وجد رئيس الحكومة التونسية السيد علي العريض بمناسبة حوار صحفي أجراه مع اعلاميين تونسيين ليلة 12 اكتوبر 2013 نفسه مضطرا لبيان موقفه من التزام حكومته بأحكام القضاء الاداري. فقد طرح أحد الصحفيين عليه سؤالا مباشرا حول موقف حكومته من الاحكام التي اصدرتها المحكمة الادارية والتي قضت بإبطال قرارات التقاعد الوجوبي التي تسلطت على مجموعة من الاطارات الامنية عقب الثورة وإذا كانت وزارة الداخلية ستنفذ الاحكام المذكورة. كان رد الوزير على السؤال المباشر واضحا في توجهه اذ ذكر ان وزارة الداخلية ستقيم الاحكام بحسب الحالات لتنتهي الى عدم تطبيق القرارات القضائية القاضية بإرجاع اطارات أمنية للعمل متى كان لديها معطيات تفيد بتعارض هذا الارجاع مع المصلحة العامة. وفي شرحه لموقفه، بين رئيس الحكومة أن وزارة الداخلية تحتفظ في حالات معينة بأسباب لقراراتها لم تدل بها أمام الجهة القضائية المختصة، وبالتالي فان الأحكام القضائية لا يمكن تطبيقها متى كانت الاسباب الخفية تجعل من عودة الاطارات الامنية مصدر خطر على عمل المؤسسة الأمنية.
كشفت تصريحات رئيس الحكومة عن توجه رسمي يصر على مواصلة تمتيع الادارة بسلطة تقديرية في تنفيذ الأحكام القضائية وهي السلطة التي كان النظام الاستبدادي يعتمدها من خلال سماحه للقضاء الاداري بهامش من استقلالية القرار مقابل الامتناع عن تطبيق أحكامه في إطار مقاربة شكلية تحتفي بالمؤسسات وتستعملها في الدعاية مقابل تهميشها فعليا.
كشف الموقف المعلن عن المآل المنتظر لعدد هام من قضايا الابطال التي رفعها أمنيون سعيا لإبطال قرارات ادارية شملتهم. كما يؤشر هذا الموقف الى احتمال اعتماد التوجه نفسه فيما يتصل بتنفيذ الأحكام التي ينتظر صدورها في قضايا ابطال قرارات الاعفاء التي طالت عددا من القضاة.
وبالطبع، جاء هذا الموقف المعلن مفاجئا على اعتبار انه ينتظر من حكومة انبثقت عن انتخابات ديموقراطية وترفع شعار تحقيق الانتقال الديموقراطي ان تلتزم باحترام مبادئ النظام الديموقراطي الذي يكرس استقلالية القضاء فتؤكد في ممارستها لسلطتها وتصريحات مسؤوليها التزامها التام بتطبيق الاحكام القضائية. غير ان تصريحات رئيس الحكومة وما سبقها من تعبير مستمر من الساسة عن امتعاضهم من الاحكام القضائية وسعيهم الدائم للبحث عن خلفيات وابعاد سياسية للقرارات القضائية تبرر لهم سعيهم للتملص منها يكشف عن عمق الخلل المفهومي الذي لازال يمنع من البناء الفعلي لمفهوم دولة القانون ويعيد انتاج منظومة الاستبداد تحت عناوين جديدة أولها حماية المسار الثوري والامن العام.
الصورة منقولة عن موقع الحقيقة
متوفر من خلال: