بتاريخ 20 سبتمبر 2023 أصدرت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط قرارا مبدئيا بتأييد حكم ابتدائي قضى بأداء إدارة الدفاع الوطني لفائدة أحد ضحايا الألغام تعويضا ماليا.
أهمية القرار الذي تنشره المفكرة القانونية تكمن في كونه يكرس حق ضحايا الألغام في الحصول على تعويض من الدولة في إطار نظرية المخاطر، دون الحاجة لإثبات خطأ، كما أنه يمدد أمد التقادم في دعاوى المسؤولية التقصيرية الناجمة عن الأضرار اللاحقة بضحايا الألغام .
ملخص القضية
تتعلّق وقائع القضية بدعوى تقدّم بها أحد الأشخاص أمام المحكمة الإدارية بالرباط يعرض فيها أنه تعرّض بتاريخ 31/10/1990 لأضرار بدنية جسيمة على إثر انفجار لغم بالمكان المسمى “النويمسة خنيك الرملة”، وأن مسؤولية الدولة قائمة على أساس المخاطر. وعليه، التمس الحكم له بتعويض مسبق قدره 2500 درهم، وإجراء خبرة طبية لتحديد ما لحقه من أضرار واصابات. وأثار الوكيل القضائي دفعا بانتفاء مسؤولية الدولة، لأن انفجار اللغم لا يعني أنه من وضع الدولة، خاصة أن المنطقة المذكورة عرفت عمليات حربية، وأن الألغام وضعت من قبل العدو، ملتمسا رفض الطلب.
وبعد أمر المحكمة الإدارية بإجراء خبرة طبية، قضت بأداء الدولة في شخص إدارة الدفاع الوطني لفائدة المدعي مبلغ 200.000 درهم.
استأنف الوكيل القضائي الحكم الابتدائي بعلة عدم ارتكازه على أساس قانوني سليم، وذلك لكونه قضى للمدعي بمبلغ التعويض رغم سقوط الحق بالتعويض للتقادم بعد مرور زهاء 30 سنة على وقوع الإصابة اللاحقة بالمدعي، رغم أن دعاوى التعويض تتقادم بمرور 15 سنة طبقا للقواعد العامة، فضلا عن فساد التعليل، لكون الأضرار المدّعى بها على فرض ثبوتها تعود لخطأ المدّعي لكونه تواجد في منطقة خطرة، كما أنه لا يمكن تحميل الدولة المسؤولية عن واقعة غير ثابتة وعن حراسة الأماكن التي يحتمل أن تكون خطيرة.
تعليلات القرار الاستئنافي
أيدت محكمة الاستئناف الإدارية الحكم الابتدائي معتمدة على العلل التالية:
- رغم أن قانون الالتزامات والعقود يحدد أجل التقادم بمضي 15 سنة تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم المتضرر الضرر والمسؤول عنه، وتتقادم هذه الدعاوى في جميع الأحوال بمضي 20 سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر، فإنه يشترط لقيام التقادم أن يكون العلم بالضرر والمسؤول عنه ثابتا، ويقينيا، وأن يتوفر في الملفّ ما يفيد علم المدعي بتاريخ وقوع الضرر والجهة المسؤولة عنه؛
- إن مسؤولية أشخاص القانون العام تكون إما مبنية على الخطأ أو بدون وقوع خطأ استنادا إلى نظرية المخاطر التي تجد سندها في مبدأ التضامن والمساواة في تحمل الأعباء العامة، وتوجب التعويض عن الأضرار الحاصلة للمتضررين حتى في انتفاء عنصر الخطأ؛
- إن الألغام أو الرصاصات غير المشخصة تعتبر من المواد الخطيرة التي يقع على الدولة واجب حماية المواطنين من خطرها، وتكون ملزمة بحراسة الأماكن المحتمل أنها موجودة بها، خاصة أنها معنية بحماية سلامة جميع رعاياها فوق التراب الوطني، ومسؤوليتها في هذه الحالة تقوم على أساس المخاطر، وبالتالي لا يكون المتضرر ملزما بإثبات الخطأ، الأمر الذي تتحمل معه الدولة كامل مسؤوليتها عن هذه الحادثة التي تعرض لها؛
- إن تقرير الخبرة التي أمرت بها المحكمة خلص إلى تحديد مدة العجز اللاحق بالمدعي في 45 يوما، ونسبة العجز الجزئي الدائم في 20%، ودرجة الألم في 5/7، ودرجة التشويه في 3/7.
وعليه قضتْ محكمة الاستئناف الإدارية بتأييد الحكم الابتدائي فيما قضى به مع تعديله بحصر قيمة التعويض في مبلغ 112.000 درهما.
تعليق على قرار محكمة الاستئناف الإدارية
يعيد هذا الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية إلى الواجهة إشكالية الألغام الموجودة في بعض المناطق المغربية، والتي تسبّبت في إصابة 388 ضحية، فارق 50 منهم الحياة بين مدنيين وعسكريين، بينما ما تزال فرق متخصصة من القوات المسلحة تعمل على تطهير آلاف الهكتارات وإزالة عدد مهم من الألغام المتبقية من مخلّفات سنوات الحرب.
إثر دخول القانون رقم 04.19 حيز التنفيذ، أصبح بإمكان ضحايا انفجار الألغام الاستفادة من أمد تقادم أطول يصل إلى 15 سنة من أجل طلب التعويض عن الأضرار والاصابات الناجمة عن هذه الانفجارات، إلا أن هذا الأجل لم يمكن جميع الحالات من اللجوء إلى سبل الانتصاف القضائية، خاصة الحالات السابقة لصدور التعديل القانوني والتي يؤدي إخضاعها لأمد التقادم العادي المحدد في خمس سنوات من تاريخ وقوع الفعل الضار إلى سقوط الحق في التعويض.
وفي هذا الإطار، تبرز أهمية قرار محكمة الاستئناف الإدارية حينما رفضت الدفع المتعلق بتقادم الدعوى، حيث أضافت شروطا جديدة لقيام التقادم أبرزها تحقق “العلم بالضرر” و”معرفة المسؤول عن الضرر بشكل ثابت، ويقيني”، فبالرغم من أن المدعي نفسه يعلم طبيعة الضرر اللاحق به، نتيجة انفجار اللغم، إلا أن تقدير هذا الضرر يبقى رهينا بوجود خبرة قضائية تأمر بها المحكمة، فضلا عن أن شرط معرفة الضرر لا يعد لوحده كافيا للقول بانصرام أجل التقادم، بل يبقى مقيدا بتحقق شرط آخر وهو معرفة المسؤول عن الضرر بشكل “ثابت ويقيني”، وقد اعتبرت المحكمة تبعا لذلك بأن “وثائق ملف القضية خالية مما يفيد علم المدعي بتاريخ وقوع الضرر والجهة المسؤولة عنه” مما يحول دون انصرام أجل التقادم المقرر قانونا؛
كان لافتا في هذا القرار القضائي أن المحكمة بنت مسؤولية الدولة عن الضرر اللاحق بالمدعي ضحية انفجار الألغام على نظرية المخاطر، من دون أن تطلب من المدعي تحمل واجب اثبات وقوع الخطأ والضرر والعلاقة السببية، معتبرة أن خطأ الدولة مفترض رغم محاولة دفاع الدولة إثارة كون المنطقة التي عرفت انفجار الألغام هي “منطقة عمليات حربية سابقة، وأن الألغام وضعت من قبل العدو”؛
من المأمول أن يسهم نشر هذا الحكم في تشجيع ضحايا الألغام في اللجوء إلى القضاء، وفي التوعية بمخاطر هذه الآفة، وتجدر الإشارة في هذا السياق إلا أنه بموازاة الجهود المبذولة من طرف السلطات من أجل نزع الألغام، تستفيد ساكنة المناطق المعنية بهذا الموضوع من حملات التوعية المقدمة من طرف الهلال الأحمر المغربي والصليب الأحمر، والتي تهدف إلى الحثّ على الابتعاد عن المناطق المشبوهة المشار إليها بعلامة التشوير “خطر الألغام”، وإلى المنع الكلي من الاقتراب من أيّ جسم غريب يتمّ العثور عليه، مع ضرورة إخبار السلطات العسكرية أو المحلية من أجل التأكد من خطورة هذا الجسم والتخلص منه.
للاطّلاع على قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، إضغطوا هنا
مواضيع ذات صلة
172 مليون متر مربع ملوثة بالألغام والقنابل العنقودية في لبنان: الألغام تقتل أهل عرسال المحررة “يا فرحة ما تمت”
استهداف إسرائيلي ممنهج للرعاة ومراعيهم في جنوب لبنان