحامية إقبال دوغان: "هل ان دماء منال العاصي ورفيقاتها الشهيدات وآخرهن ميمونة رخيصة لهذه الدرجة؟ هل يعقل ان يكون الحكم ثلاث سنوات ونصف حبس لجرائم موصوفة؟ وهل بذلنا اكثر من ثلاثين عاماً من أيام لور مغيزل لالغاء العذر المحلّ والعذر المخفف لما يسمى "بجرائم الشرف" وهي ابعد ما تكون عن الشرف لنرى المادة 252 تحلّ بنظر القضاء مكانها؟ واذا كان القضاء ينفذ احكام القانون لماذا لم ينظر لنيّة المشرع عندما الغى المادة 562 قاصداً توجيه رسالة واضحة لادانة مثل هذه الجرائم تماشياً مع التزامات لبنان الدولية؟
وقد ابدت دوغان استغرابها من "استنكاف النيابة العامة الاستئنافية استئناف هذا الحكم رغم فداحة الظلم الذي وقع بالنسبة للجريمة التي حصلت مع منال" معتبرة انها "قتلت مرتين؛ مرة من عنف الزوج، ومرة من حكم القضاء المخفف واساءة سمعتها وهي متوفاة لا تستطيع الدفاع عن نفسها".
بدورهاأبدت رئيسة مصلحة شؤون المرأة في حزب الكتائب نادين خوري استنكارها من "اعادة احياء جريمة الشرف" وقالت أن "النائب سامي الجميل قد تقدم في العام 2009 بإقتراح لالغاءها والذي على اساسه ألغيت من القانون. واذ نجدهم اليوم يعودون ويتذرعون بها لتخفيض الحكم بحق المجرم".
وأضافت "ان قانون حماية المرأة من العنف الأسري الذي صدر في العام 2014 زاد العقوبة الى نحو 25 سنة سجن. لذا نحن لا نفهم كيف يتمّ تخفيض العقوبة من 25 سنة الى 5 سنوات. نحن ندعو القضاة في حال كانوا يتعرضون الى اي ضغط سياسي او غيره في أي قضية الى التنحي عن النظر فيها، فالقانون سمح لهم بذلك وتحويلها الى قاضي آخر".
النساء تنتظرن العدالة
"بعد حيموت كتير من النساء"؛ بهذه الكلمات اختصرت والدة منال العاصي موقفها من الحكم بحق ابنتها ومن عدم تمييزه. فهي كانت قد حضرت للمشاركة في الاعتصام الثانيبعد صدور الحكم لتؤكد "نحن لم نسقط بكامل ارادتنا بل تعرضنا للتهديد. عندما يقول لي احدهم انه لا يكفل ماذا قادر ان يفعل أخوه وهو داخل الحبس أليس هذا تهديد؟ عندما يتعرض لي غريب ويقوم بايذائي في الليل أليس هذا تهديداً. القضاء ان لم يميّز فإن الله سيأخذ الحق. أين سيذهبون من عدالة الله هو أقوى من كل عدالة". ورداً على سؤال "عندما كانت تأتي معنفة اليكم لماذا كنتم تعيدونها الى المنزل الزوجي؟"، أجابت "لأن المرأة عيب ان تطلّق. كنا نقول لها ضحي من اجل اولادك والآن باتت هي تحت التراب ونحن خسرناها واولادها يعيشون حياتهم".
تقف والدة منال الى جانب والدة رولا يعقوب وابنة لطيفة قصير التي قضت خنقاً على يد زوجها. يتشاركن جميعاً الحزن العميق والعقيم بين صورٍ لعددٍ من النساء اللواتي قضين نحبهن قتلاً، من رقية منذر الى نسرين روحانا وسارة الأمين وغيرهن … وبين شعارات تندد بالحكم الصادر بحق زوج منال "جديد القضاء: مع كل ضربة قاضية أسباب تخفيفية من قاضية" وتؤكد ان "الغضب مش حجة" و"لا لتخفيف العقوبة".
لا زالت والدة رولا يعقوب تشارك بكل الاعتصامات ضد الجرائم التي تطال النساء. وعلى الرغم من سنها، تجدها تأتي من أقاصي عكار الى بيروت لتطالب "بالعدالة". وتقول: "على اساس صدرت مذكرة توقيفه؟ مضى على ذلك ثلاثة اشهر ولم يتوقف… اين العدالة؟" ثم تسترجع دون سابق سؤال بعض من الذكرى المشؤومة فتقول "عندما قتلها كان يريد ان يدفنها دون علمي. احضروا فستان ليلبسوها اياه حتى لا تظهر آثار الضرب والتعذيب على جسدها. ولكن لم يفلحوا في ذلك. اين العدالة؟".
ومن بين المشاركات صبرية سروجي، جارة منال العاصي في حيّ أهلها. وقالت "كانت منال تأتي الى منزل اهلها معنفة. ولكن كانوا يعيدوها الى المنزل الزوجي مع ان اثار العنف على جسدها". ولفتت الى انه "يجب ان يكون هناك قوانين ضد الاهل الذين يسكتون عن تعرض بناتهم للعنف". وطالبت المعنيين في الدولة "العمل على القوانين وتحديثها لحماية النساء. والا فإن هذا البلد متجه نحو الخراب".
وفي حديث تلفزيوني، لفت المدير التنفيذي لـ "المفكرة القانونية" المحامي نزار صاغية الى أن "النيابة العامة مسؤولة عن الحق العام" وأن مهمتها "التحرك للدفاع عن حقوق النساء والمحافظة على الانجازات التشريعية التي تمّت بعد نضالات كثيرة آخرها قانون العنف ضد المرأة". كما طالب النيابة العامة "بإعلان موقفها سلباً كان ام ايجاباً مع تبرير السبب".الا ان النيابة العامة الاستئنافية لم تبادر الى ممارسة دورها في حماية الحق العام ولا حماية النساء. بل انها رفضت التمييز دون ان تعلل الاسباب، وهي تكون بذلك قد ساهمت بتشريع أداة القتل بوجه النساء. فهل تكون النيابة العامة التمييزية شبكة الخلاص لهن؟