بتاريخ 08 أبريل 2025 أصدرت محكمة النقض بالرباط قرارا[1] قضى بأحقية الطلبة الذين تقدموا بطلب التسجيل وأداء مصاريف التمدرس، بالتراجع عن طلبهم واسترجاع ما دفعوه من أقساط، وذلك ضمن أجل سبعة أيام من تاريخ قبول العرض إعمالا للمادة 36 من القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك.
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى تاريخ 05 أبريل 2021 حينما تقدمت طالبة بمقال افتتاحي للدعوى أمام المحكمة الابتدائية بالرباط، تعرض فيه أنه قد تمّ قبول ملفّها للتسجيل في إحدى الجامعات الخاصة لمتابعة دراستها في مجال الطبّ، ومن أجل ذلك قامت بتاريخ 06 غشت 2020بأداء مبلغ 100.000 درهم (حوالي 10 آلاف دولار) كمصاريف التمدرس لسنة كاملة، إلا أنها وبتاريخ 11 غشت 2020، تراجعت عن قرارها في متابعة دراستها لدى الجامعة الخاصة المذكورة، وراسلت إدارة الجامعة لإخبارها بذلك، مع مطالبتها باسترجاع المبالغ المؤداة. إلا أن الجامعة رفضت إرجاع مبلغ القسط السنوي.
وأدلت إدارة الجامعة بمذكّرة جوابيّة أكّدت فيها على عدم أحقيّة الطالبة المدعية في استرجاع القسط السنوي، لأنها اطلعت على الشروط العامّة الخاصة بالتسجيل، المبينة في موقعها الإلكتروني، وتوصلت بها ووقعت على دفتر دليل التسجيل، مما يجعل مطالبتها مخالفة للفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود الذي يكرس مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، ومخالفة للفصل 71 من نفس القانون الذي ينص على أنّه لا محل لاسترداد ما دفع لسبب مستقبل لم يتحقق إذا كان الدافع يعلم عند الدفع استحالة تحقّق هذا السبب، أو كان هو نفسه قد حال دون تحققه، والتمست الجامعة رفض الطلب.
موقف القضاء
بتاريخ 28 يوليوز 2021 أصدرت المحكمة الابتدائية بالرباط حكمها القاضي بالاستجابة للطلب وإرجاع الجامعة الخاصة في شخص ممثلها القانوني للمدعية المبلغ المؤدّى الذي يمثل واجب الدراسة السنوي.
وهو الحكم الذي استأنفته الجامعة وتم تأييده من طرف محكمة الاستئناف بالرباط .
حيث اعتمدت المحكمة الابتدائية على العلل التالية:
- إن العقد الذي يربط الطرفين هو عقد تدريس جامعي خصوصي تلتزم بموجبه الجامعة الخصوصيّة بأن تقدّم خدمة تعليميّة طيلة المسار التعليمي للطالب مقابل أن يؤدي هذا الأخير واجب هذه الخدمة.
- لما كانت الغاية من سن قانون 31.08 المتعلق بتدابير حماية المستهلك هي وضع قواعد تشريعية تحمي عموم المستهلكين من جور وظلم المهنيّين، فإنّه لا يوجد ما يمنع قانونًا من تمديد أحكامه ليسري على عقود التعليم الجامعيّ الخصوصيّ كعقد غير مسمّى، ولا سيما أن المشرع المغرّبي من جهة لم يشمله بأي تنظيم أو تقنين، وطالما أن القانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي لم يولِ عناية خاصة بحقوق والتزامات مستهلكي الخدمات الجامعية الخصوصية من جهة أخرى.
- من المعلوم أن القواعد العامة (ظهير الالتزامات والعقود) جاءت لتكريس قواعد تقليدية قائمة على مبدأ “سلطان الإرادة” و”مبدأ القوة الملزمة للعقد”، وقد أصبحت متجاوزة بفعل التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية، ولا تسعف في إقرار حماية حقيقية لمستهلك الخدمات المعاصرة، فيكون من باب أولى توسيع نطاق هذا القانون لكي يسري على عقود التدريس الجامعيّ الخاصّة، سيّما وأن قانون الاستهلاك المغربي لم يقتصر على تنظيم العلاقة بين المستهلك والمهنيّ في ما يخصّ السلع والبضائع وإنما جاء لحماية مستهلك الخدمات أيضا، ومصطلح الخدمات الوارد في المادة الأولى من ذات القانون جاء على إطلاقه ومن المعلوم أن اللفظ المطلق يبقى على إطلاقه ما لم يرد ما يقيّده، ومن ثمّ فإنه إذا كانت المدعى عليها شخصا معنويا يتصرف في إطار نشاطه المهني والمدعي كمستهلك عادي يتعاقد قصد تلبية حاجياته الشخصية، فإن مقومات إعمال قانون حماية المستهلك تكون متوفرة في نازلة الحال، ودفع المدعى عليه مردود.
- لما كان من البيّن من وثائق الملفّ ولا سيما دليل الطالب أنّ المهني (المدعى عليها) هو من ينفرد بوضع العقد وتحضيره بشكل سابق على أيّ مفاوضات خاصّة بالعقد فضلًا عن وجود تفوّق اقتصادي كبير يجعله يتمتع بسلطة فرضه على المتعاقد الأخر، في مقابل ضعف المركز الاقتصادي للطرف الثاني المستهلك الذي لا حول له ولا قوة غير الخضوع والإذعان لشروطه المذكورة، فإن العقد تبعا لذلك لا يمكن أن يكيّف إلا على أنه من قبيل عقود الإذعان، سيما وأن الفقه والقضاء الحديث المقارن أصبح يرى أنّ اللامساواة في القوة الاقتصادية في عقد الإذعان ليس من الضروري أن تكون نتيجة احتكار أو حتّى قوّة اقتصاديّة ضخمة، وإنما مجرد عقد مبرم بين مهني وغير مهني، ولا مجال للاعتداد والقول بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، لأن الواقع يشهد أنّه لا تفاوض ولا مناقشة لبنود وشروط العقد وإنما هو محض إملاء أحادي الجانب لا مجال للتفاوض فيه.
- إن تضمين دليل المرشّح شرط عدم جواز إرجاع مصاريف التّكوين ينطوي على اختلال فاحش وكبير في حقوق وواجبات طرف العقد، طبقا للمادة 15 من القانون المذكور التي تنص: “يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك”، ولا يمكن أن يفسّر هذا الشرط إلا على أنه شرط تعسفيّ، فقد جاء في البند الخامس عشر من المادة الثامنة عشر من نفس القانون: تعتبر شروطًا تعسفية، إذا كانت تتوفر فيها شروط المادة 15، ويكون الغرض منها إلزام المستهلك بالوفاء بالتزاماته ولم يفٍ المورد بالتزامه، ومن ثم فإن احتفاظ المدعى عليها بواجبات التكوين المؤداة من قبل المدعي، والحال أنها لم تؤدّ أي خدمة تعليمية هو شرط تعسفي بالعقد وجب إلغاؤه.
- يكون من حق المستهلك ان يختار الحلول الأنسب له ولظروفه، وإلّا ما كان للمشرّع أن ينظم الحق في الرجوع كأحد الحقوق المستجدّة التي راهن عليها المشرع المغربي في ديباجة قانون 31.08. ويعرف الحقّ بالرجوع بأنه:”وسيلة قانونية يسمح بمقتضاه المشرع للمستهلك في أن يعيد النظر من جديد من جانب واحد في الالتزام الذي ارتبط به”، ومن ثم، فإنّ هذا الحق هو تمرّد على القواعد العامة لكون العلّة من التنصيص عليه هو حماية المستهلك الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية بالنظر للفوارق الاقتصادية بينه وبين المهني.
وعليه خلصت المحكمة الابتدائية الى أن تراجع المدّعية عن رغبتها في التسجيل بالجامعة المدّعى عليها داخل أجل 07 أيام من تاريخ دفعها لمبلغ القسط السنوي، تكون معه قد مارست حقها الذي يكفله قانون حماية المستهلك في التراجع داخل الأجل القانوني، مما يكون معه طلبها مبررا ويتعين الاستجابة له.
التعليق على القرار
تكمن أهمية القرار الذي تنشر المفكرة القانونية حيثياته في أنه يقرّ مبدأ خضوع عقود التعليم الجامعي الخصوصي للقانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك، الذي جاء بقواعد تشريعية عامة تحمي المستهلكين بصفة عامة ودون تخصيص، كما أنه نص في ديباجته على أن من بين الحقوق الأساسية للمستهلك الحق في التراجع، الذي يبقى من حقه ممارسته داخل أجل سبعة أيام، وذلك طبقا للمادة 36 من قانون حماية المستهلك، وذلك من دون الحاجة إلى تبرير ذلك.
يعتبر هذا القرار من بين التطبيقات القضائية النادرة للحق في التراجع المنصوص عليه في قانون حماية المستهلك والذي يبقى غير معروف لدى عموم المتقاضين، حيث أكدت المحكمة على أن الشرط المعتمد عليه من طرف الجامعة لعدم إرجاع المبالغ المؤدّاة لها مقابل التمدرس خلال السنة الدراسية، يعتبر شرطًا تعسفيّا ما دام أنه يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المدعية، وهي أمور تدخل في نطاق النظام العام. معتبرة أن التمسك بمبدأ سلطان الإرادة وعدم تساوي الأفراد في الإرادة والتفاوض، له أثر على اختلال التوازن العقدي[2].
وكان لافتا أن المحكمة اعتبرت أن قانون حماية المستهلك يرجح عن القواعد العامة الواردة في قانون الالتزامات والعقود، معتبرة وبشكل واضح أن قاعدة العقد شريعة المتعاقدين لا يمكن إعمالها على إطلاقها في بعض العقود وخاصة المتعلقة بمستهلكي الخدمات الجامعية الخصوصية بسبب وجود تفوّق اقتصادي كبير بين المتعاقدين بحيث تتمتع إدارة الجامعة الخاصة بسلطة فرض الشروط على المتعاقد الأخر، في مقابل ضعف المركز الاقتصادي للطرف في العقد مما يجعله عقد إذعان.
من المأمول أن يسهم نشر هذا الحكم القضائي في التعريف بالحق في التراجع كأحد أهم الحقوق المكفولة في قانون حماية المستهلك.
مواضيع ذات صلة
انتصار جديد لحماية المستهلك بالمغرب: عدم قبول دعوى مؤسسة بنكية نتيجة عدم إغلاقها للحسابات البنكية المهملة
تطبيق فريد لقانون حماية المستهلك في المغرب: توقيف دفع أقساط قرض على خلفية الطرد من العمل
المحكمة التجارية بفاس تستعين بقانون حماية المستهلك لحماية المقترضين من الشروط التعسفية للبنوك
قرار مبدئي لمحكمة النقض بالمغرب: القروض البنكية مشمولة بعقود التأمين على الحياة
مشروع تعديل قانون المسطرة المدنية في المغرب: إشكاليات تمسّ حقوق الدفاع وولوج الفئات الهشّة الى العدالةوسم الباكالوريا لا تموت دفاعا على حق التعليم العالي للجميع في المغرب
[1] قرار محكمة النقض عدد 240، في الملف عدد 6694/1/2/2022، صادر بتاريخ 08/04/2025.
[2] أنظر المواد 15 و19 و20 من قانون رقم 31.08.