صادق المجلس الوطني التأسيسي بتاريخ 09 اكتوبر 2013 على قانون احداث الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاانسانية. ويتأتى بعث الهيئة في إطار تنفيذ التزامات الدولة التونسية بعد مصادقتها في جوان 2011 على البروتكول الاختياري للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب. وتكون تونس ببعثها لهيئة عمومية مستقلة يعهد لها بمكافحة التعذيب بمراكز الاحتفاظ والايقاف والمؤسسات السجنية اول بلد عربي وخامس بلد افريقي يستجيب لاشتراطات المنتظم الاممي في خصوص ايجاد الاليات المؤسساتية التي تضمن القطع مع التعذيب كممارسة ممنهجة او كتجاوزات فردية يتم التغاضي عنها.
وتعد حسب نص القانون الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب هيئة عمومية مستقلة لا تخضع للسلطة التنفيذية يتولى أعضاؤها الستة عشر في اطار أعمالهم مباشرة زيارات تفقد لمؤسسات الحجز على مختلف أصنافها بشكل دوري أو بشكل فجائي دون أن يكون للجهات المسؤولة عن ادارة المؤسسات السجنية حق منعهم من الزيارة الا بشكل مؤقت "لأسباب ملحة وموجبة لها علاقة بالدفاع الوطني أو السلامة العامة والكوارث الطبيعية او اضطراب خطير في المكان المزمع زيارته بما يحول مؤقتا دون الزيارة ويكون ذلك بقرار كتابي معلل يبلغ فورا إلى رئيس الهيئة وينص فيه وجوبا على مدة المنع المؤقت"[1].
وستتولى الهيئة بمجرد مباشرتها لأعمالها بعد اختيار أعضائها العمل على تحقيق الهدف من بعثها والذي يتمثل في بعدين أولهما التوقي من التعذيب وحماية الحرمة الجسدية والنفسية للموقوفين من خلال تحرير تقارير وتوصيات تهدف لتحقيق ملاءمة الظروف الفعلية للاحتجاز مع المعايير الدولية وثانيهما زجري يهدف لرصد حلات التعذيب والتحقيق في شأنها لغاية منع مقترفيها من الافلات من العقاب.
ويذكر هنا ان قانون الهيئة الذي تمت المصادقة عليه بأغلبية 117 نائبا في ظل غياب طيف هام من نواب المعارضة الذين يقاطعون اعمال المجلس أرسى مبدأين هامين أولهما اقصاء المنتمين للنظام السابق من الترشح لعضويتها وثانيهما عدم قابلية جرائم التعذيب للسقوط بمرور الزمن.
وكانت الاغلبية النيابية قد رفضت في مرحلة أولى مقترح الاقصاء من حق الترشح لعضوية الهيئة فيما بدا انسجاما منها مع الاعتراضات التي سبق ورافقت عرض مشروع تحصين الثورة الذي تضمن ذات فكرة الاقصاء لتعود لاحقا وتصادق على هذا المنع في سياق سعي منها لإرضاء حلفائها داخل المجلس. وفي مقابل ذلك، لم يجابه مقترح نواب بالمجلس التأسيسي بإضافة فصل قانوني للمشروع الحكومي المقترح ينص على عدم سقوط جرائم التعذيب بمرور الزمن بمعارضة من اغلبية النواب الحاضرين بما يؤدي لنسخ ما نص عليه المرسوم عدد 106 لسنة 2011 بتاريخ 22 أكتوبر 2011 المتعلق بتنقيح وإتمام المجلة الجزائية ومجلة الإجراءات الجزائية لهذه الجهة. وكان المرسوم المذكور قد نص في سياق تنقيح الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من مجلة الاجراءات الجزائية أن تتبع جرائم التعذيب يسقط بمضي خمسة عشر عاما من تاريخ اقترافها.
ويبدو ارساء هيئة للوقاية من التعذيب بتونس حدثا حقوقيا هاما بالنظر لما تمسك به الملاحظون من استنكار لتواصل التعذيب كممارسة داخل مؤسسات الايقاف بعد الثورة وينتظر من الهيئة أن تضمن نشر ثقافة حقوق الانسان داخل المؤسسات السجنية وتفرض احترامها. ويبقى نجاح الهيئة في أعمالها رهنا بالتزام السلط العمومية بتوفير الامكانيات اللازمة لها للقيام بدورها وبالتزامها بتطوير المؤسسات العقابية من جهة فضاءاتها وتجهيزاتها بما ينهي حالة اكتظاظها التي تعد فعليا ضربا من ضروب التعذيب النفسي للمساجين.
الصورة منقولة عن موقع السكينة
[1]الفصل 13 من قانون الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب
متوفر من خلال: