أصدر القاضي المنفرد الجزائيّ في المتن هشام القنطار، أمس، قراراً قضى بإبطال التعقّبات بحقّ شخصٍ أدُعي عليه سنداً للمادة 534 من قانون العقوبات، وهي المادة التي تُستخدم عادةً لتجريم العلاقات المثليّة. وتفيد تفاصيل القضية بأنه قد تمّ توقيف شخصٍ من التابعيّة السوريّة كان يقف عند قارعة الطريق مرتدياً ملابس نسائيّة، ثم اقتيد إلى مكتب حماية الآداب للتحقيق معه. هناك، أفاد بأنه “يرتدي الملابس النسائيّة بالنظر إلى ميله الأنثويّ منذ الطفولة” وأنه “كان يقوم بممارسة الجنس مع رجال في سوريا”، بحسب نصّ القرار.
نظراً لأهمية القرار على محاور عدّة، يهمّ “المفكّرة القانونيّة” أن تنشر الحكم مع تعليقٍ أوليّ عليه يضعه في سياقٍ، على أن نخصّص له مقالاتٍ عدّة تقاربه وتفنّده في العدد 39 من المجلة لشهر أيار 2016. تكمن أهمية الحكم في مسألتين أساسيّتين:
– أولاً، من حيث مضمون القرار، لم يكتفِ القاضي بتبرئة المدّعى عليه لعدم وجود أيّ إثبات لممارسته الجنس مع أيّ شخص، إذ تمّ توقيفه وهو في قارعة الطريق العام، وإنما إستغلّ الفرصة للإسهاب في تقديم تحليلٍ قانونيّ للمادة 534 من قانون العقوبات. فإعتبر أن عبارة “مجامعة على خلاف الطبيعة” الواردة في المادة المذكورة لا تنطبق على فعل العلاقة الجنسيّة الحاصلة بين شخصين من الجنس نفسه. وقد توصّل القاضي إلى هذا الإستنتاج مستنداً إلى كون عبارة “خلاف الطبيعة” جاءت “غير محدّدة الإطار والمقصد والمدلول”، وأن مفهوم الطبيعة يتبدّل بحسب المنظار المتّخذ لتفسيره، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الإنسانيّة الخاضعة لتطوّر المفاهيم والأعراف والمعتقدات. وهو بذلك استبعد الربط الحتميّ لهذا المفهوم بالقواعد الدينيّة والإجتماعيّة، وأعاد تالياً إلى القضاء سلطةَ تفسيرها “على نحو ينسجم مع المبادئ العامّة المكرسة في النظام القانونيّ اللبنانيّ، بدءاً من الدستور إلى المعاهدات الدوليّة، وعلى رأسها “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” والمبادئ المكرّسة من قبل منظمة الأمم المتحدة، وفقا لمبدأ تسلسل القواعد المكرس بمقتضى أحكام المادة 2 أ.م.م”. كذلك، إستند القرار على مراجعة “منظمة الصحة العالمية” (ICD-10)التي اعتبرت أن المثليّة الجنسيّة ليست إضطراباً أو مرضاً، وبالتالي لا تتطلب علاجاً.
– ثانياً، من حيث السياق، جاء القرار ليستكمل حكمين سابقين كانا قد فسّرا المادة 534 في الإتجاه ذاته: الأوّل صدر عن القاضي المنفرد الجزائي في البترون منير سليمان بتاريخ 2-12-2009، والثاني صدر عن القاضي المنفرد الجزائي في المتن ناجي دحداح في 28-1-2014. ويهمّنا أن نلفت هنا أن هذه القرارات هي أهمّ تجلٍّ لما تعمل “المفكّرة القانونيّة” على إبرازه منذ تأسيسها، وهو دور المجال القضائيّ في حماية الفئات الإجتماعيّة المهمّشة والهشّة، ومن ضمنها المثليّين /ات.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.