صحيح أن المتهميّن يحاكمان في محكمة الجنايات، ولكن ربما ليست الصدفة وحدها التي جمعت أمس في 15 أيار 2018 في قفص الاتهام نفسه المحكوم عليه بقتل المواطن جورج الريف، طارق يتيم، والمتهم الرئيسي بقتل الشاب روي حاموش. الجريمتان تقعان في تصنيف القتل المجاني، ونتيجة لخلافات أو إشكالات تحصل يومياً في الطرقات والشوارع المزدحمة في لبنان. والأهم أن وكلاء الدفاع عن يتيم حاولوا التركيز على وضعه العصبي في محاولة منهم للإفلات من العقوبة التي تتناسب مع جسامة الجرم. وهو الدفاع نفسه الذي تم اعتماده في قضية مقتل حاموش أمس في جلستها الخامسة أمام محكمة جنايات بيروت، بعدما كانت الجلسة الرابعة علقت في إثر بدء المتهم محمد الأحمر بالإرتجاف والصراخ والضرب على المقعد في قفص الإتهام في دلالة إلى إصابته بنوية عصبية.
ويلاحظ أن المقاعد المخصصة لعائلة وأقارب الضحية حاموش بقيت طوال الجلسات الخمس (جلسة الأمس وقبلها أربع جلسات) فارغة حيث أوضح وكيل عائلة حاموش المحامي روي أبو شديد إلى "معاناة العائلة من وضع نفسي صعب بعد فقدان إبنها وعدم قدرة أفرادها على التواجد في المكان نفسه مع قاتل روي".
وتأتي الجلسة الخامسة التي عُقدت أمس لإستكمال الإستجواب في قضية مقتل الشاب روي حاموش بإطلاق نار في 6 حزيران 2017 أثناء تواجده مع صديقه جوني نصار، إثر حادث إحتكاك سيارتهم مع سيارة يستقلها ثلاثة شبان وامرأة.
ويلحظ أن المحكمة التي يترأسها القاضي طارق بيطار استلمت أمس تقريراً من طبيب الأعصاب الذي كشف على الأحمر، فيما المفترض أن تتسلّم تقريراً أخر من طبيب نفسي بعد يومين. ومع استكمال القاضي بيطار للمرة الأولى استجواب المتهمين الأربعة، برز أمام محامي الادعاء تناقضات عدة في إفادات المتهمين. وبسبب كثرة هذه التناقضات بالنسبة للمحامين، طلب إليهم القاضي البيطار أن يضموها إلى المرافعة. وتم إرجاء الجلسة إلى 29 أيار 2018.
الأحمر: السلاح يرافقني أينما ذهبت، وأطلقت ذات يوم النار على أولادي
بدا الأحمر هذه المرة هادئاً على خلاف الجلسة السابقة، وأشار إلى أنه أخذ ثلاث حبوب من دواء الأعصاب. راح يتكلم عن وضعه العصبي وأسلوب حياته أمام القاضي، مبرراً أفعاله بحالته العصبية.
يقول الأحمر أنه يتعاطى الحبوب المهدئة أمام أولاده، ولا يصوم شهر رمضان ويشرب الكحول باستمرار. يحمل الأسلحة دائماً، وفق قوله، مع قنبلتين بحوزته، أي مثل شخصية المسلسل التركي "مراد عالم دار" كما وصفه رفيقه المتهم عدنان غندور.
وبهدف إظهار نفسه بأنه شخص "عصبي المزاج"، يقول الأحمر للقاضي بأنه أطلق النار في المنزل على أولاده وزوجته مرّة لكنه لم يُصب أحداً، بالإضافة إلى أنه يعاني من "أمراض عصبية لكنه لم يتبع أي علاج بسبب ظروفه المادية الصعبة" ودائما وفق ما يقوله.
بعد هذه التصريحات، راح الأحمر يجيب على أسئلة القاضي: تارة يتذكر وتارة يقول إنه نسي، ثم ينظر من حوله ليجد زميلتين صحافيتين، وعدداً من طلاب الجامعة اللبنانية في علم النفس الجنائي يدونون ملاحظاتهم، فراح يشكي للقاضي أسلوب تعامل وسائل الإعلام مع القضية إذ أظهرته أنه "قتل من غير رحمة"، مشدداً على أنه لا يذكر "إطلاق النار على روي نهائياً".
خلال إستجوابه شدد الأحمر في بادئ الأمر على أنه لا يذكر أي شيء من تفاصيل ليلة مقتل روي، كونه كان تحت تأثير 20 حبة من الأدوية المهدئة. فعاد القاضي ليستفسر منه عن بعض التفاصيل الواردة في إفادته أمام قاضي التحقيق وفرع المعلومات فأبدى توضيحات على بعض منها، ثم يُنكر إجابات أخرى متهماً فرع المعلومات بتدوينها أو بإرغامه على قولها أمام قاضي التحقيق. ويشير الأحمر إلى أنه "طلب خلال التحقيقات الأمنية أن يتم إجراء الفحوصات المخبرية إلا أنه لم يؤخذ بطلبه". لذا، سأله القاضي بيطار عما يذكر من ليلة الحادثة فأجابه الأحمر: "لا شيء". عندها راح القاضي يسأل أكثر فبدأ الأحمر يجيب ليعود القاضي ليقول له كيف تقول إنك لا تذكر؟
إثر تشديد القاضي عليه كي يروي ما حصل في تلك الليلة، ذكر الأحمر أنه كان يشعر بالتعب ليلة الجريمة بسبب تأثير الأدوية المهدئة، فطلب من عدنان غندور "قيادة السيارة". وكانوا متجهين للاستدلال على منزل شخص يريد العمل لديه كسائق.
يقول الأحمر: "أذكر أني شعرت باصطدام سيارتنا بسيارة أخرى، فترجلت لأرى ما حصل وأبقيت مسدسي في السيارة، إذ ليس من عاداتي أن أحمله معي إلى الطريق". يضيف "كانت نافذة السائق (جوني) مفتوحة قليلاً لكنه أقفل الأبواب، فانفعلت، عندها انطلق السائق مسرعاً ودهس رجلي". يسأله القاضي بيطار كيف تذكرت أنه دهس رجلك، يجيب الأحمر: "عندما ذهبت إلى المنزل رأيت أن رجلي متورمة".
ثم روى الأحمر تفاصيل أخرى عن الحادثة رداً على أسئلة القاضي: "طلبت من عدنان أن يلاحق السيارة لنعرف لماذا ضربونا، لكننا أضعناهم، فأشرت إليه أن نذهب إلى المنزل. لكن بعد فترة قليلة عُدت ولمحت السيارة التي اصطدمت بنا. وهنا لم أعد أعرف ما حل بي. ولا أذكر ما حصل بعدها ولا أذكر أني أطلقت النار". يضيف الأحمر "علمت في اليوم التالي أنني واجهت إشكالاً، حين اتصل بي والدي وقال لي أنه تمت مداهمة المنزل، وقامت زوجتي الأولى بإرسال صورة روي لي". ثم يشير إلى أنه "اتصل بغندور والمولى ليستفسر عما حصل معهم في اليوم السابق". وعندما سأله القاضي إن كان قد طلب من زوجته إصلاح السيارة، أجاب: "نعم، طلبت منها ذلك في الصباح بهدف إزالة آثار الضربة عن السيارة".
تخلل الجلسة إستكمال لاستجواب المتهم هاني المولى، الذي توقف استجوابه في الجلسة السابقة بسبب النوبة العصبية التي انتابت الأحمر. يقول المولى أنه رأى الأحمر يحاول قتل جوني نصار، لكنه لم يعرف إذا كان يوجه السلاح نحو جسده مباشرة أم إلى قدميه. وحين "لم تخرج طلقة من المسدس، عاد الأحمر إلى سيارته ولحقه عدنان غندور، ونزل جوني من السيارة وسرعان ما بدأ الأحمر بإطلاق النار بين رجليه. عندما هرب جوني شعر الأحمر أن روي يحاول الهرب فالتفت نحوه وقتله"، وفقاً لإفادة المولى. وتختلف رواية غندور عن حادثة القتل عن رواية المولى، إذ قال بأن الأحمر "بدأ بإطلاق النار بشكل عشوائي، وخلال التفاف يده أصاب روي". يقول غندور "سمعت روي يصرخ وجعاً بعد إصابته، ورأيته قد بقي في وضعية الانحناءة". بعد ذلك، وجه الأحمر المسدس تجاهي وتجاه المولى وطلب منا الصعود في السيارة وهددنا بالقتل. يتابع غندور، "خلال العودة قلت للأحمر أنه يوجد شاب مصاب لكن الأحمر كان بحالة عصبية شديدة ويرتجف ولم يسمح لأحد بالكلام معه".
في السياق نفسه، يؤكد المولى وغندور أنهما لم يعتقدا بأن روي قد توفي، وظنا بأنه مصاب. وفي اليوم التالي علم المولى حسب قوله من الأحمر بأن روي قد قُتل.
يشرح غندور عن صديقه الأحمر بأنه معروف بطباعه: فعندما يغضب يطلق النار إما في الهواء أو على الأرض "حتى أنا، أطلق النار علي مرة وأصابني في قدمي أثناء محاولتي إبعاده عن إشكال مع عدد من الأشخاص". ويفيد غندور "تعرضت للضرب في فرع المعلومات وأرغموني على عدم الاعتراف بأن الأحمر يتناول حبوب الأعصاب أمام قاضي التحقيق، فامتثلت لما أمروا به كوني كنت ما زلت موقوفاً عندهم". لذا يشير إلى أنه يتراجع عن أقواله كافة أمام فرع المعلومات وبعض الإجابات أمام قاضي التحقيق المتعلقة بعدم إدمان الأحمر على الحبوب.
من ناحيتها، أفادت الزوجة الثانية للأحمر الظنينة أمل موماجيان بأنها لم تشعر أن الأحمر قد احتسى المشروبات الروحية في ذلك اليوم، وتؤكد أنه كان يعاني من آلام في كليته لكنه كان هادئاً. ويتبين أن موماجيان هي وحدها أدلت بأنه لم يحصل مطاردة بعد حصول حادث الإصطدام، على خلاف الثلاثة الموقوفين الذين أكدوا المطاردة. تضيف أمل "كان الأحمر هادئاً، إلا أنه عندما التقينا بالسيارة مرة أخرى، أصبح شديد العصبية وأذكر أني سمعت طلقات نارية وتأكدت بأنه هو من يطلق النار. فاختبأت خلف الكرسي وبقيت هكذا طيلة الوقت. ولم أشاهد شيئاً". وتتابع أمل "عدت إلى منزلي في برج حمود، وعند الفجر حضر الأحمر وكان متوتراً وبحالة عصبية وبدا عليه التعب". تضيف، "في اليوم التالي عند الساعة 11 صباحاً علمت أن شخصاً قد توفي في الحادثة، وأخبرني الأحمر أنه ينوي تسليم نفسه بعد أن يستشير محامياً". وبسؤال القاضي عن المعاملة التي تلقتها أثناء التحقيق معها، تقول "أعطيت إفادتي بحرية مطلقة خلال التحقيقات الأولية، ولم أتعرض للضرب إنما للإهانة".
يتيم يلتقي الأحمر: لا نريد الإعلام
شاءت الصدف أن تلتقي محاكمة المتهمين بقتل روي حاموش مع محاكمة للمحكوم في قضية قتل المواطن جورج الريف، طارق يتيم. جمع قفص الإتهام الأحمر والمتهميّن الأخريّن مع يتيم الذي كان يُحاكم أيضاً في قضية الإعتداء على معلم في مدرسة زهرة الإحسان. والصدفة أيضاً جمعت وكلاءهم الذين ذهبوا في الاتجاه نفسه للدفاع عن موكليهم، عبر محاولة الإثبات بأنهم يعانون من أوضاع نفسية دفعتهم لإرتكاب جريمة قتل. والحال أن الأحمر ويتيم قد أعربا عن انزعاجهما من وجود أشخاص يدونون ملاحظات على مقاعد المحكمة. إذ حضر في القاعة عدد من طلاب علم النفس الجنائي في الجامعة اللبنانية، وعدد من الصحافيين. واعتبر يتيم أن "الصحافة تريد متابعة أي موضوع يتعلق بإسمي". عندها، سأله القاضي لماذا تُطلق أحكاماً مسبقة على الإعلام، من أكد لك ماذا سيكتبون؟
واعترض الأحمر بدوره على الصحافة التي صورته "الشخص الذي قتل من غير رحمة"، مشدداً على أنه "بسبب حالته العصبية لا يذكر أنه أطلق النار على روي حاموش". فدعاه القاضي إلى التركيز على الأسئلة التي يطرحها والإجابة عليها.