“
عقد مجلس المستشارين يوم الأربعاء 18/07/2018 جلسة عمومية خصصت لمناقشة تقرير لجنة تقصي الحقائق[1] التي شكلتها الغرفة الثانية للبرلمان المغربي في وقت سابق للبحث في “الترخيص باستيراد النفايات”، وهي القضية التي شغلت الرأي العام الوطني منذ أشهر.
جذور أزمة النفايات
تعود فصول القضية الى بداية صيف 2016 حينما وصلت سفينة إيطالية محملة بحوالي 2500 طن من النفايات إلى ميناء الجرف الأصفر بمدينة الجديدة.
وكان المركز الجهوي للبيئة والتنمية المستدامة وهو جمعية بيئية محلية أول من يدق ناقوس الخطر حول خطورة هذه الشحنة، قبل أن تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي وينتقل حراك المجتمع المدني إلى الشارع. حيث تظاهر المغاربة ضد استيراد بلدهم للنفايات الإيطالية، وأعربت العديد من منظمات البيئة والمجتمع المدني عن رفضها لما أسمته تحويل البلاد إلى مكب لنفايات أوروبا الخطيرة والضارة، كما أعربت عن قلقها من “التوكسيد” الناتج عن النفايات واحتمالات ظهور الأمراض الخطيرة والمزمنة والتي تسبب تشوهات خلقية وعاهات مستديمة.
الحكومة تدخل على الخط وتوضح
بعد الضجة الكبيرة التي أثارتها قضية “نفايات ايطاليا”، خرجت الحكومة المغربية عن صمتها، وحاولت وزيرة البيئة حكيمة الحيطي التخفيف من المخاوف حول طبيعة هذه الشحنة بالتأكيد على خضوع هذه النفايات لفحص دقيق عند الميناء في مرحلة أولى، وفحص ثان بعد دخولها إلى المصانع لإنتاج الطاقة، مؤكدة أنها مطابقة للمعايير الدولية، وبأنه “إذا ثبت أن نتائج تحاليل العينات لا تراعي المعايير الأوروبية والدولية لا يسمح بحرقها، ويتم إرجاع الشحنة فورا إلى دولة المصدر على نفقة الشركة المستوردة”[2].
تطمينات رسمية وإعلان الحكومة عن فتح تحقيق
رغم كل التطمينات الرسمية وجدت الحكومة صعوبة كبيرة في إقناع الرأي العام المحلي بسلامة صفقة النفايات الإيطالية ومطابقتها لقوانين السلامة الدولية لـ «معاهدة بازل»[3]، خاصة وأن ترخيص استيراد نفايات خارجية تزامن مع قرار حكومي آخر يقضي بشكل صارم بحظر استخدام الأكياس البلاستيكية تحت طائلة العقوبات المالية والسجنية، في مفارقة غريبة.
وتحت ضغط المظاهرات وانتقادات منظمات البيئة والمجتمع المدني التي وصل صداها إلى قبة البرلمان، أعلنت الحكومة عن فتح تحقيق في القضية وأمرت بوقف استيراد كل أنواع النفايات إلى حين انتهائه.
البرلمان يشكل لجنة تقصي الحقائق
مع تزايد الانتقادات الموجهة إلى الحكومة، دخل البرلمان على الخط، وأعلن مجلس المستشارين عن تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول ترخيص الحكومة باستيراد النفايات خلال كانون الأول من عام 2017.
وبعد زهاء ثمانية أشهر على تشكيلها، أعلنت لجنة تقصي الحقائق عن مضمون تقريرها، والذي كشف “ارتباك وتدبدب الحكومة في التعاطي مع الشحنة المستوردة من إيطاليا المتعلقة ب RDF حيث أنها أوقفت استيراد جميع أنواع النفايات في مرحلة أولى وأكدت على أن RDF نفايات غير خطرة وتستعمل كوقود بديل مما أثر سلبا على تعاطي الرأي العام الوطني“.
واعتبرت اللجنة في تقريرها على أن الحكومة قامت بـ “الترخيص باستيراد الشحنة الإيطالية التي أثارت الضجة، ولم يتم الترخيص إلى حدود اليوم بحرقها، مما جعل الشحنة معلقة بمنطقة التخزين غير المؤهلة لحماية الفرشة المائية والهواء ».
وخلصت لجنة تقصي الحقائق بخصوص النفايات الإيطالية إلى العديد من التوصيات المستعجلة:
– دعوة الحكومة إلى ضرورة التنسيق في كل عمليات تصدير واستيراد نفايات غير الخطرة مع وزارة البيئة.
– ضرورة اتخاذ الحكومة لقرار عاجل وواضح بخصوص الشحنة الإيطالية المحجوزة بمنطقة التخزين.
– دعم المختبر الوطني للدراسات ورصد التلوث، بموارد بشرية كفؤة وذات الاختصاص في المجال البيئي، ومده بإمكانيات لوجيستيكية للقيام بمهامه.
– تمكين الشرطة البيئية من الوسائل البشرية، والإمكانيات اللوجيستيكية، ومن الحماية اللازمة التي تساهم في قيامها بمهامها بالنجاعة المطلوبة.
– ضرورة تنظيم القطاع غير المهيكل في مجال تثمين النفايات (فرز وتثمين النفايات المنزلية، العجلات، الزيوت المحروقة، البطاريات، إلخ…)، من خلال إصدار إطار قانوني ينظم هذه الفئة الاجتماعية العريضة التي يشكل التثمين موردا أساسيا من موارد رزقها.
– تمكين الجماعات الترابية من الإمكانيات الضرورية لمعالجة وتثمين وتدوير نفاياتها.
مقالات ذات صلة:
بدايات قضية النفايات السامة في لبنان (1987 – 1989)
[1]-ظهير رقم 1.14.125 صادر بتاريخ 31/07/2014، يتعلق بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 085.13 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6282 بتاريخ 14/08/2014، ص 6375.
[3]-اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها، وعادة ما تعرف اختصارا باسم اتفاقية بازل، وهي معاهدة دولية تهدف للحد من تحركات النفايات الخطرة بين الدول، وعلى وجه التحديد لمنع نقل النفايات الخطرة من البلدان المتقدمة إلى البلدان الأقل نموا، تمت المصادقة عليها بتاريخ 22/03/1989
“