قرار قضائي بتخفيف الطابع القمعي لقانون الانتخابات


2022-03-31    |   

قرار قضائي بتخفيف الطابع القمعي لقانون الانتخابات

برّأت محكمة المطبوعات في بيروت إذاعة صوت لبنان من مخالفة قانون الانتخابات أثناء حملة الانتخابات النيابية في 2018. صدر القرار عن محكمة المطبوعات المكوّنة من ناديا جدايل (رئيسة) والمستشارتين هبة عبدالله وأماني مرعشلي. وكانت النيابة العامة في بيروت ادّعت بناء على إحالة وردتْها من هيئة الإشراف على الانتخابات ضدّ الإذاعة على خلفيّة تهجّم النائب قاسم الهاشم من خلالها على الوزير السابق جبران باسيل؛ بحيث نعت إياه ب “وزير الفتنة” متعرضا لكلّ من يدور في فلكه. وقد استندت الدعوى على قانون الانتخابات 2017 وبالأخص المادة 74 والتي تحظر على وسائل الإعلام “التشهير أو القدح أو الذم وأو التجريح بأي من اللوائح والمرشحين”. وردا على هذا الادعاء، أدلتْ الإذاعة دفاعا عن نفسها بأن المحاور حاول ردع المتحدث عن إبداء أي تصريح على الهواء في هذا الخصوص، من دون أن تقدّم أيّ إثبات على ذلك. يُضاف إلى ذلك أن النيابة العامة ادّعت خطأ بمخالفة قاعدة الصمت الانتخابي، طالما أن الحديث المدّعى به تم في نيسان 2018 وذلك خارج فترات الصمت الانتخابي. 

وبعدما سجلت محكمة المطبوعات أنه لم ينهض من أوراق الدعوى أن الإذاعة “لم تتخذ التدابير الآيلة إلى منع حدوث التصريح أو مواصلة الإدلاء به، وفقا لما تفرضه الطبيعة الخاصة للموجبات الملقاة عليها” و”أنه من غير المتصوّر عادة وفي إطار البثّ المباشر أن يتوقع أيّ محاور ما ستكون عليه ردّة فعل ضيفه لدى طرح الأسئلة عليه، نظرا إلى عنصر المفاجأة الذي تتميّز به هذه البرامج بشكل عام”، انتهت إلى إعلان براءة الإذاعة في ظل الشكّ في مدى ثبوت إهمالها للموجبات الملقاة عليها.
هذا الحكم يستدعي الملاحظات الآتية:

  • تفهم صعوبات البرامج السياسية المباشرة

إنّ القرار يستعيد توجها سابقا لمحكمة المطبوعات من شأنه حماية البرامج السياسية المباشرة، والحؤول دون تحميل الوسائل الإعلامية مسؤولية كلّ ما يقوله أحد ضيوف هذه البرامج طالما أنه ليس بإمكانه توقع ما سيقوله. هذا التوجّه يقوم على تمكين وسيلة الإعلام المعنية التبرؤ من أي مسؤولية من خلال إثبات أنها سارعت إلى التدخل لوقف التعرّض الجرمي من ضيفها ضد أشخاص آخرين[1].

  • افتراض حسن النية لدى الوسيلة الإعلامية وتحريرها من عبء إثباتها

لم تكتفِ المحكمة بما تقدّم، إنما ذهبت أبعد من ذلك في اتجاه سعي واضح منها لتضييق نطاق جرائم الإعلام المرتكبة خلال الانتخابية. فأن تبثّ الإذاعة حديثا تعرّض فيه أحد ضيوفها لأحد المرشحين لا يكون وفق المحكمة جرميا إلا إذا أثبتت النيابة العامة أن الإذاعة قد أرادت فعليّا بثّ مادة كهذه أو أنها لم تفعل شيئا لردع ضيفها عن ذلك. بمعنى أن توفّر حسن النية لدى الوسيلة الإعلامية يكون مُفترضا من قبلها، فلا يتم تجريمها إلا إذا وردت معطيات تثبت أنها ليست كذلك. وهي بذلك عمدتْ ضمنا إلى نقل عبء الإثبات من الوسيلة الإعلامية إلى النيابة العامة، بما يضيق مجال التجريم ويعزّز من حماية البرامج المباشرة. لكن، يبقى من المشروع التساؤل في ما إذا كانت المحكمة ستعتمد توجهها الجديد هذا فقط في الجرائم الانتخابية المحالة أمامها أم أنها ستعمّم العمل به على جميع الجرائم التي قد ترتكب في إطار مجمل البرامج المباشرة. هذا ما لا يمكن الجزم به.

  • قرار يمهد لتوسيع فضاء انتقاد المرشحين لتمثيل الشعب

أخيرا، يجدر القول بأنّ موقف المحكمة يضيئ على عدم دستورية قانون الانتخابات، والذي يبدو منافيا لمبادئ الحرية المكرسة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. هذا الأمر يتأتى من النصوص القمعية التي وردت في هذا القانون حيال أيّ تعرض للمرشّحين واللوائح وهي نصوص تحدّ من إمكانية تنوير المواطنين حول هوية وسيرة من يطلبون تمثيلهم وتقلل تاليا من ديمقراطية العملية الانتخابية. من هذه الزاوية، يمهد هذا الحكم لنقض أحكام هذا القانون لتعارضها مع العهود الدولية.

لتحميل القرار


[1]    نزار صاغية ونائلة جعجع ورنى صاغية، أعمال الرقابة قانونا، 2011، ص. 72. 

انشر المقال



متوفر من خلال:

محاكم إدارية ، أحزاب سياسية ، قرارات قضائية ، حرية التعبير ، دستور وانتخابات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني