فصل جديد من معركة ابطال منع التوظيف: هيئة القضايا تبرره بالظروف الشعبية الضاغطة


2013-06-07    |   

فصل جديد من معركة ابطال منع التوظيف: هيئة القضايا تبرره بالظروف الشعبية الضاغطة

في 22 أيار 2013، قدمت هيئة القضايا الى مجلس شورى الدولة لائحة جوابية ردا على طلب وقف تنفيذ وابطال قرار الحكومة بوقف التوظيف مؤقتا في الادارات العامة لحين إعادة درس هيكلية الادارة والذي كان صدر في 21 آذار 2013 ضمن سلة القرارات المرتبطة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب. وكان نجيب فرحات قد تقدم بصفته مواطنا لبنانيا وبواسطة محاميه حسين يحيى، بهذه المراجعة وذلك بتاريخ 7 أيار 2013.  
وبعدما أبدت هيئة القضايا بأن لمجلس الوزراء وضع السياسة العامة للدولة والاشراف على أعمال كل أجهزتها وتعيين موظفيها وقبول استقالاتهم، بررت اتخاذه لهذا القرار "بالظروف الضاغطة شعبيا التي قد تؤثر سلبا على الوضع الاقتصادي" و"بتفادي التضخم وارتفاع الدين العام والتسبب بكوارث اجتماعية"، وبكون الحكومة تتمتع "بسلطة تقدير عنصر الملاءمة ليوازن بين واجبات الادارات والمؤسسات المالية والحقوق العامة للموظفين". وبذلك، بدت هيئة القضايا وكأنها تعكس جوا حكوميا متذمرا من حراك هيئة التنسيق النقابية ورافضا لإقرار سلسلة الرتب والرواتب التي من شأنها أن تؤدي الى كوارث اجتماعية. وقد تبنت بذلك بالكامل رأي ما يسمى بالهيئات الاقتصادية والوزراء الداعمين لها، من دون إيلاء أي اهتمام للدفوع المقابلة التي أدلت بها هيئة التنسيق لجهة أن ما يقود لبنان الى الكوارث الاجتماعية، ليس سلسلة الرتب والرواتب، انما استمرار الهدر والفساد والاعتداء على الملك العام وسوء السياسة الضريبية المنحازة للطبقات الأكثر يسرا. بل أبعد من ذلك، من المفجع أن تربط الحكومة قرارها بإعادة درس هيكلية الإدارة بالضغوط الشعبية التي أدت الى إقرار سلسلة الرتب والرواتب، وكأنها تعترف بأن قيامها بموجبها بتحسين الإدارة لا يتم الا عند الضرورة، وأنه ليس مرتبطا بتحسين مدى فعاليتها أو مستواها الفني، انما فقط بما يرتبه التوظيف من أعباء مالية.
لا بل أن الهيئة تجاهلت في ردها ما سبق للمفكرة أن أشارت اليه، وهو أن منع التوظيف (من خلال مباراة) لا يمنع التعاقد (من خارج أي مباراة) بل أنه يؤدي حكما اليه ويسهله تماما كما حصل في العقود السابقة مما أدى الى تفاقم الزبائنية والمحسوبية في القطاع العام وفي الوقت نفسه الى تردي المستوى الفني للإدارة العامة. وعليه، يبقى التساؤل مشروعا فيما إذا كان وقف التوظيف هو قبل كل شيء ردة فعل من أعيان الطبقة الحاكمة إزاء تمرد الموظفين، وتحديدا الموظفين المحسوبين عليهم والذين طالما تعاملت معهم كأزلام ولاؤهم مضمون. فأليس من الطبيعي أن يتضعضع هؤلاء إزاء اعلان "أزلامهم" المفترضين التمرد ضدهم، وهو التمرد الأول من نوعه من حيث قوته ومداه؟ وأليس من الطبيعي اذ ذاك أن يستشعروا بأن إعطاء أي ضمانة وظيفية لأي كان، مهما كان مقربا منهم، من شأنه أن يستخدم عاجلا أم آجلا كأداة ضدهم وأن إبقاء سطوتهم على المجتمع وعلى القطاع العام تحديدا انما تستوجب بالضرورة إعادة تفعيل آليات الزبائنية ومنها استبدال التوظيف بالتعاقد. بهذا المعنى، وفقط بهذا المعنى، نفهم ما ورد في لائحة هيئة القضايا لجهة الربط بين القرار والظروف الضاغطة الشعبية، هذه الظروف التي تكرهها الهيئة بدليل أن من شأنها أن تؤدي الى كوارث اجتماعية.   
وفي الاتجاه نفسه، وفيما ردت الهيئة على غالبية الحجج القانونية التي تضمنتها المراجعة، فإنها تجنبت الإجابة عن الحجة المتصلة باستمرارية المرفق العام، وكأنها حجة لا تستأهل أصلا الرد. وهذا التجاهل انما يعكس ببلاغة شديدة موقف الحكومة من مفهوم الوظائف العامة، والتي تصبح أكثر ارتباطا بمصالح معينة مما هي بالمصلحة العامة والمرفق العام.
أما زبدة عمل الهيئة، فقد تمثلت في حيثيتها المقتضبة بأن لا علاقة بين قرار وقف التوظيف بالحريات العامة والحقوق العامة المصانة بالدستور، بحجة أن القرار اقتصر على تعليق التوظيف لحين دراسة هيكلية الإدارة العامة. وبالواقع، هذه الحجة انما ترتد ضد الهيئة وتؤدي الى نسف دفاعها بالكامل: فأن تنفي تعارض هذا القرار مع الدستور لعلة أنه مؤقت، انما يعني بلغة التأويل العكسي A CONTRARIO، بأن القرار يكون بالضرورة باطلا إذا لم يكن كذلك، أي إذا لم يربط بطارئ معين أو بزمن محدد. وهي بالطبع حال القرار الحاضر، طالما أن الحكومة تركت لذاتها وضع سياستها العامة في مجال التوظيف متى تشاء، أي الى ما شاء الله من دون أن تربط نفسها بأي سقف زمني.
بقي أن نشكر صاحب هذه المبادرة. فبمبادرة فردية منه، فتح فرحات مع محاميه معركة مواطنية قد تكون حاليا احدى أجمل وأهم المعارك.
 
للاطلاع على جواب هيئة القضايا

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، لبنان ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني