قانون الهيكلة على طاولة صندوق النقد اليوم: عودة سريعة على أبرز محطات النقاش


2025-04-21    |   

قانون الهيكلة على طاولة صندوق النقد اليوم: عودة سريعة على أبرز محطات النقاش

جولة مفاوضات جديدة سيخوضها لبنان مع صندوق النقد الدولي اليوم في واشنطن، يُفترض أن تشكل العمود الفقري لمرحلة جديدة من التعاون مع الصندوق. جولة يؤمل أن لا تكون كسابقاتها، التي انتهت برفض السلطة اللبنانية السير بالإصلاحات المُؤسّسة للخروج من الأزمة المستمرة منذ العام 2019. 

كان يُفترض للوفد أن يكون مسلّحاً بإقرار مجلس النواب لقانوني السرية المصرفية وهيكلة المصارف، لكن لأن القانونين لم يُقرّا في المجلس بعد، سيكتفي الوفد بحمل “ورقة” حسن نية مفادها أن مجلس الوزراء أقرّ بالفعل مشروعي القانونين وحوّلهما إلى المجلس النيابي. وهناك ناقشت اللجان النيابية المشتركة بالفعل قانون السرية المصرفية، وأحالته إلى الهيئة العامة، فيما المشروع الثاني الذي تأخّر مجلس الوزراء في إقراره، يفترض أن لا يتأخر في سلوك الطريق نفسها. يأتي ذلك، في ظل دعوة رئيس المجلس النيابي إلى جلسة لهيئة مكتب المجلس تعقد يوم الثلاثاء، وهذه أيضاً ستكون ورقة حسن نيّة أخرى. 

لكن هل تكفي النيّة الحسنة، بعد كل التجارب مع لبنان؟ بالنسبة للوفد اللبناني، فإن الصندوق على اطلاع بما أنجز حتى اليوم، ويقدّر جدية الحكومة لا سيما لجهة انجاز مشروعيْ القانونين الماليين في وقت قصير.

على ما تشير مصادر مطّلعة، فإنّ مضمون قانون السرّية المصرفيّة يتناسب مع مطالب الصندوق، لكن الإشكالية تتعلق بمشروع هيكلة المصارف، الذي خضع لتعديلات عديدة في مجلس الوزراء، بعضها حصل بضغط من المصارف وبعضها جاء خلافاً لمواقفها، فهل سيوافق الصندوق على الصيغة الأخيرة؟ ثم، هل هذه الصيغة ستمرّ في مجلس النواب، حيث لوبي المصارف لا يزال أكثر فاعلية منه في الحكومة، وطبيعة المجلس أكثر ميلاً للتحرّر من مبدأ التضامن؟ 

أولى الملاحظات على المشروع تتعلّق بمادته الأخيرة. إذ أنّ المادة 37 منه تتحدث عن سريان القانون. وتشير إلى أنه بعد نشره في الجريدة الرسمية يعلق تنفيذه إلى حين إقرار ونشر قانون معالجة الفجوة المالية الذي يسمح بإعادة التوازن للانتظام المالي في لبنان. 

ماذا يعني عملياً إقرار قانون يتضمن مادة تنص على تعليق تنفيذه؟ ثم، إذا لم يكن بالإمكان تنفيذه، فلماذا إقراره أصلاً؟ فهو في النهاية ليس قانوناً طارئاً، بل يناقش عملياً في مجلس الوزراء منذ العام 2020، حيث خضع لعدة تغييرات انتهت كلها عند مقصلة المصارف، التي عطّلت بفضل أذرعها في مجلس النواب خطّة الإصلاح المالي التي أقرتها حكومة الرئيس حسان دياب. كما عطّلت في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بحجج مختلفة، بالرغم من كل الجهود التي بذلها نائب رئيس الحكومة السابق سعادة الشامي، والتي أسفرت عن توقيع اتفاق مبدئي مع الصندوق، أسقطته الحكومة أيضاً بسبب عدم التزامها بتعهداتها أمام الصندوق. 

قانون مع وقف التنفيذ

نظرياً الدفع باتجاه اتفاق جديد وناجز مع الصندوق يبدو أقرب من أي وقت مضى، نظراً للتغييرات التي طرأت على صيغة الحكم، والتي جعلت من الإصلاح المالي أولوية، على ما ورد في خطاب القسم وفي البيان الوزاري. لكن مع ذلك، تشير المعطيات الآتية من مجلس الوزراء إلى أن ملائكة جمعية المصارف كانت حاضرة في المناقشات، وإن لم تتمكن من فرض كل مطالبها. فقد نجحت في فرض النقطة الأبرز، أي تجميد القانون إلى حين إقرار قانون الفجوة المالية الذي يُحدّد حجم الخسائر وتوزيعها. لكن لماذا تهتمّ المصارف بتأجيل تنفيذ إعادة الهيكلة المؤجّلة أصلاً منذ العام 2020؟ يقول أحد العاملين على خطّ القانون، إن جلّ ما تفعله المصارف هو شراء الوقت، على أمل أن تحصل متغيّرات قد تطيح بالقانون أو حتى تطيح بالاتفاق مع صندوق النقد. هنا ليست كلّ المصارف هي المقصودة، بل المصارف التي تدرك أنها لن تنجوَ من أيّ إعادة هيكلة، لأنها لن تتمكن من تلبية شروط البقاء، حتى لو حصلت على كل أموالها من مصرف لبنان، ما سيضطرّها إما للاندماج مع مصارف أخرى أو التصفية. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ التوقّعات تشير إلى أنه لن يصمد أكثر من 6 إلى 9 مصارف، تتحول لتشكّل رافعة الائتمان في المرحلة المقبلة، انطلاقاً من أنه لا يمكن للمصارف أن تستمرّ في العمل كزومبي من دون قدرة على القيام بدورها الفعليّ، أي تمويل القطاع الخاص، بما يساهم عملياً بإعادة تحفيز الاقتصاد. 

اللافت أن وزير المالية ياسين جابر كان أعلن، بعد الاجتماعي التحضيري الذي عقده الوفد اللبناني إلى اجتماعات صندوق النقد، والذي يضم وزير الاقتصاد عامر البساط وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، إضافة إلى عدد من المستشارين، أن الصندوق مطّلع على هذا التعديل بتعليق نفاذ القانون ولا يعترض عليه. 

وزير الصناعة جو عيسى الخوري، من جهته، أكد للمفكرة القانونية، أنّه لا يمكن تطبيق القانون قبل توزيع الخسائر، ومعرفة حجم الأموال التي يملكها كل مصرف في مصرف لبنان، وما له وما عليه. علماً أن الصندوق كان دفع باتجاه التنفيذ الفوري للقانون على قاعدة احتساب كل أموال المصارف الموجودة في مصرف لبنان، من ثم تقييم وضعها، وتصفية من لا يتمكن من الاستمرار وتطبيق المعايير المطلوبة. وبالتالي، فإن الإيحاء أن إعادة الهيكلة غير ممكنة، قبل تحديد الخسائر، هو أمر مناف للحقيقة، ولا يهدف إلا إلى شراء الوقت. 

استماتة المصارف لتأجيل تطبيق القانون، أثارت الخشية من أن تكون الغاية من شراء الوقت، هي تطيير الاتفاق من أساسه، كأن تقول السلطة بعد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع الصندوق أنها لا تستطيع تطبيق ما يطلبه منها. عندها ستكون الحجج عديدة، منها أنه لا يمكن إلغاء الودائع دستورياً على اعتبار أن حق الملكية مُقدّس. وهذا أمر ليس من أولويات صندوق النقد، الذي يركّز على أولية ضمان تسديد أموال الدائنين وتسديد أموال الصندوق، وضمان تسديد الأموال للدائنين الجدد، والأهم استدامة الدين. أما مسألة الودائع، فلا يطلب الصندوق شطبها من عدمه، ولكن ما يهمه هو عدم وضعها ضمن الموازنة كدين واجب التسديد. وهذا قد يكون مناسباً للمتضررين من الاتفاق مع الصندوق للبدء بالدفع باتجاه بيع أو استثمار ممتلكات عامة، أو تسييل جزء من الذهب وتسديد ثمنه للمودعين، بغضّ النظر عن فئاتهم، ومن ثم ترك المصارف تعيد لملمة نفسها.

ملاحظات الحاكم لا يؤخذ بها 

تأجيل نفاذ القانون لم يكن مطلب المصارف فقط، بحيث أن حاكم المصرف المركزي كريم سعيد، قدم أيضاً الطلب نفسه، إضافة إلى عدد كبير من الملاحظات التي كان لافتاً أن المجلس لم يأخذ بأغلبها، ولاسيما تلك المتعلقة بالدور الإضافي المعطى في القانون لرئيس هيئة الرقابة على المصارف. إذ أن سعيد كان اعترض على ضم رئيس هيئة الرقابة على المصارف إلى الهيئة المصرفية العليا، التي ستُكلّف بمهام إعادة الهيكلة، مع منحه حق التصويت، معتبراً أن ذلك يخالف مبدأ الفصل بين صلاحيات اللجنة (أي التدقيق والمراقبة) والصلاحيات التقريرية التي تعود للهيئة التي ستنظر بإعادة الهيكلة.

صحيح أن هذا الطلب لم يُؤخذ به، إلا أنه يُتوقع أن يثيره عدد من النواب، ليس رفضاً لتضارب المصالح فحسب، بل لأسباب طائفية مرتبطة بالاعتراض على ما يعتبر حدّاً من صلاحيات حاكم المصرف المركزي. وهذا أمر بدأ يأخذ حيّزاً في النقاش السياسي، انطلاقاً من اعتباره تكريساً لما قاله نواف سلام بُعيد جلسة التعيين من أن الحاكم مهمته تنفيذ سياسات الحكومة، ما فسر سعياً واضحاً للحد من صلاحيات حاكم المركزي.  

في النهاية، تم استبدال مدير المالية العامة والقاضي الذي مارس القضاء عشر سنوات على الأقل والعضو المعيّن بناءً على اقتراح جمعية المصارف في لجنة الرقابة بـ:

رئيس لجنة الرقابة على المصارف، وخبير قانوني متخصّص في الشؤون المالية والمصرفية لمدة ١٠ سنوات على الأقل. وقد حدد مشروع القانون أن هذا الخبير يعيّن بمرسوم من الحكومة بناءً على اقتراح وزير العدل، وخبير آخر في الشؤون المصرفية أو الاقتصادية يعيّن بمرسوم من الحكومة، بناءً على اقتراح وزير المالية، ويضاف هؤلاء إلى رئيس الهيئة (حاكم المصرف المركزي) وأحد نواب الحاكم يختاره المجلس المركزي، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة ضمان الودائع ليكون مجموع عدد أعضاء الهيئة ستة أشخاص، على أن تتّخذ القرارات بأكثرية ٤ أعضاء وإذا تساوت الأصوات يكون صوت الرئيس مرجّحاً.

حوكمة أقل

وهنا يتحدث المحامي كريم ضاهر عن فشل محاولة إضفاء المزيد من الحوكمة على عضوية اللجنة، حيث كان الاقتراح أن تعمد الهيئات والنقابات المهنية إلى اختيار أعضاء الهيئة من الخبراء، بدلاً من مجلس الوزراء، لكن ذلك لم يتحقق. لتكون النتيجة أن مجلس الوزراء، أو بشكل أدق الجهات السياسية التي تقف وراء الوزراء، هي التي تُعيّن أغلب الأعضاء، ما يحدّ من استقلاليتها، فيكفي أن يحوز أي قرار على موافقة الخبيرين المعيّنين من الحكومة، إضافة إلى رئيس مجلس إدارة مؤسسة ضمان الودائع ورئيس لجنة الرقابة على المصارف المعيّنين من الحكومة أيضاً، حتى يصبح القرار نافذاً.

القانون، بالرغم من أنه نظرياً يُعبّر عن مطلب صندوق النقد، إلا أنه استغرق الكثير من النقاشات داخل مجلس الوزراء ومنها مسألة المبالغ المضمونة. إذ يقول المحامي كريم ضاهر لـ”المفكرة” إنه نتيجة المطالبات القطاعية أيضاً، أضيفت إلى الأموال المحمية، أموال صناديق التعاضد والتقاعد العائدة للقضاة والنقابات والمدارس والجامعات، التي تشمل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومؤسسة ضمان الودائع وأموال قوى الأمن والمؤسسات التابعة لوزارة الدفاع وودائع السفارات الأجنبية والمنظمات الإقليمية والدولية.

لا حجز فورياً ولا سحب للدعاوى المدنية 

المشكلة الثانية في مشروع القانون تتعلق بالموافقة على طلب المصارف تعديل القوانين السارية المفعول أصلاً والمتعلقة بتعثّر المصارف. فعلى سبيل المثال، وبحسب القانونين 2/67 و110/91، بمجرد إعلان التوقف عن الدفع أو وضع اليد على المصرف، سيتمّ الحجز فوراً على أموال أعضاء مجلس الإدارة و/أو تتمّ إقالتهم إلى حين انتهاء التحقيق. أما في القانون الحالي، فقد أعطيت للهيئة المصرفية العليا صلاحية أن تُقرر استبدال المعنيين أو الحجز على أموالهم من عدمه.

وإن كانت المادة السابقة تلبّي مطلباً لجمعية المصارف، فإن المادة 16، أتت عكس ذلك. هذه المادة منحت الهيئة صلاحية رفع دعوى أمام المحاكم اللبنانية ضد كبار المساهمين وأعضاء مجلس الإدارة والإدارة العليا والمفوضين بالتوقيع ومفوضي الرقابة، الذين شغلوا مناصبهم لدى المصرف المعني في السنوات العشر السابقة لتاريخ صدور قرار إصلاح الوضع وذلك في حال وجود أيّ شبهة بتورّط أيّ من هؤلاء الأشخاص في جرم مدني أو جزائي.

هذا تحديداً ما أثار حفيظة المصارف، التي سعت إلى تجنّب المسؤولية المدنية لأفعالها. وقد اعتبرت أن رفع الدعاوى ضد القيّمين على إدارة المصرف يجب أن يقتصر على من تولّى الإدارة قبل ثمانية عشر شهرًا لتاريخ توقّف المصرف عن الدفع وليس قبل عشر سنوات من قرار الإصلاح، لأن أسباب الأزمة تعود إلى الفترة التي تسبق التوقّف عن الدفع. ويجب أن تكون المسؤولية مرتكزة على إثبات الخطأ وفقا للقواعد التي ترعى المسؤولية عن الفعل الشخصي وليس استنادًا إلى الاشتباه بارتكاب جرم.

كذلك رأت الجمعية أن رفع الدعاوى ضد كبار المساهمين، هو هرطقة قانونية في الشركات المساهمة التي لا يتحمّل فيها المساهم أية مسؤولية ولا أية خسائر تفوق مساهمته. إلا أن هذا القول يجافي ما قد يترتب من مسؤولية على المساهمين برد أي أرباح تم تحقيقها أو توزيعها بصورة غير قانونية.  

في المقابل، حصلت الجمعية على مطلبها المتمثل بإعطاء المصارف المتضررة حق الطعن بقرار التصفية أمام المحكمة المصرفية الخاصة التي تنشأ بموجب أحكام المادة 15 من القانون رقم 110 تاريخ 7/11/1991، والتي يحقّ لها أيضاً النظر في جميع القضايا المتعلقة بالحجز الاحتياطي المؤقت. وهذا تعديل يعتبره المحامي ضاهر محقاً إذ لا يُعقل أن تكون قرارات الهيئة مبرمة وغير قابلة للطعن. علماً أن قرارات المحكمة الخاصة هي التي ستكون مبرمة ولا تخضع لأيّ طريق من طرق المراجعة. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مصارف ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني