في 26 مارس 2020، سجلت مصر 495 مصاباً بفيروس كورونا، تم شفاء 102 منهم، ووفاة 24 حالة.[1]
ولمواجهة انتشار الفيروس في مصر، قامت رئاسة الجمهورية بالإعلان عن توجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي بتأجيل الدراسة. فتم إغلاق المدارس والجامعات منذ 15 مارس الجاري[2]، وذلك بعد تعنت من وزير التعليم[3]. في وقت لاحق، وتحديداً في 12 مارس 2020، أعلنت وزارة الطيران المدني المصرية، في بيان لها، إنها تنسق مع وزارة الصحة والسكان للاطمئنان على تطبيق كافة الإجراءات الوقائية، ومتابعة تنفيذ الخطة الاحترازية التي وضعتها الحكومة المصرية لمواجهة الفيروس من خلال إجراء الفحص الطبي الإجباري على جميع الركاب القادمين إلى مصر من الدول التي انتشر بها الفيروس[4] ، بالإضافة إلى وقف تسيير الرحلات الجوية الدولية بين مصر ومدن العالم، وإغلاق المجال الجوي المصري بشكل تام، أمام جميع الرحلات الدولية منذ الخميس 19 مارس.[5] بينما قرر اللواء خالد عبد العال محافظ القاهرة في 15 مارس 2020 "غلق الصالات والمراكز الرياضية (الجيم) تنفيذاً لتوجيهات رئيس مجلس الوزراء بمنع التجمعات، وكإجراء وقائي احترازي ومنع عملية الاختلاط للحد من انتشار فيروس كورونا".[6]
ومع تصاعد أرقام الإصابات الجديدة بفيروس كورونا، أصدر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في 19 مارس 2020، قرارا ينص على: "غلق المطاعم والكافيتريات والمقاهي والكافيهات والكازينوهات والملاهي والنوادي الليلية والحانات والمراكز التجارية (المولات التجارية) وما يُماثلها من المحال والمنشآت التي تهدف إلى بيع السلع التجارية أو تقديم المأكولات أو الخدمات أو التسلية أو الترفيه، ووحدات الطعام المتنقلة، والأندية الرياضية والشعبية ومراكز الشباب، ابتداءً من الساعة السابعة مساء وحتى الساعة السادسة صباحا، أمام الجمهور، بكافة أنحاء الجمهورية، وحتى يوم 31/3/2020".[7] ثم في 24 مارس، قرر رئيس الوزراء إعلان حظر التجول في البلاد منذ السابعة مساءً وحتى السادسة صباحاً، مع إغلاق كامل للمطاعم ولمحال المأكولات السريعة واستمرار خدمة التوصيل للمنازل، وغلق باقي المنشآت الترفيهية غلقاً كاملاً، وغلق باقي المنشآت التي تقدم الخدمات منذ الخامسة مساءً، وغلق مراكز الخدمات الحكومية واعتماد المعاملات الالكترونية؛ مع استثناء المستشفيات والصيدليات والمخابز والبقالات ومحال بيع المأكولات (السوبر ماركت)؛ وتعليق كافة المواصلات وقت حظر التجول.
وفي أثناء ذلك، تصاعدت المطالب بوقف صلاة الجمعة والجماعة في المساجد، وإيقاف إقامة القداس والشعائر مثل "التناول"، والأنشطة في الكنيسة. ولكن لم يصدر هذا القرار إلا يوم 21 مارس، أي بعد إقامة صلاة الجمعة يوم 20 – مارس وقداس في الكنيسة في ذات اليوم. وطرح القرار عدة تساؤلات حول سلطة المؤسسات الدينية والأسباب الحقيقية وراء تأخر صدوره، وهو الأمر الذي نناقشه في هذا المقال.
أداء المؤسسات الدينية
بالرغم من تحذيرات منظمة الصحة العالمية بمنع التجمعات استمرت كل من وزارة الأوقاف المصرية والكنائس القبطية والكاثوليكية بفتح دور العبادة للجمهور، والتي شهدت ازدحامًا كبيرًا خلال شهري فبراير ومارس من المواطنين القلقين لتفشي فيروس كورونا بمصر. وأخذت هيئة كبار العلماء بالأزهر أول خطوة حيث اجتمعت برئاسة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر في 15 مارس، وأصدرت بيانا تجيز فيه إيقاف صلوات الجُمع والجماعة حمايةً للناس من فيروس كورونا. وقالت هيئة كبار العلماء في بيانها الذي حمل عنوان «بيان للناس»: "في ضوء ما تسفر عنه التقارير الصحية المتتابعة من سرعة انتشار (فيروس كورونا- كوفيد 19) وتحوُّله إلى وباء عالمي، ومع تواتر المعلومات الطبية من أن الخطر الحقيقي للفيروس هو في سهولة وسرعة انتشاره، وأن المصاب به قد لا تظهر عليه أعراضه، ولا يَعْلم أنه مصاب به، وهو بذلك ينشر العدوى في كل مكان ينتقل إليه، بناء عليه يجوز إيقاف صلاة الجمعة والجماعة".[8] ولكن بالرغم من هذا البيان، لم تصدر أي قرارات رسمية بغلق المساجد التي استمرت مفتوحة ومزدحمة بالمصلين حتى يوم الجمعة الموافق 20 مارس.
كما أدار الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، اجتماعاً مغلقاً بمجلس وكلاء الأوقاف من قيادات الديوان العام في 18 مارس للتأكيد على استراتيجية الوزارة في مواجهة عدوى كورونا، ونبه الدكتور محمد مختار على وكلائه باستمرار انعقاد صلاة الجمعة، وأدائها بوقت مخفف بقدر الإمكان وتقليل مدد المكوث بالمسجد، وتحقيق الجماعة بأقل وقت ممكن مع توجيه الناس لصلاة السنة بالبيت. مؤكدًا "أننا في الوقت الذي نأخذ فيه بأقصى الأسباب ينبغي أن نحسن أمر التوكل على الله (عز وجل) مؤمنين مع الأخذ بأقصى الأسباب أن ما أصاب كل واحد منا لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأنه لن تموت نفس حتى تستوفى أجلها ورزقها"[9]. كما صرح الدكتور أحمد القاضي، المتحدث باسم وزارة الأوقاف في 19 مارس، أنه حتى الآن لم تأمر وزارة الأوقاف بإغلاق المساجد أو منع صلاة الجمعة، مشيرًا إلى أنه إذا تم اكتشاف ما يدعو إلى منع صلاة الجمعة ستقوم الوزارة بذلك. وأضاف القاضي خلال مداخلة هاتفية في برنامج كل يوم المذاع على قناة on والذي تقدمه الإعلامية بسمة وهبة، أنه في حالة إصابة عدد من المصلين بنزلات البرد عليهم عدم الذهاب إلى المسجد كإجراء وقائي وحماية للجميع، وأن من الواجب على أي شخص يتأكد من إصابته بالكورونا عدم الذهاب إلى المسجد، مؤكدا أنه إذا ذهب لأداء الصلاة بالمسجد فهو آثم.[10]
على الجانب الآخر، أعلن الأنبا يوأنس، أسقف أسيوط وعضو المجمع المقدس، في رسالة إلى أقباط مطرانية أسيوط بتاريخ 17 مارس، أن الصلاة من القلب تبعد فيروس كورونا. ولم يستجب الأنبا يوأنس لقرارات الدولة والبابا تواضروس التي دعت لإلغاء التجمعات والاجتماعات الكنسية، إلا أنه استمر في تقديم عظته من الكنيسة وسط حضور قرابة 500 فرد[11]. وكان قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، قد قرر تعليق اجتماع الأربعاء، الأسبوعي حتى عيد القيامة المجيد، على أن يلقي قداسته العظة الأسبوعية في موعدها المعتاد من المقر البابوي بالقاهرة بدون حضور أحد، بدءاُ من بعد الأربعاء 18 مارس، على الهواء مباشرة على القنوات الفضائية القبطية. وأتى قرار قداسة البابا تواضروس الثاني في إطار قرار الكنيسة بتعليق كافة الاجتماعات الكنسية لمدة أسبوعين للمساهمة في الوقاية من فيروس كورونا.[12]
وكان عضو مجلس النواب محمد أبو حامد، قد تقدم ببيان لمكتب رئيس الوزراء يطالب فيه باتخاذ قرار بتعليق صلاة الجمعة والجماعة والمساجد، والتجمعات الدينية بشكل عام مثل الزوايا ودور المناسبات لمواجهة انتشار فيروس كورونا خاصة. وصرح أن "البلاد ستدخل في أسبوعي الحسم. فإما السيطرة عليه أو الدخول في سيناريوهات أخرى"، غير إنه علق على إقامة صلاة الجمعة بعد ذلك، في حديثه لـCNN بالعربية قائلا:" الأولوية للقرار تعود للدولة والقانون والحكومة وليس من اللائق أن يتدخل أحد في هذا الشأن ويربك الأمور، لعل هناك أسباب نحن لا نراها تتمثل في عدم اتخاذ القرار حتى الآن".[13]
وفي مساء اليوم استنكر الإعلامي عمرو أديب في برنامجه المذاع على قناة mbc masr إقامة صلاة الجمعة في مصر وطالب المسؤولين بغلق جميع دور العبادة حفاظاً على أرواح المواطنين المصريين.[14]
قرارات متأخرة
بعد أن أثارت مشاهد التجمعات في الكنائس والمساجد والتي وصلت للذروة في يوم الجمعة 20 مارس استنكار الكثير من المراقبين، بدأت المؤسسات الدينية في مصر في التراجع عن مواقفها المترددة ما بين الإصرار على فتح دور العبادة وأخذ احتياطات غير كافية وغير آمنة على حياة المواطنين. فأصدرت الكنيسة الكاثوليكية في مساء يوم 20 مارس بياناً أعلنت فيه "إيقاف القداس للشعب بكل الكنائس حتى إشعار آخر، على أن يقوم الآباء الكهنة بالاحتفال بالقداس يوميا مع أحد الخدام، لرفع الصلوات لطلب معونة الله لتجاوز هذا الشر. وقررت أيضًا أن تظل الكنائس مفتوحة طوال النهار وذلك للصلوات الفردية، مع التوصية بأن تقتصر صلوات الجنازات على أسرة المتوفي فقط."[15]
وفي صباح يوم السبت الموافق 21 مارس اجتمعت اللجنة الدائمة للمجمع المقدس، برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني، حيث أصدرت اللجنة بيانًا قررت فيه غلق جميع الكنائس وإيقاف الخدمات الطقسية والقداس والأنشطة؛ بالإضافة إلى غلق قاعات العزاء واقتصار أي جناز على أسرة المتوفي فقط، ومنع الزيارة إلى جميع أديرة الرهبان والراهبات[16].
وفي أقل من ساعة، اتخذ الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب قراراً بغلق الجامع الأزهر الشريف، مؤقتا، ولمدة أسبوعين، يتم خلالها تعقيم الجامع، حيث تقرر إيقاف صلاة الجماعة والجمعة. فيما وصف الدكتور عبد المقصود باشا، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، قرار إغلاق الجامع الأزهر وتعطيل صلاة الجماعة والجمعة فيه بالقرار التاريخي والذي يحدث للمرة الأولى في تاريخ الجامع الأزهر منذ إنشائه[17]. وبعد دقائق، أصدرت وزارة الأوقاف المصرية بياناً موازياً تعلن فيه "إيقاف إقامة صلاة الجمع والجماعات وغلق جميع المساجد وملحقاتها وجميع الزوايا والمصليات ابتداء من تاريخه ولمدة أسبوعين والاكتفاء برفع الآذان في المساجد دون الزوايا والمصليات"[18].
الحق في ممارسة الشعائر الدينية: أي ضوابط في وقت الطوارئ الصحية؟
مع التأكيد على حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية المنصوص عليها في المادة 46 من الدستور، إلا أن التأخر في إصدار قرارات تعليق الصلاة والقداس في المساجد والكنائس عكس تقديم هذه الحرية من قبل المؤسسات الدينية على حق الانسان في الحياة والصحة. خاصة مع التعارض الصريح لقرارات تلك المؤسسات مع التدابير الوقائية المعتمدة من منظمة الصحة العالمية ومع التعليمات الصحية الصادرة من وزارة الصحة والسكان المصرية.
وهو ما يطرح علامات استفهام، حول قدرة الدولة على تنظيم ممارسة الشعائر الدينية بما لا يتعارض مع الحق في الحياة والصحة والسلامة الجسدية، وحول مدى سطوة المؤسسات الدينية على المواطنين وأثر ذلك على سلوكياتهم الاجتماعية.
خاصة أن الإجراء الوقائي المطلوب يقيد الممارسات "الجماعية" للشعيرة الدينية ولا تمس حق كل فرد في ممارستها، وهو ما يبدو أن المؤسسات الدينية لم تكن تعيه. كما أن صدور القرارات المتتالية والمتفرقة ما بين فتاوى وقرارات تنفيذية من كل مؤسسة دينية على حدة وليس بشكل مركزي من الحكومة على شكل قرار موحد، يعكس بشكل كبير مخاوف الحكومة المصرية من ردود أفعال المواطنين وغياب الحزم اللازم لتنفيذ قرارات تهدف للحفاظ على أرواح ملايين المصريين في وقت يجب فيه اتخاذ إجراءات صعبة وصارمة للحفاظ على الحياة والصحة العامة للمواطنين.
[12] نقلا عن الموقع الإليكتروني لجريدة الشروق https://tinyurl.com/w5p863f