قضية أخرى، تظهر جوانب من نهج التسلط والافتراء الذي يتبعه بعض أصحاب العمل في علاقة الاسترقاق مع العاملات في الخدمة المنزلية، ومعه الاحكام المسبقة لعدد من القضاة إزاء هؤلاء. وفي تفاصيل القضية، ادعت صاحبة عمل على العاملة المنزلية من الجنسية الاثيوبية، بجرم سرقة قطعتين مجوهرات من الذهب من منزلها، علما أنها انتبهت الى ذلك بعد ترك العاملة العمل لديها للعودة الى بلادها، رغم تجديد اقامتها.
وقد تم تحويل الملف أمام القاضي المنفرد الجزائي في بيروت، يحي غبورة، الناظر في قضايا الحق الشخصي، على إثر القرار الصادر عن قاضي التحقيق في بيروت بتاريخ 14/5/2009 بالظن بالعاملة بجرم السرقة المنصوص عنه في المادة 636 من قانون العقوبات معطوفة على المادة 257 عقوبات والمرتبطة بتشديد العقوبة.
وتبين وقائع الحكم أن المدعية –وهي محامية! – تنازلت عن حقوقها الشخصية أمام المحكمة. الا ان المحكمة قررت، في خطوة لافتة جدا-أن تستمع رغم ذلك الى افادتها بصفتها شاهدة قبل اتخاذ قرارها بما يتصل بالحق العام. ولدى الاستماع اليها، أفادت الشاهدة المدعية سابقا أن المدعى عليها "سرقت قطعتي ذهب من منزل سلفتها ومبلغ من المال من بيتها لم تعد تذكره". هذه الشهادة المقتضبة سمحت للمحكمة كشف التناقض الموجود في افادات صاحبة العمل، حيث ورد في شكواها ان السرقة تمت في منزلها وليس في منزل سلفتها، بالاضافة الى خلو الشكوى من اي اشارة الى فقدان مبلغ من المال من منزلها! وبعدما لفتت المحكمة الى هذا التناقض، رجحت ان يكون الادعاء ضدها ناتجا عن ان "تكون المدعى عليها قد وعدت بالعودة ونكثت" وتابعت المحكمة "تكون صحة افادة المدعية مجرد احتمال بين غيره، وبالتالي، فان الشك يعتروها، والشك كما هو معلوم في مصلحة المدعى عليها ما يستدعي إعلان براءتها من جرم المادة 636 من قانون العقوبات المنسوب اليها، كون غير اليقين لا ينفع سندا للادانة امام قضاء الحكم، قضاء اليقين التام".
وعليه صدر في 30/10/2012 حكم عن القاضي الممنفرد الجزائي في بيروت، قضى باعلان براءة المدعى عليها من جرم المادة 636 معطوفة على المادة 257 عقوبات واسترداد مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة بحقها.
وخلاصة لذلك يظهر أنه لولا اصرار القاضي المتمثل بالاستماع الى افادة المدعية بصفتها شاهدة، لما كشف التعسف في الادعاء بجرم السرقة. فمن خلال الاستماع اليها، تكشف أن الادعاء اتى في هذه الحالة نتيجة "غضب" صاحبة العمل، لعدم رجوع العاملة للعمل في "خدمتها"، فاستغلت موقعها (وربما ايضا صفتها) للانتقام منها عبر نيابات عامة وقضاء تحقيق اعتاد الصاق التهم بالعاملات بمجرد اتهام صاحبة العمل ولو من دون أي دليل. لحسن الحظ، صودف هذه المرة ان قاضي الحكم رفض اتباع النهج السائد.
متوفر من خلال: