على الرصيف قبالة مبنى “حمرا ستار” في شارع الحمرا ببيروت، تجلس سكينة شريم، النازحة من حي المريجة في الضاحية الجنوبية لبيروت، مع طفلتيها مريم وسيلا: “مريم بنتي عمرها 10 سنوات، وهي تعاني من مرض القلب. أجريت لها أوّل عملية قلب مفتوح وهي بحاجة إلى عملية أخرى في أقرب وقت، الدكتور قلّي ما فينا نعملها هلأ كرمال ما تلقط فيروس”. وتشير سكينة إلى أنّ وضع ابنتها يجبرها على البقاء في بيروت: “ما فيي إبعد، بنتي بيصير معها نقص بالأوكسجين ودايمًا بتحتاج لدخول الطوارئ”.
سكينة قويّة وصامدة، كما تخبرنا، مع ذلك فإنّها لا تستطيع حبس دموعها، عند الحديث عن مريم: “يوم الغارة الكبيرة على حارة حريك، في 27 أيلول، تركنا البيت بالمريجة، وجينا عند أهلي النازحين في مركز إيواء في الظريف، ما بتساعنا كلنا الغرفة. تاني يوم إجا حدا وخبّرنا عن بناية الحمرا وكنا من أوائل الواصلين اليها.”
وسكينة هي واحدة من بين 265 مهجّرًا ومهجّرة، منهم 85 طفلًا وطفلة، 10 بينهم من ذوي الإعاقة، إضافة إلى 76 امرأة وفتاة و4 مسنّين ومسنّات عاجزين، وضعتهم الدولة اللبنانية في مواجهة مع مالكي مبنى “حمرا ستار” نتيجة قصور خطّة الطوارئ لإيواء النازحين من جرّاء العدوان الإسرائيلي المستمرّ على لبنان. وقد أجبرتهم النيابة العامّة التمييزية، عبر الأجهزة الأمنية، يوم الإثنين 21 تشرين الأوّل، على إخلاء المبنى المهجور منذ 8 سنوات بناء على شكوى من إحدى مالكات المبنى. ويتألّف المبنى من 3 طوابق، ويضم 40 غرفة وكان ممهورًا بالشمع الأحمر بشبهة ممارسة أعمال فيه تعتبر مخالفة للقانون، قبل أن تنتقل إليه في 28 أيلول عائلات آتية من البقاع والضاحیة والجنوب.
فيوم السبت 19 تشرين الأوّل، أي بعد حوالي 20 يومًا على انتقال النازحين إليه، حضرت الأجهزة الأمنية من قوى أمن داخلي ومخابرات جيش وأمن دولة، إلى المبنى لإخلائه بناء على قرار من النائب العام التمييزي في بيروت القاضي جمال الحجّار. وقد وقع إشكال بين القوى الأمنية والنساء النازحات اللواتي أصيب بعضهنّ بجروح بعد تعرّضن للضرب بالهراوات، لرفضهنّ الإخلاء.
ولاحقًا، أعلنت قوى الأمن أنّ القاضي الحجّار منح النازحين 48 ساعة إضافية للإخلاء لتعود الإثنين وتطلب منهم إخلاء المكان. كلّ ذلك في وقت يتصاعد فيه العدوان الإسرائيلي على لبنان، ويوسع نطاق غاراته التي تطال المدنيين والعائلات من بيروت والجنوب والبقاع ومعه ترتفع أعداد النازحين.
ومبنى “حمرا ستار” الذي يقع في العقار 70، تعود ملكيّته بحسب الإفادة العقارية إلى 13 شخصًا من آل عيتاني، من بينهم القاضية نجاح عيتاني التي تقدّمت بشكوى جزائية لدى الحجّار، بتهمة الدخول إلى ملكية خاصّة بواسطة كسر قفل وخلع الباب من دون استئذان مالكها، وفق ما قالته لـ “المفكرة”، مشيرة إلى أنّها ستصدر عبر محاميها، بيانًا حول حيثيات هذا الملف عند الانتهاء منه.
وصباح أمس الأربعاء 23 تشرين الأوّل قصدت “المفكرة” المبنى وتبيّن أنّ حوالي 80 نازحًا أي 25% من النازحين، قد أخلوا بدءًا من مساء الثلاثاء، وتوجّهوا إلى مركز إيواء في الجامعة الإسلامية في الوردانية (قضاء الشوف)، وأنّ قسمًا آخر منهم “دبّر حاله”. أما الباقون فقد افترشوا الرصيف بجانب المبنى، مع أمتعتهم، رافضين ترك المكان إلّا في حال تأمين مكان بديل لهم في بيروت تتوافر فيه إمكانات العيش بكرامة، وتتوافّر فيه المرافق الأساسية مثل الحمامات والمطابخ.
ويتردّد بين نازحي المبنى أنّ القاضية عيتاني كانت بداية قد وافقت على دخولهم إليه بهدف تحريره من الشمع الأحمر، وبعد تحقّق هذا الهدف تراجعت عن الموافقة ورفعت شكوى إخلاء في حقّهم بحجّة حماية ملك خاصّ، فيما تنفي القاضية عيتاني لـ “لمفكّرة” موافقتها على دخولهم المبنى. ويتردّد أيضًا بينهم أنّ المالكين اليوم في صدد إجراء مفاوضات مع السفارة الفرنسية لبيع المبنى وترميمه لاحقًا.
أخبار وشائعات تسري بين النازحين إلّا أنّ المؤكّد أنّ الإخلاء صار أمرًا محتومًا، من دون بدائل تحفظ كرامتهم وأمنهم الصحي والاجتماعي، ومع ذلك يأمل عدد من العائلات المفترشة رصيف المبنى أنْ يرأف بهم مالكو المبنى ويسمحوا لهم بالبقاء ولو لفترة معيّنة، ريثما يجدون المكان المناسب لإيوائهم.
الانتقال إلى المبنى وعملية الإخلاء
بدءًا من 28 أيلول، نزحت 40 عائلة تعدادها 256 فردًا من البقاع والضاحیة والجنوب واحتمت داخل مبنى “حمرا ستار” الذي كان مقفلًا لسنوات. دخلت أولى العائلات إليه بمساعدة ناشطين من الحي، وذلك في ظلّ عدم توفّر مراكز إیواء تتّسع للجمیع.
ووفق الأهالي في المبنى، أتى شخص من قبل المالكین ورحّب بهم. حينها، جھّزت العائلات المبنى ونظّفته ومدّت كابلات الكھرباء وأنابيب المیاه وقامت ببعض عمليات الصیانة، لیصبح مأوى مؤقتًا ملائمًا للعيش، ثم فوجئ النازحون عندما تمّ إبلاغھم یوم الخمیس 17 تشرین الأوّل – وبطریقة غیر رسمیة – بإنذار لإخلاء المبنى.
في تاريخ 19 تشرین الأوّل، حضرت الأجھزة الأمنیة، مع باصات لنقل السكان، إلى ما قیل لھم إنّه مستوصف في طريق الجديدة، وعند سؤالھم عن المستوصف، اكتشفوا أنّه لا یسعھم، وأنه زجاجي واقع في منطقة قريبة من صبرا، بالتالي فھو لیس مكانًا مناسبًا للسكن في ظلّ الغارات المتكرّرة، ویقع في منطقة غیر آمنة قام سكانھا بتركھا منذ أسابیع.
أمام غياب البديل الآمن، رفض الأھالي الإخلاء، ووقفت النساء في وجه القوى الأمنیة. وعلى ضوء مقاومة النساء ورفضھنّ الإخلاء، وإصابة عدد منهنّ بجروح بعد تعرّضهنّ للضرب بالهراوات أمام وسائل الإعلام، قرر القاضي الحجّار تأجيل تنفيذ أمر الإخلاء لمدّة 48 ساعة. وأمام الكامیرات، أعلنت القوى الأمنية أنّها ستعود لتنفیذ الإخلاء، مهدّدة بمعاملة أشرس على حد تعبیر الأهالي.
وقال رئيس شعبة العلاقات العامّة في قوى الأمن الداخلي العميد جوزيف مسلم لـ “المفكرة” إنّه “تمّ تأمين أكثر من مكان لإيواء نازحي المبنى، إلّا أنّ بعضهم يرفض الانتقال”. وقد جاء في البيان الصادر عن قوى الأمن الداخلي الاثنين أنّه: “بناء للقرار القضائي الذي قضى بإخلاء مبنى في منطقة الحمراء- بيروت بتاريخ اليوم 21-10-2024، وبعد تجمهر عدد كبير من المعترضين، اتصل النائب العام التمييزيّ وأشار بإعطائهم مهلة 48 ساعة إضافيّة لإخلائه وعليه تم ذلك”.
وأثناء تواجدنا أمام المبنى أمس، لاحظنا غياب أي عناصر أمنية بالقرب من المبنى، إلّا أنّ الأهالي أكّدوا لنا أنّ سيارة لقوى الأمن تمرّ بجانبهم من حين إلى آخر لتذكّرهم بقرار الإخلاء.
المهجّرون: ظلم على ظلم
هايدي ابنة الـ 21 عامًا، تخبرنا أنّها من أوائل ساكني المبنى وتقول: “أتيت من برج البراجنة مع والدتي وشقيقتي رانسي (16 عامًا) وجنى (13 عامًا)، إلى هذا المبنى في 29 أيلول، بعدما سهرنا كلّ الليل على رصيف عين المريسة”. وتضيف: “كان المبنى مهجورًا وريحة العفن بكل مكان. حطينا إيدينا بإيدين بعض وعزّلناه وما حدا ساعدنا لا جمعيات ولا غيرن. دفعنا مصاري واشترينا غاز وقناني غاز، لكلّ طابق واحد وصرنا نطبخ سوا وننضّف سوا، أكثر من 250 شخص صرنا عيلة كبيرة”.
تتدخّل سكينة لتؤكد لـ “المفكرة” أنّ إحدى مالكي المبنى وتدعى نجاح عيتاني أتت لزيارتنا وقالت لنا أهلًا وسهلًا، وبعد 20 يومًا قدّمت دعوى علينا. وباستغراب تسأل سكينة “المفكرة” “هل كان ترحيبها بنا لفكّ ختم الشمع الأحمر، بعد أن كان مقفلًا لأسباب أخلاقية؟ هل استغلّتنا لذلك؟”، لتكمل سكينة مع ابتسامة فيها ما يكفي من السخرية: “وأكتر من هيك بعتتلنا إنّها مش مسامحة حدا يصلّي جوّا المبنى.” وقد أوضحت القاضية عيتاني لـ “المفكرة” أنها قصدت بذلك أنّه في حال مواصلة احتلال الأملاك الخاصة، فإن صلاتهم لا تكون مقبولة.
وخلال جولة “المفكرة” على مكاتب ملاصقة للمبنى، وهي جزء منه، التقينا سيّدة خمسينية تعمل مدرّسة في بلدة من ضواحي صور، رفضت ذكر اسمها واسم البلدة، ترافقها سيدة مسنّة في التسعين من عمرها، وهي نائمة على سرير في مكتب صغير جدًا، لتخبرنا: “هاي أمي، ما فيها تتحرك، اشتريت التخت لتقدر تنام براحة، بربّكم خبروني وين بدي روح فيها. هجّينا من إسرائيل وهلأ بدنا نهجّ من الدولة. يا الله الوجع كبير. جيت لهون قلت بيقولو بيروت أم الفقير، وهون الدولة أكيد حيتحنّنوا علينا يا الله وين بنروح؟”
فاطمة فياض أم لثلاثة أولاد أكبرهم في الخامسة من عمره وأصغرهم 5 أشهر تشير إلى صعوبة الانتقال إلى المأوى البديل في الوردانية: “زوجي عم يشتغل ببيروت، كيف بدو يتركني مع ولادي الطفالى ويطلع عالوردانية وينزل ع بيروت كل يوم؟”، مشيرة إلى أنّه سبق وتعرّضت الوردانية لـ 3 غارات: “ما في أمان بالوردانية، 3 ولاد وين بركض فيهم، خافوا الله”.
قصص سكينة وهايدي وفاطمة، ما هي إلّا جزء يسير من قصص كلّ من سكن هذا المبنى لنحو 22 يومًا.
القاضية عيتاني: “نحرّر الملك الخاص ولتتحمّل الدولة مسؤوليتها”
وفي هذا السياق، تؤكّد القاضية عيتاني في اتصال مع “المفكّرة” أنّها لم ولن تقبل بأن يفترش أيّ من النازحين الطريق، لافتة إلى أنّها ساعدت من قبل وتساعد حاليًا النازحين على تأمين مراكز لإيوائهم مشيرة إلى أنّ “هناك مركزًا للإيواء يتمّ تحضيره في منطقة الكرنتينا، ونحن نحاول تأمين لهم أماكن في هذا المركز، رغم أنّ بعضهم كان يشنّ حملة تحريض ضدّي”، ورفضت الدخول في التفاصيل.
وعن وجود عدد كبير من النازحين في الشارع بجانب المبنى، تؤكد القاضية عيتاني أنّ “هناك عددًا منهم ما زالوا في غرفهم، وسيبقون إلى حين تأمين أماكن لهم”، أمّا بالنسبة للمتواجدين في الشارع تصرّ عيتاني على أنّهم يرفضون الانتقال إلى مكان آخر “حتى لو أمّنا لهم مراكز إيواء”.
ونفت عيتاني ما ذكرته بعض وسائل الإعلام، وما ذكره الأهالي عن زيارتها للمبنى ولقاء نازحيه، قائلة: “لقد دخلوا المبنى بواسطة الكسر والخلع، ومن ثمّ تواصلوا هاتفيًا مع والدي الذي رفض دخولهم إلى المبنى، كون العقار قد ختم بالشمع الأحمر وهو مهجور، وكان تمّ نهبه وسرقته بعد 4 آب، ولم يتبق فيه حتى كرسي حمام. وبالرغم من رفض والدي دخلوا إلى المبنى”.
وتضيف: “جربت بكلّ الوسائل وأجريت الاتصالات اللازمة لكنهم رغم كلّ ذلك رفضوا الإخلاء. لكن عندما تقدّمت بشكوى جزائية، بدأوا بإجراء اتصالات مع بعض المعنيين في السلطة، والغريب في الموضوع أنّهم قدموا لي عرضًا لاستئجار المكان”.
وتضيف أنّها رفضت طلبهم استئجار المكان، “فهذا العقار ملكي وانا حرّة فيه. لن يصبح هذا الملك لهم وليس بهذه الطريقة يتمّ الضغط علينا لأخذ ملكنا. يوجد قوانين وعلينا تطبيقها. الملك الخاص يصونه الدستور، وهذا موضوع خطير جدًا”، مشدّدة على “أنّنا في إطار تحرير ملكية خاصة ولتتحمّل الدولة مسؤولياتها”. وأضافت أنّ المسألة لا تقتصر على الملك الخاص بل تطال المخاوف الأمنية من أن يتمّ استهداف المبنى من قبل الجيش الإسرائيلي. وبذلك، تكون عيتاني قد كرّرت المخاوف التي نجحت إسرائيل في نشرها تبعًا لاستهدافها عددًا من للمباني التي تأوي نازحين بذريعة تواجد مسؤول أو عنصر من حزب الله فيها، بما يشكّل جريمة حرب مؤكّدة.
وتؤكّد عيتاني أنّها لم تتوجّه إلى المبنى وكذلك لم تزره شقيقتها ولا والدها. وتضيف: “هناك محاولات من أحزاب سياسية للتواصل معي، وأنا لا أتحدث مع جهات حزبية. كلّ ما يهمّني، كما أي مواطنة لبنانية هو القضاء الذي يقرّر إن كان لديّ الحق أم لا”.
وسردت عيتاني بإسهاب تفاصيل ما حصل ليلة الدخول إلى المبنى قائلة: “عند السادسة والنصف من مساء الجمعة في 27 أيلول، تم استهداف الأمين العام السيد حسن نصرالله، وعند الساعة العاشرة ليلًا، اتّصل شخص بوالدي، وطلب منه السماح بالدخول إلى المبنى لإيواء نازحين مسنّين في داخله، ثم تبيّن لنا أنّ هناك أشخاصًا كسروا القفل وخلعوا الباب وأدخلوا نازحين إلى المبنى بحجّة أنّهم مسنّون. المبنى لم يناسب هؤلاء المسنّين، فهو مبنى مهجور ومعتم وغير نظيف، خرج المسنّون من المبنى، فتمّ الاتّصال بنا ثانية، لإعلامنا أنّهم سيجهّزون المكان، وأنا تحدّثت معهم وقلت لهم صلاتكم غير مقبولة إذا بقيتم”.
“الطائرات تستبيحنا ومشكلة السلطة الأملاك الخاصة”
عمليات إخلاء النازحین من مبان شاغرة، وهي ملك خاص، تتكرّر في بيروت، من بينها “أوتیل ھیلدون” في شارع أسترالیا في الروشة، الذي لجأ اليه حوالي 600 نازح ونازحة لعدم قدرة مراكز الإیواء الرسمیة على تحمّل الأعداد المتزایدة. وفيما تتمّ عمليات الإخلاء، غالبًا من دون تأمين بدائل وحلول، يجد النازح نفسه إمّا في الشارع أو لا يجد وسيلة سوى العودة إلى منزله في الضاحیة، كما حصل مع عدد من العائلات.
هذا الأمر يطرح أمامنا أكثر من سؤال ويضعنا أمام أكثر من مشهد، يرسمها أحمد بيضون وهو أستاذ نازح من بنت جبيل إلى مبنى مقابل لمبنى “حمرا ستار”، التقته “المفكرة” على الرصيف المقابل للمبنى، قائلًا:
المشهد الأوّل أنّ هناك نازحين يفترشون الطرقات، لم تأوهم السلطة، بل توجّهت لطرد نازحين قرّروا الاحتماء في مبنى ليس مهجورًا فقط، بل مقفلا بالشمع الأحمر، كونه كانت تمارس فيه أعمال تعتبر مخالفة للقانون، أي مهجور لأنه مرتكب مخالفة للقانون. وماذا يحصل؟ تترك الدولة مفترشي الشوارع وتهجر للمرة الثانية أشخاصًا لجأوا لغرف لا يستخدمها أحد.
المشهد الثاني، بحسب بيضون، أنّ البلد في حالة حرب يمكن أن يطول أمرها، وها هي السلطة تكرّس أشكالًا مختلفة من الطبقية سيكون تأثيرها كبيرًا. على سبيل المثال، السلطة اتخذت قرارًا اعتباطيًا بفتح المدارس الرسمية لاستقبال النازحين، كما تفعل في كل أزمة، والمدارس منشآتها مهندسة ومقسّمة لصفوف مدرسية بحمامات مشتركة صمّمت لأطفال وطلاب، وبالتالي ليست مراكز إيواء مهّيأة للسكن ولا تحفظ كرامة النازحين. وبالتالي قرّرت أنّ الفقراء الذين يتعلّمون في التعليم الرسمي يتحمّلون العبء فيما هناك مدارس خاصّة يسير فيها التعليم سواء حضوريًا أو عبر الإنترنت.
وهناك مشهد ثالث: فالسلطة تقول إنّ في لبنان مليون و200 ألف نازح، لكنها غير مهتمّة إلّا بالذين لجأوا إلى مراكز الإيواء. ماذا عن باقي النازحين؟ كم من الوقت يتحمّل النازح كلفة استئجاره منزلًا صغيرًا ليأويه وعائلته؟ وماذا عن البيوت الصغيرة التي نزح إليها أكثر من 5 أو 6 عائلات؟ ليتابع أنّ “الإيجارات التي فرضت علينا وظننا أن نزوحنا لن يستغرق أكثر من أسبوعين، لن نستطيع تحمل كلفتها بعد”.
ويرى بيضون أنّ “المسألة البديهية تقول إننا في حرب، هناك طائرات تستبيحنا، والمشكلة لدى السلطة تصبح أنّ الناس لا يجب أن يستبيحوا أملاكًا خاصة؟ لكن ماذا لو أتى صاروخ وضرب الملك الخاص؟ ما هي المقاربة؟”
وتبلغ نسبة الشغور في لبنان 23%، بحسب مسح أجراه “مختبر المدن – بيروت” عام 2019 تناول العقارات التي شيّدت بين 1996 و2018، والتي يبلغ عددها أكثر من سبعة آلاف شقة موزعة في أنحاء المدينة. وهذا يعني أنّ جميع سكان لبنان قبل العدوان كانوا يعيشون في 77% من المساكن الموجودة، وبالتالي يمكن لنحو 23% من المخزون السكني الشاغر أن يستقبل ربع السكّان الذين نزحوا جراء الحرب.
ماذا عن البدائل والحلول
وعن توفیر البدائل، أصدرت مجموعات متضامنة مع نازحي المبنى وتقف مع الأهالي في وجه ھذه الاخلاءات، (التنسیقیة الشعبیة – جبھة فلسطین حرّة، الاتّحاد الطلابي العام، نادي الفكر الحر ABC – استودیو أشغال عامة – الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقین حركیًا – موقع صفر) بيانًا وصل “المفكرة” نسخة منه، دعت فيه إلى الضغط لفتح المباني الشاغرة، الخاصّة والعامّة، لاستقبال النازحات والنازحین من دون أي تمییز أو مضایقات.
