
عقد نواب “قوى المعارضة” (كتل حزبي القوات والكتائب وبعض الكتل الصغيرة والمستقلّين) مؤتمراً صحافياً، في 7 تشرين الأوّل تحت عنوان “إنقاذ لبنان من آتون الحرب وتبعاتها وإعادة بناء مؤسسات الدولة”.
وقد أجمعوا في لقائهم على ثلاث توصيفات لوضع لبنان الحالي: (1) القتل والنزوح والدمار (هو يدلّ على وحشية العدوان) و(2) وقوف جميع مكونات الشعب مع إخوانهم النازحين (وهو يدلّ على مستوى التضامن وإرادة العيش المشترك وأنّ هويتنا الوطنية الجامعة هي درعنا ملجأنا الوحيد) (3) مظلومية الشعب الذي يدفع ثمن حرب مدمرة لم يكن له خيار فيها.
وأجمعوا على أن المحن المتكررة والتاريخ الحديث يكشفان أن: (1) لا ملاذ إلا الدولة الواحدة المتعالية عن كل تمييز، و(2) أن كلّ انفراد أو استفراد (ل”مكوّن” لبناني) أدّى إلى مهالك.
وقد رأوا أن كل ذلك يحتّم “العودة إلى لبنان الوطن النهائي الديموقراطي”، ليخلصوا إلى وضع قائمة من 6 حلول هي تباعا: (1) فصل لبنان عن المسارات الإقليمية- رفض الوصاية- تطبيق الطائف- التزام وقف إطلاق نار فوري – وتطبيق القرارات 1559-و1680-و1701 و(2) موعد فوري ثابت ونهائي لجلسة رئيس للجمهورية، و(3) تشكيل حكومة متجانسة و(4) نشر الجيش على كافة أراضي لبنان وضبط المعابر الحدودية و(5) دعم الجيش وتمكينه و(6) إعادة تصويب العلاقات مع المجتمع العربي خصوصاً، والدولي عموماً.
هذا البيان يستتبع الملاحظات الآتية:
أولاً، تجاهل تام لمأساة النازحين ووجوب إسعافهم
رغم توصيف مقدمة النداء للمشكلة المتمثّلة في “القتل والنزوح والدمار”، فإنه لم يشِر قط لا إلى خطة الطوارئ التي برزت ثغراتها الكبيرة في الآونة الأخيرة ولا أكد على واجب الدولة في إسعاف الذين هجرتهم الحرب وتفعيل التضامن الوطني الواسع، الذي هو طبعا أحد أبرز الطرق لترسيخ بناء الدولة الموحدة والنهائية لجميع أبنائها. وقد بدتْ قوى المعارضة من هذه الزاوية غير معنيّة في إيجاد حلول سريعة للمشكلة الكبرى المتمثّلة في نزوح قرابة ثلث اللبنانيين من مناطقهم. أسوأ من ذلك، فقد خلا النداء من أيّ إدانةٍ لحملات التهجير وتدمير البيوت، مما سيجعل العودة السريعة للنّازحين إلى بيوتهم أمرا مستعصيا.
ثانيا، تجاهل لوجوب حماية لبنان ضد العدوان الإسرائيلي
الأمر الثاني الذي نلحظه في النّداء هو حديثه عن وحشية العدوان من دون أن يستتبع ذلك أي خطوات عملية لصدّه، علما أن النداء صدر بعد صدور قرار الحكومة الإسرائيلية بالموافقة على بدء الحملة البرية ضد لبنان. وإذ تضمّن النداء صراحة وجوب تجنيب الجيش “الانجرار إلى حرب لم تتخذ الدولة اللبنانية قرارا بخوضها”، يستشفّ منه أنّه اعتبر أن هذه الحرب ما كانت لتحصل لولا سلاح حزب الله وحرب إسناد غزة التي كان أعلنها، وأنها تنتهي في حال تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وفصل لبنان عن “المسار الإقليمي. بمعنى أن سبب الحرب كما سبيل توقفها تتعلق باللبنانيين وحدهم من دون حاجة لممارسة أيّ مقاومة ضدّ إسرائيل أو ضغوط لوقف أعمالها الحربية والتدميرية ومنعها من تغوله على أراضيه. وقد بدا النّداء من هذه الزاوية وكأنه يغلّب حسن النيّة لدى إسرائيل ويبرئها من أي نوايا في احتلال لبنان أو المسّ بثرواته النفطية أو المائيّة. وما يزيد من قابلية النداء للانتقاد أنه لم يتطرق إطلاقا لأي من الجرائم المرتكبة من إسرائيل والتي ترتقي إلى مستوى جرائم حرب، وأهمها القتل المتعمد لقرابة 125 من العاملين في مجال الدفاع المدني والإغاثة أو إخلاء مستشفيات في الجنوب فضلا عن التهجير القسري لمناطق تصل مساحتها إلى أكثر من 2000 كلم مربع بفعل غارات وصفت على أنها الأعنف في تاريخنا الحديث. فكأنما القانون الدولي يتوقف لدى هؤلاء على تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن من دون تطبيق قوانين الحرب ومحاسبتها. هذا دون الحديث عن خلو البيان من أي ذكر للإبادة المرتكبة من إسرائيل في غزة كأنما فصل المسارات الإقليمية يتطلب الامتناع عن أي تعاطف مع ما يحصل في غزة.
ثالثا، تحقيق مكاسب سياسية آنية أم وضع أسس لبناء دولة جامعة؟
إذ نسجل بإيجابية أن النداء شدد على ضرورة بناء الدولة بعيدا عن منطق الهيمنة والتفرد والاستقواء، فإنه خلا من أي رؤية لاستخلاص الدروس من الماضي من خلال تحصين الدولة في مواجهة هذا المنطق. وبدا النداء من خلال ذلك وكأنه يعتبر معالجة سلاح حزب الله كفيلة بوضع لبنان على سكة الخروج من أزماته المتعددة في مجمل المجالات وبخاصة أزماته السياسية والمالية والاقتصادية والمصرفية. وعليه، حصر نواب المعارضة مطالبهم الآنية بانتخاب رئيس جمهورية “سيادي” وتشكيل حكومة “متجانسة”. ويفهم من “رئيس سيادي” أنه ينتمي إلى المعارضة التي تعرف نفسها كذلك. ويفهم من “حكومة متجانسة” أنها ليست حكومة وحدة وطنية بل حكومة تمثل فريقا سياسيا متجانسا الذي هو بالضرورة فريقها. فكأنما هذه القوى وجدت في توغل حزب الله في الحرب الفرصة سانحة لتحقيق مكاسب قوامها وضع استلام زمام الحكم، من دون أن يترافق هدفها هذا مع أي مراجعة نقدية لنظام الحكم ككلّ أو حتى مع إعلان برنامج لكيفية معالجة أزمات لبنان. بل اكتفى النداء هنا بإرجاء الحديث عن هذا البرنامج إلى ما بعد تكوين الحكومة العتيدة والتي ستتولّى إذّاك وفق ما جاء فيه “إطلاق عملية التعافي والإصلاح وإعادة الإعمار”.
أما العناوين المتصلة بتمكين الجيش وتعزيز دوره، فإنها أتت أيضا عامة من دون أي إشارة إلى كيفية تجاوز الموانع أمام تسليح الجيش وتمكينه والأهم كيفية تأمين الموارد اللازمة في ظلّ انهيار جميع المرافق العام للدولة.
متوفر من خلال: