في الوقت الذي تعرف أعداد المعتقلين احتياطا في السجون المغربية ارتفاعا ملحوظا، كشف وزير العدل المغربي، محمد أوجار عن شروعه في مراجعة المنظومة العقابية في القانون الجنائي، وذلك من خلال اعتماد مجموعة من العقوبات البديلة.
القيد الإلكتروني بديلا عن الاعتقال الاحتياطي، وعقوبات بديلة عن السجن
كشف الوزير أوجار، خلال حديثه مطلع الأسبوع المنصرم بمجلس النواب (الغرفة الأولى من البرلمان)، عن نية الوزارة اعتماد القيد الإلكتروني كأحد بدائل الاعتقال الاحتياطي، وكذلك الغرامة اليومية، والعمل لأجل المنفعة العامة، وتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية.
وأعلن الوزير عن نيته في "ترشيد الاعتقال الاحتياطي"، موضحا أن ذلك سيمر من خلال مجموعة من التدابير، مثل تحديد الحالات الموجبة للاعتقال الاحتياطي، وسن إمكانية الطعن في شرعية قرار الاعتقال الاحتياطي، وتقليص مدده في الجنايات من سنة إلى 8 أشهر، ووضع بدائل موسعة له كاستعمال تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية بما فيها القيد الإلكتروني من طرف النيابة العامة، بحسب تعبيره.
ولفت الوزير إلى أن العقوبات لم تعد تؤتي أكلها، لا من حيث ردع مرتكبي الجريمة، أو معالجة عواقبها بالنسبة للضحايا، موضحا أن "هذه السياسة العقابية الكلاسيكية لها انعكاسات سلبية على المجتمع".
وشدد على ضرورة اعتماد العدالة التصالحية التي تعتبر نمطا حديثا لفض الخصومات ذات الطابع الجنائي بهدف التصدي لظاهرة الإجرام بآليات بديلة، مطالبا ببعد ازدواجي إنساني وتصالحي يضع كافة الأطراف المعنية بالجريمة في الصدارة من أجل تحقيق عدالة ترضي الجميع، بمن فيهم الضحايا والجناة والمجتمع.
وكشف الوزير أن مشروع القانون الجنائي الجديد، الذي سيعرض على البرلمان قريبا، سيتضمن "سياسة جنائية جديدة تراعي ضرورات الإصلاح من خلال العديد من المستجدات"، موضحا أن من بينها "وضع ضوابط وشروط محددة للوضع تحت الحراسة النظرية".
ناقوس الخطر..
وكان مسؤولون مغاربة دقوا أكثر من مرة، ناقوس الخطر بخصوص الاكتظاظ الذي تعرفه السجون المغربية، مُرجعين ذلك أساساً إلى العدد الكبير للمعتقلين احتياطيا، والذين تبلغ نسبتهم بحسب أرقام صادرة عن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، حوالي 40% من مجموع الساكنة السجنية في المغرب، أي ما يتجاوز الـ 31 ألف معتقل.
ويتجاوز عدد المغاربة القابعين خلف القضبان في منتصف سنة 2017 الثمانين ألف نزيل، بحسب المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، التي شددت على أن السنة الماضية شهدت زيادة في عدد الوافدين على المؤسسات السجنية، إذ إن المندوبية سجلت حوالي 105 آلاف سجين وافد جديد.
وفي نفس السياق، تشدد النيابة العامة في أكثر من مناسبة على أنها "تحرص على عدم تفعيل الاعتقال الاحتياطي إلا في بعض الملفات التي تتخذ نوعا من الخطورة"، موضحة أن "إجراء الاعتقال الاحتياطي خاضع لمعايير دقيقة"، ولا يتم ذلك إلا إذا "تبين أن تدابير المراقبة القضائية غير كافية، أو في الحالة التي يكون فيها من شأن مثول المشتبه فيه أمام القضاء في حالة سراح تأثير على حسن سير العدالة".
من جهتها، لفتت الباحثة حنان أشهبون، إلى أن "الملاحظ في أغلب التبريرات المقدمة من أجل اتخاذ تدبيبر الاعتقال الاحتياطي تمضي في منحى: منع المتهم من الفرار، أو من القيام بتبديد وسائل الإثبات أو تأثيره على الشهود"، معتبرة أن هذه التبريرات "غير مقبولة"، وذلك "بسبب إمكانية اللجوء إلى إجراء آخر تم التنصيص عليه من قبل المشرع والمتمثل في وضع المتهم تحت المراقبة القضائية"، بحسب تعبيرها.
وشددت أشهبون في تصريح لـ"المفكرة"، على أنه "من غير المقبول وضع المتهم لمدة طويلة بمبرر جمع وسائل الإثباث، ومنعه من الاتصال بالشهود خصوصا أن جمع الادلة لا يتطلب وقتاً طويلاً من طرف الضابطة القضائية خلال مسطرة البحث التمهيدي وقبل احالة الملف على قاضي التحقيق".
وزادت "لا يجب اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي إلا في الاحوال التي تكون وسائل الإثبات كافية ومقنعة بأن من وضع رهن الاعتقال الاحتياطي هو من ارتكب الجريمة"، مشددة على أن "المنظومة القانونية للاعتقال الاحتياطي، تعتبره تدبيراً استثنائياً"، وهو ما يفيد أن "الأصل التحقيق مع المتهم أو مساءلته وهو في حالة سراح، والاستثناء هو اعتقاله".
وأصدرت أكثر من 20 جمعية حقوقية، في وقت سابق، بيانا مشتركا، تطالب فيه بإيجاد تشريعات "جذرية" تحل مشكل الاعتقال الاحتياطي، والتي من بينها سن عقوبات بديلة عن الاعتقال.
وقال البيان 'إثر التظلمات المتواترة اتجاه حالات لجوء النيابة العامة، وقضاء التحقيق إلى استعمال سلطة الاعتقال الاحتياطي، وذلك رغم عدم قيام مبرراته المسطرية وانعدام أية حالة من حالات التلبس، وعدم الإقرار بالتهمة، ورغم توفر ضمانات كافية في الأشخاص المشتبه فيهم لمثولهم أمام قضاء الحكم في حالة سراح".
ميزانية "ضخمة"..
وسبق لتقرير رسمي، صادر عن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بالمغرب، أن كشف مجموعة من المعطيات، بخصوص التكلفة المالية للسجون في المغرب.
وأوضح التقرير، الذي قدمه صالح التامك، مندوب إدارة السجون، في مايو من السنة المنصرمة، أمام البرلمان، أن الحكومة المغربية، تصرف حوالي 446 مليون درهم مغربي (44,6 مليون دولار)، كنفقات مباشرة على حاجيات السجناء الخاصة سنويا.
وتكلف التغذية لوحدها، حوالي 370 مليون درهم (37 مليون دولار)، في حين ترصد الحكومة حوالي 16 مليون درهم ( 1,6 مليون دولار)، على الطاقة من أجل التدفئة والطبخ، وحوالي 10 مليون درهم( مليون دولار) لشراء مواد النظافة بالسجون، وحوالي 26 مليون درهم ( 2,6 مليون دولار) لاقتناء الأدوية ومواد الصيدلة الخاصة بالسجناء.
وأشار التقرير ذاته إلى أن حوالي 13 مليون درهم ( 1,3 مليون دولار) يتم صرفها كذلك على دراسة ومواد التربية المهنية والكتب والبدلات الرياضية.
ويبلغ عدد السجناء المعتقلين حاليا بالسجون المغربية، حوالي 77 ألف سجين وسجينة، أربعون بالمائة منهم معتقلون احتياطياً، أي أن 17.48 مليون دولار (مبلغ تقريبي) تُصرف فقط على المعتقلين احتياطياً.
مطالب بالتعويض..
وسبق للفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة (معارضة)، أن تقدم بمقترح قانون يقضي بالتعويض عن أضرار الاعتقال الاحتياطي في حالتي عدم المتابعة والبراءة، وأيضاً من حكم عليهم بعقوبات أقل مما أمضوه خلال فترة الاعتقال الاحتياطي. إذ نص على أحقية المحكومين بالبراءة ممن كانوا موضوع مقرر قضائي بالاعتقال الاحتياطي، وأصبح مرر الإفراج عنه نهائيا، بالمطالبة بالتعويض الشامل والمنصف عما لحق به من أضرار مباشرة مادية ومعنوية ومهنية.
ويورد النص "يتم تحديد الضرر القابل للتعويض ومبلغ التعويض بواسطة خبرة استنادا إلى طلب من المعني مكتوب وموقع من المتضرر شخصيا من الاعتقال، وتجري مقتضيات قانون المسطرة المدنية ذات الصلة بالخبرة على تحديد وتقييم الضرر الناتج عن الاعتقال الاحتياطي بما فيه الضرر المهني وتفويت الفرصة المهنية".
وينتقل حق المطالبة بالتعويض إلى زوجة المعتقل وأصوله وفروعه، في حالة وفاته، في حين لا ينتقل هذا الحق إلى من هم أبعد قرابة إلا إذا أدلو بما يفيد أن ضررا ماديا لحقهم من جراء الاعتقال المذكور".
و"تسقط دعوى التعويض بمرور سنة كاملة ابتداء من تاريخ تبليغ القرار النهائي بعدم المتابعة أو البراءة إلى المعني المفضي إلى الإفراج الفعلي عنه"، ناهيك عن كون "دعوى طلب التعويض معفاة من الرسوم القضائية وغيرها".
ويقول النواب أصحاب المقترح إن "ضحية الاعتقال الاحتياطي يستحق على غرار ضحية الخطأ القضائي التعويض الكامل والمنصف"، مشيرين إلى أن "رفض مبدأ التعويض بالنسبة لضحايا الاعتقال الاحتياطي يمكنه أن يتسبب في تمييز فادح بين شخصين توبعا بنفس الواقعة أحدهما تعرض للاعتقال الاحتياطي وأفرج عنه والآخر أدين نتيجة خطأ قضائي".
وبحسب نفس المصدر يوجد "ضرر جسيم يلحق الشخص في مصالحه المشروعة ومركزه القانوني لأنه يسلبه حريته قبل الإدانة ويمس حقه في قرينة براءته رغم منزلتها الدستورية، كما يتفاقم الضرر نوعيا إذا انتهى البحث التمهيدي أو التحقيق الإعدادي أو المحاكمة بعدم المتابعة أو البراءة أو حتى بالإدانة بالغرامة فقط أو بالعقوبة السالبة للحرية لكن لمدة تقل عن مدة الاعتقال الاحتياطي".
ويؤكد تقديم المقترح على أن "الاعتراف المأمول بالحق في التعويض سيشكل مرحلة جديدة في تكريس دولة الحق والقانون وتوسيع الضمانات الدستورية لحماية الحريات الفردية وقرينة البراءة في غير حالة المساطر الخاصة كالطعن بالمراجعة وتجريح القضاء ورفع المفرج عنه دعوى التعويض ضد المشتكي أو الواشي أو شاهد الزور عند فشل تحريكهم للدعوى العمومية عن طريق الإدعاء المباشر أو الانتصاب كطرف مدني".
ونبه النص إلى أن "الحق في التعويض تكرسه كل الدول الديمقراطية ويدافع عنه تيار قوي في الفقه الجنائي الوطني والمقارن وتطالب به الحركة الحقوقية وتدعمه المنابر الإعلامية الحداثية"، مضيفا: "للمغرب تجربة رائدة في جبر الأضرار الفردية والجماعية والمادية والمعنوية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان".
تذكير بمقتضيات قانونية..
وبالعودة إلى النصوص الحالية، ينظم الفصل الثاني من قانون المسطرة الجنائية، بشكل كامل شروط الاعتقال الاحتياطي.
وقد شدد القانون في هذا الفصل، وبغرض تعزيز قرينة البراءة وتقويتها، على أن "الاعتقال الاحتياطي والمراقبة القضائية تدبيران استثنائيان"، إلى جانب "تحسين ظروف الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، وإحاطتهما بإجراءات مراقبة صارمة من طرف السلطة القضائية".
وكان من بين أهداف القانون الذي عُدل في سنة 2005، إقرار مجموعة من التدابير بغرض "إيجاد آليات تكفل سير تطبيق الإجراءات القضائية من دون اللجوء إلى تدبير الاعتقال الاحتياطي"، موردا أنه "أصبح منتقداً لعدة اعتبارات إنسانية واجتماعية". كما انتقد المشرع من خلاله، القانون الذي سبقه سنة 1959 لكونه "لا يتضمن أي تدبير بديل للاعتقال الاحتياطي ذي بعد إنساني، ولا يوفر ذلك القانون لقاضي التحقيق إمكانيات بديلة مهمة وفعالة من شأنها ضمان حضور المتهم لإجراءات التحقيق الجنائي في إطار المحاكمة العادلة وضمان حقوق الدفاع. ولذلك تم إحداث نظام الوضع تحت المراقبة القضائية".
إلى ذلك، تُشدد المادة 159 من قانون المسطرة الجنائية، على أن "الوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي تدبيران استثنائيان، يعمل بهما في الجنايات أو في الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية".
أما المادة 176، فتشدد على أنه "لا يجوز في القضايا الجنحية، أن يتجاوز الاعتقال الاحتياطي، شهراً واحداً"، لكنها تمنح قاضي التحقيق صلاحية تمديد فترته بمقتضى أمر قضائي مُعلل تعليلاً خاصاً، يُصدره بناء على طلبات النيابة العامة والتي تُدعم أيضا بأسباب هذا التمديد، لكنها وضعت شرطاً يتمثل في "عدم إمكانية تمديد فترة الاعتقال الاحتياطي إلا لمرتين ولنفس المدة"، مُشيرة إلى أنه "إذا لم يتخذ قاضي التحقيق خلال هذه المدة أمرا طبقاً للمادة 217 من نفس القانون 1، يطلق سراح المتهم بقوة القانون ويستمر التحقيق".
وتحصر المادة 177، أمد الاعتقال الاحتياطي في شهرين في الجنايات، واضعة إمكانية تمديد فترته بعد انتهاء هذا الأجل بمقتضى قضائي معلل تعليلا خاصا يُصدره قاضي التحقيق بناء على طلب من النيابة العامة المدعية أيضا بأسباب، إلا أنه لا يمكن تمديد هذه الفترة إلا في حدود خمس مرات ولنفس المدة، كما أنه إن "لم يتخذ قاضي التحقيق أمراً بانتهاء التحقيق لهذه المدة، يطلق سراح المتهم بقوة القانون ويستمر التحقيق.
وتمنح المادة 178 من نفس القانون، قاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية الحق في البت في شأن الاعتقال الاحتياطي والأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية، إذ أنه في حالة ما إذا تبين له "أن الأفعال تكون مخالفة، أحال الملف على النيابة العامة وأمر بوضع حد للوضع تحت المراقبة القضائية وبالإفراج عن المتهم المعتقل ما لم يكن معتقلا لسبب آخر".