بتاريخ 06 يونيو 2024 أصدرت المحكمة الإدارية بوجدة (شرق المغرب) حكما قضى باستثناء المحامين من تطبيق نظام التأمين الإجباري الأساسي على المرض الخاص بالعمال غير الأجراء، وذلك لخضوعهم لنظام التأمين الصحي الخاص بالمهنة. أهمية الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية تبرز في أنّه يعيد إلى الواجهة إشكالية تفعيل التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، والذي شرعت الحكومة المغربية في تنزيله في إطار الجهود الهادفة إلى إصلاح أنظمة الحماية الاجتماعية، حيث تمّ إدماج المحامين ضمن الفئات التي يطبّق عليها هذا النظام رغم خضوعهم لتأمين خاصّ بالهيئة.
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى تاريخ 24 أبريل 2024 حينما تقدم محامٍ بدعوى أمام المحكمة الإدارية بوجدة يعرض فيها بأنه توصّل مؤخّرا بإشعار من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لأداء مبلغ قدره 6458 درهم الناتج عن استفادته من خدمات التأمين الصحي الاجباريّ الخاصّ بالعمال غير الأجراء على أساس المعطيات المتبادلة بين الصندوق وباقي الإدارات، وأضاف أنه بمجرد التوصل بهذا الاشعار بادر إلى مكاتبة الصندوق لطلب التشطيب على اسمه من لائحة المسجلين في خدمات هذا التأمين الصحي، وإشعاره بوقوع خطأ مادي في المعطيات التي سلّمت للصندوق لكونه ليس أجيرا ولا فلاحا، ولا يملك أي قطعة زراعية، موضحا أن المعطيات التي استند عليها الصندوق استقاها من ملف الدعم الفلاحي المقدم من طرف وزارة الفلاحة باعتباره نائبا شرعيا عن بناته القاصرات، وأنه يمارس مهنة المحاماة ولديه تأمين خاص تابع لهيئة المحامين التي ينتمي اليها.
وأدلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بمذكرة جوابية بواسطة دفاعه، أفاد فيها أن المعطيات التي اعتمد عليها أسّست على معلومات صحيحة تمّ الحصول عليها من طرف مؤسسة عمومية، في إطار تبادل المعطيات بين الصندوق وبين باقي الإدارات. وبخصوص ما دفع به المدعي من أنّ الدعم الذي سبق وأن استفاد منه من طرف وزارة الفلاحة، كان بصفته نائبا شرعيا عن بناته القاصرات وليس بوصفه محامٍ. فقد أكّد الصندوق أن ما دفع به المدعي بهذا الخصوص لم يمنعه دون تسلم مبلغ الدعم الاجتماعي المقدم من طرف وزارة الفلاحة إلى المهنيّين الفلاحين.
والتمس الصندوق رفض الطلب لأن الواجبات المالية المطالب بها أسست على معطيات صحيحة صادرة عن مؤسسة عمومية لم يطعن فيها بأي وسيلة من وسائل الطعون القانونية.
موقف المحكمة
تأسست الدعوى المرفوعة إلى أنظار المحكمة الإدارية على وسيلة وحيدة وهي مخالفة إجراءات التحصيل للقانون بفرضها على شخص غير معني بها، لكون المحامون يخضعون لتأمين خاصّ بهم تابع لهيئة المحامين ولا يخضعون لنظام التأمين الإجباريّ الأساسيّ على المرض الخاصّ بالعمّال غير الأجراء.
وقد استجابت المحكمة لطلب المدعي معتمدة على العلل التالية:
- إن الطعن المقدّم من طرف المدعي أمام القضاء من شأنه أن يبسط الرقابة القضائية على صحة الوقائع والمعطيات المعتمدة من طرف الإدارة من أجل فرض الواجبات المستحقة لفائدتها؛
- تبين للمحكمة أن الأمر بالتحصيل الصادر عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بتاريخ 15/01/2024 بخصوص مبلغ 6458 درهما يتعلق بالتسجيل بنظام التأمين الاجباري الأساسي على المرض الخاص بالعمال غير الأجراء في حين أن المدعي لا يدخل ضمن زمرة هؤلاء العمال باعتباره محاميا لدى هيئة المحامين بوجدة، حسب الشهادة المدلى بها من طرف نقيب هيئة المحامين، وهو يبقى خاضعا لنظام التأمين الصحي الخاص بفئة المحامين؛
- إن الدين المطالب به اعتمد على معطيات “خاطئة” توصّلت بها الجهة المدعى عليها من قبل وزارة الفلاحة وقد جاءتْ فيه “مغالطة” واضحة على اعتبار الضيعة موضوع المبالغ المطالب بها هي في اسم البنات القاصرات للمدعي حسب الثابت من شهادة الملكية العقارية المستدلّ بها ومن ثم، فإن المعني بأداء هذه المبالغ المستحقة لفائدة الصندوق هن البنات القاصرات وليس المدعي، مما يجعل الأمر بالتحصيل الصادر في حق هذا الأخير صادرا في مواجهة غير ذي صفة، ومن ثم تكون الواقعة المنشئة للمطالبة بالدين منعدمة، والطلب الرامي إلى الغائها يبقى مرتكزا على أساس قانوني سليم ويتعين الاستجابة اليه.
وعليه قضت المحكمة الإدارية بوجدة بإلغاء المقرر الصادر عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المتضمن لمبلغ 6458 درهما بتاريخ 15/01/2024 مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك وتحميل الصندوق صائر الدعوى.
تعليق على الحكم
تكمن أهمية هذا الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية في كونه يعيد إلى الواجهة إشكالية تنزيل نظام التأمين الإجباري الأساسيّ عن المرض، الخاصّ بفئات المهنيين والعمال المستقلّين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، حيث شرعت الحكومية المغربية في تطبيق الإجراءات الكفيلة بتنزيل هذا النظام في إطار إصلاح أنظمة الحماية الاجتماعية، كما شرعت في تفعيل تبادل المعطيات الموجودة في حوزة عدد من الإدارات والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بهدف تحصيله لأقساط التسجيل من طرف المهنيين المعنيين. وكانت التعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب قد أبدت تحفّظها إزاء تطبيق هذا النظام الجديد على المحامين باعتبارهم يستفيدون من تأمين إجباري في إطار هيئاتهم، وأصدرت مذكّرة ترافعية موجّهة إلى رئيس وأعضاء جمعية هيئات المحامين بالمغرب، اعتبرت فيها أن “القانون الإطار رقم 98.15 والمقتضيات القانونية التي جاء بها تشكل تهديدا لوجود التعاضدية وتراجعا قد يمس الحق في الصحة بالنسبة لعموم المحاميات والمحامين، أمام وجود حق مكتسب يضمنه انخراط هؤلاء في تعاضديتهم المؤسسة منذ أزيد من اثنتي عشرة سنة”.
وعلّلت التعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب مخاوفها بكون القانون الإطار رقم 98.15 المتعلّق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا صدر “في غياب أي مقاربة تشاركيّة مع الهيئات التمثيليّة للمحاميات والمحامين”، كما أن إدراج المحامين ضمن الأصناف الفرعية المعنية بتطبيق القانون الإطار المذكور عليهم فيه خرق للقانون المنظم لمهنة المحاماة، “بفرضه الوصاية على الهيئات، وسلب استقلاليتها والتعدّي على اختصاصاتها”، مشيرة إلى ما تنص عليه المادة 10 منه، والتي تلزم الهيئات المهنية بموافاة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالمعلومات المتوفرة لديها المتعلقة بكل شخص تابع للهيئة، تحت طائلة عقوبات مالية في حال عدم تقيد الهيئات بهذه المقتضيات. مبرزة أن مجالس هيئات المحامين هي التي تختص بإنشاء وإدارة المشاريع الاجتماعية لفائدة المحامين وأسرهم.
كما سبق للمحامين أن انتقدوا أيضا الطريقة التي تقرر بها احتساب المساهمات التي سيؤديها المستفيدون من التغطية الصحية الإجبارية، لكونها: “ستكون جد مرتفعة، ولن يكون بمقدور لا عموم المحاميات والمحامين من جهة، ولا هيئات المحامين من جهة أخرى الوفاء بها، خصوصا أن هذه التحملات لا يقابلها أي مكسب إضافي، على اعتبار أن نظام التعاضدية يحقق امتيازات تفوق بكثير النظام المقترح“.
مواضيع ذات صلة
محكمة النقض بالمغرب تفصل في الطبيعة القانونية لمهنة المحاماة
محكمة مراكش تبطل قرار “تمليك مهنه المحاماة”
بوادر مواجهة بين إدارة الضرائب والمحامين الشباب بالمغرب
قرار قضائي بالمغرب يمنع الحجز على أموال هيئة المحامين
مقترح قانون حول مهنة المحاماة في المغرب: وحدة المهن القانونية لا تقنع الجميع
عشــرون مقترحــا من أجل قانون حديث لمهنة المحاماة بالمغرب
المحاماة تنتخب هياكلها في المغرب: تغييب النساء المحاميات من يعيد مطلب تقنين الكوتا إلى الواجهة
واجبات الإنخراط في المحاماة تصل مستويات هائلة في المغرب: حين تصبح مهنة المحاماة حكرا على الفئات الميسورة