“الناس هي عم تساعد بعضها البعض، المساعدات لي عم تتوزّع هي من تبرّعات العالم، الدولة ما عم تقدّم شي”، عبارة تردّدت على لسان معظم المساهمات والمساهمين في إطلاق مبادرات فردية وشعبية ومجتمعية، ممن قابلتهنّ “المفكرة القانونية”. مبادرات نشأت ونشطت وتنظّمت مع توسّع العدوان الإسرائيلي على معظم المناطق اللبنانية منذ 23 أيلول 2024، وأخرى فردية أو من مجموعات صغيرة من أشخاص ينشطون ضمن مناطق محددة.
وكعادته في كلّ حرب وربّما في كلّ أزمة، لم يجد المنكوب في لبنان من يحتضنه سوى الناس، لم يجد سندًا له سوى شخص آخر ربما يكون أقلّ نكبةً منه، فيما يقتصر دور مؤسّسات الدولة وغرف الطوارئ، على البيانات وخطط لا تمتّ للواقع بصلة، أو على الأقل عاجزة عن الإحاطة بحجم الكارثة الناتجة عن تصاعد جرائم العدوان الاسرائيلي التي تصاعدت دراماتيكيا منذ منتصف أيلول.
وعلى الرغم من أنّ العدوان على لبنان ختم عامه الأول في 8 تشرين الأول الجاري ، وتوسّع الحرب كان أمرًا متوقّع، إلّا أنّ مؤسّسات الدولة لم تكن على أهبة الاستعداد لاحتواء أزمة النزوح، رغم امتلاكها موارد مهمّة، أبرزها 5.7 مليار دولار مودعة في مصرف لبنان، تُستخدم فقط للحفاظ على استقرار نقدي زائف.
وبالتالي تعتمد عمليات إغاثة النازحين اليوم بشكل رئيسي على جمعيّات ومبادرات أهلية وحتى فردية، بعضها نشأ مع توسّع موجة النزوح بالتزامن مع توسّع العدوان، وبعضها تجمّعات بدأت مع بداية حراك 17 تشرين العام 2019 وتنشط في الأزمات. ويجمع بين بعض هذه المبادرات التنظيم والاستعداد المسبق للأزمة الحالية منذ بدء العدوان في 8 تشرين الأوّل 2023 حسب ما أخبر القيّمون عليها “المفكرة”، فيما نشأت مبادرات أخرى بشكل عفوي فرضه الوضع المأساوي للنازحين الذين تقدرهم الجهات الرسمية بنحو مليون و200 ألف نسمة.
وترسم هذه الحركة البركة في مختلف المناطق اللبنانية مشهدًا جميلًا في هذا الظلام الدامس والدامي الذي أنتجه استفحال الإجرام الإسرائيلي الفالت من عقاله. ويأتي التضامن الكبير للمجتمع اللبناني ليواجه سعي إسرائيل إلى “شيطنة” النازحين واستهداف المناطق التي احتضنتهم، كما في مواجهة بعض المحرضين داخليا من أفراد وجهات ووسائل إعلام ضد النازحين.
في هذا التحقيق سنحاول الإضاءة على عدد المبادرات الأهلية التي تساهم في تخفيف أزمة النازحين، وسط غياب مؤسسات الدولة، وقد اخترنا مجموعة من المبادرات التي تغطّي معظم جوانب النزوح والصمود، منها تعمل على تأمين المساعدات لمراكز إيواء النازحين أو تقديم خدمات معيّنة لهم ومنها تقدّم المساعدة للصامدين في القرى أو تعمل على تأمين مساكن للمهجّرين. مع إدراكنا التام كمفكرة أننا لم نصل إلى جميع المجموعات، ولا ندّعي ذلك، التي لولاها لكان وضع النازحين أكثر كارثية.
المبادرات الأهلية أكثر تنظيمًا واستعدادًا من مؤسّسات الدولة
مبادرة غنى غريزي فعلت ما لم تفعله دولة ولا حزب
نهار الإثنين 23 تشرين الأول 2024 كانت أخصائية التغذية غنى غزيري عائدة من مركز عملها في صيدا إلى منزلها في بيروت، وفي طريقها علقت كما جميع النازحين في زحمة السير الخانقة، واجهت واختبرت ما اختبروه من جوع وتعب وعطش. فور وصولها إلى منزلها فكرت في النازحين ونزلت إلى الشارع لتوزيع السندويشات والمياه، وأرسلت نداءً عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي لمتابعيها للحضور لمساعدتها. تروي أنّها فوجئت بأعداد المتطوّعين وجلّهم من الأمهات اللواتي لبّين النداء، ورحن يتعاونّ على تحضير وتوزيع ما تيسّر. وفي اليوم التالي بدأت تردها اتصالات من أفراد يريدون التبرّع فوصلتها مساعدات عينيّة تمكّنت من خلالها من مساعدة 10 مراكز إيواء في البداية، بعدها وضع أحد المواطنين في تصرّفها مخزنًا كبيرًا بدأت تجمع فيه المساعدات. والمبادرة اليوم تستمرّ بالتبرّعات المالية وبتبرّعات عينية من أصحاب مؤسّسات: “في أفران كبيرة كلّ يوم بتتبرّع لنا بالخبز، في مؤسّسة تبرّعت لنا بقوارير الغاز وزّعناها على المراكز، ومؤسسة بأدوات تنظيف وغيرها”. كذلك تمكّنت من خلال التبرّعات في المساهمة بتركيب خزانات للمياه للعديد من المراكز التي لا يوجد فيها مياه.
تضيف غنى أنّ عدد المتطوّعين في مبادرتها بلغ اليوم أكثر من 500 متطوّع، وهي تساعد حوالي 50 ألف نازح في حوالي 150 مركز إيواء في معظم المناطق اللبنانية.
وتشرح أنّ المتطوّعين مقسّمون إلى فرق، فريق يجري المسح الميداني في مراكز الإيواء للوقوف عند الاحتياجات، فريق يتلقّى المساعدات، فريق يجري مناقصات لشراء البضائع على أن تعطى الصناعات الوطنية الأولوية على غيرها، فريق يصوّر توزيع المساعدات انطلاقًا من مبدأ الشفافية، “العالم ما بدها تساعد أحزاب وطوائف، العالم وثْقت فينا لأن نحن أمهات مش محسوبين على حدا”.
تقول غنى إنّها تواجه بعض الصعوبات على الأرض لا سيّما لجهة سيطرة بعض مسؤولي الأحزاب على مراكز الإيواء الذين يريدون توزيع المساعدات باسمهم، أو منعها من إجراء المسح الميداني “أنا المركز لي عليه واحد بقلّي ممنوع فوت أو بدو يمنعني اعمل مسح بفلّ من عنده، ما بفوت عليه”، وتتابع أنّ هناك نقصًا في حليب الأطفال والحفاضات والمستلزمات الطبّية والأدوية.
تشيد غنى بالإقبال الشديد بخاصّة من قبل الجيل الجديد على المساعدة والتطوّع: “الجيل الجديد واعي مسؤول ومعطاء، بيقولولي ما بدنا نفل بدهم يضلّوا عم يساعدوني، وفي أمهات ورجال معطلين شغلهم كرمال يساعدوا”.
“سقف واحد” و”درب عكار” لتأمين المأوى للنازحين
تأمين المنازل، برز في الأزمة الحالية كأكبر تحدّ أمام النازحين الذين لا يجدون مكانًا في مراكز الإيواء أو الذين يفضّلون عدم السكن في مدارس خصوصًا في ظلّ ما يسمعونه عن النقص الهائل في الاحتياجات. لذلك برزت العديد من المبادرات في هذا الإطار ونشطت مجموعات على واتساب تعمل كوسيط بين النازحين وأصحاب المنازل ممّن أرادوا تقديمها مجّانًا أو حتى الذين يرغبون في تأجيرها.
من هذه المبادرات “سقف واحد” التي تسعى إلى تأمين سكن للنازحين جرّاء الحرب القائمة على لبنان وتقوم بدور وسيط بين صاحب المسكن والنازح وتغطّي كل لبنان. يقول أمين تيماني، أحد الناشطين فيها، إنّه مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، عمل مع مجموعة من أصحابه الناشطين في مختلف المناطق اللبنانية على تجهيز منازل إيواء تحسّبًا لنزوح عدد من الجنوبيين، فقاموا بتأمين حوالي 117 منزلًا مجانًا في جميع المناطق اللبنانية. بعد تأمين المأوى راحوا يعملون على تأمين المستلزمات بقدر استطاعتهم. وعن الأدوار الأخرى للمبادرة، يتحدّث تيماني لـ “المفكرة” عن توفير حوالي 800 حصة غذائية وأدوية في منطقة عاليه، قائلًا “ما منقبل يكون في ناس عالطرقات أبدًا، وفتحنا مطبخ لتوزيع الوجبات الساخنة”.
