بتاريخ 26/12/2016، انطلقت أولى جلسات إعادة محاكمة المتهمين في قضية أحداث “أكديم إزيك ” أمام محكمة الاستئناف بالرباط، وذلك بعد قرار محكمة النقض التاريخي القاضي بقبول طلب نقض الأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية في هذا الملف. حدث هام في رمزيته لما يعكسه من اتجاه في عتق المدنيين من المحاكم العسكرية. وتبعا للمحاكمة، أصدرت محكمة استئناف الرباط قرارها بتاريخ 19/7/2017، والذي جاء بمثابة شاهد بليغ على أهمية المحاكمة العادلة.
أكديم إزيك محاكمة عسكرية في خضم الحراك العربي
تعود فصول القضية إلى أواخر سنة 2010، حينما شيّد عدد من المواطنين مخيما على بعد حوالي 15 كلم من مدينة العيون جنوب المغرب، احتجاجا على تدهور أوضاعهم الإجتماعية. وبعد فشل المسؤولين في اقناعهم بتفكيك المخيم، قامت السلطات الأمنية فجر يوم الاثنين 8/11/2010 باقتحامه بالقوة، وخلّفت العملية بحسب الاحصائيات الرسمية 11 قتيلا و70 جريحا في صفوف قوات الأمن، وأربعة جرحى في صفوف المدنيين. وبناء على ذلك، تمّت إحالة عدد من المحتجين إلى المحكمة العسكرية، ووجهت لهم تهمة تكوين عصابة إجرامية، وممارسة العنف في حق رجال القوة العمومية أثناء مزاولتهم لمهامهم المفضي إلى الموت بنية إحداثه، والتمثيل بجثة، والمشاركة في ذلك. ودفعت هيئة الدفاع ببطلان المحاكمة لعدم اختصاص المحكمة العسكرية، بعد صدور دستور 2011 الذي ألغى بشكل واضح المحاكم الاستثنائية. ورغم ذلك، أصدرت المحكمة العسكرية بتاريخ 16/02/2013 أحكاما في حقهم تتراوح بين السجن 20 عاما والسجن المؤبد.
محكمة النقض تنتصر لمبدأ القانون الأصلح للمتهم وتقرر إحالة القضية من جديد على محكمة عادية
في كانون الثاني 2015، صدر بالمغرب قانون جديد يتعلق بالقضاء العسكري يعد خطوة مهمة في ملاءمة التشريعات مع الدستور الجديد ومع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، أهمها فيما يعنينا جعل المحكمة العسكرية محكمة عادية متخصصة؛ وبالتالي عدم جواز محاكمة المدنيين أمامها. وعلى ضوء هذه المستجدات الهامة،أصدرت محكمة النقض المغربية بتاريخ 27/07/2016، قرارها التاريخي القاضي بإعادة محاكمة المتهمين في قضية أكديم إزيك، وذلك انتصارا لمبدأ القانون الأصلح للمتهم.وهذا ما مهد لإعادة محاكمة المتهمين أمام محكمة استئناف الرباط.
استئناف الرباط تظهّر شروط المحاكمة العادلة
تبعا لذلك، تمت إعادة محاكمة المتهمين في قضية أكديم إزيك أمام غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالرباط. وقد حرصت هذه هيئة المحكمة على توفير شروط العلنية: فسمحت بولوج قاعة المحاكمة لكل أهالي المتهمين والضحايا والملاحظين الدوليين والوطنيين، والصحافة وكل من يرغب في متابعة أطوار المحاكمة. كما تم تجهيز قاعة المحاكمة بالتجهيزات التي تسمح بمتابعة الحضور لجميع أطوار المحاكمة، وتخصيص قاعة مجاورة لقاعة الجلسات مجهزة بالوسائل التقنية التي تسمح بنقل مجرياتها. كما بادرت لتأمين ترجمة فورية غير رسمية لفائدة الملاحظين والمتتبعين الأجانب ليتمكنوا من مواكبة مجريات المحاكمة. وقد تميّزت المحكمة بأمرين:
أولا، كيفية مقاربتها لادّعاء المتهمين بتعرّضهم للتعذيب. فبعدما استجابت فورا لطلب دفاعهم الرامي إلى عرضهم على خبرة عهد بها للجنة طبية ثلاثية ترأستها طبيبة مختصة في الطب الشرعي. وقد خلصت الخبرة التي أنجزت عملها إلى أن الأعراض التي تبدو على المتهمين ليست لها أي علاقة بمختلف طرق التعذيب، وقد أمرت المحكمة بصفة تلقائية بترجمة الخبرة المنجزة للغة العربية من طرف مترجمين محلفين بهدف تبسيط وتقريب مضمونها للمتهمين. واللافت أن المحكمة قيمت التقرير على أساس “المعايير المبينة في برتوكول اسطنبول ودليل التقصي والتوثيق الفعالين للتعذيب للأمم المتحدة لسنة 1999” وخصوصا لجهة “إعطاء تفسيرات للإصابات والخدوش التي يزعم الشخص أنها ناتجة عن التعذيب”، والبحث “عن أدلة على مستوى درجة التوافق مع ادعاءات التعذيب دون تحديد نسبة معينة (مع العمل) على ربط الوسيلة المستعملة في ادعاءات التعذيب مع نتيجة الفحص المنجز على الشخص، والبحث عن الدليل المادي للقول بوجود التعذيب من عدمه، وكذا درجة التوافق التي يمكن أن تكون كبيرة أو مميزة أو خاصة ونسبتها التي يمكن أن تكون ضعيفة أو متوسطة أو محتملة”. ويلحظ أن الخبرة خلصت بها على “أن الأعراض التي تبدو على المتهمين والمعطيات الموضوعية للفحص الطبي ليست لها أية علاقة بمختلف طرق التعذيب المزعومة”.
ثانيا، أنه بخلاف المحكمة العسكرية، انتهت المحكمة إلى تبرئة المتهمين من بعض التهم الموجهة إليهم كتكوين عصابة إجرامية. وفيما حددت المحكمة العسكرية العقوبات بين عشرين سنة حبس والمؤبد، انتهت محكمة الرباط إلى تحديد عقوبات أكثر تناسبا مع خطورة الأفعال الفردية المحكوم بها تراوحت بين سنتين والمؤبد بعدما عمدت إلى تقييم خطورة فعل كل من المتهمين فردا فردا.
نشر في العدد الخاص حول المحاكم العسكرية في دول المنطقة العربية.
-الجرائم المعاقب عليها وفق مقتضيات الفصول 293 و294 و267 ( الفقرة الخامسة منه ) و129 و130 و271 من القانون الجنائي، والفصل السابع من قانون القضاء العسكري.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.