هذه الطائفة من الحقوق كانت محل عناية خاصة من لجنة الخمسين، لأنها تتعلق مباشرة بحياة كل طوائف الشعب، ومع ذلك لم تنل حظها من الاهتمام فى ظل الأنظمة السابقة. ونستعرض أهم هذه الحقوق فى الدستور الحالى مع مقارنتها بما ورد بشأنها في دستور 2012، لنكمل من خلالها ما كان سبق استعراضه بشأن وضعية المرأة في الدستور (الحلقة الثالثة).
حقوق الأسرة:
نصت المادة العاشرة من دستور 2012 على أن «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية.وتحرص الدولة "والمجتمع" على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها على النحو الذي ينظمه القانون". أما دستور 2014، فقد قصر حق التقويم على الدولة، حيث تنص مادته العاشرة على أن: «الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها». وبذلك لم يعد لأحد من المواطنين أو لطائفة من المجتمع الحق فى مشاركة الدولة فى مراقبة التزام الأسرةبالقيم والأخلاق والدين والوطنية، وهو ما أغلق باباً خطيرا أمام الفتنة والفوضى وضياع هيبة الدولة.
حقوق المسنين:
لم يرد ذكر للمسنين في دستور 2012، بينما نص دستور 2014 على حقوق المسنين فى المادة (83) المستحدثة التى تقرر التزام "الدولة بضمان حقوق المسنين صحياً، واقتصاديا، واجتماعياً، وثقافياً، وترفيهياً وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة. وتراعي الدولة في تخطيطها للمرافق العامة احتياجات المسنين، كما تشجع منظمات المجتمع المدني على المشاركة في رعاية المسنين، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون".
حقوق ذوي الإعاقة والأقزام:
تضمن دستور 2014 النص على حقوق هذه الفئة من المواطنين. من ذلك النص على أنه فى حالات تقييد الحرية تلتزم الدولة بتقديم وسائل المساعدة لهم (م54)، والنص على تمثيلهم فى أول مجلس نواب وفى المجالس المحلية، وكفالة حقوق الأطفال ذوي الإعاقة (م80)، وإدماجهم في المجتمع بنسبة ملائمة، ورعايتهم صحياً واقتصادياً واجتماعيا وثقافيا وترفيهيا ورياضيا وتعليميا، وتوفير فرص العمل الملائمة لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة لتمكينهم من ممارسة حقوقهم(م81). وأنشأ الدستور الجديد المجلس القومى للأشخاص ذوي الإعاقة (م214).ويعد دستور 2014 أول دستور مصرى يعترف بأن ذوى الاحتياجات الخاصة- وهى التسمية التى كنا نفضلها- أصحاب حقوق وليسوا مستحقى رعاية من الدولة أو من غيرها.
حقوق الطفل:
أورد دستور 2014 تعريفاً للطفل، وضمن حقوقه بشكل أوضح وأوفى مما كان عليه فى دستور 2012، فنص على حقه فى الجنسية، سواء ولد الطفل لأب مصرى أو لأم مصرية، وفى النسب، وفى التعليم، وفى الرعاية الصحية والاجتماعية، وحماية الأطفال من الاتجار بهم واستغلالهم فى مجالات العمل سواء فى ذلك المشروعة أو غير المشروعة، وكذا حمايتهم من كل أشكال العنف ومنع تعريضهم للخطر. فنصت المادة 80 على أن "يعد طفلا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ولكل طفل الحق فى اسم وأوراق ثبوتية، وتطعيم إجبارى مجاني، ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية". وهذه الحقوق مقررة فى قانون الطفل المصرى وغيره من قوانين الدولة، لكن النص عليها فى الدستور يرتقى بها إلى مصاف الحقوق المكرسة دستوريا، ويلزم الدولة بتفعيلها، ويمنع البرلمان من تعديل القوانين المقررة لها على نحو ينتقص منها أو يقيدها بقيود تتنافى مع طبيعتها.
وتكفل الدولة حقوق الأطفال ذوي الإعاقة وتأهيلهم وإدماجهم فى المجتمع. وتلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري. ولكل طفل الحق في التعليم المبكر في مركز للطفولة حتى السادسة من عمره، ويحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسي، كما يحظر تشغيله فى الأعمال التى تعرضه للخطر. وتلتزم الدولة بإنشاء نظام قضائي خاص بالأطفال المجني عليهم، والشهود. ولا يجوز مساءلة الطفل جنائيا أو احتجازه إلا وفقا للقانون وللمدة المحددة فيه، وتوفر له المساعدة القانونية، ويكون احتجازه في أماكن مناسبة ومنفصلة عن أماكن احتجاز البالغين. وتعمل الدولة على تحقيق المصلحة الفضلى للطفل فى كافة الإجراءات التى تتخذ حياله.
بينما لم يتضمن دستور 2012 تعريفاللطفل، فضلاً عن عدم شموله بالحماية السالف بيانها، وهو ما يترتب عليه انتهاك لحقوقه، بما يتعارض مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وقانون الطفل المصرى. غير أنه يؤخذ أيضاُ على دستور 2014 أنه عرف الطفل على نحو مغاير لما تضمنته الاتفاقية والقانون. فالطفل في الاتفاقية والقانون المصري هو كل من لم يجاوز الثامنة عشرة، وليس من لم يبلغ الثامنة عشرة كما ورد فى المادة 80، والفارق واضح بين التعريفين بالنسبة للطفل فى سن الثامنة عشرة قبل أن يجاوزها.
الحق في الصحة والتعليم:
بالنسبة للصحة، أغفل دستور 2012 تقدير الإنفاق الحكومى على الصحة، كما أغفل النص على تحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين فى القطاع الصحى، وحالهم من السوء لدرجة لاتخفى على كل ذى بصيرة. أما دستور 2014 فنصت المادة 18 منه على أن "لكل مواطن الحق فى الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل.
وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3 % من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض (ومنها مرض الإيدز)، وينظم القانون إسهام المواطنين فى اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم. ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. وتلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين فى القطاع الصحى. وتخضع جميع المنشآت الصحية، والمنتجات والمواد، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة، وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلى فى خدمات الرعاية الصحية وفقاً للقانون".
أما بالنسبة للتعليم، فهو حق لكل مواطن طبقا للمادة 19 من الدستور الجديد. وقد قرر دستور 2014 للتعليم ما قبل الجامعى نسبة لاتقل عن %4، والتعليم الجامعى %2، والبحث العلمى %1، من الناتج القومى الإجمالى، وتتصاعد النسبة تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.بينما لم ينص دستور 2012 على أى نسبة للإنفاق على التعليم، سواء الجامعي أو ما قبله، أو على البحث العلمي. وعلى كل حال، فالعبرة ليست بما يرد في نصوص الدستور، لكن بما ترصده الدولة فعلا من ميزانية في ضوء ظروفها الاقتصادية في الوقت الحاضر. لذلك جاءت المادة (238) من الدستور الجديد بحكم انتقالى، يسمح للدولة بالتدرج فى تخصيص الحد الأدنى لمعدلات الإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمي، لكنها تلتزم به كاملا فى موازنة للسنة المالية 2016-2017.
وقد قصر دستور 2012 التعليم الإلزامى على المرحلة الإعدادية، وضمن مجانيته فى كل مؤسسات الدولة التعليمية. أما دستور 2014 فقد جعل التعليم الإلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته فى مراحله المختلفة فى مؤسساتها التعليمية. لكن مجانية التعليم التى كانت حقيقة منذ ثورة يولية 1952 ،أضحت حلما وخيالا منذ أن تبنت الدولة المصرية سياسة الانفتاح الاقتصادى، فهل تقوى نصوص الدستور الجديد على دفع الدولة نحو الوفاء بالتزامها بدعم التعليم، أفلح الدستور إن صدق.
وكان دستور 2012 يفرض تدريس مادة اللغة العربية بكافة المؤسسات التعليمية. واكتفى دستور 2014 بتدريس اللغة العربية فى التعليم ما قبل الجامعى، حتى يتفرغ الطلاب فى التعليم الجامعى لتعميق التخصص وفقاُ لسوق العمل. وفى تقديرنا أنه كان من الواجب الإبقاء على ما ورد في الدستور السابق بالنسبة للغة العربية، إنقاذا لها من المستوى المتدني الذي وصلت إليه لدى طلاب الجامعات.
كما كان دستور 2012 ينص فى المادة الثانية عشرة منه على أن «تعمل الدولة على تعريب التعليم والعلوم والمعارف». أما دستور 2014، فتوجه إلى تشجيع الترجمة، حيث تنص المادة 48 منه على أن "تشجع الدولة حركة الترجمة من العربية وإليها". والفارق بين المادتين لا يخفى على كل ذى بصيرة، فدستور 2012 كان يطمح إلى تعريب التعليم في المجالات التي ما يزال التدريس يتم فيها بلغة أجنبية مراعاة لطبيعتها، أما دستور 2014 فيبقى على هذه المجالات كما هى، مع تشجيع حركة الترجمة المزدوجة، للإفادة من علوم الدول المتقدمة ونقل علومنا ومعارفنا إليها.