من جهة ثانية يؤكّد تيماني أنّ الحرب ربّما تكون فرصة لجمع مختلف اللبنانيين وفئاتهم: “الربط بين الناس ضروري، اليوم عم نقدر نوصّل بين لي ما عنده مسكن وبين أصحاب البيوت، وهيدا دليل قديش الناس متماسكة ومتضامنة بغض النظر عن الخلفية السياسية والحزبية”.
ومن عاليه إلى عكار حيث وصل النازحون من الجنوب، كان فريق جمعية “درب عكّار” مستعدًّا مسبقًا لقدوم النازحين حيث قام في الأشهر التي سبقت توسّع العدوان بجمع داتا عن المنازل يمكن توفيرها مجانًا عند الضرورة.
يقول خالد طالب من الجمعية إنّ الفريق أمّن 20 منزلًا فور وصول النازحين إضافة إلى مركز الجمعية الذي قاموا بجهيزه بمستلزمات أساسية بميزانية لم تتخط 700 دولار تم جمعها من أفراد وأصدقاء. ويضيف أنّ الجمعية التي تعمل منذ سنوات على إنقاذ الغابات من الحرائق، كرّست علاقاتها لمساعدة النازحين على استئجار منازل من أفراد محل ثقة لن يقوموا باستغلالهم من خلال رفع بدلات الإيجار. “شفنا قديش كان في استغلال، ناس بتقول عندها بيوت بيطلع ما عندها أو بيوتها مش بحالة منيحة، الهدف ما نخلّي حدا يستغلّ النازح، كنّا عم نتولّى الاتصال بأصحاب البيوت لي مطروحة للإيجار ونتأكّد إنّ البيت موجود وما في استغلال ونبعت الناس لي وثقت فينا لعندهم”. ويتابع أنّ الكثير من شباب المنطقة هبّوا للتطوّع لمساعدتهم في أعمال الإغاثة.
ويؤكّد خالد على أهمّية التكافل الاجتماعي في هذه المحنة، “لي كانوا جايين كانوا آخذين فكرة غلط عن المنطقة، خافوا الناس ما يستقبلوهن، كسرنا حاجز الخوف”، مضيفًا أنّه على الرغم من صعوبة المرحلة إلّا أنّ من إيجابيات الحرب عودة التلاحم ورفض الخلاف المذهبي. “الحرب تساعد على كسر الصورة النمطية، اليوم 100 ألف نازح بينهم أطفال رح يرجعوا على ضيعهم و يتذكّروا هالايام واستقبال الناس إلهم”.
مبادرة “بيتي بيتك” تهتم بالنازحين في المنازل
في مقابل المبادرات التي تقدّم مساعدات للنازحين في مراكز الإيواء، تنشط مبادرات أخرى لمساعدة النازحين في المنازل ممن تركوا بيوتهم على عجل حاملين أغراض بسيطة ويعوزهم الكثير من حاجاتهم عدا عن أنّ العديد منهم بدون عمل وبالتالي من دون مصدر دخل.
مبادرة “بيتي بيتك” التي نشطت في سنوات كورونا وحرائق المشرف وصولًا إلى انفجار المرفأ وكان لهم مساهمة في أعمال الإغاثة خلال الزلزال الذي ضرب تركيا في العام 2022، هي اليوم حاضرة مع توسّع العدوان. تقول مؤسّسة المبادرة نعمت بدر الدين في اتصالٍ مع “المفكرة”، إنّ المبادرة تركّز على مساعدة العائلات النازحة إلى البيوت وليس في مراكز الإيواء. “كلّ الجمعيات والمبادرات عم تركّز على مراكز الإيواء بينما العائلات في المنازل كمان وضعها ببكّي، حاليًا الحرام مثلًا أغلى من الذهب”.
تتابع أنّهم منذ أشهر قاموا بالتجهّز تحسّبًا لتوسّع الحرب، فأمّنوا بعض المنازل المجّانية إضافة إلى الحصص الغذائية والمستلزمات، ولدى المبادرة مركزان الأوّل في الحمراء وآخر في برج أبي حيدر. مؤخّرًا قاموا بتجهيز 6 مطابخ، ثلاثة منها في عكار وثلاثة في بيروت يقومون من خلالها بتوزيع الوجبات الساخنة على العائلات في المنازل وفي الشوارع. تشّرح بدر الدين أنّ المبادرة ليس لديها جهة مموّلة بل هي بمثابة وسيط بين النازحين والمبادرات والجمعيات “يعني منبعث لجمعية بدنا هلقد أغراض بيبعتولنا”.
من صيدا إلى بيروت: مطاعم ومطابخ في خدمة النازحين
على امتداد الأراضي اللبنانية استحدثت مطابخ في عكار والشوف والمتن وجبل لبنان وتمكّنت خلال الأيام الماضية من تلبية حاجات النازحين. كما هناك مطاعم كرّست نفسها لتقديم الطعام للنازحين بينها مطعم “المستشار” في صيدا الذي تحوّل إلى مطعم إغاثة، وقد بدأ نشاطه في يوم إرغام إسرائيل سكان المناطق الجنوبية والبقاعية على النزوح الكبير في 23 أيلول الماضي حين قام بتوزيع السندوتشات على العالقين في الطرقات. واليوم يوفّر الوجبات الساخنة للنازحين في مراكز الإيواء في المدينة، ولكلّ من يمرّ على مطعمه ولا يملك المال، وقد تعذّر إجراء مقابلة معهم لشدة انشغالهم.
وفي بيروت قام مطعم “ة” في الحمراء الذي افتتح أبوابه في حرب 2006 للنازحين والناشطين الذين كانوا يجمعون المساعدات في حينها، بوضع مطبخه وموظّفيه في خدمة النازحين. ويقدّم المطعم الطعام جاهزًا “على طريقة البوفيه المفتوح” كما يوزّع الوجبات على ثلاث مراكز إيواء تضمّ حوالي 650 نازحًا. يقول إيلي غساني أحد أصحاب المطعم لـ “المفكرة” إن “المطعم اعتاد الوقوف إلى جانب أهله في جميع الأزمات التي مرّت، بدءًا من حرب تمّوز وصولًا إلى اليوم، لذا هناك الكثير من الداعمين الذين يثقون في عملنا ويرسلون المساعدات والتبرّعات ما ساهم في توسيع هامش المساعدة”.
منتدى الرأي العام حاضر للإغاثة في البترون
كما في كلّ المناطق اللبنانية كذلك في البترون، بدأت المبادرات الشعبية، حوّل منتدى الرأي العام الذي نشأ كإطار تواصل سياسي في العام 2024، نشاطه إلى عمليات الإغاثة. يقول الناشط سمعان طانيوس لـ “المفكرة” إنّ مراكز الإيواء التي تمّ اعتمادها وفتحها في المنطقة كانت بسبب ضغط الأهالي، ، علمًا أنّ هذه المناطق تتقاسمها سياسيًا القوّات والكتائب والتيار الوطني الحر إضافة إلى وجود قوى التغيير. وتمّ افتتاح حوالي 7 مراكز إيواء تضمّ 700 نازح تحاول المبادرة تأمين المواد الغذائية والأدوية لهم، كذلك السعي لإقامة مطابخ لتقديم وجبات ساخنة. وتساعد المبادرة النازحين في المنازل أيضًا حيث تمّ تأمين 50 فرشة لهؤلاء.
مؤسّسة “معروف سعد” حاضرة في الحرب كما في السّلم
منذ اليوم الأوّل، تمّ تشكيل خليّة أزمة برئاسة بلدية صيدا تضمّ كلّ الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني، يقول مدير مؤسّسة “معروف سعد” الاجتماعية وائل قبرصلي، مشيرًا إلى أنّ المساعدات تصل جميعها إلى بلدية صيدا حيث يتمّ توزيعها على مراكز الإيواء. وهناك يتمّ تحديد الأولويّات استدراكًا للفوضى في التوزيع، “يعني إذا وصل فرش من حدا أنا بعطي خبر للبلدية هنّي بيعرفوا المراكز لي عندها نقص وهالشي بيضمن العدالة لجميع مراكز الإيواء في الحصول على المساعدات”.
ويضيف أنّ المؤسسة تؤمّن حاليًا مستلزمات لحوالي 3300 نازح موزعين على 11 مركزًا في صيدا، وقد كرّست المؤسسة حوالي 300 متطوّع لإغاثة النازحين يؤمّنون ما يلزم قدر المستطاع، “عنّا يوميًا ما يفوق 24 ألف وجبة غذاء يجب تأمينها، عم تتأمّن من مطاعم المدينة لي هي كمان حطت مطبخها بتصرّف الناس”. كذلك تقوم طواقم الأطباء والممرضين في المراكز الصحية التابعة لمؤسسة معروف سعد بالتعاون مع وزارة الصحة بتأسيس عيادة متنقلة.
ويقول قبرصلي إنّه تبيّن أنّ هناك في المراكز التي تغطّيها المؤسسة، 12 مريض سرطان غير قادرين على تأمين الأدوية والعلاج اللازمين، كذلك هناك الكثير من الأطفال الذين يحتاجون إلى الأدوية وإنّ البلدية تقوم بتأمين الحد الأدنى منها، عدا عن حاجات المسنّين من أدوية للأمراض المزمنة. ويؤكّد أنّ لدى أبناء مدينة صيدا تجاربهم مع التهجير واحتواء النازحين على مدى عقود.
وكانت “المفكرة القانونية” قد سلطت الضوء في تحقيق منفصل على المبادرات في منطقة الشوف، كذلك لجأت بعض العائلات الى المخيمات الفلسطينية حيث قدّم لهم الأهالي والناشطون المساعدة، ولم نلحظ خلال بحثنا أيّة مبادرة خاصّة تُعنى بوضع النازحين السوريين على وجه الخصوص.
المبادرات الفردية: الناس لبعضها
كانت مدينة صيدا أولى المدن التي استقبلت النازحين يوم الإثنين 23 أيلول حين علق المواطنون لساعات طوال في زحمة السير الخانقة هربًا من القصف والغارات المفاجئة على معظم القرى الجنوبية. هناك بدأت المبادرات الفردية العفوية. يقول الناشط عمر ترجماني إنّ عددًا من سكّان المدينة نزلوا إلى الشوارع لمساعدة القادمين عبر توزيع مياه الشفّة وبعض الوجبات الغذائية. حتى العاملين في مجال تصليح السيارات هرعوا لمساعدة أصحاب السيارات المعطّلة، كذلك عمل بعضهم على تزويد السيارات بالوقود، “نزلنا عالطريق نساعد بأي شي كلّ واحد باختصاصه، كان الهمّ كيف نشيل الناس عن الطرقات”.
أديب فرحات قرر إعانة الصامدين
ورغم اشتداد الغارات الإسرائيلية ومع توالي الإنذارت بالإخلاء، لا يزال هناك أشخاص كثر في قراهم، لم يستطيعوا مغادرتها سواء لقلّة الحيلة ولعدم توفّر وسائل نقل أو لعدم الرغبة في عيش مشقّة النزوح والسكن في المراكز أو ببساطة لأنّهم رفضوا النزوح وقرروا الصمود في قراهم. هؤلاء يعانون من نقص في كل شيء. أديب فرحات ناشط قرّر إطلاق مبادرة تلبّي بعض حاجات الأهالي الذين ما زالوا صامدين في القرى. يقول في اتّصال مع “المفكرة” إنّه مع توسّع العدوان وبدء موجة النزوح الكبيرة، مرّ على السوبرماركت واشترى المعلّبات ووزّعها على النازحين في الشوارع وبعض مراكز النزوح. بعدها انتشر الخبر “بنص ساعة تحوّل المكتب لمركز إغاثة” وبدأت تردني اتصالات منهم من يريد مساعدة ومنهم من يريد التبرع. يضيف أديب أنّه تلقّى اتصالات من أصدقاء ومعارف له ما زالوا صامدين في القرى وهؤلاء لديهم احتياجات كثيرة، فأرسل أدوية من بيروت إلى قرية عرب صاليم، كذلك أرسل بعض المعلّبات إلى مركز الدفاع المدني في صور، وأوصل معدّات دفن لإسعاف قرية عرب صاليم ومنها “أكفان وأكياس جثث وغيرها”.
كذلك يقوم بتوصيل حصص غذائية وقوارير غاز إلى العائلات التي ما زالت في الضاحية الجنوبية وليس لديها وسيلة نقل. ويحاول أديب تأمين بعض المستلزمات للعائلات النازحة كلّ بحسب حاجاته، “العالم ضهرت بالثياب لي لابسينهم، وصلوا ما معهم حتى غيارات، في ناس ما معهم ثياب داخلية، في نسوان محجبّات بدهن إشاربات، النواقص كبيرة عم نحاول نأمّن كلّ عيلة شو ناقصها على قدر إمكانياتنا”.
الحلّاق رضا مروّة أعاد البسمة بمقصّ وفرشاة
اندفاع الجيل الجديد لمساعدة الأهالي النازحين يعكسها الشاب رضا مروّة (24 عامًا) والنازح من بلدة الزرارية. كان رضا حلّاقًا في القرية، حين بدأت الغارات تتكثّف جنوبًا، وضّب أغراضه الأساسية على عجل وحرص على إحضار عدة الحلاقة. نزح إلى الجناح وهناك لاحظ العديد من الأطفال النازحين ومنهم من يحتاجون إلى حلاقة شعر. وحين اتّصل به صديقه، وهو متطوّع في إحدى الجمعيات، يسأله إن كان يريد الحضور إلى مركز إيواء لحلاقة شعر الأطفال، وافق على الفور. “بلّشنا بالمدرسة حلقت لـ 300 شخص بنهار واحد. كنت كثيير مبسوط إنّه عم ساعد ولو بشي بسيط”. يقول رضا إنّ الحلاقة في أماكن النزوح ليست ترفًا بل ضرورة، ففي الأماكن المكتظة من السهل انتشار القمل. وعلى الرغم من أنّ مبادرته بسيطة، إلّا أنّه تمكّن من زرع ابتسامة على وجوه الأطفال الذين راحوا يطلبون منه تسريحات وموديلات فرحوا بها كثيرًا. “حاولت قد ما بقدر بطريقتي ازرع الفرحة واعمل لكل واحد شو بدو”. ويضيف أنّه اليوم يسعى إلى جمع عدد من زملائه ورفاقه الحلّاقين للانتقال إلى مراكز إيواء أخرى، لكنه يحتاج إلى المال لشراء عدة حلاقة إضافية: “اليوم العدّة ما بتكفي، كمان بطاريّات الماكينات بتفضى، بدنا نجيب كذا ماكينة حتى نحلق لأكبر عدد ممكن بس ما معنا مصاري”.
مبادرة لتأمين حاجيات النساء
غالبًا ما تسقط حاجيّات النساء من بينها الفوط الصحّية من سلّم أولويات مستلزمات النازحين في الأزمات والحروب، من هنا تأتي مبادرة “جايتنا” للاهتمام بتوفير الفوط الصحي. تقول فانيسا زمّار، إحدى مؤسسات المبادرة، في اتصال مع “المفكرة” إنّ المبادرة بدأت مع بداية الأزمات في لبنان في العام 2021، لتوفير الفوط الصحّية للنساء ونشر التوعية حول أهمّية وجود المنتج ضمن لائحة الأولويّات في الأزمات. وفي ظلّ العدوان الإسرائيلي لاحظت أنّ هذا المنتج لم يُعط الأولوية في المساعدات. “المشكلة، في كثير ناس ما فكروا إنّه لازم ناخذ الدورة الشهرية وتوفير الفوط الصحية بعين الاعتبار. منشوف باللائحة في حليب، حفاضات، أكل، شرب، وغيره بس ما في فوط صحية”. تضيف أنّهم إلى اليوم تمكّنوا من توزيع 3004 أكياس من الفوط الصحية في أكثر من 30 مركز إيواء.
وترجّح فانيسّا أنّ عدم إدراج الفوط الصحية ضمن المساعدات يأتي انطلاقًا من فكرة “العيب”: “يمكن في نساء بتستحي تاخذ أو حتى العاملين في الإغاثة بيستحوا يحطوا بالصندوقة”.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.