في 5/10/2013، قدم القاضي عبد الوهاب قطران رئيس لجنة القضاء والعدل بهيئة الظل الشعبية التابعة لجبهة انقاذ الثورة السلمية في اليمن، دعوى أمام الدائرة الادارية في المحكمة العليا للجمهورية، وذلك لإلغاء القرار الجمهوري رقم (161) لسنة 2013 بشأن ترقية بعض أعضاء السلطة القضائية، وكل ما ترتب ويترتب عليه واعتباره كأنه لم يكن لانعدام اساسه الشرعي والقانوني[1].
وتأتي هذه الدعوى ضمن سياق مناهضة ما يبدو محاولة استحواذ سياسي على القضاء في اليمن، مصدره الهوية السياسية لوزير العدل الذي ينتمي لحزب التجمع اليمني للاصلاح (الفرع اليمني لجماعة الاخوان المسلمين). وتتمثل مؤشرات هذا الاستحواذ السياسي في محاولة الدفع بعناصر بعينها للترقي ضمن السلم القضائي بشكل يُهدر مبدأ الكفاءة والاستحقاق الذي يجب أن يكون حاكماً في عملية الترقية الوظيفية. وهذا ما تحاول هذه الدعوى التصدي له، معتمدة بشكل رئيسي على حكم الدائرة الدستورية بعدم دستورية بعض مواد قانون السلطة القضائية وخصوصاً تلك المُتعلقة بصلاحيات وزير العدل، وهو الحكم الذي صدر في وقت سابق للقرار الجمهوري رقم (161) لسنة 2013 محل الدعوى. فقد أتاح الحكم الدستوري قاعدة للتحرك القانوني في هذه القضية.
لقد رفعت الدعوى ضد كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير العدل، لصدور القرار الجمهوري بتوقيعهم وفق ما جاء في الدعوى. وتأتي مصلحة المُدعي في القضية من كونه قاضيا، وهو (بمركزه الوظيفي يخضع، ابتداء واستمرارا وانتهاء، لقانون السلطة القضائية؛ فله الصفة والمصلحة الحالية المؤكدة والاحتمالية المستقبلية في الادعاء بانعدام القرار محل الطعن)[2].
ويأتي مأخذ الدعوى على هذا القرار من كونه صدر بتاريخ 17 – 6 -2013، سندا لمواد قانون السلطة القضائية ومنها بشكل خاص بما يتصل بالترقية المادة (67)، بينما كانت المحكمة الدستورية قد أفتت بتاريخ سابق في 26-5-2013 بعدم دستورية هذه المادة بما يتصل بتقرير لبدلات إضافية وتعديل جدول المرتبات القضائية. وتاليا، كان على القرار محل الطعن في الدعوى التقيد بما اقتضاه هذا الحكم الدستوري.
وفي مستوى آخر، تطعن الدعوى في اعتماد القرار الجمهوري "على قرار مجلس الوزراء رقم (162) لسنة 2000 بتعديل جدول الوظائف والمرتبات والعلاوات والبدلات لأعضاء السلطة القضائية"، فيما الصحيح أن القرار المذكور ليس صادرا عن مجلس الوزراء انما عن رئيس المجلس فقط الذي ليس له أي صلاحية بهذا الشأن. فالمادة (67) من قانون السلطة القضائية – التي هي ذاتها مادة غير دستورية – تقيد صلاحيات رئيس مجلس الوزراء وتحصرها بمنح بدلات اضافية لتحسين معيشة الموظفين الحكوميين، بينما يدخل تعديل جدول الوظائف والمرتبات والعلاوات والبدلات لأعضاء السلطة القضائية في صلاحيات مجلس الوزراء بأكمله.
وإضافة لذلك فإن (قرار رئيس الوزراء المذكور لم يقتصر فقط على تجاوز صلاحيات مجلس الوزراء كسلطة تنفيذية، بل تجاوز أيضا صلاحيات السلطة التشريعية؛ إذ أنّه لم يقتصر على تعديل المبالغ الواردة بالجدول بالزيادة، بل قام أيضا بتعديل توصيف الوظائف القضائية المحددة حصرا في المادة (58) من القانون ذاته)[3]. فقد أدى قرار رئيس الوزراء المذكور الى إلغاء وظيفة "مساعد قاضي" نهائياً، والتي يؤدي غيابها إلى خلو (محاكم الجمهورية من مساعدي القضاة الذين كانوا يتولون أعمالا غاية في الأهمية ذات الطبيعة المختلطة (القضائية/ الإدارية)… كما أدى (إلغاء وظيفة "مساعد قاضي" .. إلى خلل أشد جسامة من السابق وهو تولية خريجي معهد القضاء منصب القضاء بمجرد تخرجهم ودون مضي فترة التدريب المنصوص عليها قانونا)[4].
وعلاوة على ما سبق، اعترضت الدعوى على ترقية إداريين (ومنح البعض منهم من ثلاث الى أربع درجات قضائية دفعة واحدة وهم لا علاقة لهم لا بالقانون ولا بالقضاء حال كون مؤهلاتهم بعيدة كل البعد عن القانون بعضهم مؤهلاته ادارة اعمال والبعض جغرافيا)[5]. كما اعترضت على (ترقية كثير من القضاة المنقطعين عن العمل منذ ما يزيد عن عشرين عاماً ومنحهم درجات عضو استئناف رغم انه لم يسبق ان أصدروا حتى حكم قضائي واحد)[6] وكل ذلك بسبب انتماء هؤلاء إلى طرف سياسي بعينه ينتمي له وزير العدل، بما يشكله هذا من سوابق خطيرة في التاريخ القضائي اليمني كما تقول عريضة الدعوى.
اياً يكن التقييم للمحاججات القانونية التي تضمنتها هذه الدعوى من ناحية المعقولية والصحة في تفنيد القرار الجمهوري واسانديه، فإن اهميتها تأتي من كونها تشكل جزءا من سياق رقابي على السلطة القضائية سيوجد في المحصلة بيئة مُناهضة للتجاوزات السياسية على السلطة القضائية.
وما زالت هذه الدعوى منظورة امام الدائرة الادارية في المحكمة العليا منذ تاريخ التقدم بها مطلع شهر أكتوبر. ولقد عقدت عدد من الجلسات قدم فيها القاضي قطران رداً على الدفوع المقدمة من قبل ممثلي المدعى عليهم. وعلى الرغم من كون الدائرة كانت قد قررت يوم 5 -12 – 2013 موعدا للفصل في الدفوع والنظر في القضية المنظورة امامها[7] إلا ان عادوت تأجيلها مره اخرى لفترة اضافية حتى تاريخ 6 – 1- 2014. وفي هذه الجلسة، رفضت الدائرة توكيل محامي المدعي الذي سبق ان ثبتته في محضر جلسة سابقة، هذا علاوة على كونها منعت وسائل الاعلام من الحضور لتغطية الجلسة وأيا من النشطاء والمتضامنين مع المدعي، وقامت مرة أخرى بتأجيل الجلسة حتى تاريخ 13 – 1 – 2014[8]، وهو الامر الذي دفع المدعى عليه الى الاحتجاج على حرمانه من محاميه والتلاعب والتعذر المستمر من قبل الدائرة مصرحا انه إذا (أصرت الدائرة على مخالفاتها سيطلب رد الدائرة الادارية بكاملها واحالة القضية الى دائرة اخرى)[9].
بالتأكيد يبدو واضحاً من هذا الترحيل المستمر للفصل في القضية وجود ضغط وحرج كبير لدى الدائرة الادارية بسبب هذه القضية ورمزيتها، من كون الاستجابة للدعوى ستعني نقضاً لقرار جمهوري، بما يعنيه ذلك من دفع للمحكمة العليا لخوض مواجهة ثانية مع الصيغة الحاكمة حالياً في اليمن. وهو الامر الذي لا يُراد تكراره بعد تداعيات الحكم السابق للدائرة الدستورية الذي ما زال يربك السلطات حتى الان، ولهذا فهي تحاول ان تتلكأ في الامر حتى تجد مخرجاً.
وبانتظار ما ستنتهي اليه هذه القضية، يبدو ان بوابة المحكمة العليا بدوائرها المختلفة ستُفتح بإستمرار امام قضايا من هذا النوع يُراقب فيها مصلحة القضاء اليمني والمُنتسبون له لاول مرة على حساب مصالح اخرى كانت دوماً تُرجح عليه.
[7]الدائرة الادارية بالمحكمة العليا تقر الفصل في الدفوع في قضية المخالفات في ترقيات بعض أعضاء السلطة القضائية إلى الخامس من ديسمبر القادم، موقع يمنات الاخباري، 19 – 11 -2013، http://www.yemenat.net/news42257.html
[8]الدائرة الادارية تمنع وسائل الاعلام من تغطية جلسة قضية الطعن في ترقية أعضاء في السلطة القضائية و ترفض توكيل محامي ثبتته في محضر جلسة سابقة، موقع يمنات الاخباري، 6 -1- 2014، http://www.yemenat.net/news43740.html
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.