في أول تطبيق للدستور الجديد، استئناف تونس تتوسع في تعريف الحق بالمحاكمة العادلة


2014-06-03    |   

في أول تطبيق للدستور الجديد، استئناف تونس تتوسع في تعريف الحق بالمحاكمة العادلة

في 4-4-2014، أصدرت محكمة الاستئناف بتونس[1] حكماً استندت فيه صراحة إلى أحكام الدستور الجديد، في بادرة هي الأولى من نوعها في هذا الخصوص. فقد استندت المحكمة الى مقتضيات الفصل 108 من الدستور والمتعلق بالمحاكمة العادلة، لتقر للمستأنفين حقهم في الرجوع في الأذون الصادرة عن القاضي المراقب لأعمال الائتمان. فيقتضي وفق المحكمة “الاعتراف لكل ذي صفة ومصلحة بالحق في مناقشة ما يصدر من قرارات قضائية قد تمس بحقوقه، وإنكار هذا الحق هو إنكار لحق التقاضي، بما يؤدي حتماً إلى  الإخلال بالمساواة بين المستفيدين من القرار والمتظلم منه”. وقد فسخت بذلك حكم محكمة البداية التي رأت أنه لا يمكن طلب الرجوع في الأذون التي يتخذها بطلب من أحد الأطراف القاضي المراقب لأعمال الائتمان (بمقتضى الفصل 14 من القانون عدد 71 المؤرخ في 11-11-1997 المتعلق بالموظفين والمؤتمنين العدليين وأمناء الفلسة والمتصرفين القضائيين).

هذا التمشي الذي اتخذه قاضي الاستئناف استرعى انتباهنا من جوانب ثلاثة:

الجانب الأول: أول تطبيق قضائي لأحكام الدستور الجديد
وهذا ما يتحصل من استناد القاضي صراحة الى أحكام الفصل 108 من الدستور لملء الفراغ التشريعي. وتطبيق الدستور حصل على هذا الوجه من منطلق أنه أعلى نص قانوني في  المنظومة القانونية. وهذا التكريس الذي قد يكون بديهياً في الظروف العادية ليس كذلك في الظروف الحالية في تونس، ذلك أن الدستور الجديد جاء بمبادئ وأحكام هامة جداً وفي جانب كبير منها متطورة جداً مقارنة بالقوانين السارية (كالمجلة الجزائية ومجلة الإجراءات الجزائية) والتي تعكس بوضوح التوجه الديكتاتوري السابق لثورة 2011. وبحسب التمشي الذي اعتمدته استئناف تونس، يكون القاضي ملزماً بتطبيق النص الأسمى أي الدستور دونما انتظار تحديث القوانين على ضوئه.

وبإصدارها هذا الحكم المتعلق بالمحاكمة العادلة، تكون المحكمة قد كرّست دورها في حماية الحقوق والحريات وفقاً للفصلين 49 و102 من الدستور. فقد نص الفصل الأول على أنه “تتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك”، فيما نص الفصل الثاني على أن “القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل وعلوية الدستور وسيادة القانون وحماية الحقوق والحريات”.

الجانب الثاني: القراءة الموسعة لمفهوم المحاكمة العادلة:
من خلال حكمه، عمد القاضي إلى قراءة موسعة لمفهوم الحق بالمحاكمة العادلة ليجعل منه مرادفاً لحق التقاضي، ما دام “إنكار هذا الحق إنكاراً لحق التقاضي”. وهو بذلك سعى إلى جعل الحق في محاكمة عادلة أساس الحق في التقاضي وبيّن صفته المركبة وحدد أهدافه وتوسع في مجال تطبيقه. فللمتقاضي حق في “مناقشة ما يصدر من قرارات قضائية قد تمس بحقوقه”. وهذا الحق في المواجهة كما أشار إليه القرار يوجب ضمان إجراءات تكفله، حتى ولو لم ينص القانون عليها صراحة.

ومن حيث مجال انطباق الحق في المحاكمة العادلة، نلاحظ أن محكمة استئناف تونس قد جعلت منه مبدأً أساسياً يسري على كل مجالات التقاضي من جزائي ومدني وغيرهما من المجالات. وبذلك، يعطي القاضي  المحاكمة العادلة بعدها ومعناها الشامل ويحررها من ربطها التقليدي بالمحاكمات الجزائية.

الجانب الثالث: إمكانية الرقابة الدستورية:
إن القاضي بتطبيقه أحكام الدستور مباشرة رغم وجود نصوص تشريعية متعلقة بموضوع النزاع، فيه إيحاء بإمكانية أن يتعهد القاضي برقابة دستورية النصوص القانونية، على الرغم من أن الدستور قد خص المحكمة الدستورية دون غيرها بمراقبة دستورية القوانين.
وهذا الاعتبار يمكن أن نستخلصه في الفترة الانتقالية التي نمر بها من صلاحيات الهيئة الوقتية المنشأة، والتي ينحصر مجال عملها في مشاريع القوانين التي يحيلها عليها رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو ثلاثون نائباً من دون أن يكون لها النظر في مشاريع القوانين من تلقاء نفسها أو في القوانين السارية. فعلى ضوء حصر دورها في هذا الوجه، وفي انتظار إحداث المحكمة الدستورية، سيكون للمحاكم صلاحية أن تنظر في مدى تطابق النصوص القانونية السارية مع أحكام الدستور الجديد ضماناً لـ”علوية الدستور”.

نشر هذا المقال في العدد | 17 |أيار/مايو/  2014 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

التضامن المهني، عامل توحيد في زمن الإنقسام؟ 


[1]الدائرة الحادية والثلاثون الناظرة في القضايا الاستعجالية.
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، محاكم مدنية ، قرارات قضائية ، مجلة لبنان ، تونس ، محاكمة عادلة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني