يشكّل التقرير السنوي لرئيس مجلس شورى الدولة في لبنان وثيقة دورية هامّة تُطلعنا عن كثب على أعمال المجلس المذكور ووضعية القضاء الإداري في لبنان عامة. فوفق نظام مجلس شورى الدولة، تجتمع الهيئة العامّة لهذا المجلس المؤلّفة من جميع أعضائه مرّة كل سنة وذلك في شهر تشرين الأول بناءً على دعوة رئيسه الذي يعرض على البحث تقريراً يتضمن أعمال مجلس شورى الدولة خلال السنة السابقة والإشارة إلى الإصلاحات التشريعية والنظامية والإدارية التي يراها موافقة للمصلحة العامة. ثم تُرفع مقررات الهيئة العامة بواسطة رئيس المجلس إلى وزير العدل.
وإصدار تقرير مماثل لا يقتصر على جهة القضاء الإداري في لبنان. فالمادة 29 من قانون القضاء العدلي اللبناني، تفرض الأمر نفسه على الرئيس الأول لمحكمة التمييز الذي عليه في مطلع كل سنة قضائية أن يضع تقريراً سنوياً عن أوضاع المحاكم العدلية في السنة المنصرمة وأعمالها، ويعرضه على مجلس القضاء الأعلى لمناقشته وإقراره ثم يرفعه إلى وزير العدل. الا أنه، ما عدا ما نص عليه مرسوم تنظيم أمانة سر مجلس القضاء الأعلى (2014) الذي أولاها صلاحية تنظيم مشروع التقرير السنوي المشار إليه، يُغيّب أي حديث عن تقرير مماثل.
وإذا كان من الواضح أن النصوص المتعلّقة بديوان المحاسبة هي وحدها التي فرضت نشر تقريره السنوي في الجريدة الرسمية، يُسجّل بالمقابل لمجلس شورى الدولة التزامه بإصدار تقريره السنوي في الموعد المحدد قانوناً وإن بقي غير معلن.
وفي سبيل تشجيع ثقافة الاطلاع على مثل هذه التقارير، والتعليق عليها، وبعد أن أُتيح لنا الاستحصال على التقرير السنوي لرئيس مجلس شورى الدولة للسنة القضائية 2013-2014، وجدنا أنه لا بد من التمحيص في هذا التقرير وسبر أغواره وصولاً إلى تقييم ما ورد فيه. هذا ما استطاع الحقوقي نجيب فرحات إنجازه من زوايا عدة. وما يزيد من أهمية هذا العمل هو أن عمل مجلس شورى الدولة (القضاء الإداري) يبقى عموماً غير معروف، رغم دوره الأساسي في توجيه مؤسسات الدولة ومساءلتها. ومن شأن هذا الدور أن يجعله حامي المواطن في مواجهة تعسف السلطة.
ننشر هنا الحلقة الثانية من التعليق بعدما كنا نشرنا سابقا الحلقة الأولى منه (المحرر).
مكتب مجلس شورى الدولة
إن مكتب مجلس شورى الدولة بحسب المادة 19 من نظام المجلس هو الساهر على حسن سير القضاء الإداري وعلى هيبته واستقلاله وحسن سير العمل لديه ويمارس في كل ما لا يتعارض مع نظام المجلس الصلاحيات ذاتها التي يمارسها مجلس القضاء الأعلى تجاه القضاء العدلي، ويتألف المكتب المذكور من رئيس مجلس شورى الدولة رئيساً ومفوض الحكومة لدى المجلس نائباً للرئيس ورئيس هيئة التفتيش القضائي ورؤساء الغرف لدى المجلس وثلاثة رؤساء محاكم إدارية الأعلى درجة أعضاء. وحيث إن المحاكم الإدارية لم تنشأ ولم تباشر أعمالها حتى تاريخه، فإن الأعضاء الثلاثة من رؤساء محاكمها لا يزالون غائبين عن تشكيل المكتب، وهو ما لم يشر إليه التقرير.
قضاة مجلس شورى الدولة
بحسب الجداول الملحقة بنظام مجلس شورى الدولة بعد تعديلها بالقانون رقم 227/2000، يبلغ عدد قضاة ملاك القضاء الإداري في لبنان 99 قاضياً موزعين بين 73 قاضياً لمجلس شورى الدولة و26 قاضياً للمحاكم الإدارية التي لم تنشأ ولم تباشر عملها حتى تاريخه.
يورد التقرير أن العدد الفعلي لقضاة المجلس هو حالياً 47 قاضياً، ما يعني أن ملاك المجلس لا يزال ينقصه 26 قاضياً، فضلاً عن شغور ملاك المحاكم الإدارية بأكمله والبالغ 26 قاضياً، ما يجعل حجم الشغور في ملاك القضاء الإداري ككل بالغاً 52 قاضياً. وما يزيد من هذا الشغور حدة هو انتداب عدد من القضاة للعمل في الإدارات العامة. فقد ذكّر التقرير بانتداب المستشار الدكتور سهيل بوجي كمدير عام لرئاسة الحكومة – أمين عام لمجلس الوزراء، فيما لا يشير إطلاقاً إلى تجاوز انتداب القاضي المذكور لمدة السنوات المحددة بمقتضى المادة 16 من نظام المجلس والسند القانوني لهذا التجاوز. هذا وأشار التقرير إلى انتداب المستشارة فاطمة الصايغ للقيام بمهام وظيفة رئيس مجلس الخدمة المدنية وانتداب المستشار الياس شبيب للقيام بوظيفة محافظ بيروت وبانتداب ثلاثة قضاة من المجلس للقيام بأعمال قانونية في هيئة القضايا لدى وزارة العدل. كما أشار التقرير إلى تكليف عدد من القضاة للقيام بمؤازرة بعض الإدارات العامة والوزارات بأعمال ودراسات قانونية وفق أحكام المادة 15 من نظام المجلس، من دون أن يذكر أي معايير لهذه التعيينات على نحو يمنع المحسوبية ويضمن المساواة بين القضاة ولا يؤثر في إنتاجية المجلس المنقوص الملاك أصلاً.
وينوّه التقرير إلى عدم مباشرة المحاكم الإدارية لعملها (رغم انقضاء 15 سنة منذ صدور القانون)، من دون أن يتحدث التقرير عن أية إجراءات في سبيل مباشرة المحاكم الإدارية لعملها. إنما يتحدث فقط عن وجود دورة تضم ستّة قضاة متدرجين لدى معهد الدروس القضائية، مشيراً إلى المنهجية التي اعتمدها مكتب المجلس والآيلة إلى تفعيل دور معهد الدروس القضائية –قسم القانون العام – في إمداد المجلس بالقضاة. ويلحظ أن المجلس أطلق مؤخراً مباراة لإلحاق عشرة قضاة متدرجين جدد.
ورغم وجود ضرورة ماسة لاعتماد خطّة عاجلة لسد النقص في ملاك المجلس لا بل في ملاك القضاء الإداري ككل، وهو شرط لتمكين المحاكم الإدارية من القيام بعملها، لا نجد في التقرير أي خطة أو مجرد استعجال في هذا الخصوص.
بالمقابل، نعجب أمام هذا النقص في الملاك وما يستتبعه من عجز في إنشاء المحاكم الإدارية، إزاء استعجال المجلس إقرار مشروع قانون بزيادة عدد غرف المجلس والذي أشار إليه التقرير في باب الاقتراحات[1].
موظفو مجلس شورى الدولة
نلاحظ من المقارنة بين التقرير السنوي موضوع تقييمنا والتقرير السنوي للسنة التي سبقته أي 2012-2013، انخفاض نسبة الشغور في ملاك موظفي المجلس من 48% إلى 37%، ما يدل على رفد موظفي المجلس بالموظفين ويوجب الاستمرار بهذا النهج.
ومن ناحية أخرى، تغيب عن التقرير أي إشارة إلى موظفي ملاك المحاكم الإدارية المحدد بالجدول الرقم 4 الملحق بنظام المجلس.
وثمة ضرورة للعمل على ملء هذا الملاك، خاصة بعدما تم إجراء الدورة الأخيرة لتعيين مساعدين قضائيين لدى وزارة العدل والتي نجح فيها عدد كبير من المرشحين الذين يتم إلحاقهم تباعاً بالمحاكم ودوائر وزارة العدل.
وسائل العمل لدى مجلس شورى الدولة
إن هذه الوسائل بحسب التقرير أربع وهي مجلة القضاء الإداري في لبنان ومكتبة مجلس شورى الدولة وتجهيزات المجلس وأعمال المكننة لديه.
فبالنسبة للمجلة أكّد التقرير متابعة الاهتمام بهذه المجلّة من العام القضائي 2000-2001 وتخصيص موازنة لها، مكرراً دعوته إلى القضاة لمزيد من المشاركة في كتابة الدراسات والمقالات القانونية لنشرها في الباب المخصص لهذه الغاية في المجلة لتكون منبراً فقهياً علمياً مميزاً في القانون الإداري. وإننا إذ نشدد على ما تضمنه التقرير لهذه الناحية، نأمل لو تتاح الفرصة لغير القضاة من أساتذة جامعيين ومحامين وغيرهم… للكتابة في هذه المجلة ونشر مقالاتهم ودراساتهم فيها لما في ذلك من غنى على الصعيد العلمي.
كما يقتضي التنويه بالسعي الذي أشار إليه التقرير لتحقيق التقارب الزمني بين سنة إصدار العدد والسنة القضائية التي صدرت فيها القرارات.
وبالنسبة للمكتبة، لا يسعنا إلا تأييد خطوات المجلس في التحديث الدائم لهذه المكتبة وتوسيعها، مع تمنينا أن تصبح تلك المكتبة متاحة إلكترونياً وأن يتاح في مطلق الأحوال للطلاب وللمهتمين بالشأن القانوني الوصول إليها.
أما بالنسبة لتجهيزات المجلس وأعمال المكننة لديه، فإننا نرى فائدة من تكرار تجربة “الدليل إلى مجلس شورى الدولة” من خلال أدلة أخرى في الموضوعات ذات الأهمية في القانون الإداري، علماً أن التقرير قد أشار إلى أن هذا الدليل يلقى رواجاً على صعيد المواطنين وفي الأوساط الطلابية والجامعية حيث يوزع مجاناً على الراغبين. هذا فضلاً عن تمنينا بإجراء دورات وندوات من قبل قضاة المجلس للمهتمين والراغبين بغية التعريف بالقانون الإداري وموضوعاته ومهام القضاء الإداري ودوره وأهميته، وبنشر التقرير السنوي للمجلس وتأمين وصوله إلى كل راغب بالاطلاع عليه. أضف إلى وجوب تحديث البوابة الإلكترونية للمجلس وفق ما أورده التقرير.
يبقى أخيراً أن نشير إلى أن التقرير لم يتناول ولم يشر إطلاقاً إلى الإجراءات التأديبية أو إلى المجلس التأديبي لدى المجلس المنصوص عنه في المادة 24 من نظامه.
نشر هذا المقال في العدد |27| من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه: