قراءة في أسباب وقفة الغضب للقضاة


2013-05-14    |   

قراءة في أسباب وقفة الغضب للقضاة

أنس سعدون
يستعد نادي قضاة المغرب الجمعية الأكثر تمثيلية للقضاة بالمملكة المغربية لتنظيم وقفة غضب للقضاة يوم الجمعة 17 ماي 2013 بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة استجابة لدعوة المكتب الجهوي للنادي بالقنيطرة.
ومن المنتظر أن تشهد هذه الوقفة اقبالا كبيرا من طرف القضاة بالنظر إلى موضوعها والذي يحمل اشارات قوية على الاحتقان الذي يسود المشهد القضائي والمستمد أساسا من العنوان البارز وغير المسبوق لوقفة القضاة: وقفة الغضب، فما هي مسببات غضبة القضاة؟
بداية لا حاجة للتذكير بشرعية هذا الشكل التعبيري الذي أعلنه النادي باعتباره مظهرا من مظاهر حرية التعبير المكفول طبقا لنصوص الدستور وللمعايير الدولية في هذا المجال، وقد سبق للقضاة أن نظموا وقفات جهوية مماثلة في الآونة الأخيرة، كانت أولها تلك التي شهدتها المحكمة الابتدائية بتاونات على اثر اعتداء تعرض له أحد قضاتها، إلى جانب وقفة أخرى بمحكمة الاستئناف بآسفي على اثر حملة التشهير والإساءة التي طالت عددا من قضاتها، دون أن ننسى الوقفة الوطنية التاريخية التي نظمها القضاة أمام محكمة النقض وهم مرتدين بذلهم الرسمية حيث رفعوا شعارات مطالبة بالاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية.
إلا أن لوقفة ال17 من ماي من العام الجاري طعما خاصا بالنظر إلى موضوعها وهو الغضب، والذي مرده تنامي حملة الاعتداءات المتكررة التي يتعرض لها القضاة أثناء قيامهم بمهامهم من جهة، ثم إخلال الدولة بواجبها المتمثل في ضمان الحماية للقضاة من التهجمات والتهديدات أثناء ممارستهم لمهامهم أو بسببها من جهة ثانية.
إن موضوع الاعتداءات المتكررة التي يتعرض لها القضاة ظل ولوقت قريب يدخل ضمن المحرمات المسكوت عنها، لعدة اعتبارات أهمها الرغبة في الحفاظ على هيبة القضاء من أي خدش حتى لو كانت هذه الهيبة موجودة فقط من الناحية النظرية، ثم تكبيل القضاة أنفسهم بقيود ما يسمى بواجب التحفظ الشيء الذي منعهم من فضح بعض الممارسات التي كانت تعيق عملهم، دون أن ننسى هشاشة الحماية التي توفرها لهم النظم والتشريعات المختلفة والتي تكرس لهيمنة واضحة للسلطة التنفيذية وتغول للإدارة القضائية ، فضلا عن غياب تكتلات قضائية مهنية مستقلة تدافع عنهم.
 لقد أسهم الوضع الجديد الذي عرفه المغرب بموجب التعديل الدستوري الأخير والذي كرس العديد من المقتضيات المتعلقة بالسلطة القضائية في احداث بداية تحول مهم في المشهد القضائي بفضل ظهور فاعل جديد وهو نادي قضاة المغرب كأول جمعية مهنية مستقلة للقضاة، والانخراط الواسع للقضاة في ممارسة حقهم في التعبير العلني وتحولهم من مجرد موضوع للإصلاح إلى عنصر فاعل في الاصلاح المنشود، وهي عوامل من بين عوامل عديدة أخرى أسهمت في فضح محاولات التأثير غير المشروع على القضاة والتي تلونت أشكالها وتعددت الجهات الصادرة عنها وتفاوتت درجات خطورتها حيث تراوحت بين الاعتداءات اللفظية لتصل الى درجة الاعتداءات الجسدية والتهديد بالقتل.
لقد مكنت البيانات المتوالية التي أصدرها نادي قضاة المغرب عبر فروعه الجهوية وكذا أجهزته الوطنية من تقديم تشخيص لظاهرة الاعتداءات المتكررة التي عرفها المشهد القضائي والتي كان أبطالها أحيانا مجرد مواطنين مرتفقين، أو موضوع متابعة أمام القضاء، وتورطت فيها أيضا في أحيان أخرى مجموعات ضغط سياسية واجتماعية سيتم الكشف عنها بتفصيل في التقرير السنوي المزمع اصداره قريبا من طرف نادي قضاة المغرب بخصوص محاولات التأثير في استقلال القضاء بالمغرب بعد سنتين من المصادقة على الدستور الجديد.
وإذا كان المجال لا يتسع لذكر كل الحالات المسجلة في هذا الصدد فسأكتفي بذكر نماذج لها على سبيل المثال منها الواقعة التي اهتز لها الجسم القضائي على اثر اعتداء جسدي بالسلاح الأبيض تعرض له نائب لوكيل الملك بإحدى كبريات المدن أقعده عن العمل لمدة شهور، وتعرض قاضية لاعتداء بشع بالشارع العمومي من طرف سيدة من ذوات السوابق، وتعرض مسؤول قضائي لحادث اعتداء من طرف مجهولين عملوا على رشق سيارته بقارورة زجاجية أتناء تواجده على متنها.
وتعرض قضاة في عدد من المحاكم لاعتداءات لفظية من طرف بعض الجهات المنتمية إلى منظومة العدالة أخطرها ما شهدته المحكمة الابتدائية بخنيفرة، دون أن ننسى الهجمة الشرسة التي تعرضت لها نائبة لوكيل الملك في إحدى المدن العريقة من طرف عمدة نفس المدينة لأغراض سياسوية وانتخابية ضيقة.
