يسمح نظام السجون التونسية لعائلات المساجين بتموينهم بجزء مما يحتاجون إليه من مأكولات وملابس وأدوات نظافة في إطار ما يصطلح في الوسط الشعبي على تسميته “بالقفة”. ويندرج هذا الحق وفق نص القانون في خانة “الحفاظ على علاقة السجين بوسطه الأسري”. لكنه فعليا وبسبب نقص الموارد المالية للسجون واكتظاظها، فهو يستحيل إلى نظام يقسم عبء إعالة نزلائها بين أسرهم وإدارتها[1].
وفي هذا الصدد، لاحظت أسرة متهم يهودي الديانة مودع بالسجن المدني بتونس على ذمة قضية تحقيقية لهذا النظام، أن المعتقد الديني لابنها يحجر عليه تناول مأكولات لم تكن “كاشير”[2] أي لم تطبخ وفق تعاليم دينه وأن السجن يعجز عن توفير هذا الصنف من المأكولات لفائدته. وعليه، وافق قاضي التحقيق في تونس المتعهد بالقضية بناء على طلبها الترخيص لها استثنائيا بزيارته خارج أوقات الزيارة بغاية الإعالة اليومية للموقوف بما يلائم دينه. وقد عكس هذا القرار تطورا نوعيا في تصور حقوق السجين الدينية.
لم يتعرض قانون السجون التونسي لحقوق السجين الدينية، وكانت من المؤاخذات التي توجه للسجون التونسية قبل الثورة انتهاكها لهذا الحق. أما بعدها، فقد تم الالتزام بتخويل عموم المساجين حقهم الديني على مستوى شعائر الصلاة ومن خلال التثقيف الديني فيما تعلق بالمساجين المسلمين منهم[3]. وعليه، يعكس الاعتراف بحق المساجين بالتقيد بما تفرضه عليهم دياناتهم تطورا في تصور الحق الديني للسجين. وعليه، يفرض هذا المبدأ على المؤسسة السجنية أن تلتزم بما تقدمه من وجبات غذائية بمعتقدات السجين[4]. كما يفرض عليها في حال عجزها عن ذلك، تخويل من لهم حق التواصل معه في الاضطلاع بتحقيق حاجته تلك. ويلائم هذا التطور في التصور والممارسة ما تفرضه المعايير الدولية المتعلقة بحقوق المساجين من وجوب “احترام المعتقدات الدينية والمبادئ الثقافية لهم في معاملتهم”[5]. كما يؤكد على أن الحق في الأكل يجب أن يراعي تلك المعتقدات.
[1] ينص الفصل 17 من القانون عدد 52 لسنة 2001 مؤرخ في 14 -05-2001 الذي يتعلق بنظام السجون على أنه ” لكل سجين الحق في .. مجانية التغذية.… توفير مستلزمات الحلاقة والنظافة وفق التراتيب الجاري بها العمل.…فيما ينص الفصل 18على أنه للسجين الحق في الحفاظ على الروابط العائلية والاجتماعية وذلك…. بتلقي المؤونة والطرود والملابس التي ترد عليه من أهله.
[2] تفرض الديانة اليهودية على معتقديها أن يلتزموا في مأكلهم بضوابط معينة تخص إعداد الطعام و تسمى المأكولات التي تحترم هذه المعايير مأكولات كاشير أي مأكولات حلال
[3] يراجع تقرير “السجون التونسية بين الواقع والمعايير الدولية ” من إعداد المفوضية السامية لحقوق الإنسان
[4] تنص المادة 20 من قواعد النموذجیة الدنیا لمعاملة السجناء على أنه” توفر الإدارة لكل سجین ، في الساعات المعتادة وجبة طعام ذات قیمة غذائیة كافیة للحفاظ على صحته و قواه ، بحیث تكون جیدة النوعیة وحسنة الإعداد و التقدیم وتوفر لكل سجین إمكانیة الحصول على ماء صالح للشرب كلما إحتاج إلیه “ تساعد القفة ادارة السجون على تغطية حاجيات المساجين بما تكون معه أداة تغطية عن عجزها –
[5] المادة الثالثة من المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء المعتمدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عدد 111 المؤرخ في 14-12-1990 والمصطلح على تسميتها بمبادئ نيلسون منديلا
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.