الحق فى العمل:
نص دستور 2014 على الحق فى العمل الخاص والعام (م12 وما بعدها).فالعمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة، وتلتزم الدولة بالحفاظ على حقوق العمال، والوظائف العامة حق للمواطنين والمواطنات على أساس الكفاءة ودون محاباة أو وساطة أو تمييز، والإضراب السلمي حق ينظمه القانون. لكن نظرا لأهمية الحق فى العمل وارتباطه بحقوق أخرى وحريات عامة، نرى ملاءمة خصه بقراءة في حلقة مستقلة.
المقومات الاقتصادية:
أغفل دستور 2012 بعض المصالح الاقتصادية التي تداركها دستور 2014، وذلك لا ينفي أن الدستور الملغى تضمن فصلا كاملا خصصه للمقومات الإقتصادية. وأهم الأمور الإقتصادية التى أعاد الدستور الجديد تنظيمها ما يأتي:
– مانصت عليه المادة (29) من أن "الزراعة مقوم أساسي للاقتصاد الوطني. وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، وتجريم الاعتداء عليها، كما تلتزم بتنمية الريف ورفع مستوى معيشة سكانه وحمايتهم من المخاطر البيئية، وتعمل على تنمية الإنتاج الزراعي والحيواني، وتشجيع الصناعات التي تقوم عليهما.
وتلتزم الدولة بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي والحيواني، وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح، وذلك بالاتفاق مع الاتحادات والجمعيات الزراعية، كما تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الأراضي المستصلحة لصغار الفلاحين وشباب الخريجين، وحماية الفلاح والعامل الزراعى من الاستغلال، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون". ويضمن هذا النص حقوق المزارعين، التى تدهورت فى السنوات الأخيرة بسبب إهمال الدولة للزراعة وعدم حماية الأراضى الزراعية.
ونصت المادة 32 الخاصة بالموارد على أن" موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها، كما تلتزم الدولة بالعمل على الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة، وتحفيز الاستثمار فيها، وتشجيع البحث العلمي". كما أفرد دستور 2014 المادة 44 لحماية نهر النيل، ونصت على أن "تلتزم الدولة بحماية نهر النيل، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، وترشيد الاستفادة منه وتعظيمها، وعدم إهدار مياهه أو تلويثها. كما تلتزم الدولة بحماية مياهها الجوفية، واتخاذ الوسائل الكفيلة بتحقيق الأمن المائي ودعم البحث العلمي". لكن هذا النص لن يمنع من تهديد إثيوبيا لمياه النيل بالسد الذي شرعت في إقامته.
أما المادة 30 فقد أعلنت التزام الدولة بحماية الثروة السمكية وحماية ودعم الصيادين، وتمكينهم من مزاولة أعمالهم دون إلحاق الضرر بالنظم البيئية. كذلك نصت الوثيقة الجديدة على عدد من المواد التي تتعلق بالبيئة بشكل مباشر، حيث نصت المادة (45) على التزام الدولة بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية، وعلى حظر التعدي عليها، أو تلويثها، أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، وحق كل مواطن في التمتع بها مكفول، كما تكفل الدولة حماية وتنمية المساحة الخضراء في الحضر. وهذه المادة موجودة في دستور 2012، لكن الدستور الجديد زادها تفصيلا بما هو إلى نصوص القانون أقرب. وأكدت المادة 46 بشكل مباشر حق الإنسان المصري في بيئة صحية نظيفة، كما تناولت لأول مرة مفهوم التنمية المستدامة، حيث نصت على أن " لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة، وحمايتها واجب وطني. وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها، وعدم الإضرار بها، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة، وضمان حقوق الأجيال القادمة فيها ".
نصت المادة 29 من دستور 2012 على أنه «لا يجوز التأميم إلالاعتبارات الصالح العام، وبقانون، ومقابل تعويض عادل». وقد تخلى دستور 2014 عن هذا النص باعتباره معوقاُ للاستثمار. وفى تقديرى أن التلويح بالتأميم فى وثيقة دستورية يثير المخاوف والشكوك لدى المستثمرين ورجال الأعمال المصريين وغير المصريين، بسبب السوابق المصرية غير المشجعة فى هذا المجال.
الحقوق الثقافية:
أكدت المادة(48)من الدستور الجديد حق المواطن فى الثقافة ، والتزام الدولة بكفالته ودعمه وإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لكل فئات الشعب، دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافى أو غير ذلك. وتولى الدولة اهتماما خاصا بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجا. كما تلتزم الدولة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة(م 47)، وهو مايعنى امتناع الدولة عن محاولة طمس الهوية الثقافية لفئة أو مكون اجتماعى، أو تغليب هوية معينة على ماعداها، ففى التنوع يكمن الثراء. ولم يأت هذا النص من فراغ، فقد شهد عام حكم الإخوان محاولات واضحة "لأسلمة" ثقافة المجتمع المصرى طوعا أو كرها.