إن وتيرة هذه الاعتداءات ومحاولات التأثير تواصلت باستمرار في محاولة لإقحام القضاء في مزايدات سياسية كانت قبة البرلمان شاهدة عليها في أكثر من واقعة منها خروج تصريحات مسيئة للجسم القضائي استهدفت في احدى المرات هيأة قضائية بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة وصفت بأبشع النعوت على سبيل التهكم، فقط لحرصها الشديد على تطبيق النص القانوني، بل وقد تم وصف حكم قضائي صادر باسم جلالة الملك وطبقا للقانون "بالبلادة" في واقعة أخرى، دون أن ننسى ما قيل أكثر من مرة عن وجود قوائم للقضاة الفاسدين دون مد الجهات القضائية المختصة بالإثباتات اللازمة وفق المساطر المعمول بها بعيدا عن المزايدات والاسترزاق السياسي.
إن نفس هذه الممارسات تكررت بعيدا عن قبة البرلمان حينما وصفت رئيسة إحدى الجمعيات القضاة بأنهم مرضى نفسانيون، واستمرت حملات التشكيك في القضاء وامتدت في بعض الأحيان إلى وسائل الاعلام من خلال نشر أخبار زائفة أو التضخيم في وقائع معينة..،
وإذا عدنا إلى مدينة القنيطرة التي تستعد لاستقبال جموع القضاة الغاضبين سنجد أنها عرفت في محاكمها أكثر من حالة اعتداء مست عددا من القضاة، فمن واقعة الاعتداء اللفظي على قاضية داخل مكتبها صادر عن أحد  المحامين، إلى اعتداءات لفظية أخرى مست قضاة أحكام وقضاة للنيابة العامة آخرها تعرض أحد قضاة الأحكام بالمحكمة لإهانة وتهديد ببهو المحكمة بتاريخ 20/02/2013 من طرف أحد الأشخاص مباشرة بعد علمه بصدور حكم قضائي ضده في ملف جنحي، وإهانة أحد قضاة النيابة العامة بنفس المحكمة في توقيت سابق من طرف أحدالمتهمين المقدمين أمام النيابة العامة ، والذي عمل على سبه و نعته بأبشع الأوصاف بمناسبة قيامه بمهامه كعضو من أعضاء النيابة العامة.. دون أن ننسى محاولات اقحام القضاء في المزايدات السياسية.
إن الخطير في مثل هذه الاعتداءات لا يكمن فقط في تنامي هذه الظاهرة وإنما أيضا في الطريقة التي يتم بها التعامل معها إذ أن عدم اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة من طرف الجهات المسؤولة يشجع على تكرارها، بل ويعد تقصيرا من شأنه التأثير سلبا على هيبة القضاء، وتهديدا خطيرا لاستقلالية القضاة.
ويكفي في هذا الصدد التذكير بالمقتضيات القانونية الموجودة خاصة الفصل 20 من النظام الأساسي للقضاة والذي ينص على أن الدولة تحمي القضاةمما قد يتعرضون إليه من التهديدات والتهجمات والسب والقذف ضمن مقتضيات القانونالجنائي والقوانين الخاصة الجاري بها العمل، وما هذا النص إلا تأكيد لما أوردته المعايير الدولية المتعلقة باستقلال القضاء ومن بينها -على سبيل المثال لا الحصر- قواعد بنغالور التي أكدت على ممارسة القضاة لمهامهم بدون مؤثرات خارجية أو اغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات مباشرة كانت أو غير مباشرة من أي جهة كانت أولأي سبب.
إن تراخي الجهات المسؤولة في التصدي لحالات الاعتداء على القضاة من جهة واستمرار تبعية النيابة العامة لوزارة العدل وللسلطة التنفيذية عموما يضعف من نجاعة أي دور مرتقب للنيابة العامة في هذا المجال في ظل المقتضيات التشريعية الراهنة، ويكفي في هذا الصدد التذكير بواقعة مماثلة عرفتها المحكمة الابتدائية بطاطا حيث استدعت المفتشية العامة بوزارة العدل قاضيا للنيابة العامة بسبب تصديه لحالة اعتداء تعرض له قاض آخر بالمحكمة التي يعمل بها حيث قام بتطبيق القانون، والتداعيات التي عرفتها هذه القضية والتي تجعل كل جهة مسؤولة تفكر ألف مرة قبل اتخاذ المتعين في قضايا مماثلة في ظل غياب أي معايير واضحة ودقيقة تحدد طريقة العمل أو آلية التدخل الناجعة، خاصة مع انعدام الدور المؤسساتي للإدارة القضائية التي لا تزال في كثير من الأحيان والحالات تشتغل بعيدا عن الاحترافية.
وأخيرا، ثمة أسباب عديدة لا يتسع المجال لذكرها بخصوص غضبة القضاة الذين اختاروا الخروج إلى العلن وتكسير حاجز الصمت من جديد وتنظيم وقفة احتجاجية للتنديد بكل هذه الانتهاكات، والانفتاح على المواطنين ولا سيما بعدما أصبح القضاء شأنا مجتمعيا، فمن حق المواطن العادي أن يعرف اليوم أن قضاته غاضبون.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني