أصدرت محكمة النقض بالمغرب قرارا مبدئيا جديدا[1] في مجال قانون العمل، حيث اعتبرت أن انهاء العلاقة الشغلية بسبب السنّ يعتبر تمييزا في العمل، ويشكل مخالفة صريحة لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 111 بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة التي صادق عليها المغرب. القرار الذي تنشره المفكرة القانونية يعتبر من بين القرارات القليلة التي تتعرض لإشكالية التمييز في مجال الشغل بسبب السنّ. وكان لافتا التعليل الذي اعتمدته المحكمة حينما اعتبرت أن فصل العامل بلعد سنوات من بلوغه سن التقاعد يعتبر فصلا تعسفيا، لأن مدونة الشغل حدّدت سنّ التشغيل الأدنى من دون أن تحدد السن الأقصى لقبول تشغيل الأجراء.
ملخص القضية
تتعلّق وقائع القضية بأجير تقدم بدعوى أمام المحكمة الابتدائية يعرض فيها بأنه يشتغل كمستخدم في احدى الشركات بموجب عقد غير محدد المدة، وتفاجأ بالشركة المدعى عليها تقوم بإنهاء عقد عمله بشكل فجائي، ملتمسا الحكم عليها بأداء التعويضات المستحقّة عن الطرد التعسفي. وأجابت الشركة المدعى عليها بأن المدعي هو أجير يعمل بالشركة، وأنه من مواليد سنة 1946، وأنه بناء على مقتضيات المادة 526 من مدونة الشغل فإنه يحال وجوبا على التقاعد ببلوغه سن 60 سنة، وبالتالي تتوقف علاقة الشغل النظامية مع مشغلته بقوة القانون، ملتمسة رفض الطلب. وبناء على إحالة القضية على جلسة الحكم، استجابت المحكمة الابتدائية لطلب المدعي واعتبرت أن فصله عن العمل تمّ بشكل تعسفي، وأيّدت محكمة الاستئناف هذا الحكم، فتقدمت الشركة بطلب لنقض الحكم أمام محكمة النقض بعلة انعدام الأساس القانوني ونقصان التعليل، لكون المدعي قد بلغ سن التقاعد مما يجعل علاقة الشغل النظامية مع الشركة تتوقف بقوة القانون خاصة وأن الدعوى التي تقدّم بها أمام المحكمة رفعت بعد مرور 12 سنة من بلوغه سن التقاعد.
موقف المحكمة
أيدت محكمة النقض القرار الاستئنافي معتبرة أن الأجير فصل تعسفيا، معتمدة على العلل التالية:
- إن اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 111، بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة الصادرة سنة 1958، والمصادق عليها من طرف المغرب 03/07/1963، تعتبر في الفقرة الأخيرة من المادة 5 منها إنهاء العلاقة الشغلية بسبب السن تمييزا في العمل؛
- – أن مدونة الشغل لئن كانت قد حددت السن الأدنى للتشغيل بمقتضى المادة 143، فإنها بالمقابل لم تحدد السن الأقصى لقبول تشغيل الأجراء؛
- أن الشركة المدعى عليها أكدت أنها استمرت في تشغيل الأجير المدعي إلى غاية سنة 2018 رغم بلوغه سن التقاعد سنة 2006، وأن قبول الشركة استمرار الأجير في العمل رغم بلوغه سن التقاعد المنصوص عليه في المادة 526 من مدونة الشغل يسقط حقها في التمسك بهذه المادة؛
- أن الشركة لم تُدلِ بما يفيد إحالة المدعي على التقاعد واستفادته من راتب الشيخوخة.
وعليه، قضت محكمة النقض برفض طلب النقض وتأييد القرار الاستئنافي الذي اعتبر فصل الأجير عن العمل بسبب بلوغه سن التقاعد فصلا تعسفيا موجبا للتعويض إعمالا لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 111 بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة.
تعليق على الحكم
يعتبر هذا الحكم من بين التطبيقات القضائية النادرة التي تستند في تعليلاتها على الاتفاقيات الدولية وبالأخص اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 111 بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة التي صادق عليها المغرب.
تثير هذه القضية ممارسة شائعة في مجال التشغيل حيث تعمل عدد من الشركات على تشغيل أجراء بعد بلوغهم سن التقاعد، وفي حالة رغبة الشركة إنهاء علاقة العمل بشكل انفرادي تتمسك ببلوغ الأجير لسن التقاعد، مما يجعل وضعية الأجراء المتعاقدين في هذه الحالة هشة لكونهم معرضين للفصل في كل وقت، وهي وضعية قانونية تختلف عن ممارسة أخرى شائعة وهي استمرار بعض الشركات والمعامل في تشغيل أجراء يعملون معها رغم بلوغهم سنّ التقاعد، حيث تنص المادة 526 من مدونة الشغل على أن ” كل أجير بلغ سن الستين يجب أن يحال على التقاعد، غير أنه يمكن الاستمرار في الشغل ، بعد تجاوز هذه السن، بناء على قرار تتخذه السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، بطلب من المشغل وبموافقة الأجير”. وتضيف أنه: “تؤخر الإحالة إلى التقاعد إلى تاريخ اكتمال مدة التأمين بالنسبة إلى الأجراء الذين لم يكونوا عند بلوغهم سن التقاعد قد قضوا فترة التأمين المحددة في قانون الضمان الاجتماعي”.
أقرّت محكمة النقض مبدأ جديدا مفاده أن قبول الشركة استمرار الأجير في العمل رغم بلوغه سن التقاعد المنصوص عليه في المادة 526 من مدونة الشغل يسقط حقها في التمسك بهذه المادة لاحقا، وهو مبدأ يروم أساسا تقوية المركز القانوني للأجراء وحمايتهم من الفصل التعسفي الذي قد يأخذ صورا مقنعة من قبيل الاستناد الى بلوغ الأجير سن التقاعد والحال أن تشغيله تم بعد بلوغه هذا السن.[2]
من المأمول أن يسهم نشر هذا الحكم في إصباغ حماية أكبر للأجراء من الطرد التعسفي وتشجيع الاستناد على مضامين اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 111 وباقي الاتفاقيات الدولية المصادق عليها والتي تسمو على القانون الداخلي.
للاطّلاع على القرار، إضغطوا هنا
مواضيع ذات صلة
الرباط: صرخة أجيرة في قضية شغل
محكمة النقض بالمغرب تتوسع في تعريف “الإضراب التعسفي”
حقوقيون ينتقدون الإجراءات التمييزية ضد عاملات المطاعم والحانات في المغرب
صناعة الإحباط في قصور العدل: الأجراء والأجيرات ضحايا ممارسات الذلّ
“أوديسة” عمالية في قصور العدل: قضاء العمل كما تعيشه الأجيرات والأجراء
احترام صاحب العمل يقابله احترام العامل: احتجاز حرية العمّال ولو لساعة يشكّل جرماً جزائياً
أبعد من التعويض: لماذا ما زال الأجراء يذهبون إلى مجالس العمل؟
أين ربيع العمّال في زمن الإنهيار؟
[1] قرار محكمة النقض عدد 40 في الملف الاجتماعي عدد 800/5/1/2021 صادر بتاريخ 18/01/2022.
[2] أنظر لمزيد من التفاصيل:
-بشرى العلوي: الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، طبعة 2007.
-علاقات الشغل بالمغرب دراسات وتعاليق على ضوء النص التشريعي والتوجهات القضائية والفقهية، اصدار خاص لمجلة العلوم القانونية، العدد الثالث، 2015.