قرارات محكمة المطبوعات (2019-2022): خطوات إيجابية نحو تعزيز حرّية التعبير؟


2025-04-30    |   

قرارات محكمة المطبوعات (2019-2022): خطوات إيجابية نحو تعزيز حرّية التعبير؟

مقدمة

يواجه الصحافيون في العالم تحديات وضغوطًا هائلة من شأنها التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على حقّهم في التعبير عن آرائهم بحرية، ووفق ضميرهم المهنيّ، وعلى حقّ الناس في تلقّي ما تنتجه وسائل الإعلام وفي تبادل المعلومات والآراء بحرية حول مسائل تتعلق بالشؤون العامة. وقد برز في الآونة الأخيرة نمط جديد من الضغوط وهو ما يسمى الدعاوى القضائية الاستراتيجية ضد المشاركة العامة (SLAPP). وهي دعاوى تتقدم بها شخصيات نافذة في المجال الاقتصادي أو السياسي أو غيره، بهدف فرض الرقابة على الصحافيين، ومنعهم من نشر معلومات معينة، تحت طائلة إغراقهم بنفقات قانونية هائلة، تجبرهم على التراجع عن النشر. وقد تؤدّي تلك الدعاوى، بمعزل عن مآل الحكم القضائي، إلى ترهيب الصحافيين وتعريضهم، ليس فقط للأضرار المادية، وإنما أيضًا للقتل والإيذاء الجسدي. هذا ما حدا بالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات من شأنها حماية الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وكاشفي الفساد، والتخفيف من تداعيات الدعاوى التعسفية ضدهم. 

هذا على المستوى العالمي. أما في لبنان، فقد سجلت منظمات دولية عدّة، على غرار مراسلون بلا حدود، ارتفاع وتيرة الدعاوى القضائية ضدّ الصحافيين ووسائل الإعلام، واستخدام القضاء كأداة لملاحقتهم، حيث “تصدر المحاكم بانتظام أحكامًا بدفع غرامات أو بالسجن غيابيًا”. كذلك أشارت منظمة العفو الدولية، في تقريرها لعام 2023-2024 إلى استخدام “السلطات على نحو متزايد قوانين التحقير والقدح والذم الجزائية لخنق الأصوات المنتقدة، والانتقام من منتقديها، أو مضايقتهم، أو ترهيبهم”. وفي الاتجاه نفسه، أشارت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في تقريرها العالمي لعام 2022، إلى أنّ الجهات الفاعلة الخاصة والسلطات الحكومية تُسكت الصحافيين، والإعلاميين، والنشطاء في لبنان بالاستعانة بقوانين جنائية بشأن القدح والذم، غالبًا لانتقادهم سياسات الحكومة والفساد. كما أبدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان سنة 2018، في الملاحظات الختامية بشأن التقرير الدوري الثالث للبنان، قلقها إزاء استمرار تجريم الذم والقدح بالموظفين العامين.

ومن الوسائل التي قد تشجّع على التمادي في التعسّف في استعمال الحق أو، على العكس من ذلك، قد تحدّ منه، هي القرارات الصادرة عن المحاكم المختصة. فالقرارات القضائيّة التي تؤول إلى تغليب اعتبارات السمعة الشخصية على اعتبارات حرّية التعبير ومصلحة المجتمع، ومعاقبة فاضحي الفساد إعلاميًا صونًا لكرامة الأشخاص أو هيبة المؤسسات التي يعملون فيها، تشكل عائقًا أساسيًا أمام صون الحريات والجهود الرامية لمكافحة آفة الفساد، وتشجّع على الاستمرار في التعسف في استعمال الحق. في المقابل، تشكّل القرارات الآيلة إلى الموازنة بين حرّية التعبير والحق في السمعة الشخصية، أي النظر فيما إذا كان الدفاع عن المصلحة العامة يبرّر أحيانًا التضحية بالحق في السمعة الشخصية، وتاليًا النظر فيما إذا كان موضوع المحاكمة ردة فعل محقة ضد ما فعله المدّعي نفسه، مما يجعله قانونًا مسؤولًا عن الضرر الذي أصابه ويفقده أي حماية قانونية، مؤشرًا أساسيًا على حرّية الإعلام وعلى تفعيل المحاسبة والمساءلة والرقابة، وعاملًا أساسيًا في الحدّ من التجاوز في استعمال الحق في المداعاة. 

تبعًا لذلك، يمكن استنتاج مدى انحياز القضاء لحرية التعبير وحرية الإعلام من خلال تحليل القرارات الصادرة في قضايا المطبوعات والذي يكشف كيفية تعاطي القضاء مع الحرية الإعلامية في لبنان ومدى تمتّع الإعلاميين وبشكل أعمّ المواطنين بالضمانات اللازمة للمشاركة الفاعلة في انتقاد السلطات العامة وأصحاب النفوذ، وصولًا إلى فضح الجرائم التي قد يرتكبها بعضهم، وفي مقدمتها جرائم الفساد. 

وهذا ما تسعى إليه هذه الدراسة في إطار التعاون بين المفكرة القانونية ومهارات ومركز الأبحاث الإعلامية الأوروبي ضمن مشروع “إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان”، وفي إطار أهداف المفكرة القانونية الاستراتيجية والثابتة بشأن رصد الانتهاكات المتصلة بحرية التعبير والسعي لاستشراف التوصيات من أجل تعزيز حرية الإعلام وحماية الصحافيين. علمًا أنّ الدراسة تأتي عقب سلسلة من المنشورات والبيانات والدعاوى الهادفة إلى إرساء مبادئ عامّة من خلال القضاء، قوامها ترسيخ مبدأ حريّة التعبير وحماية كاشفي الفساد والمدافعين عن القضايا الاجتماعية وحثّ القضاء على التعامل معها كقضايا شأن عام. نذكر منها الدراسة التحليلية للقرارات الصادرة في النصف الأول من سنة 2014 في قضايا المطبوعات (2016)، والمرافعات النموذجية دفاعًا عن حرية التعبير (2020)، والتقاضي الاستراتيجي للدفاع عن منظمات وأشخاص تم الادعاء عليهم على خلفية التعبير عن آراء ضد أفراد وهيئات وشركات نافذة، والعمل مع أكثر من 14 منظمة دولية ومحلية ضمن تحالف الدفاع عن حرية الرأي والتعبير. 

تُقسم هذه الدراسة إلى سبعة فصول: يتناول الفصل الأول الدوافع الآيلة إلى وضع هذه الدراسة، لننتقل في الفصل الثاني إلى عرض المنهجية المعتمدة في الدراسة، فيما يُخصّص الفصلان الثالث والرابع لعرض البيانات المستمدة من العيّنة موضوع الدراسة وتحليلها، لننتقل في الفصلين الخامس والسادس إلى الحيثيات الواردة في القرارات وكيفية تعامل المحاكم مع قضايا الذم والخبر الكاذب وإثارة النعرات ونشر ما يُحظر نشره، إلى أن نصل في الفصل السابع إلى التوصيات المتصلة بكل من الأطراف المعنية. 

للاطلاع على الدراسة بصيغة PDF

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، محاكم جزائية ، مؤسسات إعلامية ، قرارات قضائية ، حرية التعبير ، لبنان ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، دراسات ، إعلام



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني