“
عند الساعة العاشرة من صباح السبت 29/9/2018، تجمع عدد من الناشطين والناشطات، الشبان والشابات الأمهات والآباء والأطفال عند كورنيش الميناء البحري مقابل جامعة بيروت العربية في طرابلس، النقطة المعروفة بالعقار الوهمي المتنازع عليها أمام القضاء. هدف المتجعون القيام بـ”سيران” picnic وداعي لفصل الصيف. ويأتي النشاط تذكيراً بالإعتراض الذي تقدمت به بداية بلدية الميناء، تؤازرها جمعية “الخط الأخضر” و”الحملة المدنية لحماية شاطئ الميناء” بالتعاون مع المفكرة القانونية، ضد القرار الآيل إلى تمليك آل شبطيني عقارا مساحته 29,393 م2 من ضمن الأملاك الخاصة، وذلك خلافاً للقانون وللقرارات القضائية والإدارية السابقة. تجدر الإشارة إلى أن الدعوى ما زالت مستمرة لحينه، وأن الهدف الأساسي للنشاط أيضاً التأكيد على أهمية حماية الأملاك العامة البحرية، ولا سيما الواجهة البحرية لمدينة الميناء. بادرت إلى النشاط الترفيهي “الحملة المدنية لحماية شاطئ الميناء” بقيادة المجتمع المدني والأهلي للمنطقة، بهدف تذكير الجهات المعنية بأن “بحر الميناء ما بينبلع ..بيبلعكن بلع” و”الأملاك العامة ..شط أحمر” هي ملك لجميع الناس، ولا يمكن مصادرتها وحرمانهم منها.
حملة تنظيف للشاطئ
بدأ النشاط بحملة تنظيف الشاطئ حيث ارتدى المشاركون القفازات وانطلقوا كما النحل بين الأزهار، وجمعوا كل ما أمكن من نفايات، مع فرز تلقائي للبلاستيك والزجاج والعوادم كلا على حدة الخ..
وخلال ساعة من الوقت تقريباً، كان المشاركون والمشاركات قد جمعوا ما يوازي حمولة pick up كامل من النفايات المفروزة حيث قامت شاحنة تابعة للبلدية بتحميلها. بعد ذلك قدمت فرقة afrobeat عرضاً موسيقياً، ترافق مع مباراة في طاولة الزهر أقيمت على الكورنيش، بينما حاول عدد من الأطفال الإستفادة من بعض التيارات الهوائية لتطيير الطائرات الورقية، وفي خلال ذلك كان البحر يشهد عرضاً مائياً مميزاً من قبل شبانٍ يقودون الـjet ski.
وفي حديث مع د. سامر أنوس من “الحملة” حول هذا النشاط ودوافعه قال: “منذ حوالي عامين، تم فضح موضوع العقار الوهمي هنا، وأقيمت الدعوى القضائية، ونلاحظ أن هناك مماطلة حيث لم يتخّذ حتى الآن قرار نهائي بإعادة هذه الأرض التي هي أملاك عامة بحرية، كناية عن صخور ومسطح مائي لأصحابها وهم الناس، كما نلاحظ تقاعساً من قبل الوزارات المعنية التي يجب أن تكون أمينة على الأرض مثل وزارة الأشغال”، ليسأل “لماذا كل هذا الاستهتار إن لم نقل التواطؤ في هذه القضية المريبة؟ إن هذا النشاط يهدف إلى تذكير الناس بأن هذه القضية لا تزال لدى القضاء الذي من المفروض أن يحكم بأن هذه أراضٍ عامة، وهذا أمر واقع على مدى التاريخ، فكيف نقوم بتحويله إلى أملاك خاصة؟”
أضاف:”إن الأنشطة التي تجري اليوم تعطي صورة لائقة لمدينة الميناء وتليق بأهلها ونسيجها الذي يضم أناساً ليس بمقدورهم جميعا التوجه إلى الفنادق والمنتجعات السياحية، وهؤلاء من حقهم التمتع بشاطئ نظيف”، لافتاً إلى أنه “يقال أن شبكة المجارير سيتم ربطها بمحطة التكرير، وهذا الأمر يدفعنا إلى التفكير في كيفية تأهيل هذا الشاطئ ليكون للعموم، وعلى مستوى عالمي”.
من جهته، قام الناشط الميناوي فؤاد حجّار بتصنيع سلال المهملات على قاعدة إعادة التدوير، من إطارات مستعملة قام بلصقها وتزيينها بالألوان. والحقيقة أن خطوته كانت حاجة ماسّة حيث يفتقر الكورنيش في هذه النقطة إلى المستوعبات، الأمر الذي يسهل للناس عملية رمي الأوساخ على الشاطئ. ولم يكتفِ حجار بهذه الخطوة بل راح يعطي الأطفال دروساُ في كيفية جمع النفايات وفرزها في الآن عينه. وعن مشاركته في السيران قال:”النشاط أساسه العقار الوهمي، وقد جئنا لنقول أن البحر لكل الناس، ولاسيما أبناء المنطقة. نحن أبناء المنطقة يحق لنا أن نقصد الشاطئ ساعة نشاء للجلوس أوالسباحة في البحر أو الرقص أوالغناء والأكل والتخييم. هذا الشاطئ لنا جميعا ولا يمكن لأحد أن يسلبنا إياه”. وقد شدد الحجار على تنشئة وتربية الأطفال على أهمية البيئة والمحافظة عليها من خلال عدم رمي النفايات على الأرض.
على شاطئ الميناء تقوم تيرا أبو عايد وسنها 10 سنوات بجمع النفايات بكل حماسة. تمسك كيساً بيد، وتبحث بالأخرى في الرمل عن نوع محدد من النفايات، إختارت جمعه. وعن مشاركتها تقول:”يريدون أن يأخذوا الشاطئ منا، ونحن نقوم بتنظيفه والمحافظة عليه ليبقى لجميع الناس”.
يشارك هاشم المير الأيوبي بالنشاط بصفته عضواً في مجلس بلدية الميناء، وكذلك كمشارك في الحملة المدنية لحماية شاطئ الميناء ويؤكد:”نحن لا نعترف بهذا العقار الوهمي لا كبلدية ولا كمجتمع مدني محلي”.
وبسؤاله عن الإهمال الحاصل على امتداد الكورنيش البحري ومن يتحمل مسؤوليته، أجاب: “نحن قمنا بالعديد من الأنشطة البيئية برعاية البلدية. ولكن للأسف في كل مرة نقوم بالتنظيف، لا تمضي 24 ساعة إلا ويعود الوضع كما كان. للأسف هناك ثقافة معدومة في هذا السياق. أما تقصير البلدية وشرطتها فهو بعدم القيام بمحاضر ضبط، ولكن نحن لا نقوم بذلك حرصاً منا على الناس، لأننا نعرف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لهم، وهو ما بردعنا عن الضرب بيد من حديد. لكننا في المقابل نقوم بتوزيع المناشير التي تدعو إلى الحفاظ على الشاطئ، وللأسف لا نلق تجاوباً من قبل الناس”.
وعن تجربته كعضو مجلس بلدية سابق يتحدث وائل دبس مؤكداً أن موضوع العقار الوهمي لم يطرح بتاتاً في عهد رئيس البلدية السابق السفير محمود عيسى. ويوضح قائلاً:إن بلدية الميناء لديها مراسيم وقوانين قامت بتنظيم وتوضيح وتحديد العقارات وقامت بمخطط توجيهي كامل، وآخر مخطط كان سنة 2006 وقد قام بتسوية المخالفات وتوضيح العقارات. والمرسوم جاء بعد الانتهاء من الكورنيش البحري في العام 2004 لانه من الطبيعي أن إنشاء الكورنيش قد يستدعي استملاك بعض الأراضي. والمرسوم والقانون العام اللبناني لحماية الشطآن جاء ليؤكد المؤكد وقال إن ZONE M8 هي امتداد للميناء”.
تابع:”في عهد المجلس البلدي السابق لم يطرح الموضوع. ولكن جرى الحديث عن جزء من الأراضي لناحية الملعب الأولمبي حيث كان هناك استملاكات للأراضي، وطلبوا الحصول على تصاريح من المجلس البلدي للتوجه بها نحو المجلس الاعلى من أجل ردم البحر وغيره، وبطبيعة الحال نحن لم نوافق ومات المشروع”. وأضاف “الكورنيش هو امتداد للشاطئ ويبدأ من منطقة الشيخ عفان إلى نهاية حدود الميناء. من أجل ذلك عندما جاء المرسوم 13395 M8 لفت إلى أنها املاك عامة بحرية، وذكر أيضاً أنها منتزه عام بحري وهذا يعني أنه يجب ان يكون الوصول إليها من قبل الناس متاحاً”.
وترى أميرة الحلبي، منسقة في الائتلاف الوطني لحماية الشاطئ، أن النشاط يهدف إلى “تعزيز وتأكيد حق الناس بالولوج إلى الشاطئ للسباحة وتمضية الوقت”. كما رأت أن”فكرة بدء النهار بحملة تنظيف الشاطئ تدفعنا كمواطنين للتفكير بمسؤوليتنا تجاه الشاطئ قبل أن نفكر بمسؤوليتنا تجاه ما يحصل من تغيير قوانين واستملاكات”. نحو 30 شخصاً وفي أقل من نصف ساعة قاموا بجمع نفايات بحجم 4 طن وهذا الأمر يجعلنا نربط مجموعة من القضايا مع بعضها البعض، ومنها قضية النفايات الصلبة والشاطئ. إذ صحيح أن هناك دورا ملقى على عاتق الدولة والسياسيين، ولكن نحن أيضاَ كشعب علينا واجبات أثناء تصرفاتنا اليومية البسيطة يجب أن نلتزم بها لأنها تقوم بتعزيز المواطنية لدينا ومنها المحافظة على نظافة الشاطئ فهذا الأمر سيشجع الناس على النزول للسباحة فيه”.
وعن هذا النشاط يتحدث الناشط في “الحملة” يحي مولود قائلاً: “إنه سيران ما قبل بدء فصل الشتاء وتوديعاً للصيف، لذا من الطبيعي أن يقصد الناس الشاطئ .هو نشاط رمزي فنحن تحركنا من حوالي السنة والنصف وأوقفنا مهزلة محاولة البعض استملاك البحر، وهذا السيران هو للتذكير أن من حق الناس الولوج إلى الشاطئ وحتى يرى الرأي العام عبر وسائل الإعلام والتواصل المختلفة، أنه من حق الناس الوصول الى الشاطئ، فهناك صيادين وهناك أناس يلعبون على الشاطئ، ونحن قمنا بتنظيف الشاطئ ولا يعقل غدا فجأة أن يتحول هذا المكان إلى مبنى و resort ومشروع تجاري لأحد المتمولين”.
علم الدين: العقار الوهمي يعطل استكمال الكورنيش
وقبل إنتهاء “السيران” وصل رئيس بلدية الميناء عبد القادر علم الدين وانضم إلى المشاركين وراح يتحدث عن إصرار البلدية على التصدي لهذا المشروع، وفي حديث مع “المفكرة القانونية” قال:”منذ بداية محاولة بيع الأرض المجهولة وفور وصول الملف إلي، رفعت الصرخة وقمنا بتجمعات فتم تجميد الموضوع. أتمنى أن يكون القضاء نزيها، وأن يحفظ حق الملك العام والملك الخاص.كما أتمنى أن يحافظ العهد الجديد على الملك العام والملك الخاص حتى يكون للناس ثقة في لبنان ويتشجعوا على الاستثمار فيه، ولكن إذا كان على الإنسان أن ينتظر عشرين عاماً حتى يصل إلى حقه، فأحدا لن يستثمر فيه”.
ورأى أن”النشاط مهم جداً وفيه تذكير للقضاء والسياسيين أن هناك مجتمع مدني، وهناك أهل البلد وأهل الميناء حريصين ألا يحصل تعدي على الملك العام لديهم. نحن عندما أقمنا الكورنيش أردنا أن نمنع من خلاله التعدي من قبل الغير وأن يحصل عليه جميع الناس مجاناً”.
قبل فترة كانت هناك “كويسكات” وسيارات لبيع القهوة والمرطبات والكعك وخلافها، وضع أصحابها كراسا وطاولات على الكورنيش فحجبوا الشاطئ عن الرؤية إلا لمن أراد الجلوس وتناول شيء ما، فقامت البلدية بإزالة المخالفات وأعادت الشاطئ نسبياً للناس حيث أن الكورنيش الجديد لم يترك زاوية تسهل للناس الولوج إلي الشاطئ. وبسؤال الرئيس علم الدين عن الموضوع أجاب:”نحن ما قمنا به إنجاز لم يتمكن أحد من القيام به. ونحن لدينا تصور بتلزيم الكورنيش البحري وتوسعته ولو استمروا في المكان لما كان بإمكاننا القيام بشيء لأن كل واحد منهم كان سيفرض خوة على المتعهد. هناك مخطط للكورنيش وقد بدأنا من منطقة “الشيخ عفّان” وتقدمنا نحو كيلومترين ونصف، والآن بانتظار تمويل جديد حتى ننجز خمسة كيلومترات. سيتم إنجاز الكورنيش بالكامل، ولكن المشكلة لدينا في هذه المنطقة التي جرى تجميد ملكيتها، ونحن بحاجة إلى ردم 15 متراً من البحر حتى نتابع المخطط”.
إذاً لا تزال قضية العقار الوهمي في أروقة المحاكم، وإلى حين صدور حكم القضاء، يبقى أهالي الميناء على إصرارهم على الدفاع عن ما هو حق لهم في الولوج إلى الشاطئ، وهم يحافظون على هذا الحق من خلال ممارستهم اليومية لأنشطة مختلفة عليه، ليؤكدوا للجميع أن كورنيش الميناء شط أحمر.
“