وترى هذه المجموعات أنّه لا یحق للسلطات القیام بعملیة إخلاء من دون تقدیم بدائل ملائمة للأشخاص المعنیین، والتفاوض حول ھذه البدائل بشكل عادل. ویجب أن تكون ھذه البدائل واقعیة وآمنة وقابلة للتنفیذ، وتشمل حلولًا ملموسة ووقتًا مناسبًا لتتیح للنازحات والنازحين الاستقرار في مكان آخر من دون أن يتعرّضوا لمزید من المخاطر أو الأضرار، أو لإخلاء آخر. كما یجدر تقدیم الدعم الذي من شأنه أن یساعدھم في الانتقال بشكل آمن ومریح.
ودعت المجموعات في بيانها إلى: – الامتناع عن اتخاذ إجراءات تعسّفیة، أي غیر قانونیة: فأيّ إجراء یھدف إلى إخلاء مبنى من النازحات والنازحین یجب أن یتم وفقًا لمبادئ القانون والعدالة، ولا ینبغي أن يؤخذ بشكل عشوائي أو تعسّفي، وبالتالي یجدر أن یتمّ من خلال اتباع الإجراءات القانونیة والعادلة. لذا، یتعیّن على أيّ جھة أو سلطة تسعى لاتخاذ ھذا النوع من الإجراءات الحصول أوّلًا على إذن بالإخلاء رسمي وقانوني، موقع من غالبیة المالكین – ولیس من قبل أحد المالكین – وأن یتحقق السكان من ھذا الإذن. في حالة مبنى “حمرا ستار” لم يعرض على السكان أي إذن رسمي بالإخلاء. – الامتناع عن استخدام القوّة: حتى مع توفّر الإذن الرسمي، لا یعني ذلك أنّ القوى الأمنیة الموكلة بتنفیذ ھذه الإجراءات تمتلك الحق في استخدام القوة أو العنف أو أي نوع من أنواع التھدید أو الترھیب لتحقیق الھدف. بل یجب أن یتمّ ذلك من خلال التفاوض البنّاء والسعي إلى التوصّل إلى حلول ترضي جمیع الأطراف، وتجنّب استخدام القوّة أو الإكراه، مع الأخذ في عین الاعتبار الظروف المعیشیة الصعبة والقاھرة التي یمر ھؤلاء النازحون والنازحات بھا. – الاستفادة من المخزون السكني الشاغر: تتصرّف الحكومة اللبنانیة كما لو أنّھا لا تمتلك أي خیارات أخرى، في حین أنّ الشقق الشاغرة المنتشرة في جمیع المناطق اللبنانیة تمثل خیارًا مناسبًا لتأمین السكن اللائق لمن ھم بحاجة إلیه، وخصوصًا في أوقات الحروب. لا بد من الاستفادة من المخزون السكني الشاغر، حیث وصلت نسبة الشقق والمباني الشاغرة في مدینة بیروت على سبیل المثال إلى معدلات مقلقة. في ظل أزمة النزوح الناتجة عن أسباب قاھرة كالحرب، وفي ظل تقاعس الدولة في تأمین مراكز إیواء كافیة، یمكن لھذا المخزون الشاغر أن یكون الحل الأمثل لإیواء الناس. – وجوب تحدیث خطة الطوارئ: وضمنًا بما یتّصل بإیواء النازحین والنازحات بعدما تبیّن أنّ النزوح تجاوز ما كان متوقّعًا فیھا وأنّ الخطة لم تلحظ موارد وأماكن إیواء تتناسب مع حجم النزوح. ویفترض أن یترافق ذلك مع إصدار مرسوم تعبئة عامة على نحو يمنح الدولة ھامشًا واسعًا لتوفیر الموارد الوطنیة اللازمة لحاجات الإیواء.
وكانت “المفكرة القانونية” ومنظمات أخرى أصدرت بيانًا سابقًا طالبت فيه بصدور مرسوم إعلان تعبئة عامّة على نحو يخوّل الدولة من الاستفادة من الموارد البشرية والمالية الخاصّة كما العامّة في سبيل تأمين حق السكن لجميع النازحين عملًا بمسؤولياتها الدستورية.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.